بين بعض القراءات القرآنية وبعض القواعد النحوية
أحمد سعد الخطيب
القرآن الكريم هو الكلام العربي، الذي لا عوج فيه ولا التواء، أعجز الله به البلغاء، وأبكم به
الفصحاء، فنهل الكل من معينه، وخضع الجميع لعظمته وسموه. وقد جاء هذا الكتاب خطاباً عاماً للأمم كافة في كل زمان وفي أي مكان، لذلك راعى اختلاف عقول الناس، وما تستوعبه منه، فشمل ما يلبى رغبات الخواص فألمح وأشار، ونوَّه، وعرّض، ونوّع، في أوجه الإعراب، فاشتمل على الدقائق التي لا يطلع عليها إلا بصير حصيف.
وشمل أيضاً ما يلبى رغبات العوام فأفصح وأبان، وأرهب ورغب، وعلل ووجه، فاشتمل على صنوف من القول، وفنون من البلاغة، وذلك لأنه الكتاب الخاتم الذي لا كتاب بعده، المنزل على الرسول الخاتم الذي لا رسول بعده، ومع ذلك فقد اعترض بعض أهل النحو على بعض قراءاته الثابتة، زاعمين أنها خالفت قواعد النحو.
وقد أخطؤوا في قياس آيات القرآن الكريم على قواعد النحو أيما خطأ، بل أجرموا أيما إجرام؛ لأن القرآن الكريم هو كلام الله المعجز لأساطين البيان والبلاغة، وأنه أصل اللغة، ومنه تستنبط قواعدها، وعلى ضوء آياته تضبط اللغة، وتصحح هيئاتها.
وإني إذ أؤكد هذه الحقيقة آتي إلى بعض تلك القراءات التي ادعوا أنها خالفت قواعد العربية؛ لأبين أنها لم تخالفها بل لها في وجوه العربية ما يؤيدها؛ ليتقرر من خلال ذلك أن هذه الدعوى تنبئ عن قصور قائليها، وعدم درايتهم بكل أوجه العربية.
ومما أوردوه في هذا المقام ما يلي:
المثال الأول:
قال - تعالى -: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام)[1].
حيث قرأ حمزة - وهو أحد القراء السبعة - (والأرحامِ) بالخفض، وفي هذا يقول صاحب الشاطبية:
وحمزة والأرحامِ بالخفض جملا[2]
عارض النحاة هذه القراءة بحجة أنه لا يجوز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور إلا بإعادة حرف الجر - كما هو مقرر في قواعد النحو وهو اتجاه البصريين - ومنه قوله - تعالى -: (فخسفنا به وبداره الأرض) [3].
الرد على هؤلاء النحاة وتوجيه القراءة:
والرد على هؤلاء النحاة ومن وافقهم من المفسرين هو من خلال الآتي:
1- القرآن الكريم هو الكتاب الخالد الذي أنزله الله - عز وجل - لهداية البشرية، وهو بجانب ذلك كتاب معجز في فصاحته وبلاغته، حيث نزل فأعيا الله به الفصحاء، وألجم به البلغاء، فشهد الأعداء ببلاغته، وأقر الحاقدون ببراعته، واعترف الجميع بسيادته.
والمعروف أن للقراءة المقبولة ضوابط ذكرها السيوطى في الإتقان[4]، نقلاً عن ابن الجزري وقد سبق ذكرها، وأذكر بأنها صحة السند، وموافقة اللغة العربية ولو بوجه، وموافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وهذه القراءة التي معنا هي قراءة حمزة أحد القراء السبعة، والمقرر لدى العلماء أن القراءات السبع متواترة؛ لاستيفائها شروط التواتر، ومن هنا تلقتها الأمة بالقبول.
وبذلك يكون شرط صحة السند قد تحقق ما هو أعلى منه، وهو التواتر الذي يكفي وحده في القطع بقرآنيتها.
يقول القرطبي في معرض رده على من ردوا قراءة حمزة: "مثل هذا الكلام محذور عند أئمة الدين؛ لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تواتراً يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن رد ذلك، فقد رد على النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور لا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو، فإن العربية تتلقى من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يشك أحد في فصاحته. ا. هـ[5].
وأما بالنسبة لشرط موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، فهو متوفر أيضاً؛ لأن رسم القراءة بحركة الإعراب نصباً أو خفضاً لم يغير من رسمها، ولا من هيئتها شيئاً، مع التذكير بأن المصاحف العثمانية كانت خالية من النقط والشكل.
وأما بالنسبة للشرط الثالث: وهو موافقة اللغة العربية ولو بوجه، فسوف يبين لنا فيما هو آت أنه متحقق أيضاً بوجوه عديدة وليس بوجه واحد، وسوف يبين لك أيضاً ضعف قاعدة البصريين التي اعتمدوا عليها في رد القراءة.
