الأَمَـانِـي العـلـمـيـة وما اشْتَهَاهُ المحدِّثُون
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإنَّ معرفة أمنيات أهل العلم وما كانوا يشتهونه في حياتهم من اللذَّات العلمية، من شأنه أن يرفع هِمَمَ طلبة العلم وأهله، وأن يعينهم على الاقبال بكلِّيتهم على العلم والارتقاء في درجاته، اقتداءً بأسلافهم الماضين، وكنت قد وقفتُ على بعض الأخبار الطريفة عند قراءتي لكتب التراجم والتواريخ، فعزمتُ على جمعها، وتبويبها، وتوثيقها، ونشرها لتعمَّ الفائدة ، والله الهادي إلى سواء السبيل. [باب فيمن تمنَّى أدوات الكتابة]
* قال محمد بن أحمد الأنصاري: قيل لِوَرَّاقٍ مَرَّةً: ما تشتهي قَالَ: «قَلَمًا مَشَّاقًا، وَحِبْرًا بَرَّاقًا، وَجُلُودًا رِقَاقًا». [الجامع لأخلاق الراوي: 1/ 257] [باب فيمن تمنَّى الفراغ وعلوَّ الإسناد]
* قيل ليحْيَى بنَ معينٍ - في مرَضِهِ الذي ماتَ فيهِ -: ما تَشْتَهِي؟ قالَ: «بَيتٌ خالٍ، وإسْنادٌ عالٍ».[فتح المغيث: 3/ 352] [باب فيمن تمنى لقاء شيخ قبل الدخول إلى الجنة]
* قال ابْنَ الْمُبَارَكِ : « لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَرَّرٍ لَاخْتَرْتُ أَنْ أَلْقَاهُ، ثُمَّ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ كَانَتْ بَعْرَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ». [باب فيمن تمنَّى من الدنيا أيَّاما يجالس فيها شيخه]
* قال أبو صالح السمَّان : «مَا كُنْتُ أَتَمَنَّى مِنَ الدُّنْيَا إلاَّ يَوْمَيْنِ أُجالس فِيهِمَا أَبَا هريرة ». [باب فيمن تمنَّى إكثار السماع من شيخ معيَّن ]
* قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعتُ أَبي يقول: «كنت أَتَمَنَّى أَو كنت اشتهي أَن أسمع من عبد الرَّحْمَن عشرَة آلَاف قبل أَن أسمع مِنْهُ يَعْنِي شَيْئا ـ» . ثم قال: «يكون ما كتبنا عن عبد الرحمان، مع ما عرضت عليه من حديث مالك عشرة آلاف، أو أكثر». [ العلل، رواية عبد الله: 2/ 198]
ü قلت: هو الحافظ الناقد عبد الرحمن بن مهدي. [باب فيمن تمنَّى الانفراد بشيخ ثقة له كُتُبٌ يكتبُ عنه ]
* قال يحيى بن معين: « أَشْتَهِي أَنْ أَقَعَ عَلَى شَيْخٍ ثِقَةٍ عِنْدَهُ بَيْتٌ مَلْآنُ كُتُبًا أَكْتُبُ عَنْهُ وَحْدِي ». [الجامع لأخلاق الراوي: 2/ 139] [باب فيمن تمنَّى جمع أحاديث الأنبياء ]
* عن عياش القطَّان، قال: «قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: أَشْتَهِي أَنْ أَجْمَعَ، حَدِيثَ الْأَنْبِيَاءِ. فَقَالَ لِي أَحْمَدُ: حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ حَدِيثِ نَبِيِّنَا e». [الجامع لأخلاق الراوي: 2/ 301]
[باب فيمن تمنى أن يرى شيخا ثم ندم ]
* قال عليُّ بن المديني وقد روى حديثا عن (محمَّد ابن كَثِيرٍ المِصِّيصي) : «كنتُ أشتهي أن أرى هذا الشيخ، فالآن لا أحب أن أراه» وذلك أنه روى أنَّ النبي e نظر إِلَى أَبِي بكر وعمر فقال: هَذَان ِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الجَنَّةِ. [العلل لابن أبي حاتم: 6/ 475]
[باب فيمن تمنَّى الدخول إلى بلد للجلوس إلى شيخ ]
* وسأل محمد بن إسحاق السراج الإمام البخاريَّ: مَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: «أَشْتَهِي أَنْ أَقْدُمَ العِرَاقَ وعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله حَيٌّ فَأُجَالِسَهُ» ü هو: علي بن عبد الله ابن المديني، مهندس هذه الصنعة. [باب فيمن تمنَّى سماع حديث راوٍ مدلِّس من شيخ يرويه بصيغة تدلُّ على السماع ]
