مسائل في إلقاء السلام (تتمة لعنوان سابق تذكير الأنام بتحصيل فضائل وأجور إلقاء السلام)


1- اتفق الفقهاء على كراهة إلقاء السلام على من هو في حال قضاء الحاجة ،كما تكره إجابته أيضا(اي رد السلام)


فعن أبي الجهم الأنصاري رضي الله عنه قال : (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ) رواه البخاري (رقم/337) ، ومسلم (رقم/369) .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا مَرَّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبُولُ ، فَسَلَّمَ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ . رواه مسلم (رقم/370) .
وعَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ : (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ) رواه أبو داود (17) وصححه ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1/205)، والألباني في "صحيح أبي داود" .وقال النووي رحمه الله :
"قال أصحابنا : يكره السلام عليه [يعني: الذي يقضي حاجته] ، فإن سلم لم يستحق جواباً ، لحديث ابن عمر والمهاجر" ."الأذكار" (ص/27) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (34/11) :
"ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة إلقاء السلام على المتغوط , وكره ذلك الحنفية أيضا , قال ابن عابدين : ويراد به ما يعم البول , قال : وظاهره التحريم "




2- عدم بدء أهل الكتاب وغير المسلمين بالسلام لورود النهي
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم السلام على غير المسلمين ، فأجاب بقوله :
البدء بالسلام على غير المسلمين محرّم ولا يجوز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه ) ،" ولكنهم إذا سلموا وجب علينا أن نردّ عليهم ، لعموم قوله تعالى : ( وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها ) ، وكان اليهود يسلّمون على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : السام عليك يا محمد ، والسام بمعنى الموت . يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن اليهود يقولون : السام عليكم فإذا سلموا عليكم فقولوا : وعليكم "
فإذا سلّم غير المسلم على المسلم وقال : " السام عليكم " فإننا نقول : وعليكم " . وفي قوله صلى الله عليه وسلم " وعليكم " دليل على أنهم إذا كانوا قد قالوا : السلام عليكم فإن عليهم السلام فكما قالوا نقول لهم ، ولهذا قال بعض أهل العلم : إن اليهودي أو النصراني أو غيرهم من غير المسلمين إذا قالوا بلفظ صريح : " السلام عليكم " جاز أن نقول : عليكم السلام .
ولا يجوز كذلك أن يبدؤوا بالتحية كأهلاً وسهلاً وما أشبهها لأن في ذلك إكراماً لهم وتعظيماً لهم ، ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا فإننا نقول لهم مثل ما يقولون ، لأن السلام جاء بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه ، ومن المعلوم أن المسلمين أعلى مكانة ومرتبة عند الله عز وجل ـ فلا ينبغي أن يذلوا أنفسهم لغير المسلمين فيبدؤوهم بالسلام .
إذا فنقول في خلاصة الجواب : لا يجوز أن يبدأ غير المسلمين بالسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، ولأن في هذا إذلالاً للمسلم حيث يبدأ بتعظيم غير المسلم ، والمسلم أعلى مرتبة عند الله ـ عز وجل ـ فلا ينبغي أن يذلّ نفسه في هذا . أما إذا سلّموا علينا فإننا نرد عليهم مثل ما سلّموا .
وكذلك أيضاً لا يجوز أن نبدأهم بالتحيّة مثل أهلاً وسهلاً ومرحباً وما أشبه ذلك لما في ذلك من تعظيهم فهو كابتداء السلام عليهم "
انتهى من ( مجموع الفتاوى 3/33).




3-يستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه،فإن شكَّ استظهرويستثنى من رفع الصوت بالسلام ما إذا دخل على مكان فيه نيام
روى البخاريُّ عن ثابت بن عبيدٍ، قال: أتيت مجلسًا فيه عبدالله بن عمر، فقال: "إذا سلمتَ فأسمِعْ؛ فإنها تحيةٌ مِن عند الله مباركة طيبة"؛ (إسناده صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 769).
قال النووي: وأقلُّه أن يرفع صوتَه بحيث يسمع المسلَّم عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيًا بالسنَّة.
وقال ابن حجر العسقلاني: ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه، فإن شكَّ استظهر، ويستثنى من رفع الصوت بالسلام ما إذا دخل على مكان فيه أيقاظ ونيام، فالسنَّة فيه ما ثبت في صحيح مسلم عن المقداد قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيء من الليل فيسلِّم تسليمًا لا يوقِظ نائمًا، ويُسمِع اليقظان"؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11 صـ 20)




