مقدمة مختصرة عن المعاجم
عبد العزيز الحميد
سلك علماء العربية في جمع اللغة مسلكين :
الأول : جمع مفردات اللغة وتصنيفها بالنظر إلى معانيها ، فيجمعون الكلمات التي تتعلّق بموضوع واحد في موضعٍ واحد ، بحيث تكون تلك الكلمات المرتبطة بتلك العلاقة اللغوية مجموعةً في رسالة واحدة ، وتُسمّى هذه المؤلفات التي تشتمل على هذه المفردات ( معاجم المعاني أو معاجم الموضوعات ) ، ويطلق في الغالب على الكتب الخاصة بمفردات موضوعٍ واحدٍ ( الرسائل اللغوية ) .
وقد يشتمل الكتاب الواحد على عددٍ من الموضوعات ، فيكون المعجم شاملاً موضوعات كثيرة قد تتناول كل مفردات اللغة ، وهذا النوع هو الذي ينصرف الذهن إليه عند ذكر ( معاجم المعاني أو معاجم الموضوعات ) .
الثاني : جمع مفردات اللغة وتصنيفها بالنظر إلى ألفاظها ، فتُرتّب الألفاظ اللغوية على ترتيبٍ معيّنٍ ينظر إلى الحروف التي تتكوّن منها ، سواءً كان الترتيب مبنيّاً على الحرف الأول فالثاني ، أم على الحرف الأخير فالأول ، أم على أقصى حروف الكلمة مخرجاً ثمّ الذي يليه ، وهكذا كما سيأتي ذكره عند الحديث عن هذا النوع .
معاجم المعاني ( الموضوعات ) :
يدخل تحت هذا النوع – كما سبق ذكره – صنفان هما :
* الرسائل اللغوية التي تحوي مفردات موضوع واحد ، سواءً كان موضوعها متعلقاً بالقرآن أم الحديث أم غيرهما .
* والمعاجم التي تحوي مفردات عدد من الموضوعات اللغوية ، سواءً منها ما كان مختصراً أم موسّعاً .
وأعرض فيما يلي أمثلةً من النوعين مصنفةً على الموضوعات التي تتناولها :
الرسائل اللغوية :
1- كتب الغريبين :
اعتنى علماء العربية بغريبي القرآن والحديث ، لكونهما مصدري التشريع للمسلمين ، فاعتنوا بإيضاح المشكل فيهما ، وألفوا الكثير من الكتب ، منها ما وصل إلينا ونُشر ، ومنها ما فُقد ، وكلّها دليلٌ واضحٌ على عنايتهم الكبرى بخدمة القرآن الكريم والحديث الشريف ، وأعرض عدداً من عناوين هذه الكتب :
أ- كتب غريب القرآن :
غريب القرآن – ابن قتيبة ( ت 276هـ )
تفسير المشكل من غريب القرآن – مكيّ بن أبي طالب القيسيّ ( 355-437هـ )
المفردات في غريب القرآن – الراغب الأصفهاني ( 502 هـ )
ب- كتب غريب الحديث :
غريب الحديث – أبو عبيد القاسم بن سلاّم ( 224 هـ )
غريب الحديث – أبو إسحاق إبراهيم الحربيّ ( 198-285 هـ )
الفائق في غريب الحديث – الزمخشري ( 467-548 هـ )
النهاية في غريب الحديث والأثر – ابن الأثير ( 606 هـ )
2- رسائل لغوية أخرى :
شمل التأليف في الرسائل اللغوية أغلب الموضوعات التي تمسّ حياة العرب ، والمطلع على تلك الرسائل تصيبه الدهشة من كثرتها وتعدّدها ، وهي دليلٌ جليّ على عناية العرب بجمع مفردات لغتهم ، فكلّ ميدانٍ من ميادين حياتهم تناولوه بالتأليف في جمع مفرداته في رسالة مستقلّة أو مع عددٍ من الموضوعات .
ولاستحالة الاستقصاء هنا يأتي اختيار نماذج للموضوعات وذكر بعض الكتب التي أُلّفت في مفرداتها ليكون لدينا تصوّرٌ عن هذا النوع من التأليف ، ومن هذه الرسائل اللغوية ما يعتني بمفردات موضوعٍ لغويٍّ يخصّ أحد الحقول الدلاليّة ، ومنها ما اختصّ بجمع الكلمات الخاصّة بظاهرةٍ لغويةٍ كالترادف والاشتراك وغيرهما دون النظر إلى معانيها .
