مجموع فتاوى الشيخ بن باز في الحج والعمرة(1)
ادارة الملتقى الفقهي
الحج عن الآخرين ليس خاصاً بالقرابة
س: هل الحج عن الآخرين مشروع على الإطلاق أم خاص بالقرابة ، ثم هل يجوز أخذ الأجرة على ذلك ، ثم إذا أخذ الأجرة على حجة عن غيره فهل له أجر في عمله هذا؟
ج: الحج عن الآخرين ليس خاصاً بالقرابة بل يجوز للقرابة وغير القرابة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شبهه بالدين؛ فدل ذلك على أنه يجوز للقرابة وغير القرابة. وإذا أخذ المال وهو يقصد بذلك المشاهدة للمشاعر العظيمة ومشاركة إخوانه الحجاج والمشاركة في الخير فهو على خير إن شاء الله وله أجر. أما إذا كان لم يقصد إلا الدنيا ، فليس له إلا الدنيا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "([40]) متفق على صحته.
س: الحج عن الميت ولو كان متساهلاً ما كان ينوي حال حياته الحج ، هل يصح؟
ج: إذا كان مسلماً ولم يحج فإنه يحج عنه من تركته إذا مات وهو يستطيع الحج ، وإن حج عنه بعض أقاربه أو غيرهم أجزأ ذلك.
أما إذا كان كافراً فلا يحج عنه.
تارك الصلاة لا يحج عنه
س: أبو عبد الله من الرياض يقول في سؤاله: ماذا يقول فضيلتكم فيمن يهب الأعمال الصالحة ، كقراءة القرآن ، والحج والعمرة عمن توفى وهو تارك للصلاة ، وفي الغالب يكون هذا المتوفى جاهلاً وغير متعلم؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً .
ج: تارك الصلاة لا يحج عنه ، ولا يتصدق عنه؛ لأنه كافر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه مسلم في صحيحه([41]) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " رواه الإمام أحمد ، وأهل السنن بإسناد صحيح.
أما القراءة عن الغير فلا تشرع ، لا عن الحي ولا عن الميت؛ لعدم الدليل على ذلك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أخرجه مسلم في صحيحه ، وأخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " ، ومعنى فهو رد: أي فهو مردود.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم فيما نعلم أنهم قرأوا القرآن وثوبوه لحي ولا ميت. والله ولي التوفيق.
حكم الصدقة والحج عمن كان يذبح لغير الله
س: سائل يقول: إن والده يذبح لغير الله فيما قيل له عن ذلك ، ويريد الآن أن يتصدق عنه ويحج عنه ، ويعزو سبب وقوع والده في ذلك إلى عدم وجود علماء ومرشدين وناصحين له ، فما الحكم في ذلك كله؟
ج: إذا كان والده معروفاً بالخير والإسلام والصلاح ، فلا يجوز له أن يصدق من ينقل عنه غير ذلك ممن لا تعرف عدالته ، ويسن له الدعاء والصدقة عنه حتى يعلم يقيناً أنه مات على الشرك ، وذلك بأن يثبت لديه بشهادة الثقات العدول اثنين أو أكثر أنهم رأوه يذبح لغير الله من أصحاب القبور أو غيرهم ، أو سمعوه يدعو غير الله ، فعند ذلك يمسك عن الدعاء له ، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن الله له ، مع أنها ماتت في الجاهلية على دين الكفار ، ثم استأذن ربه أن يزورها فأذن له ، فدل ذلك على أن من مات على الشرك ولو جاهلاً لا يدعى له ، ولا يستغفر له ، ولا يتصدق عنه ، ولا يحج عنه ، أما من مات في محل لم تبلغه دعوة الله ، فهذا أمره إلى الله سبحانه ، والصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يمتحن يوم القيامة ، فإن أطاع دخل الجنة ، وإن عصى دخل النار؛ لأحاديث صحيحة وردت في ذلك.
