المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحمن هاشم بيومي
وجدت لهذا الأثر شاهد.
ورد في المجالسة والجواهر للدينوري [3422 ] :
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَهْلَوَيْهِ [إبراهيم بن الحسن بن علي بن سهلويه] [مجهول]، نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ [الفزاري]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدَ [الشيباني الأصبهاني]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ [الحجبي البصري]،[انقطاع] عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
" بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَتَذَاكَرُونَ فَضَائِلَ الْقُرْآنِ، إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: خَاتِمَةُ بَرَاءَةٍ، وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: خَاتِمَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ قَائِلٌ: كهيعص، وَ طه .وَأَكْثَرُوا، وَفِي الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الزُّبَيْدِيِّ فِي نَاحِيَةٍ، إِذْ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ عَجِيبَةِ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ).
فَوَاللَّهِ إِنَّ فِي: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) لَعَجِيبَةً مِنَ الْعَجَبِ.
فَاسْتَوَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ وَكَانَ يُعْجِبُهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا ثَوْرٍ، حَدِّثْنَا بِعَجِيبَةِ: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ).
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ أَصَابَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَقْحَمْتُ بِفَرَسِيَ الْبَرِّيَّةَ أَطْلُبُ شَيْئًا، فَوَاللَّهِ، مَا أَصَبْتُ إِلا بَيْضَ النَّعَامِ، وَإِنَّ فَرَسِي لَتَقَمْقَمَ، مِنْ غُثَاءِ الْبَرِّيَّةِ، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذْ رُفِعَتْ لِي خَيْلٌ، وَمَاشِيَةٌ، وَخَيْمَةٌ، فَأَتَيْتُ الْخَيْمَةَ، فَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ كَأَحْسَنِ الْبَشَرِ، وَإِذَا بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ شَيْخٌ مُتَّكِئٌ، فَقُلْتُ لَمَّا دَخَلَنِي مِنْ هَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَمِنْ أَلَمِ الْجُوعِ: اسْتَأْسِرْ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ.
فَقَالَ: يَا هَذَا، إِنْ أَرَدْتَ الْقِرَى، فَانْزِلْ، وَإِنْ أَرَدْتَ مَعُونَةً، أَعَنَّاكَ.
فَقُلْتُ اسْتَأْسِرْ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ.
فَقَالَ لِي مِثْلَ قَوْلِهِ الأَوَّلِ، قَالَ: وَنَهَضَ نُهُوضَ شَيْخٍ لا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فَدَنَا مِنِّي وَهُوَ يَقُولُ: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )، ثُمَّ جَذَبَنِي إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا تَحْتَهُ وَهُوَ فَوْقِي.
فَقَالَ لِي: أَقْتُلُكَ أَمْ أُخَلِّي عَنْكَ؟ فَقُلْتُ: بَلْ خَلِّ عَنِّي.
فَنَهَضَ عَنِّي وَهُوَ يَقُولُ:
عَرَضْنَا عَلَيْكَ النُّزْلَ مِنَّا تَفَضُّلا فَلَمْ تَرْعَوِي جَهْلا كَفِعْلِ الأَشَائِمِ
وَجِئْتَ بِعُدْوَانٍ وَظُلْمٍ وَدُونَ مَا تَمَنَّيْتُهُ فِي الْبِيضِ جَزُّ الْغَلاصِمِ
فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: يَا عَمْرُو ! أَنْتَ فَارِسُ الْعَرَبِ؟ ! لَلْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنَ الْهَرَبِ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ الضَّعِيفِ، فَدَعَتْنِي نَفْسِي إِلَى مُعَاوَدَتِهِ ثَانِيَةً.
وَأَنْشَأْتُ أَقُولُ:
رُوَيْدَكَ لا تَعْجَلْ بُلِيتَ بِصَارِمٍ سَلِيلِ الْمَعَالِي هَزْبَرِيٍّ قَمَاقِمِ
أَإِنْ ذُلَّ عَمْرٌو ذَلَّةً أَعْجَمِيَّةً وَلَمْ يَكُ يَوْمًا لِلْفِرَارِ بِحَاجِمِ
طَمِعْتَ لَمَّا مَنَّتْكَ نَفْسُكَ تَسْلَمَنَّ سَقَتْكَ الْمَنَايَا كَأْسَهَا بِالصَّرَائِمِ
فَمَالَكَ فَابْذِلْ دُونَ نَفْسِكَ تَسْلَمَنَّ هُنَالِكَ أَوْ تَصْبِرُ لِجَزِّ الْغَلاصِمِ
فَمَا دُونَ مَا تَهْوَاهُ لِلنَّفْسِ مَطْمَعٌ سِوَى أَنَّ أَحُزَّ الرَّأْسَ مِنْكَ بِصَارِمِ
ثُمَّ قُلْتُ: اسْتَأْسِرْ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ.