إليك بعضاً من هذه الرسائل اللغوية مكتفياً بذكر الموضوع ثمّ ذكر عناوين الرسائل التي تدخل تحته :
أ- خلق الإنسان :
خلق الإنسان – الأصمعي ( 123-216هـ )
خلق الإنسان – الزجاج ( 230-310هـ )
خلق الإنسان – ثابت بن أبي ثابت ( من علماء القرن الثالث )
ب- الحيوان :
الإبل – الأصمعي ( 123-216هـ )
الخيل – الأصمعي ( 123-216هـ )
الشاء – الأصمعي ( 123-216هـ )
الوحوش – الأصمعي ( 123-216هـ )
الحلبة في أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام – الصاحبي التاجي ( ت بعد 697هـ )
ج- النبات :
النبات والشجر – الأصمعي ( 123-216هـ )
النخل – أبو حاتم السجستاني ( ت 250هـ )
النبات – أبو حنيفة الدينوري ( ت 282هـ )
د- موضوعات شتّى :
الأزمنة وتلبية الجاهلية – قطرب ( ت 210 هـ )
النوادر في اللغة – أبو زيد الأنصاري ( 122-215هـ )
كتاب البئر – محمد بن زياد الأعرابي (150-231هـ )
كتاب السلاح – أبو عبيد القاسم بن سلام ( 150-224هـ )
كتاب الدارات – الأصمعي ، ياقوت الحموي
هـ - قضايا لغوية :
1- المترادف :
ما اختلفت ألفاظه واتفقت معانيه – الأصمعي ( 123-216هـ )
الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى – أبو الحسن الرمّاني ( ت 384هـ )
كتاب الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة – ابن مالك ( ت 672هـ )
2- المشترك :
كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد – أبو العباس المبرد ( 210-285هـ )
كتاب المأثور من اللغة (ما اتفق لفظه واختلف معناه)– أبو العميثل الأعرابي ( ت 240هـ )
3-المتضادّ :
الأضداد – الأصمعي ( 123-216هـ )
الأضداد – ابن السكيت ( ت 244هـ )
الأضداد – أبو حاتم السجستاني ( ت 250هـ )
الأضداد – ابن الأنباري ( 271-327هـ )
الأضداد – أبو الطيب اللغوي ( ت 351هـ )
4- الفروق اللغوية :
الفرق – الأصمعي ( 123-216هـ )
الفرق – قطرب ( ت 210هـ )
الفرق – ثابت بن أبي ثابت ( من علماء القرن الثالث )
الفروق اللغوية – أبو هلال العسكري ( وفاته في حدود 400هـ )
5- الإتباع :
الإتباع – أبو الطيب اللغوي ( ت 351هـ )
الإتباع والمزاوجة – ابن فارس ( ت 395هـ )
6- الإبدال :
الإبدال – أبو الطيب اللغوي ( ت 351هـ )
القلب والإبدال – ابن السكيت ( ت 244هـ )
7- المقصور والممدود :
المقصور والممدود – نفطويه ( ت 323هـ )
المقصور والممدود – ابن ولاد ( القرن الثالث)
المقصور والممدود – أبو علي القالي ( ت 365هـ )
المقصور والممدود – أبو البركات بن الأنباري ( 513-577هـ )
8- المذكر والمؤنث :
المذكر والمؤنث – الفراء
البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث – أبو البركات بن الأنباري ( 513-577هـ )
9- تسلسل المعاني :
المسلسل في غريب اللغة – أبو الطاهر التميمي ( ت 538هـ )
شجر الدرّ في تداخل الكلام بالمعاني المختلفة – أبو الطيب اللغوي ( ت 351هـ )
معاجم الموضوعات المتعدّدة :
أعني بها الكتب التي تشتمل على مفردات موضوعاتٍ عديدةٍ ، فالمعجم الواحد كأنّما يجمع عدداً من الرسائل اللغوية التي سبق ذكرها ، وهي تتفاوت في السعة والضيق ، فمنها ما يشمل أغلب مفردات اللغة ، ومنها ما يحوي مفردات عددٍ من الموضوعات ، ومن هذه المعاجم ما يلي :
الغريب المصنف – أبو عبيد القاسم بن سلام ( 150-244هـ )
الألفاظ الكتابية – عبد الرحمن الهمذاني ( ت 320هـ )
مُتخيّر الألفاظ – ابن فارس ( ت 395هـ )
فقه اللغة وسرّ العربية – أبو منصور الثعالبي ( ت 429هـ )
المخصص في اللغة – ابن سيدة ( 398-458هـ )
كفاية المتحفظ ونهاية المتلفّظ – ابن الأجدابي ( قبل 600 هـ )
ومن أوسع المعاجم السابقة وأضخمها ( المخصص لابن سيدة ) ، لشموله أكثر موضوعات اللغة .
وأصغرها ( الألفاظ الكتابية للهمذاني ) ، وهو مع صغره يشمل مفردات عددٍ من الموضوعات ، وقد اعتنى بجمع التعبيرات التي تدور حول معنى واحد ، ففي أغلب موضوعاته يذكر عنواناً ويذكر تحته العبارات التي تعبّر عنه ، وكثير ممّا يذكره من المترادفات ، ومن موضوعاته : باب البخل / باب المسّ والتصوّرات والجنون / باب الدعاء بدوام النعم / باب تفاقم الأمر ...