حكم الحج عمن يعتقد في الأولياء
س: وكلني شخص بأداء فريضة الحج عنه بعد موته ، علماً بأن المذكور كان يعتقد في غير الله من الأولياء والأموات ، نظراً منه أنهم سيكونون واسطة له عند الله ، فهل يجب علي أن أؤدي فريضة عنه بعد موته أم لا ، وما الدليل على ذلك؟([42])
ج: إذا استنابك إنسان في أداء فريضة الحج وهو معروف بالشرك الأكبر ، كدعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم ونحو ذلك ، فهذه الاستنابة غير صحيحة والحج عنه باطل ، لأن المشرك لا يستغفر له ولا يحج عنه ولا ينفعه عمل لا منه ولا من غيره؛ لقول الله تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به "([43]) الآية ، وقوله تعالى: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى" الآية ، وإذا حرم الاستغفار لهم فالحج عنهم مثل ذلك أو أشد.
أسأل الله العافية لي ولكم والوفاة على الإسلام.. آمين
انتهى الجزء السادس عشر ويليه بمشيئة الله الجزء السابع عشر وأوله كتاب المواقيت
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة
الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله
الجزء السابع عشر..
باب المواقيت
1- مواقيت الحج الزمانية والمكانية
س: نسأل فضيلتكم عن معنى قول الله سبحانه: "الحج أشهر معلومات " الآية جزاكم الله خيراً([44])
ج: يقول الله سبحانه: "الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب " .
ومعنى الآية: أن الحج يُهل به في اشهر معلومات وهي: شوال وذو القعدة والعشر الأولى من ذي الحجة هذه هي الأشهر. هذا هو المراد بالآية وسماها الله أشهراً؛ لأن قاعدة العرب إذا ضموا بعض الثالث إلى الاثنين ، أطلقوا عليها اسم الجمع.
وقوله سبحانه: "فمن فرض فيهن الحج" يعني: أوجب الحج فيهن على نفسه بالإحرام بالحج فإنه يحرم عليه الرفث والفسوق والجدال. والرفث هو: الجماع ودواعيه ، فليس له أن يجامع زوجته بعد ما أحرم ، ولا يتكلم ولا يفعل ما يدعوه إلى الجماع ولا يأتي الفسوق وهي: المعاصي كلها من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا وأكل مال اليتيم والغيبة والنميمة وغير ذلك من المعاصي.
والجدال معناه: المخاصمة والمماراة بغير حق فلا يجوز للمحرم بالحج أو بالعمرة أو بهما أن يجادل بغير حق ، وهكذا في الحق لا ينبغي أن يجادل فيه بل يبينه بالحكمة والكلام الطيب ، فإذا طال الجدال ترك ذلك ولكن لابد من بيان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وهذا النوع غير منهي عنه بل مأمور به في قوله سبحانه: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن "
2- حكم من جاوز الميقات دون إحرام
س: ما حكم من جاوز الميقات دون أن يحرم سواء كان لحج أو عمرة أو لغرض آخر؟([45])
ج: من جاوز الميقات لحج أو عمرة ولم يحرم وجب عليه الرجوع والإحرام بالحج والعمرة من الميقات؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ، قال عليه الصلاة والسلام: "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ، ويهل أهل الشام من الجحفة ، ويهل أهل نجد من قرن، ويهل أهل اليمن من يلملم " هكذا جاء في الحديث الصحيح ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "وقت النبي لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة " فإذا كان قصده الحج أو العمرة فإنه يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر عليه فإن كان من طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة وإن كان من طريق الشام أو مصر أو المغرب أحرم من الجحفة من رابغ الآن وإن كان من طريق اليمن أحرم من يلملم وإن كان من طريق نجد أو الطائف أحرم من وادي قرن ويسمى قرن المنازل ، ويسمى السيل الآن ، ويسميه بعض الناس وادي محرم فيحرم من ذلك بحجة أو عمرة أو بهما جميعاً ، والأفضل إذا كان في أشهر الحج أن يحرم بالعمرة فيطوف لها ويسعى ويقصر ويحل ثم يحرم بالحج في وقته ، وإن كان مر على الميقات في غير أشهر الحج مثل رمضان أو شعبان أحرم بالعمرة فقط ، هذا هو المشروع ، أما إن كان قدم لغرض آخر لم يرد حجاً ولا عمرة إنما جاء لمكة للبيع أو الشراء أو لزيارة بعض أقاربه
وأصدقائه أو لغرض آخر ولم يرد حجاً ولا عمرة فهذا ليس عليه إحرام على الصحيح وله أن يدخل بدون إحرام ، هذا هو الراجح من أصح قولي العلماء والأفضل أن يحرم بالعمرة ليغتنم الفرصة.
