تقرير: الطفل أساس الأمة.. ومخاطر تدميره
عقول أطفالنا في مهب الريح
تحت هذا العنوان يتساءل الكاتب عادل صديق: ماذا أعددنا للطفل العربي المسلم أمام الانفتاح الإعلامي المتسارع والتواجد الكوني في كل بيت يفرض ـ طوعاً أو كرهاً ـ ثقافات تسعى في كثير من مفرداتها إلى تغيير الإنسان وثوابته؟.
ثم يقول: نعم نؤمن بالتغيير فتلك سُنّة الله، ولكن تظل الثوابت في المعتقد والأخلاق والتصورات، نخالف الغرب في هذا، فهو لا يؤمن بالثوابت إلاّ إذا كانت للمصالح القومية المادية ووفق مقتضيات النفع بما يؤدي إلى جلب الكسب ودفع الخسائر، ونؤكد أنه لا توجد مشكلة في أخذ ما لدى الآخر إن كان في المعطيات الحضارية بخلاف من يرفض كل ذلك أو يأخذ الغثّ بالتقليد الأعمى، وقد سبق للمسلمين الأوائل أن أخذوا أفضل ما عند الأمم من حضارة وثقافة، بل قادت الأمة الإسلامية الأمم المهتدية بعد أن انصهرت في الأمة الواحدة الدولة الإسلامية ولا تزال عطاءاتُها ماثلة في تراثنا العملاق.
وبعد أن تساءل: هل ما يقدّم من خلال الإعلام الآن يصلح للطفل؟ أجاب: للأسف يؤكد المتخصصون أنه ليس ملائماً لكل طفل وفي كل وقت قاله الغربيون والشرقيون على حد سواء، فما يقدّم قد يعجب الغرب والشرق وقد يلائم الغرب دون الشرق، وقد يرفضه الجميع.
آلة الإعلام توجّه وتؤثر وبقيم خاصة تفرضها بالإبهار والتشويق لإيجاد شعوب لها هوية جديدة ملائمة لقبول ما يقدم أو موالية "للقطب الأوحد" بعدما سيطرت عليها ثقافات وافدة وكانت نقطة البداية هي الطفل.
ماذا أعددنا لأطفالنا؟
ويتساءل الدكتور جميل مغربي - الكاتب السعودي - ماذا أعددنا لهم؟، يقول: "نمارس عبر شاشات التلفاز كل العبارات الإنشائية التي تنمّ على سلوكيات مثالية ومفاهيم راقية"، بينما في واقع الحال لا نجد تصوراً لما نقدمه لأطفالنا بحسب ما يقول الدكتور جميل: "لن نحظى بالإجابة المطلوبة، وإذا حظيت فستكون مجرد أصوات لغوية كما يقول علماء اللغة إلا أنها مفرغة من أي مضامين". ويضيف متسائلاً: "ما الذي أعددناه لهؤلاء الأطفال في الغد حينما نعوّل عليهم في تحمل المسؤولية؟".
لا شك أن الجانب التربوي يشكل أهمية قصوى، ولا نجد من يهمل هذا الجانب ولو على المستوى اللفظي، كما قال جميل، ولكن لا يزال القول قولاً إن لم ينتقل إلى حيز الفعل.
ويشعر الكثيرون بالخطر فيما يقدم لأطفالنا، "فالرغيف الثقافي" الذي يقدم يحدد الهوية التي يراد للطفل أن تصبغ حياته، ما يقدم للآخر ربما يلائم طفل هذا الآخر وثوابته، ولكن لا يلائم طفلنا ، نعم يبحث الكثيرون عن وسيلة فعالة ليعمد الطفل إلى السكون، ولا يحدث الهرج والصياح، الطفل صار مشكلة كل بيت ونحاول ـ والذي يشذ قليل ـ أن نجعل الطفل في البيت هادئاً، ولكن لا ندري أنا نستنزف الطاقة المركبة في عقله بوسيلة لها ما بعدها، وجدنا العديد من العناوين الوجلة في صحافتنا، الجميع لا يكتم مخاوفه، العناوين تطالب بثقافة خاصة للطفل، وأن الطفولة ناقصة، ونحن لا نقرأ فكيف يقرأ الطفل؟، ونحن نريد للطفل أن يكون دُمْيَة رهن رغباتنا، وآمالنا، والطفل المسلم جزء من العالم، ولا بد أن يتعلم كيف يتعامل مع الآخر، بل يبحث الكثيرون عن مسرح الطفل الحيّ لا المتخلف الذي يكرر نفسه، ولا يعبر عن قيمة، والعروض الرديئة التي تصيب بالتخلف العقلي حسب بعض التعبيرات.
