بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآهل وصحبه ، أما بعد
فإن الداعي إلى كتابه هذا الموضوع هو أنني رأيت كثيرا من طلبة العلم والدعاة مُترددين بين حكمة الفقهاء وتأنّيهم ، وبين شدة الحُفّاظ وحدتهم ، فتجدهم في بعض المسائل يأخذون بحكمة الفقهاء وتأنِّيهم ، وتجدهم في بعض المسائل يأخذون بشدة الحُفّاظ وحِدّتهم .
واغتروا بِشُهرة بعض الأئمة ، وهم مِن الحُفّاظ وليسوا من الفقهاء ، فتجدهم يقرأون أخبارهم وأقوالهم ويتأثرون بِحِدتهم .
والفرق بين الفقهاء والمحدثين واضحٌ لمن أنار الله بصيرته ووسّع مداركه
فإن الفقهاء هم المفتون ، الذين يفتون الناس في أمور دينهم ويبيّنون لهم الأحكام الشرعية ويميزون لهم بين الحلال والحرام والمتشابهات .
والفقهاء هم القُضاة الذين يقضون بين الناس في نزاعاتهم ومُشكلاتهم .
فهم مثل الأطباء ، وهم أرفع شأناً وأعلى مقاماً من حُفّاظ الحديث ، وهم أكثر حكمةً ودرايةً وأكثر تأنياً وبصيرةً .
وكفاهم شرفا قوله صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)
وأما حُفّاظ الحديث فهم مثل الصيادلة ، يهتمون بطُرق الحديث وأسانيده ، ومعرفة رواته وتتبع أخبارهم ، فهم يُميّزون الصحيح من الحسن من الضعيف من المكذوب ، فهم على خير عظيم .
فالمحدث يقوم بخدمة الفقيه في هذا الباب ، ويكفيه عناء البحث عن صحة الحديث وعن تتبع أسانيده وأحوال الرواة .
فالحال بينهما يُشبه الحال بين الطبيب والصيدلي .
الصيدلي يقوم بتركيب الأدوية ، فيجمع الأخلاط ويركبها ويُخرج منها أنواع الأدوية
ولكن الطبيب هو الذي يُحدِّد لك أيّ هذه الأدوية تستعمل ، وأوقات استعمالها ومقدار الكمية التي تأخذها .