و ( فقه اللغة وسرّ العربية للثعالبي ) من أشهرها وأكثرها تداولاً .
معاجم الألفاظ :
سلك المعجميون مسالك متعدّدة في ترتيب ألفاظ معاجمهم ، بحيث أصبحت طرقاً معروفةً لمن يريد جمع ألفاظ اللغة وترتيبها ، فيختار أحدها ويبني عليها معجمه ، وهذا النوع من المعاجم يعتني بترتيب الألفاظ وِفقاً لحروفها ، وهو يقابل النوا السابق الذي يرتّب الألفاظ وِفقاً لمعانيها .
ولكي تتضح ملامح كلّ مدرسة أقدم تعريفاً بها يوضّح أسسها وخصائصها :
مدرسة الترتيب الصوتي ( مدرسة العين ) :
اختطّ معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي طريقةً في ترتيب ألفاظ اللغة لم يُسبق إليها ، وهي تدلّ – مع صعوبتها – على عبقريةٍ فذّةٍ ، فترتيب الألفاظ لم يسلك فيه الترتيب المعروف في وقته وهو الترتيب الألفبائي ، وإنما جعل مخارج الحروف عِماده فيه ، وهذا الترتيب هو الأساس الأول للمعجم ، حيث قسّمه إلى كتبٍ وجعل كلّ حرفٍ كتاباً ، ثمّ قسم كل كتابٍ ( حرفٍ ) إلى أقسامٍ بحسب أبنية الكلمات وهو الأساس الثاني ، ثمّ قلّب الكلمات التي ذكرها تحت كلّ بناء على الصور المستعملة عند العرب ، وهو الأساس الثالث ، وأعرض هنا بياناً بالأسس الثلاثة :
الأساس الأول : ترتيب الحروف
بدأ بأقصى الحروف مخرجاً فجعلها بداية الترتيب ثمّ الذي يليها من جهة الفم حتى انتهى منها جميعاً ، ولكنه لم يبدأ بأقصاها مخرجاً وهي الهمزة لعدم ثباتها على صورة واحدة ، فهي تُقلب كثيراً إلى أحد حروف العلّة ، ولم يبدأ بالحرف التالي وهو الهاء لضعفها فأخّرها إلى الحرف الثالث ، فبدأ بحرف العين الذي يخرج من وسط الحلق وبعده الحاء ، وهكذا حتى انتهى إلى حروف الشفتين ، ثمّ حروف المدّ وبعدها الهمزة ، وإليك الحروف على هذا الترتيب :
ع / ح / هـ / خ / غ / ق / ك / ج / ش / ض / ص / س / ز / ط / د / ت / ظ / ذ / ث / ر / ل / ن / ف / ب / م / و / ا / ي / أ
وتحت كلّ حرفٍ من الحروف وُضعت الكلمات التي تخصّه ، ولكي لا يحدث تكرير للكلمات فتُذكر تحت كل حرفٍ من حروفها فقد سلَكَ المعجم الطريقة التالية :
وُضعت كلّ كلمة تحت أقصى حروفها مخرجاً دون النظر إلى موضع الحرف ، سواءً كان في بدايتها أم في وسطها أم في آخرها ، فمثلاً :
( لعب ) أوردها في حرف العين لأنه أقصاها مخرجاً ، ولا ترد في غيره .
( رزق ) أوردها في حرف القاف لأنه أقصاها مخرجاً ، ولا ترد في غيره .
( حزن ) أوردها في حرف الحاء لأنه أقصاها مخرجاً ، ولا ترد في غيره .
( شدّ ) أوردها في حرف الشين لأنه أقصاها مخرجاً ، ولا ترد في غيره .
( جرى ) أوردها في حرف الجيم لأنه أقصاها مخرجاً ، ولا ترد في غيره .
( وقى ) أوردها في حرف القاف لأنه أقصاها مخرجاً ، ولا ترد في غيره .
( كرسوع ) أوردها في حرف العين لأنه أقصاها مخرجاً ، ولا ترد في غيره .
( عندليب ) أوردها في حرف العين لأنه أقصاها مخرجاً ، ولا ترد في غيره .
يتبيّن ممّا مضى أنّ مخرج الحرف هو الذي يعرّفنا بموضع الكلمة من معجم العين ، ولا عبرة بموقع الحرف من الكلمة .
وبهذه الطريقة فإن الكلمة لا ترد أكثر من مرّة لكونها تُذكر تحت أقصى حروفها مخرجاً في أيّ موضعٍ كان الحرف ، ولذا فسنعلم أن الكلمة مهما قلّبنا حروفها فإن تقليباتها تُذكر في موضع واحد ، وسيرد ذكر التقليبات في الأساس الثالث .
يتبع