س: ما حكم تجاوز الميقات في الحج والعمرة؟([46])
ج: لا يجوز للمسلم إذا أراد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات الذي يمر به إلا بإحرام ، فإن تجاوزه بدون إحرام لزمه الرجوع إليه والإحرام منه ، فإن ترك ذلك وأحرم من مكان دونه أو أقرب منه إلى مكة فعليه دم عند كثير من أهل العلم يذبح في مكة ويوزع بين الفقراء؛ لكونه ترك واجباً وهو الإحرام من الميقات الشرعي ، أما إن كان حين مروره بالميقات لم يرد حجاً أو عمرة وإنما أراد حاجة أخرى بمكة كزيارة لبعض أقاربه أو أصدقائه أو تجارة أو نحو ذلك فمثل هذا لا شيء عليه؛ لكونه ما أراد حجاً ولا عمرة لكن لا يجوز له ذلك إذا كان لم يعتمر عمرة الإسلام فيما مضى من الزمان ، ومتى أراد هذا الذي تجاوز الميقات بدون إحرام لكونه لم يرد الحج أو العمرة متى أراد الحج أو العمرة في الطريق قبل أن يصل الحرم وجب عليه أن يحرم من المكان الذي تجددت فيه النية ، والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة" .
فدل هذا الحديث على جميع ما ذكرناه آنفاً لمن تأمله ،أما إن كان الذي لم يرد حجاً ولا عمرة لم تتجدد له نية الحج أو العمرة إلا بعد ما وصل إلى الحرم فهذا فيه تفصيل: فإن كان أراد الحج فلا بأس أن يحرم به من الحرم أو الحل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "ومن كان دون ذلك فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة".
وأما إن أراد العمرة فإنه يخرج إلى الحل كالتنعيم والجعرانة أو غيرهما فيحرم من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله عنها لما أرادت العمرة وهي بمكة أن تخرج إلى التنعيم فتهل بعمرة منه. وأمر أخاها عبد الرحمن أن يصحبها في ذلك. والله ولي التوفيق.
3- حكم من تجاوز الميقات أكثر من مرة دون إحرام
س: الأخ إ. ع ج. من الرياض بالمملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: شخص عليه دم لإحرامه من جدة بعد أن جاوز الميقات وقد وقع في هذا الخطأ عدة مرات ، ماذا يفعل؟ هل يذبح ذبيحة واحدة وتكفي أم الجواب خلاف ذلك؟ أرجو من سماحتكم الإفادة جزاكم الله خيراً؟([47]).
ج: عليه عن كل مرة ذبيحة تذبح في مكة للفقراء إذا كان قد جاوز الميقات وهو ناو الحج أو العمرة ثم أحرم من جدة ، ويجزئ عن ذلك سبع بدنة أو سبع بقرة مع التوبة إلى الله سبحانه من ذلك؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يجاوز الميقات وهو ناوٍ للحج أو العمرة إلا بإحرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة "([48]) ، ولقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: "من ترك نسكاً أو نسيه فليهرق دماً " وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
4- من قصد مكة لتجارة أو زيارة لأقاربه فليس عليه إحرام
س: ما حكم من قدم إلى مكة ولم يحرم للعمرة ولم يطف ولم يسع؟
ج: إذا كان الذي قصد مكة لم يقصد حجاً ولا عمرة وإنما أراد التجارة أو الزيارة لبعض أقاربه أو نحو ذلك فليس عليه إحرام ولا طواف ولا سعي ولا وداع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم – لما وقت المواقيت لأهل المدينة والشام ونجد واليمن -: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة "([49]) الحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، فدل ذلك على أن من لم يرد الحج والعمرة فليس عليه شيء ولكن إذا تيسر له الإحرام للعمرة فهو أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " وهذا في حق من قد أدى عمرة الإسلام. أما من لم يؤدها فالواجب عليه البدار بها إذا قدر على ذلك كالحج. والله الموفق.