وجاء في دراسة أمريكية أفزعت القائمين عليها - حول العنف الناتج عن أفلام الكرتون من خلال 4 قنوات تلفزيونية فقط وإذاعتها لـ12 برنامجاً للأطفال أسبوعيّاً - النتيجة الآتية:
• 4 حالات انتحار في هذه البرامج.
• 27 معركة بالأيدي وأضعافها بأسلحة خرافية.
• 22 عملية اغتيال.
• 21 مشهد نزاع.
هذا ما تقدمه أفلام الكارتون لأبناء صانعيها، فما بالك بالمستهدفين منها.
وقد أشارت الدراسة إلى خطورة بثّ هذا الكَمّ من العنف على سلوك الأطفال، كما حذرت بشدة من تأثير هذه الأفلام على مستقبل أطفالهم وبالتالي بلادهم.
القرآن الكريم ينمي الذكاء لدى الأطفال
حفظ القرآن الكريم وتدبر معانيه أوسع الأبواب التي تُنمي ذكاء الطفل، وأهم أدوات تنمية الذكاء لدى الأطفال، ذلك أن القرآن الكريم دعوة للتفكر والعقل والتدبر، والابتكار والذكاء.
هذا ما توصلت إليه دراسة حديثة للدكتور إسماعيل عبدالفتاح عبدالكافي أستاذ علم النفس بجامعة حلوان.
وذكرت صحيفة (البيان) الإمارايتة – 12 يونيو 2011م – أن الدراسة تؤكد أن حفظ القرآن الكريم، وإدراك معانيه، ومعرفتها معرفة كاملة، يوصل الصغير إلى مرحلة متقدمة من الذكاء، وبدرجات مرتفعة، وقد اتضح أن غالبية كبار علماء المسلمين وأدبائهم كانوا يحفظون القرآن الكريم منذ الصغر.
وتشير الدراسة إلى أن القران الكريم يدعونا إلى التأمل والتفكر بدءاً من خلق السماوات والأرض، وحتى خلق الإنسان، وما حولنا من أشياء، ليزداد إيماننا، ويمتزج العلم بالعمل.
واستشهد الدكتور إسماعيل عبدالكافي بما رواه البخاري وأبو داود والنسائي لحديث عمرو بن مسلمة قال: قال أبي "وكانوا في المدينة" قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم: جئتكم من عند نبي الله حقاً، قال: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضرتكم الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً، قال عمرو بن مسلمة: فنظروا، فلم يكن أحد أكثر مني قرآناً فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين.
وكان هذا الطفل الذي أَمَّ المسلمين بالمدينة قبل وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إليها يتلقى الركبان، وكلما جاء أحد من مكة ومعه قرآن سمعه منه، فحفظ الكثير من كتاب الله بما آتاه الله من الذكاء وسرعة البديهة، وقوة الحافظة، فاستحق بذلك أن يؤم القوم في الصلاة.
وتوضح الدراسة أن المساجد تؤدي دوراً مهماً في تنمية الذكاء لدى الأطفال، إذ يشمل دور المسجد بث وتدريس وخلق مجموعة من القيم الدينية والأخلاقية والسلوكية للأطفال، مع ربط الطفل بحياته وواقعه الذي يعيش فيه.
وتضيف أن المسجد يمارس تأثيراً كبيراً على الأطفال، وخاصة فيما بعد سن السابعة من عمرهم، إذ يمتد دور المسجد ليشمل تحفيظ القرآن الكريم، مما ينمي التفكير العلمي لدى الطفل، وينشط عقله، وقدراته الذهنية، ويسهم في التنشئة الكاملة له منذ عهد طفولته المبكرة.