* قَالَ شُعْبَةُ «كُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ يَعْنِي حَدِيث بْنُ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِيِ e «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا» لِأَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنَ ابن مُغَفَّلٍ». [العلل للإمام أحمد- رواية عبد الله- 1/ 250]
[باب فيمن تمنَّى الكتابة عن شيخ صحيح الكتاب ]
*قال علي بن المديني: « قَدْ كَتَبْتُ كُتُبَ عَبْدِ الوَارِثِ عَنْ وَلَدِهِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ أَكْتُبَهَا عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ ». [تاريخ بغداد: 11/ 201] ü قلتُ: أبو معمر هو: عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، كَانَ ثقة ثَبْتًا صحيح الكتاب. [باب فيمن تمنَّى رؤية شيخ من الشيوخ في المنام حتَّى يسألَهُ ]
*قال عليّ ابْن الْمَدِينِيّ: «مَكَثْتُ أشتهي أرى يَحْيَى بْن سَعِيد القطان فِي النوم مدة، قَالَ: فصلَّيتُ ليلة العتمة، ثُمَّ أوترتُ واتكأتُ عَلَى سريري قَالَ: فسنح لي خَالِد بْن الحارث فقُمت فسلمت عَلَيْهِ وعانقته، ثُمّ قلت لَهُ: ما فعل بك ربك؟ قَالَ: غفر لي عَلَى أنَّ الأمر شديد، قلت: أَيْنَ مُعاذ فقد كَانَ رَسيلك فِي الحديث؟ فقال لي محبوس، قلت: فما فعل يَحْيَى بْن سَعِيد القطان؟ قَالَ: نراهُ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ». * وقالأَبُو أَيُّوبَ الْخَلَّالُ الْمَوْصِلِيُّ، «كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ أَرَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي الْمَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ وَعَلَيْهِ حُلَّتَانِ، وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ وَهُوَ يُشَمِّرُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا عَهِدْنَاكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا تَمْشِي هَذِهِ الْمِشْيَةَ، فَقَالَ: هَذِهِ مِشْيَةُ الْخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلَامِ» [باب فيمن تمنَّى مالا كثيرا لينفقَهُ في طلب الحديث ]
*عن ابْنُ وَهْبٍ، أنه قَالَ: «كُنْتُ أَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ثَلاثَ مِائَةِ دِينَارٍ أُنْفِقُهَا فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ، فَبَيْنَا أَنَا أُصَلِّي إِذَا بِرَجُلٍ أَقْبَلَ وَمَعَهُ قِرْطَاسٌ مَرْبُوطٌ فَوَضَعَهُ عَلَى نَعْلِي وَذَهَبَ، فَصَلَّيْتُ ثُمَّ أَخَذْتُ الْقِرْطَاسَ فَظَنَنْتُهُ دُقَّةً أَهْدَى، فَجِئْتُ الْبَيْتَ فَفَتَحْتُهُ فَإِذَا فِيهِ ثَلاثُ مِائَةِ دِينَارٍ لا تَزِيدُ وَلا تَنْقُصُ». [معجم شيوخ الذهبي: 1/331] [باب فيمن تمنَّى العثور على مخطوط مهم ]
*قال الشيخ حمَّاد الأنصاري: «أتمنَّى العثور على تاريخ نيسابور لأهمِّيته -ثم قال: وإن هذا التاريخ كان في القرن العاشر موجوداً وأنا أكاد أجزم أنه موجودٌ الآن في إيران والبرهان على هذا -أنَّ أحد الروافض من -طهران- قام باختصار التاريخ- وهذا الاختصار في مجلد موجود عندي بالمكتبة وله مقدِّمة بالفارسية». [المجموع في ترجمة العلامة حماد الأنصاري 2/ 701]