5- حكم التردد بين الطائف وجدة للعمل بلا إحرام لم نوى الحج
س: موظف قد عزم على الحج لكن له أعمال في الطائف يتردد من أجلها بين الطائف وجدة بغير إحرام؟
ج: لا حرج في ذلك؛ لأنه حين تردده من الطائف إلى جدة لم يقصد حجاً ولا عمرة وإنما أراد قضاء حاجاته لكن من علم في الرجعة الأخيرة من الطائف أنه لا عودة له إلا الطائف قبل الحج فعليه أن يحرم من الميقات بالعمرة أو الحج. أما إذا لم يعلم ثم صادف وقت الحج وهو في جدة فإنه يحرم من جدة بالحج ولا شيء عليه. ويكون حكمه حكم المقيمين في جدة الذين جاءوا إليها لبعض الأعمال ولم يريدوا حجاً ولا عمرة عند مرورهم بالميقات.
6- حكم من نوى العمرة لوالده ثم لنفسه قبل الميقات
س: الأخ / ص. ع. س. من الظهران في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: أنا مقيم وأرغب في تأدية عمرة رمضان لي ولوالدي المتوفى ، فهل يجوز لي أن أذهب للميقات وأنوي العمرة لوالدي ثم إذا أديت النسك أحرم من مكاني سواء بمكة أو جدة بعمرة لنفسي أم لابد من الذهاب للميقات؟([50])
ج: إذا كنت خارج المواقيت وأردت الحج أو العمرة لك أو لغيرك من الأموات أو العاجزين عن أدائها لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. فإن الواجب عليك أن تحرم من الميقات الذي تمر عليه وأنت قاصد الحج أو العمرة فإذا فرغت من أعمال العمرة أو الحج فلا حرج عليك أن تأخذ عمرة لنفسك من أدنى الحل كالتنعيم والجعرانة ونحوهما ، ولا يلزمك الرجوع إلى الميقات؛ لأن عائشة رضي الله عنها أحرمت بالعمرة من ميقات المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما فرغت من حجها وعمرتها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة مفردة فأمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب بها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج ولم يأمرها بالرجوع إلى الميقات. وكانت قد أدخلت الحج على عمرتها التي أحرمت بها من الميقات بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما حاضت قبل أن تؤدي أعمالها.
أما إن كنت ساكناً داخل المواقيت جدة وبحرة ونحوهما فإنه يكفيك أن تحرم بالعمرة أو الحج من منزلك ولا يلزمك الذهاب إلى الميقات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ". ثم قال: "ومن كان دون ذلك فمن حيث انشأ حتى أهل مكة يهلون من مكة " متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وبين حديث عائشة رضي الله عنها المذكور آنفاً أن من كان داخل الحرم ليس له أن يحرم من داخل الحرم للعمرة خاصة ، بل عليه أن يخرج إلى الحل فيحرم منه بالعمرة ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بذلك. ويكون حديث عائشة المذكور مخصصاً لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس "حتى أهل مكة يهلون من مكة" وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى. وبالله التوفيق.
7- إحرام من هم دون المواقيت
س: من كان سكنه دون المواقيت فمن أين يحرم؟([51])
ج: من كان دون المواقيت أحرم من مكانه مثل أهل أم السلم وأهل بحرة يحرمون من مكانهم وأهل جدة يحرمون من بلدهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: "ومن كان دون ذلك – أي دون المواقيت – فمهله من حيث أنشأ " وفي لفظ آخر: "فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون منها " .