2- وقد قيل في توجيه قراءة الخفض بعيداً عن كونها معطوفة على الضمير المجرور بدون إعادة الجار أقوال منها:
أ- ما قيل: إن الواو في (والأرحامِ) هي واو القسم والمقسم هو الله - تعالى -، ومعلوم أن لله - تعالى - أن يقسم بما شاء من خلقه، وذلك كما أقسم - سبحانه - بالضحى والليل والفجر والشمس وغيرها من المخلوقات.
ب- وقيل: هو قسم أيضاً، لكن على تقدير مضاف محذوف -أي ورب الأرحام-. [6]
ج- وقيل: هو على تقدير إضمار الخافض، قال ابن خالويه: واستدلوا له بأن الحجاج كان إذا قيل له: كيف تجدك؟ يقول: خيرٍ عافاك الله، يريد بخير.
أو أنه على تقدير: واتقوه في الأرحام أن تقطعوها، ثم قال ابن خالويه: وإذا كان البصريون لم يسمعوا الخفض في مثل هذا ولا عرفوا إضمار الخافض، فقد عرفه غيرهم ومنه قول القائل:
رسمِ دارٍ وقفت في طلله*** كدت أقضى الحياة من خلله
3- وقيل في توجيه الخفض كذلك: إن (الأرحامِ) معطوف على الضمير المجرور في قوله: (به)،
وهذا التوجيه هو الذي عارضه البصريون، وعارضوا القراءة، وردوها لأجله؛ لأنها تخالف ما هو مقرر عندهم من عدم جواز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور بدون إعادة حرف الجر، وحجتهم في ذلك أن الضمير في الكلمة جزء منها، فكيف يعطف على جزء من الكلمة؟ وشبهوه بالتنوين وقالوا: كما لا يعطف على التنوين، فإنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار.
مناقشة هذا الرأي:
هذا الذي ذهب إليه البصريون في رد قراءة حمزة (والأرحامِ)، ردوا به أيضاً تخريج عطف (المسجدِ) على الضمير المجرور في قوله: (به)، وذلك في قوله - سبحانه -: ((وكفر به والمسجدِ الحرام))[7]
هنا ناقش السمين الحلبي هذه القاعدة مناقشة علمية متأنية، أنقل هنا أكثر ما قاله لتتم الفائدة، قال السمين: اختلف النحاة في العطف على الضمير المجرور على ثلاثة مذاهب:
أحدهما: وهو مذهب الجمهور من البصريين، وجوب إعادة الجار إلا في ضرورة.
الثانى: أنه يجوز ذلك في السعة مطلقاً، وهو مذهب الكوفيين، وتبعهم أبو الحسن ويونس والشلوبيون.
والثالث: التفصيل، وهو إن أكد الضمير جاز العطف من غير إعادة الخافض نحو: "مررت بك نفسك وزيد"، وإلا فلا يجوز إلا لضرورة وهو قول الجَرْمى.
وبعد أن ذكر السمين هذه الآراء حول العطف على الضمير المجرور علق بعد ذلك بقوله:
والذي ينبغي أنه يجوز مطلقاً - للأسباب الآتية:
أ- كثرة السماع الوارد به.
ب- ضعف دليل المانعين.
ج- اعتضاد ذلك القياس.
قال: أما السماع: ففي النثر كقولهم: "ما فيه غيره وفرسِه" بجر "فرسه" عطفاً على الهاء في غيره، ومنه قوله - تعالى -: (ومن لستم له برازقين) [8]، و"من" عطف على "لكم" في قوله - تعالى -في الآية نفسها: (لكم فيها معايش).
ومنه قوله - تعالى -: (وما يتلى عليكم) [9] حيث عطف "ما" على "فيهن" -أي على الضمير المجرور فيها-، وهو يعنى قوله - تعالى -: (قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم ……)) ثم قال: وفي النظم منه الكثير، ونقل شواهد عديدة اكتفي بذكر بعضها.
فمن ذلك قول القائل:
أكر على الكتيبة لا أبالى*** أفيها كان حتفي أم سواها
حيث عطف "سواها" على الضمير المجرور في "فيها" ولم يعد الجار، ومنه أيضاً قول القائل:
إذا أوقدوا ناراً لحرب عدوهم*** فقد خاب من يصلى بها وسعيرها
حيث عطف "سعيرها" على الضمير المجرور في "بها" ولم يعد الجار، ومنه أيضاً قول القائل:
فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا*** فاذهب فما بك والأيام من عجب
حيث عطف " الأيام " على الضمير المجرور في "بك" ولم يعد الجار.
وقد ذكر السمين من ذلك الكثير ثم قال:
فكثرة ورود هذا وتصرفهم في حروف العطف دليل على جوازه.
وأما ضعف الدليل: فهو أنهم - أي البصريين - منعوا ذلك؛ لأن الضمير كالتنوين، فكما لا يعطف على التنوين، لا يعطف عليه إلا بإعادة الجار.
ووجه ضعفه أنه كان بمقتضى هذه العلة ألا يعطف على الضمير مطلقاً، أعني سواء كان مرفوع الموضع، أو منصوبه، أو مجروره، وسواء أعيد معه الخافض أم لا كالتنوين، وهذا كلام وجيه جداً من السمين الحلبي.