فَدَنَا مِنِّي وَهُوَ يَقُولُ: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )، ثُمَّ جَذَبَنِي جَذْبَةً مَثُلْتُ تَحْتَهُ، فَاسْتَوَى عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: أَقْتُلُكَ أَمْ أُخَلِّي عَنْكَ؟ فَقُلْتُ: بَلْ خَلِّ عَنِّي.
فَنَهَضَ وَهُوَ يَقُولُ:
بِبِسْمِ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فُزْنَا قَدِيمًا وَالرَّحِيمِ بِهِ قَهَرْنَا
وَهَلْ تُغْنِي جَلادَةُ ذِي حِفَاظٍ إِذَا يَوْمًا بِمُعْتَرَكٍ نَزَلْنَا
وَهَلْ شَيْءٌ لِذِكْرِ رَبِّي وَقُدْمًا بِالْمَسِيحِ هُنَاكَ عُذْنَا
سَأُقْسِمُ كُلَّ ذِي جِنٍّ وَإِنْسٍ إِذَا يَوْمًا لِمُعْضِلَةٍ حَلَلْنَا
فَعَاوَدَتْنِي نَفْسِي، فَقُلْتُ: اسْتَأْسِرْ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ.
فَدَنَا مِنِّي أَيْضًا: بِبِسْمِ اللَّهِ يَقُولُ: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )، فَمُلِئْتُ مِنْهُ رُعْبًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! وَكُنَّا لا نَعْرِفُ مَعَ اللاتِ وَالْعُزَّى شَيْئًا، ثُمَّ جَبَذَنِي جَبْذَةً فَصِرْتُ تَحْتَهُ، فَقُلْتُ: خَلِّ عَنِّي، فَقَالَ: هَيْهَاتَ بَعْدَ ثَلاثِ مِرَارٍ، مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا جَارِيَةُ، ائْتِنِي بِشَفْرَةٍ، فَأَتَتْ بِهَا، فَجَزَّ نَاصِيَتِي، ثُمَّ نَهَضَ وَهُوَ يَقُولُ:
مَنَنَّا عَلَى عَمْرٍو فَعَادَ لِحِينِهِ .... وَثَنَّى فَثَنَّيْنَا فَسَاءَ بِمَا فَعَلْ
وَفِي اسْمِ ذِي الآلاءِ عِزٌّ وَمَنَعَةٌ .... وَمُحْتَرَزٌ لَوْ كَانَ سَامِعُهُ عَقَلْ
وَكُنَّا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جُزَّ نَوَاصِينَا، اسْتَحَيْنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى أَهَالِينَا حَتَّى تَنْبُتَ، فَرَضِيتُ أَنْ أَخْدُمَهُ حَوْلا، فَلَمَّا حَالَ عَلَيَّ الْحَوْلُ، قَالَ لِي: يَا عَمْرُو ! إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَنْطَلِقَ مَعِيَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَمَا بِيَ مِنْ وَجَلٍ، وَإِنِّي لَوَاثِقٌ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ).
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا أَتَى وَادِيًا فَهَتَفَ بِأَهْلِهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَلَمْ يَبْقَ طَائِرٌ فِي وَكْرِهِ إِلا طَارَ، ثُمَّ هَتَفَ الثَّانِيَةَ، فَلَمْ يَبْقَ سَبْعٌ فِي مَرْبِضِهِ إِلا نَهَضَ، ثُمَّ هَتَفَ الثَّالِثَةَ، فَإِذَا هُوَ بِأَسْوَدَ كَالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ، فَإِذَا هُوَ لابِسٌ شَعْرًا، فَرُعِبْتُ، فَقَالَ الشَّيْخُ لا تُرَعْ يَا عَمْرُو، إِذَا نَحْنُ اصْطَرَعْنَا، فَقُلْ: غَلَبَةُ صَاحِبِي بِ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ).