8- حكم من بدا له الحج والعمرة بعد تجاوز الميقات
س: ما حكم الشرع فيمن خرج من الرياض إلى مكة ولم يقصد حجاً ولا عمرة ، ثم بعد وصوله إلى مكة أراد الحج فأحرم من جدة قارنا فهل يجزئه الإحرام من جدة أم عليه دم ولابد من ذهابه على أحد المواقيت المعلومة أفتونا مأجورين؟
ج: من خرج من الرياض أو غيرها قاصداً مكة ولم يرد حجاً ولا عمرة وإنما أراد عملاً آخر كالتجارة أو زيارة بعض الأقارب أو نحو ذلك ثم بدا له بعد ما وصل مكة أن يحج فإنه يحرم من مكانه الذي هو فيه ، إن كان في جدة أحرم منها ، وإن كان في مكة أحرم من مكة ، وهكذا أي مكان يعزم فيه الحج أو العمرة وهو فيه يحرم منه للحج والعمرة إذا كان دون المواقيت ولا حرج عليه؛ لأن ميقاته هو الذي نوى منه الحج أو العمرة إذا كان دون المواقيت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: "ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة"([52]).
لكن إذا أراد العمرة وهو في حرم مكة لم يجز له الإحرام بها من داخل الحرم بل عليه أن يخرج حتى يحرم بها من خارج الحرم ، التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تحرم بالعمرة من خارج الحرم لما أرادت أن تعتمر في حجة الوداع وهي في داخل الحرم.
س: أنا مقيم في مدينة الرياض وذهبت إلى مكة مع بداية الحج براً عن طريق السيل الكبير لزيارة أهلي ، وكتبت لي حجة دون ذهابي إلى الميقات. فهل علي دم إن لم أحرم من الميقات؟ وهل يجوز الإحرام من جدة في مثل هذه الحالة؟
ج: إذا كنت حين مررت على الميقات لم تنو حجاً ولا عمرة ، وإنما نويت الحج بعد وصولك إلى مكة فليس عليك شيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة. ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ ، حتى أهل مكة من مكة" متفق على صحته.
حكم الإحرام من الحرم الشريف
س: ما قولكم في رجل أحرم في الحرم الشريف بالحج نيابة عن غيره ولم يحرم في الميقات أفيدونا جزاكم الله خيراً؟([53])
ج: إذا كان هذا المحرم مقيماً في الحرم ثم جاء وقت الحج وهو مقيم ، إذا دخلها دخولاً شرعياً لأداء عمرة أو حج سابق ، أو دخلها لحاجة كالتجارة أو نحوها ثم بدا له أن يحج عن نفسه أو غيره فإنه يحرم من مكة ولا حاجة له إلى الميقات.
10- ميقات الحجاج القادمين من أفريقيا
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرمة السيدة / ت. أ. ر. حفظها الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
فقد تلقيت رسالتك المؤرخة في 16/12/1391هـ وعلمت ما تضمنته من الأسئلة وإليك الإجابة عنها.
أولاً: بالنسبة لحجك مع عمك فلا بأس به؛ لأن العم محرم شرعي ونرجو من الله أن يتقبل منك ويثيبك ثواب الحج المبرور.
وأما ميقات الحجاج القادمين من أفريقيا فهو الجحفة أو ما يحاذيها من جهة البر والبحر والجو إلا إذا قدموا من طريق المدينة فميقاتهم ميقات أهل المدينة. ومن أحرم من رابغ فقد أحرم من الجحفة؛ لأن الجحفة قد ذهبت آثارها وصارت بلدة رابغ في محلها أو قبلها بقليل.
وأما من ناحية المساجد الموجودة بالمدينة المعروفة حالياً فكلها حادثة ما عدا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء ، وليس لهذه المساجد غير المسجدين المذكورين خصوصية من صلاة أو دعاء أو غيرهما ، بل هي كسائر المساجد من أدركته الصلاة فيها صلى مع أهلها أما قصدها للصلاة فيها والدعاء والقراءة أو نحو ذلك لاعتقاده خصوصية فيها فليس لذلك أصل بل هو من البدع التي يجب إنكارها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "([54]) ، أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها ، وتحقيقاً لرغبتك يسرنا أن نبعث إليك برفقه بعضاً من الكتب التي توزعها الجامعة حسب البيان المرفق ، نسأل الله أن ينفع بها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس الجامعة الإسلامية
11- بيان خطأ من جعل جدة ميقاتاً لحجاج الجو والبحر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه..أما بعد:
فقد اطلعت على ما كتب في التقويم القطري بإملاء فضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري صفحة 95، 96 حول المواقيت للوافدين إلى مكة بنية الحج أو العمرة فألفيته قد أصاب في مواضع وأخطأ في مواضع خطأً كبيراً ، فرأيت أن من النصح لله ولعباده التنبيه على المواضع التي أخطأ فيها راجياً بعد اطلاعه على ذلك توبته عما أخطأ فيه ورجوعه إلى الحق؛ لأن الرجوع إلى الحق شرف وفضيلة وهو خير من التمادي في الباطل بل هو واجب لا يجوز تركه؛ لأن الحق واجب الاتباع ، فأقول:
أولاً: ذكر وفقه الله في الفقرة الثالثة من كلمته ما نصه:
"القاصدون عن طريق الجو لأداء الحج والعمرة إذا كانت النية منهم الإقامة بجدة ولو يوماً واحداً ينطبق عليهم حكم المقيمين بجدة والنازلين بها فلهم أن يحرموا من جدة" انتهى.