وتوضح الدراسة أن الذكاء عملية مكتسبة، وإن كانت لها عوامل وراثية، وهناك وسائل متعددة تسهم في تنمية الذكاء لدى أطفالنا، مثل: الأسرة، والتعليم، والإعلام، والرفاق، ودور العبادة، وهي وسائل متكاملة تسهم في تنشئة الطفل تنشئة متكاملة.
وينتهي الباحث إلى أننا مسؤولون جميعاً عن تنمية ذكاء أطفالنا، وأن علينا ـ كآباء ومعلمين ورجال إعلام وتربية ـ أن نتكاتف من أجل خلق أجيال من الأذكياء، كلٌّ في موقعه، ومن منطلق مسؤولياته.
وقفة مع التربية عند ابن القيم
تحدث الإمام ابن القيم كثيراً حول التعامل مع الطفل، وكيفية تربيته التربية الإسلامية الصحيحة، وفيما يلي بعض ما ذكره.
ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع
هواه وطيش وحدة وجشع فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته، ولا بد يوماً ما، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم؛ وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها.
وكذلك يجب أن يتجنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء، فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر وعز على وليه استنقاذه منه فتغيير العوائد من أصعب الأمور يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية والخروج عن حكم الطبيعة عسر جداً.
وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي، ويعوده البذل والإعطاء، وإذا أراد الولي أن يعطي شيئاً أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير.
ويجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما، فأروح الناس أتعب الناس، وأتعب الناس أروح الناس، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب، قال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم.
ويعوده الانتباه آخر الليل فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق الجوائز فمستقل ومستكثر ومحروم، فمتى اعتاد ذلك صغيراً سهل عليه كبيراً.
ويجنبه فضول الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام، فإن الخسارة في هذه الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته، ويجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب، فإن تمكينه من أسبابها والفسح له فيها يفسده فساداً يعز عليه بعده صلاحه. وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهواته ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.
والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله من مسكر وغيره أو عِشرة من يخشى فساده أو كلامه له أو الأخذ في يده؛ فإن ذلك الهلاك كله، ومتى سهل عليه ذلك فقد استسهل الدياثة ولا يدخل الجنة ديوث، فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب فأكثر، الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون، فكم من والد حرم والده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح حرمهم الانتفاع بأولادهم وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء.
ويجنبه لبس الحرير فإنه مفسد له ومخنث لطبيعته كما يخنثه اللواط وشرب الخمر والسرقة والكذب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم). والصبي وإن لم يكن مكلفاً فوليه مكلف لا يحل له تمكينه من المحرم، فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه، وهذا أصح قولي العلماء، واحتج من لم يره حراماً عليه بأنه غير مكلف فلم يحرم لبسه للحرير كالدابة، وهذا من أفسد القياس فإن الصبي وإن لم يكن مكلفاً فإنه مستعد للتكليف؛ ولهذا لا يمكن من الصلاة بغير وضوء ولا من الصلاة عرياناً ونجساً ولا من شرب الخمر والقمار واللواط.
ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره ما كان مأذوناً فيه شرعاً فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه وفاته ما هو مهيأ له فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعياً فهذه من علامات قبوله وتهيئه للعلم لينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه. وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له مكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين.
وإن رآه بخلاف ذلك وأنه لم يخلق لذلك ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعداً لها قابلاً لها وهي صناعة مباحة نافعة للناس فليمكنه منها هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه فإن ذلك ميسر على كل أحد؛ لتقوم حجة الله على العبد فإن له على عباد الحجة البالغة كما له عليهم النعمة السابغة.
وجوب تأديب الأولاد وتعليمهم والعدل بينهم:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، قال علي رضي الله عنه: "علموهم وأدبوهم"، وقال الحسن: "مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير".
وفي المسند وسنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع]، ففي هذا الحديث ثلاثة آداب: أمرهم بها، وضربهم عليها،: والتفريق بينهم في المضاجع.
وقد روى الحاكم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله).
وفي تاريخ البخاري من رواية بشر بن يوسف عن عامر بن أبي عامر سمع أيوب بن موسى القرشي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن)، قال البخاري: ولم يصح سماع جده من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي معجم الطبراني من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أم يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين).
