وسائل الثبات على التوبة
الوسيلة الأولى:
المبادرة بالتوبة:من وسائل الثبات على التوبة، المبادرة بالتوبة وعدم التسويف، فإن التسويف من أسباب طمع الشيطان في ابن آدم وجرأته عليه، فإذا رأى منه استهانة بالتوبة والمبادرة إليها، سلك إليه كل سبيل لصده عنها، ومنعه منها، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾.[1]
وَقَالَ: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾.[2]
وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا".[3]
وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ الدُّخَانَ أَوْ الدَّجَّالَ أَوْ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ".[4]قال ابن القيم رحمه الله: إذا أراد الله بعبده خيراً، فتح له أبواب التوبة والندم والذل والانكسار والافتقار والاستعانة به، ودوام التضرع والدعاء، والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات.[5]
الثانية: الإقلاع عن الذنب:
فإن التوبة مع الإقامة على الذنب نوع من الاستهزاء لا يتصور من عاقل.
الثالثة: الندم على المعصية:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ قَالَ نَعَمْ".[6]
الرابعة: العزم على عدم الرجوع للذنب:
وذلك بقطع العلائق التي بينه وبين ما يقربه من المعصية؛ حتى لا يقع فيها مرة أخرى، وسواء أكانت هذه العلائق أصحاب سوء، أو رسائل أو صور أو أرقام هواتف، أو ألآت طرب ولهو، أو غيرها من وسائل المعاصي، ويعلم أن هذا الذي يؤزه إلى المعصية أزاً، ويدفعه إليها دفعاً، ويرغبه فيه، سيكون من أشد الناس له عداوة يوم القيامة، ويتبرأ منه، بل ويتلاعنان كما قال الله تعالى: ﴿ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾.[7]
وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾.[8]
ويستحب له كذلك أن يغير من هيئته التي كان عليها قبل التوبة مثل قص الشعر إن كان موفرا وتبديل الثياب إن كانت له ثياب يشتهر بها ودل على ذلك ما رواه عُثَيْمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَدْ أَسْلَمْتُ فَقَالَ: "أَلْقِ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ" يَقُولُ أَحْلِقْ وقَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِآخَرَ: "أَلْقِ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ".[9]
فقد قَالَ العَالِمُ لمن قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ: "وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ".[10]
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ عَنِ التَّوْبَةِ النَّصُوح، فَقَالَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ أَنْ يَتُوبَ الْعَبْدُ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ، ثُمَّ لاَ يَعُودُ إلَيْهِ أَبَدًا.[11]
الخامسة: ملازمة أهل الطاعة:
البحث عن رفقة صالحة تعينه على طاعة الله تعالى، وتتعهده إذا اعتراه الفتور، أو أصابه الملل، حتى لا يرجع للمعاصي مرة أخرى من أعظم أسباب الثبات على التوبة، والمداومة على الطاعة، ولكن يجب أن يتوفر في هذه الرفقة أمران الأول سلامة الاعتقاد، والبعد عن البدع، والسبيل إلى معرفة ذلك بقياس ما هم عليه من أقوال وأفعال وأحوال على ما كان عليه سلف هذه الأمة.
وهذا ما أرشد إليه العالِمُ قاتلَ المئةِ نفسٍ لما أراد التوبة قال له: "انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا نَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ مَعَهُمْ".[12]
السادسة: محاسبة النفس:
من تمام التوبة المداومة على محاسبة النفس على كل حركة وسكنة، والوقوف لها بالمرصاد حتى لا ترجع إلى المعصية مرة أخرى.
فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: (حاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْل أَنْ تُوزَنُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، يَوْمَ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ).[13]
قال الفضيلُ بنُ عياض لرجلٍ: (كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال فأنت منذ ستين سنة تسيرُ إلى ربِّك يُوشِكُ أنْ تَبلُغَ، فقال الرجل: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فقال الفضيلُ: أتعرف تفسيرَه تقول: أنا لله عبد وإليه راجع، فمن عَلِمَ أنَّه لله عبد، وأنَّه إليه راجع، فليعلم أنَّه موقوفٌ، ومن علم أنَّه موقوف، فليعلم أنَّه مسؤول، ومن عَلِمَ أنَّه مسؤولٌ، فليُعِدَّ للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلةُ؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تُحسِنُ فيما بقي يُغفَرُ لك ما مضى فإنّك إنْ أسأتَ فيما بقي، أُخِذْتَ بما مضى وبما بقي).
السابعة: إشغال النفس بما فيه نفعها:
من أسباب الثبات على التوبة أن يشغل العبد نفسه بشيء من طاعة الله تعالى مثل: أن يجعل لنفسه ورداً ثابتًا من كتاب الله حفظاً وتلاوةً وقراءةً تفسيرًا، وحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والمداومة على طلب العلم، فإن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، لذلك قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.[14]
أي لا تنسوا ذكر الله تعالى: فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم، فإن الجزاء من جنس العمل.[15]
[1] سورة آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 133
[2] سورة الْحَدِيدِ: الآية/ 22
[3] رواه مسلم- كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن - حديث: 194
[4] رواه مسلم- كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في بقية من أحاديث الدجال - حديث: 5352
[5] الوابل الصيب - رضي الله عنه 1 / 11 )
[6] رواه أحمد- حديث: 3462، وابن ماجه- كتاب الزهد، باب ذكر التوبة- حديث: 4250، والحاكم- كتاب التوبة والإنابة، حديث: 7680 والبيهقي في السنن- كتاب الشهادات، باب شهادة القاذف، حديث: 19131 بسند صحيح
[7] سورة الزخرف: الآية/67
[8] سورة العنكبوت: الآية/25
[9] رواه أحمد، حديث: 15160، وأبو داود- كتاب الطهارة، باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل- حديث: 305، والطبراني في الكبير، حديث: 18801، والبيهقي في السنن- كتاب الطهارة، جماع أبواب ما يوجب الغسل- باب الكافر يسلم فيغتسل، حديث: 765 بسند حسن
[10] رواه البخاري كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار – حديث رقم: 3301، ومسلم كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله – حديث رقم: 5074
[11] مصنف ابن أبي شيبة- كتاب الزهد، ما ذكر في زهد الأنبياء وكلامهم عليهم السلام - كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حديث: 33823
[12] تقدم تخريجه
[13] رواه الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع، باب حديث: 2441، بسند ضعيف، وابن أبي شيبة في مصنفه- كتاب الزهد، ما ذكر في زهد الأنبياء وكلامهم عليهم السلام، كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديث: 33791، وابن المبارك في الزهد- باب الهرب من الخطايا والذنوب، حديث: 307، وأحمد بن حنبل في الزهد - زهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديث: 639
[14] سورة الحشر: الآية/ 19
[15] تفسير ابن كثير - رضي الله عنه 8 / 77)
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/88097/#ixzz60Yz1InaS