وهذا كلام باطل وخطأ ظاهر مخالف للأحاديث الصحيحة الواردة في المواقيت ومخالف لكلام أهل العلم في هذا الباب ومخالف لما ذكره هو نفسه في الفقرة الأولى من كلمته المشار إليها آنفاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لمريدي الحج والعمرة من سائر الأمصار ولم يجعل جدة ميقاتاً لمن توجه إلى مكة من سائر الأمصار والأقاليم وهذا يعم الوافدين إليها من طريق البر أو البحر أو الجو.
والقول بأن الوافد من طريق الجو لم يمر عليها قول باطل لا أساس له من الصحة؛ لأن الوافد من طريق الجو لابد أن يمر قطعاً بالمواقيت التي وقتها النبي صلى الله عليه وسلم أو على ما يسامتها فيلزمه الإحرام منها ، وإذا اشتبه عليه ذلك لزمه أن يحرم في الموضع الذي يتيقن أنه محاذيها أو قبلها حتى لا يجاوزها بغير إحرام ، ومن المعلوم أن الإحرام قبل المواقيت صحيح وإنما الخلاف في كراهته وعدمها ، ومن أحرم قبلها احتياطاً خوفاً من مجاوزتها بغير إحرام فلا كراهة في حقه ، أما تجاوزها بغير إحرام فهو محرم بالإجماع في حق كل مكلف أراد حجاً أو عمرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس المتفق عليه لما وقت المواقيت: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة "([55]) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المتفق عليه: "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن " ، وهذا اللفظ عند أهل العلم خبر بمعنى الأمر فلا تجوز مخالفته ، وقد ورد في بعض الروايات بلفظ الأمر وذلك بلفظ "ليهل" والقول بأن من أراد الإقامة بجدة يوماً أو ساعات من الوافدين إلى مكة من طريق جدة له حكم سكان جدة في جواز الإحرام منها قول لا أصل له ولا أعلم به قائلاً من أهل العلم.
فالواجب على من يوقع عن الله ويفتي عباده في الأحكام الشرعية أن يتثبت فيما يقول وان يتقي الله في ذلك؛ لأن القول على الله بغير علم خطره عظيم وعواقبه وخيمة. وقد جعل الله سبحانه القول عليه بلا علم في أعلى مراتب التحريم لقوله عز وجل: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون "([56])
وأخبر سبحانه في آية أخرى أن ذلك مما يأمر به الشيطان فقال سبحانه: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " وعلى مقتضى هذا القول الباطل لو أراد من توجه من المدينة إلى مكة بنية الحج والعمرة أن يقيم بجدة ساعات جاز له أن يؤخر إحرامه إليها ، وهكذا من توجه من نجد أو الطائف إلى مكة بنية الحج أو العمرة وأراد الإقامة في لزيمة أو الشرائع يوماً أو ساعات جاز له أن يتجاوز قرناً غير محرم ويكون له حكم سكان لزيمة أو الشرائع. وهذا قول لا يخفى بطلانه على من تأمل النصوص وكلام أهل العلم ، والله المستعان.