قَالَ: فَاصْطَرَعَا، فَقُلْتُ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِاللاتِ وَالْعُزَّي، فَلَطَمَنِي لَطْمَةً كَادَ يَقْلَعُ رَأْسِي، فَقُلْتُ لَهُ: لَسْتُ بِعَائِدٍ، فَاصْطَرَعَا، فَقُلْتُ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ).
قَالَ: فَعَلاهُ الشَّيْخُ، فَبَعَجَهُ كَمَا يَبْعَجُ الْفَرَسَ، وَشَقَّ بَطْنَهُ، وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الْقِنْدِيلِ الأَسْوَدِ، فَقَالَ لِي: يَا عَمْرُو ! هَذَا غِشُّهُ وَكُفْرُهُ.
قُلْتُ لَهُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَا لَكَ وَهَؤُلاءِ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: يَا عَمْرُو، إِنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي رَأَيْتَ فِي الْخِبَاءِ هِيَ الْفَارِعَةُ ابْنَةُ الْمُسْتَوْرِدِ ، وَكَانَ رَجُلا مِنَ الْجِنِّ، وَكَانَ مُؤَاخِيًا لِي، وَكَانَ عَلَى الدِّينِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَهُؤَلاءِ قَوْمُهَا يَغْزُونِي كُلُّ سَنَةٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ، فَيَنْصُرُنِي اللَّهُ بِ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ).
فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَمْعَنَّا فِي الْبَرِّيَّةِ، قَالَ: يَا عَمْرُو ! قَدْ رَأَيْتَ مَا كَانَ مِنِّي وَأَنَا جَائِعٌ، فَالْتَمِسْ لِي شَيْئًا آكُلُهُ، فَالْتَمَسْتُ، فَمَا وَجَدْتُ إِلا بَيْضَ النَّعَامِ، فَأَتَيْتُهُ بِهِ وَهُوَ نَائِمٌ قَدْ تَوَسَّدَ إِحْدَى يَدَيْهِ وَتَحْتَهُ سَيْفُهُ وَهُوَ سَيْفٌ طُولُهُ سَبْعَةُ أَشْبَارٍ وَعَرْضُهُ أَقَلُّ مِنْ شِبْرَيْنِ وَهُوَ الصَّمْصَامَةُ، فَاسْتَخْرَجْتُ سَيْفَهُ مِنْ تَحْتِهِ فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً قَطَعَتْهُ مِنَ السَّاقَيْنِ، فَقَالَ لِي: يَا غَدَّارُ، مَا أَغْدَرَكَ ! فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ حَتَّى قَطَّعْتُهُ إِرْبًا إِرْبًا.
فَغَضِبَ عُمَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: يَا غَدَّارُ ظَفَرَ بِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَنْعَمَ عَلَيْكَ ثَلاثَ مِرَارٍ، وَوَجَدْتَهُ نَائِمًا فَقَتَلْتَهُ، وَاللَّهِ، لَوْ كُنْتُ مُؤَاخِذَكَ فِي الإِسْلامِ بِمَا فَعَلْتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَقَتَلْتُكَ أَنَا بِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ يَقُولُ:
إِذَا قَتَلْتَ أَخًا فِي السِّلْمِ تَظْلِمُهُ .... أَنَّي لِمَا جِئْتَهُ فِي سَالِفِ الْحُقَبِ
الْحُرُّ يَأْنَفُ مِمَّا أَنْتَ تَفْعَلُهُ تَبًّا .... لِمَا جِئْتَهُ فِي الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ
لَوْ كُنْتُ آخِذًا فِي الإِسْلامِ مَا فَعَلَتْ .... أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالصُّلُبِ
لنَالَكَ الْيَوْمَ مِنِّي مِنْ مُطَالَبَةٍ .... يُدْعَى لِذَائِقِهَا بِالْوَيْلِ وَالْحَرَبِ
ثُمَّ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَا عَمْرُو؟ ! قَالَ: فَأَتَيْتُ الْخَيْمَةَ، فَاسْتَقْبَلَتْ نِي الْجَارِيَةُ، فَقَالَتْ: يَا عَمْرُو، مَا فَعَلَ الشَّيْخُ؟ قُلْتُ: قَتَلَهُ الْجِنِّيُّ، قَالَتْ: كَذَبْتَ، بَلْ قَتَلْتَهُ أَنْتَ يَا غَدَّارُ، ثُمَّ دَخَلَتِ الْخَيْمَةَ، فَجَعَلَتْ تَبْكِيهِ، وَهِيَ تَقُولُ:
عَيْنُ جُودِي لِفَارِسٍ مِغْوَارٍ .... وَانْدُبِيهِ بِوَاكِفَاتٍ غِزَارِ
سَبْعٌ وَهُوَ ذُو وَفَاءٍ وَعَهْدٍ .... وَرَئِيسُ الْفَخَارِ يَوْمَ الْفَخَارِ
لَهْفَ نَفْسِي عَلَى بَقَائِكَ يَا .... عَمْرُو وَأَسْلَمَتْهُ الْحِمَاةُ لِلأَقْدَارِ
بَعْدَ مَا جَزَّ مَا بِهِ كُنْتَ تَسْمُو ..... فِي زَبِيدٍ وَمَعْشَرِ الْكُفَّارِ
وَلَعَمْرِي لَوْ رُمْتَهُ أَنْتَ .... حَقًّا رُمْتَ مِنْهُ كَصَارِمٍ بَتَّارِ
فَجَزَاكَ الْمَلِيكُ سُوءًا وَهَوْنًا .... عِشْتَ مِنْهُ بِذِلَّةٍ وَصَغَارِ
فَدَخَلْتُ الْخَيْمَةَ أُرِيدُ قَتْلَهَا، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا كَأَنَّ الأَرْضَ ابْتَلَعَتْهَا، فَاقْتَلَعْتُ الْخَيْمَةَ، وَسُقْتُ الْمَاشِيَةَ حَتَّى انْتَهَيْتُ بِهَا قَوْمِي مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ ". اهـ.
قلتُ: وردت من طريق ءاخر أخرجها ابن أبي الدنيا في الهواتف [13] فقال:
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَارِثِ مُحَمَّدُ بْنُ مُصَعْبٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَغَيْرُهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ، قَالَ: ثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
" كُنْتُ فِي مَجْلِسِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَذَاكَرُونَ فَضَائِلَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَوَاتِيمُ سُورَةِ النَّحْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُورَةُ يس، وَقَالَ عَلِيٌّ: " فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ فَضِيلَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ؟ أَمَا إِنَّهَا خَمْسُونَ كَلِمَةً، فِي كُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعُونَ بَرَكَةً ". وَفِي الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيٍّ لا يُحِيرُ جَوَابًا، فَقَالَ: " فَأَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ فَقَالَ عُمَرُ : حَدِّثْنَا يَا أَبَا ثَوْرٍ، فَقَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذْ أَجْهَدَنِي الْجُوعُ، فَأَقْحَمْتُ فَرَسِي الْبَرِيَّةَ، فَمَا أَصَبْتُ إِلا بَيْضَ النَّعَامِ، فَبَيْنَا أَنَا أَسِيرُ إِذَا أَنَا بِشَيْخٍ عَرَبِيٍّ فِي خَيْمَةٍ وَإِلَى جَانِبِهِ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا شَمْسٌ طَالِعَةٌ، وَمَعَهُ غُنَيْمَاتٌ لَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَأْسِرْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ، وَقَالَ: يَا فَتًى إِنْ أَرَدْتَ قِرًى فَانْزِلْ، وَإِنْ أَرَدْتَ مَعُونَةً أَعَنَّاكَ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَأْسِرْ، فَقَالَ: عَرَضْنَا عَلَيْكَ النُّزُلَ مِنَّا تَكَرُّمًا *** فَلَمْ تَرْعَوِي جَهْلا لِفِعْلِ الأَشَائِمِ
وَجِئْتَ بِبُهْتَانٍ وَزُورٍ وَدُونَ *** مَا تَمَنَّيْتَهُ بِالْبِيضِ حَزَّ الْحَلاقِمِ