عن عطاء عن ابن عباس قال: قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمنا ما حق الوالد فما حق الولد، قال: (أن يحسن اسمه ويحسن أدبه)، قال: سفيان الثوري: ينبغي للرجل أن يكره ولده على طلب الحديث، فإنه مسؤول عنه. وقال: إن هذا الحديث عز من أراد به الدنيا وجدها ومن أراد به الآخرة وجدها. وقال عبد الله بن عمر: "أدب ابنك فإنك مسؤول عنه ما ذا أدبته وما ذا علمته وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك".
وذكر البيهقي عن أبي سعيد وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه فإذا بلغ فليزوجه فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثما فإنما إثمه على أبيه).
وقال سعيد بن منصور حدثنا حزم قال: سمعت الحسن وسأله كثير ابن زياد عن قوله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]، فقال: يا أبا سعيد ما هذه القرة الأعين أفي الدنيا أم في الآخرة؟، قال: لا بل والله في الدنيا، قال: وما هي، قال: والله أن يري الله العبد من زوجته من أخيه من حميمه طاعة الله، لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولداً أو والداً أو حميماً أو أخاً مطيعاً لله عز وجل".
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير راع على الناس وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وامرأة الرجل راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
ومن حقوق الأولاد العدل بينهم في العطاء والمنع:
ففي السنن ومسند أحمد وصحيح ابن حبان من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم).
وفي صحيح مسلم: أن امرأة بشير قالت له: انحل ابني غلاماً وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي، قال: له إخوة؟، قال: نعم، قال: أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟، قال: لا، قال: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق). ورواه الإمام أحمد وقال فيه: (لا تشهدني على جور، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم).
وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال رسول الله: (أكل ولدك نحلت مثل هذا؟، فقال: لا، فقال: أرجعه؟). وفي رواية لمسلم فقال: (أفعلت هذا بولدك كلهم؟، قال: لا، قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم. فرجع أبي في تلك الصدقة).
ومن العجب أن يُحمل قوله اعدلوا بين أولادكم على غير الوجوب، وهو أمر مطلق مؤكد ثلاث مرات، وقد أخبر الآمر به أن خلافه جور، وأنه لا يصلح وأنه ليس بحق وما بعد الحق إلا الباطل هذا والعدل واجب في كل حال، فلو كان الأمر به مطلقاً لوجب حمله على الوجوب فكيف وقد اقترن به عشرة أشياء تؤكد وجوبه فتأملها في ألفاظ القصة.
وقد ذكر البيهقي عن أنس: أن رجلاً كان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بني له فقبله وأجلسه في حجره، ثم جاءت بنية فأخذها فأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فما عدلت بينهما، وكان السلف يستحبون أن يعدلوا بين الأولاد في القبلة.
وقال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده فانه كما أن للأب على ابنه حقاً فللابن على أبيه حق. فكما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت: 8]، قال تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
قال علي بن أبي طالب: "علموهم وأدبوهم. وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي} [النساء: 36].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعدلوا بين أولادكم" فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31]. فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: يا أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً.
الخلاصة
ما سبق ذكره من المخاطر هو غيض من فيض وقطرة يسيرة في بحر عظيم هائج متلاطم الأمواج ولا يرى ساحله، ولا حصر لضحاياه.
ويظهر من التهديدات السابق ذكرها أنها كافية لتدمير الطفل أو على الأقل إضعاف تأثيره الإيجابي مستقبلاً..
فالخطر يشمل عقيدته وعقله وتقافته ونفسيته وصحته.. وبالتالي فعملية حمايته تشمل كل تلك الجوانب، كذلك عملية إصلاحه في حال وقوع الخلل.
وإذا بحثنا عن منهج شامل يضمن مهمة حماية الطفل وإصلاحه فلن نجده إلا في الإسلام الذي شرعه الله خالق الطفل، وخالق كل شيء.
ففيه كل ما تحتاجه الأمة والبشرية جمعاء، فهو الأساس الأقوى والأداة الأسلم، وهو الموجه الأفضل الذي يحدد طرق تربية الطفل ليكون مستعداً في بناء أمته ورفع شأنها بين الأمم.
ــــــــ
المصادر
- (تحفة المودود بأحكام المولود)، ابن القيم.
- صحيفة (البيان) الإماراتية.
- موقع (قصة الإسلام).
منقول