ثانياً: ذكر الشيخ عبد الله الأنصاري في الفقرة الخامسة ما نصه: "يجوز لمن يقصد أداء العمرة أن يتجه إلى التنعيم فيحرم منها حيث أنها الميقات الشرعي " انتهى وهذه العبارة فيها لإجمال وإطلاق فإن كان أراد بها سكان مكة والمقيمين بها فصحيح ، ولكن يؤخذ عليه قوله " "إن التنعيم هو الميقات الشرعي" فليس الأمر كذلك بل الحل كله ميقات لأهل مكة والمقيمين بها فلو أحرموا من الجعرانة أو غيرهما من الحل فلا حرج وكانوا بذلك محرمين من ميقات شرعي ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة إلى الحل لما أرادت العمرة ، وكونها أحرمت من التنعيم لا يوجب ذلك أن يكون هو الميقات الشرعي وإنما يدل على الاستحباب كما قاله بعض أهل العلم؛ لأن في بعض الروايات من حديثها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن يعمرها من التنعيم وذلك – والله أعلم- لكونه أقرب الحل إلى مكة جمعاً بين الروايات ، أما إن أراد بهذه العبارة أن كل من أراد العمرة له أن يحرم من التنعيم ولو كان في جهة أخرى من الحل فليس بصحيح؛ لأن كل من كان في جهة من الجهات خارج الحرم ودون المواقيت فإن ميقاته من أهله للحج والعمرة جميعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عباس المتفق عليه -: "ومن كان دون ذلك – يعني دون المواقيت – فمهله من أهله " وفي لفظ: "فمهله من حيث أنشأ " وقد أحرم النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة عام الفتح لما فرغ من تقسيم غنائم حنين فلم يذهب إلى التنعيم ، والله ولي التوفيق.
ثالثاً: ذكر الشيخ عبد الله في الفقرة السادسة والسابعة ما نصه: "لا حجة لمن يقول بأن القاصد إلى جدة بالطائرة يمر بالميقات؛ لأنه لا يمر بأي ميقات من المواقيت بل هو هائم أو طائر في الجو ولم ينزل إلا بجدة " ونص الحديث: "ولمن مر بهن" ولا يعتبر من كان طائراً بالهواء بأنه مار بأي ميقات " انتهى كلامه
وهذا القول غير صحيح ، وقد مضى الرد عليه آنفاً ، وقد سبق الشيخ عبد الله الأنصاري إلى هذا الخطأ الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في مقال وزعه زعم فيه أن الوافد من طريق الجو أو البحر إلى مكة لا يمر على المواقيت وزعم أن ميقاته جدة ، وقد أخطأ في ذلك كما أخطأ الشيخ عبد الله الأنصاري فالله يغفر لهما جميعاً ، وقد كتب مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رداً على الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في زعمه أن جدة ميقات للوافدين إلى مكة من الحجاج والعمار من طريق الجو أو البحر ونشر الرد في وقته ، وقد أصاب المجلس في ذلك وأدى واجب النصح لله ولعباده ، ولا يزال الناس بخير ما بقي فيهم من ينكر الخطأ والمنكر ويبين الصواب والحق.
وما أحسن ما قاله الإمام مالك رحمه الله: "ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر" يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسأل الله أن يغفر لنا جميعاً وأن يمنحنا وسائر إخواننا إصابة الحق في القول والعمل والرجوع إلى الصواب إذا وضح دليله إنه خير مسؤول.
رابعاً: ذكر الشيخ عبد الله الأنصاري هداه الله في الفقرة الثامنة والتاسعة ما نصه: "على من يريد مواصلة سيره إلى مكة لأداء نسكه أن يجهز إحرامه من آخر مطار يقوم منه وينوي قبل جدة بمقدار عشرين دقيقة إذا كان قصده مواصلة السير بدون توقف أو إقامة في جدة، أما الذي يقيم بجدة ولو ساعات يجوز له أن يحرم من جدة إن شاء الله وينطبق عليه حكم ساكن جدة " انتهى كلامه.