وَوَثَبَ إِلَيَّ وَثْبَةً، وَهُوَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَكَأَنِّي مَثَلْتُ تَحْتَهُ، ثُمّ قَالَ: أَقْتُلُكَ أَمْ أُخَلِّي عَنْكَ؟ قُلْتُ: بَل خَلِّ عَنِّي، قَالَ: فَخَلا عَنِّي، ثُمَّ إِنَّ نَفْسِي حَادَثَتْنِي بِالْمُعَاوَدَة ِ، فَقُلْتُ: اسْتَأْسِرْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، فَقَالَ:
بِسْمِ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فُزْنَا *** هُنَالِكَ وَالرَّحِيمِ بِهِ قَهَرْنَا
وَمَا تُغْنِي جَلادَةُ ذِي حِفَاظٍ *** إِذَا يَوْمًا لِمَعْرَكَةٍ بَرَزْنَا
ثُمَّ وَثَبَ إِلَيَّ وَثْبَةً كَأَنِّي مَثَلْتُ تَحْتَهُ، فَقَالَ: أَقْتُلُكَ أَمْ أُخَلِّي عَنْكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ خَلِّ عَنِّي، فَخَلا عَنِّي فَانْطَلَقْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: يَا عَمْرُو أَيَقْهَرُكَ مِثْلُ هَذَا الشَّيْخِ؟ وَاللَّهِ لَلْمَوْتُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْحَيَاةِ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَأْسِرْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، فَوَثَبَ إِلَيَّ وَثْبَةً وَهُوَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَكَأَنِّي مَثَلْتُ تَحْتَهُ، فَقَالَ: أَقْتُلُكَ أَمْ أُخَلِّي عَنْكَ؟ فَقُلْتُ: بَلْ خَلِّ عَنِّي، قَالَ: هَيْهَاتَ، يَا جَارِيَةُ ائْتِينِي بِالْمُدْيَةِ، فَأَتَتْهُ بِالْمُدْيَةِ، فَجَزَّ نَاصِيَتِي، وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا ظَفَرَتْ بِرَجُلٍ فَجَزَّتْ نَاصِيَتَهُ اسْتَعْبَدَتْهُ ، فَكُنْتُ مَعَهُ أَخْدِمُهُ مُدَّةً، ثُمَّ إِنَّهُ قَالَ: يَا عَمْرُو أُرِيدُ أَنْ تَرْكَبَ مَعِي الْبَرِيَّةَ، وَلَيْسَ بِي مِنْكَ وَجَلٌ، فَإِنِّي بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَوَاثِقٌ، قَالَ: فَسِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا وَادِيًا أَشَبَّا شَبًّا مَهُولا مَغُولا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَلَمْ يَبْقَ طَيْرٌ فِي وَكْرِهِ إِلا طَارَ، ثُمَّ أَعَادَ الصَّوْتَ فَلَمْ يَبْقَ سَبُعٌ فِي مِرْبَدِهِ إِلا هَرَبَ، ثُمَّ أَعَادَ الصَّوْتَ، فَإِذَا نَحْنُ بِحَبَشِيٍّ قَدْ خَرَجَ عَلَيْنَا مِنَ الْوَادِي كَالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ، فَقَالَ لِي: يَا عَمْرُو إِذَا رَأَيْتَنَا قَدِ اتَّخَذْنَا، فَقُلْ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمَا قَدِ اتَّخَذَا، قُلْتُ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلَمْ يَصْنَعِ الشَّيْخُ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِلَيَّ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ قَدْ خَالَفْتَ قَوْلِي، قُلْتُ: أَجَلْ، وَلَسْتُ بِعَائِدٍ، فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَنَا قَدِ اتَّخَذْنَا، فَقُلْ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ قُلْتُ: أَفْعَلُ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمَا قَدِ اتَّخَذَا، قُلْتُ: غَلَبَهُ صَاحِبِي بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ فَبَعَجَهُ بِسَيْفِهِ، فَانْشَقَّ جَوْفُهُ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا كَهَيْئَةِ الْقِنْدِيلِ الأَسْوَدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَمْرُو هَذَا غِشُّهُ وَغِلُّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي مَنْ تِلْكَ الْجَارِيَةُ، قُلْتُ: لا، قَالَ: تِلْكَ الْفَارِعَةُ ابْنَةُ السَّلِيلِ الْجُرْهُمِيِّ، وَكَانَ أَبُوهَا مِنْ خِيَارِ الْجِنِّ، وَهَؤُلاءِ أَهْلُهَا وَبَنُو عَمِّهَا، يَغْزُونِي مِنْهُمْ كُلَّ عَامٍ رَجُلٌ يَنْصُرُنِي اللَّهُ عَلَيْهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمّ قَالَ: قَدْ رَأَيْتَ مَا كَانَ مِنِّي إِلَى الْحَبَشِيِّ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَيَّ الْجُوعُ، فَائْتِنِي بِشَيْءٍ آكُلُهُ، فَأَقْحَمْتُ بِفَرَسِي الْبَرِيَّةَ، فَمَا أَصَبْتُ إِلا بَيْضَ النَّعَامِ، فَأَتَيْتُهُ، فَوَجَدْتُهُ نَائِمًا، وَإِذَا تَحْتَ رَأْسِهِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ الْخَشَبَةِ، فَاسْتَلَلْتُهُ فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ عَرْضُهُ شِبْرٌ فِي سَبْعَةِ أَشْبَارٍ، فَضَرَبْتُ سَاقَيْهِ ضَرْبَةً أَبَنَّتِ السَّاقَيْنِ مَعَ الْقَدَمَيْنِ، فَاسْتَوَى عَلَى فِقَارِ ظَهْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، مَا أَغْدَرَكَ يَا غَدَّارُ، قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ مَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى قَطَعْتُهُ إِرْبًا إِرْبًا، قَالَ: فَوَجَمَ لِذَلِكَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: بِالْغَدْرِ نِلْتَ أَخَا الإِسْلامِ عَنْ كَثَبٍ مَا إِنْ سَمِعْتُ كَذَا فِي سَالِفِ الْعَرَبِ
وَالْعَجَمُ تَأْنَفُ مِمَّا جِئْتَهُ كَرَمًا *** تَبًّا لِمَا جِئْتَهُ فِي السَّيِّدِ الأَرِبِ
إِنِّي لأَعْجَبُ أَنَّى نِلْتَ قِتْلَتَهُ *** أَمْ كَيْفَ جَازَاكَ عِنْدَ الذَّنْبِ لَمْ تَتُبِ
قَرْمٌ عَفَا عَنْكَ مَرَّاتٍ وَقَدْ عَلَقَتْ *** بِالْجِسْمِ مِنْكَ يَدَاهُ مَوْضِعَ الْعَطَبِ
لَوْ كُنْتَ آخِذًا فِي الإِسْلامِ مَا فَعَلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالصُّلَبِ
إِذًا لَنَالَتْكَ مِنْ عَدْلِي مُشَطَّبَةٌ يُدْعَى لِذَائِقِهَا بِالْوَيْلِ وَالْحَرْبِ
قَالَ: ثُمَّ مَاذَا كَانَ مِنْ حَالِ الْجَارِيَةِ؟ قُلْتُ: ثُمَّ إِنِّي أَتَيْتُ الْجَارِيَةَ فَلَمَّا رَأَتْنِي قَالَتْ: مَا فَعَلَ الشَّيْخُ؟ قُلْتُ: قَتَلَهُ الْحَبَشِيُّ، قَالَتْ: كَذَبْتَ، بَلْ قَتَلْتَهُ أَنْتَ بِغَدْرِكَ، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:
عَيْنِي جُودِي لِلْفَارِسِ الْمِغْوَارِ *** ثُمَّ جُودِي بِوَاكِفَاتٍ غِزَارِ
لا تَمَلِّي الْبُكَاءَ إِذَا خَانَكِ *** الدَّهْرُ بِوَافِي حَقِيقَةٍ صَبَّارِ
وَتَقِيٍّ وَذِي وَقَارٍ وَحِلْمٍ *** وَعَدِيلِ الْفِخَارِ يَوْمَ الْفِخَارِ
لَهْفُ نَفْسِي عَلَى بَقَائِكَ *** عَمْرٌو أَسْلَمَتْكَ الأَعْمَارُ لِلأَقْدَارِ
وَلَعَمْرِي لَوْ لَمْ تَرْمِهِ بِغَدْرٍ *** رَمَتْ لَيْثًا بِصَارِمٍ بَتَّارِ
فَأَحْفَظَنِي قَوْلَهَا، فَاسْتَلَلْتُ سَيْفِي، وَدَخَلْتُ الْخَيْمَةَ لأَقْتُلَهَا، فَلَمْ أَرَ فِي الْخَيْمَةِ أَحَدًا، فَاسْتَقْتُ الْمَاشِيَةَ وَجِئْتُ إِلَى أَهْلِي ". اهـ.