4-لا بأس في إلقاء السلام على المتوضئ، وأنه لا بأس في أن يرد
فقد روى الإمام أحمد عن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ، فرد عليه وقال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة. وللحديث شواهد.
فيؤخذ من هذا الحديث أنه لا بأس في إلقاء السلام على المتوضئ، وأنه لا بأس في أن يرد، والأفضل له أن يؤخر الرد إلى الانتهاء من الوضوء إذا كان الذي ألقى السلام باقياً




5- يجوز إلقاء السلام على المصلي لكن يرد المصلي بيده إشارةً لابلفظه
إذا سلم أحد على المصلي سواء كان إمامًا أو مأموماً لم يكن له رد السلام بالكلام، فإن فعل بطلت صلاته، وهو قول أكثر أهل العلم كما ذكر ابن قدامة في المغني. روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا، فقال: إن في - أو في - الصلاة لشغلاً. هذا فيما إذا كان السلام بالكلام.
أما رد السلام بالإشارة فهو قول الجمهور أيضاً، وقد وردت به السنة، فقد روى أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق)




6- إذا كان المسلِم جالسًا مع إخوانه ثم قام ليفارقهم، فالسنَّة أن يسلِّم عليهم
روى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس، فليسلِّمْ، فإذا أراد أن يقوم، فليسلِّمْ؛ فليست الأولى بأحقَّ مِن الآخِرة))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 4340)




7- يُسَنُّ تبليغ السلام للغائب (فلان يسلم عليك)
في شرح سنن أبي داود لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله: سئل: في بلادنا عادة وهي: إذا قيل: إن فلاناً يسلم عليك. يرد المسلَّم عليه بقوله: الله يسلمك ويسلمه؟
الجواب: هذا ليس مطابقاً للسنة، وإنما يقول: عليك وعليه السلام، وإن كان: الله يسلمك ويسلمه دعاء له بالسلامة، ولكن (عليك وعليه السلام) هي السنة، والإنسان يأتي بالوارد أفضل. انتهى.
قال النووي


إذا بعَث المسلم إلى آخرَ سلامًا، فقال الرسول: فلان يسلم عليك، وجب على المرسَل إليه السلامُ أن يجيب؛ فقد قدمنا أنه يجيب على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ أيضًا، فيقول: وعليك وعليه السلام؛ (الأذكار للنووي صـ 312: صـ 313)




8- تُكره الإشارة بالسلام،سواء كان ذلك باليد وغيرها بدون التلفظ بالسلام؛لأن ذلك تشبُّه بغير المسلمين
تُكرَه الإشارة بالسلام، سواء كان ذلك باليد وغيرها بدون التلفظ بالسلام؛ لأن ذلك تشبُّهٌ بغير المسلمين، وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتشبَّهَ بهم.
روى الترمذي عن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منا مَن تشبَّه بغيرنا، لا تَشبَّهوا باليهود ولا بالنصارى؛ فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكفِّ))؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2168).
وأما من كان بعيدًا، بحيث لا يسمع التسليم، فإنه يجوز السلام عليه إشارة، ويتلفظ مع ذلك بالسلام؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11 صـ 21).




9-أجمع العلماء على أن الابتداءَ بالسلام سنةٌ مرغَّبٌ فيها، ورده فريضةٌ
روى البخاري عن الحسن البصري قال: "التسليم تطوُّعٌ، والرد فريضةٌ"؛ (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث: 794).
قال ابن كثير - تعليقًا على كلام الحسن البصري -: هذا الذي قال هو قول العلماء قاطبةً؛ أن الردَّ واجبٌ على مَن سلم عليه، فيأثم إن لم يفعل؛ لأنه خالَف أمرَ الله في قوله: ﴿ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]؛ (تفسير ابن كثير جـ 1 صـ 545).
وقال القرطبي: أجمع العلماء على أن الابتداءَ بالسلام سنةٌ مرغَّبٌ فيها، ورده فريضةٌ؛ لقوله تعالى: ﴿ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]؛ (تفسير القرطبي جـ 5 صـ 298).