وقد سبق أن هذا التفصيل والتحديد لا أساس له من الصحة وأن الواجب على من أراد الحج أو العمرة من الوافدين إلى مكة من طريق الجو أو البحر الإحرام بالنسك الذي أرادوا من حج أو عمرة إذا حاذوا الميقات الذي في طريقهم أو سامتوه ولا يجوز لهم تأخير الإحرام ولو نووا الإقامة بها يوماً أو ساعات فإن شكوا في المحاذاة لزمهم الإحرام من المكان الذي يتيقنون فيه احتياطاً للواجب ، وإنما الكراهة عند بعض أهل العلم في حق من أحرم قبل الميقات بدون عذر شرعي.
وأسأل الله أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم ، وان يوفقنا وجميع علماء المسلمين لإصابة الحق في القول والعمل ، وأن يعيذنا جميعاً من القول عليه بلا علم إنه سميع قريب, ولواجب النصح للمسلمين جرى تحريره وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
12- إبطال دعوى من ادعى أن جدة ميقات لجميع الوافدين إلى مكة من طريقها للحج أو العمرة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد:([57])
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مواقيت الإحرام التي لا يجوز لمن مر بها يريد الحج أو العمرة تجاوزها بدون إحرام وهي:
ذو الحليفة (أبيار علي): لأهل المدينة ومن جاء عن طريقهم.
والجحفة: لأهل الشام ومصر والمغرب ومن جاء عن طريقهم.
ويلملم (السعدية): لأهل اليمن ومن جاء عن طريقهم.
وقرن المنازل (السيل الكبير): لأهل نجد وأهل المشرق ومن جاء عن طريقهم.
وذات عرق: لأهل العراق ومن جاء عن طريقهم.
ومن كان منزله دون هذه المواقيت مما يلي مكة فإنه يحرم من منزله حتى أهل مكة يحرمون من مكة للحج وأما العمرة فيحرمون بها من أدنى الحل.
والذي أوجب نشر هذا البيان أنه صدر من بعض الأخوة في هذه الأيام كتيب اسمه: (أدلة الإثبات أن جدة ميقات) يحاول فيه إيجاد ميقات زائد على المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ظن أن جدة تكون ميقاتاً للقادمين في الطائرات إلى مطارها أو القادمين إليها عن طريق البحر أو عن طريق البر فلكل هؤلاء أن يؤخروا الإحرام إلى أن يصلوا إلى جدة ويحرموا منها ، لأنه بزعمه وتقديره تحاذي ميقاتي السعدية والجحفة فهي ميقات وهذا خطأ واضح يعرفه كل من له بصيرة ومعرفة بالواقع؛ لأن جدة داخل المواقيت والقادم إليها لابد أن يمر بميقات من المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يحاذيه براً أو بحراً أو جواً فلا يجوز له تجاوزه بدون إحرام إذا كان يريد الحج أو العمرة لقوله صلى الله عليه وسلم لما حدد هذه المواقيت: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة" فلا يجوز للحاج والمعتمر أن يخترق هذه المواقيت إلى جدة بدون إحرام ثم يحرم منها لأنها داخل المواقيت.
ولما تسرع بعض العلماء منذ سنوات إلى مثل ما تسرع إليه صاحب هذا الكتيب فأفتى بأن جدة ميقات للقادمين إليها صدر عن هيئة كبار العلماء قرار بإبطال هذا الزعم وتفنيده جاء فيه ما نصه: "وبعد الرجوع على الأدلة وما ذكره أهل العلم في المواقيت المكانية ومناقشة الموضوع من جميع جوانبه فإن المجلس يقرر بإجماع ما يلي:
أن الفتوى الصادرة بجواز جعل جدة ميقاتاً لركاب الطائرات الجوية والسفن البحرية فتوى باطلة لعدم استنادها إلى نص من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو إجماع سلف الأمة ، ولم يسبقه إليها أحد من علماء المسلمين الذين يعتد بأقوالهم.
ولا يجوز لمن مر بميقات من المواقيت المكانية أو حاذى واحداً منها جواً أو براً أو بحراً أن يتجاوزها من غير إحرام كما تشهد لذلك الأدلة ، وكما قرره أهل العلم رحمهم الله تعالى.
ولواجب النصح لله ولعباده رأيت أنا وأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إصدار هذا البيان حتى لا يغتر أحد بالكتيب المذكور " انتهى. هذا وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
العمرة.
يتبع