وأما القياس: فلأنه تابع من التوابع الخمسة فكما يؤكد الضمير المجرور، ويبدل منه، فكذلك يعطف عليه. [10]
ومن خلال ذلك يتضح لنا أن قراءة حمزة (والأرحامِ) عطفاً على الضمير المجرور قبله قد تأيد بأكثر من دليل، فتحقق بذلك ما وعدت به سلفاً من إظهار ضعف رأى البصريين في رد هذه القراءة، وضعف قاعدتهم التي اعتمدوا عليها، وقد أسهبت في ذلك، وفي توجيه القراءة وتخريجها على أقوال وتخريجات أخرى بعيدة عن التخريج المعترض عليه، حتى يكون ما ذكرته في هذا المثال أساساً أعتمد عليه في الحكم على أراء النحاة في رد بعض القراءات الثابتة الأخرى؛ لأبين أنهم لم يستوعبوا في ردهم لهذه القراءات كل الأوجه النحوية المحتملة في تخريج القراءة -، حيث إن وجهاً واحداً من وجوه العربية تحتمله القراءة، يكفي لقبولها مع توافر الشرطين الآخرين -، فعلى ذلك قس اعتراضاتهم على القراءات التالية في الأمثلة التي سوف أسوقها الآن.
المثال الثاني:
قال - تعالى -: (وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ أولادهم شركائهم) [11]، بجعل (زين) ماضياً للمجهول، ورفع (قتلُ) على أنه نائب فاعل، ونصب (أولادهم) على المفعولية، وجر (شركائهم)، بالإضافة إلى (قتل) وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، وهذه قراءة ابن عامر أحد القراء السبعة.
وقد عارض بعض النحاة هذه القراءة بحجة أنه قد فصل فيها بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف في غير الشعر، فإن ذلك وإن كان سمجاً في الشعر أيضاً؛ إلا أنه يتسامح فيه للضرورة الشعرية.
ومن المفسرين الذين ردوا هذه القراءة الزمخشري حيث قال في الكشاف - متابعاً النحاة: "وأما قراءة ابن عامر ((قتلُ أولادهم شركائهم)) برفع القتل، ونصب الأولاد، وجر الشركاء على إضافة القتل إلى الشركاء، والفصل بينهما بغير الظرف، فشيء لو كان في الضرورات وهو الشعر، لكان سمجاً مردوداً، فكيف به في الكلام المنثور؟ فكيف به في القرآن الكريم المعجز بحسن نظمه، وجزالته، والذي حمله -أي ابن عامر على ذلك- أن رأى في بعض المصاحف شركائهم مكتوباً بالياء، ولو قرئ بجر الأولاد والشركاء؛ لكان الأولاد شركاءهم في أموالهم، ولوجد في ذلك مندوحة عن هذا الانكباب. [12]
وعجبت لمفسر جليل له في قلبي مكان لبراعته في النقد والتمحيص هو الفخر الرازي[13]، كيف يتعرض لهذه القراءة، ولموقف الزمخشري منها، ثم يمضى دون أن ينقده ويرد عليه؟ ولست أدرى هل ارتضى ذلك من الزمخشري، أم أنه رأى أن تهافت رأيه من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تنبيه.
وأيّاً ما كان السبب، فالحق أحب إلينا من كل حبيب، فقراءة ابن عامر قراءة متواترة، وكان الأولى بالزمخشري ومن لف لفه في رد هذه القراءة، أن يصححوا القاعدة النحوية؛ لتمضى مع القراءة، لا أن يردوا قرآناً متواتراً؛ لمخالفته لقاعدة نحوية.
وكلام الزمخشري في رده قراءة ابن عامر يشير إلى معتقده في القراءات، وأنها اجتهادية، وليست منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذا ما ينبئ عنه قوله: ولو قرئ بجر الأولاد والشركاء لكان الأولاد شركاءهم في أموالهم …
يقصد الزمخشري أنه كان بمقدور ابن عامر أن يعدل عن نصب الأولاد إلى جره بالإضافة إلى "قتل"، وإبدال الشركاء منه، فيكون المعنى: إن الشيطان زين لكثير من المشركين قتل أولادهم وهم شركاؤهم في أموالهم.
أرأيت ذلك السخف الذي يرمى إليه كلام الزمخشري، ولست أدرى هل نبا من علمه أن القراءات نقلية، لا اجتهادية؟ وكيف يغيب ذلك عن مفسر كالزمخشري له باعه الطويل في إظهار بلاغة القرآن الكريم؟
إن القراءات سمعية نقلية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست اجتهادية، وقد اتفق العلماء واعتقد أهل الحق أن القراءات السبع - ومنها قراءة ابن عامر -؛ متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجمالاً وتفصيلاً، بل قال صاحب المناهل: إن الرأي المحقق هو أن القراءات العشر متواترة، وليس السبع فقط. [14]، إذا ثبت ذلك فلا اعتبار لما قاله الزمخشري أو غيره في تضعيف قراءة ابن عامر وردها.
ولقد شدد ابن المنير - في الانتصاف - النكير على الزمخشري فقال: إن المنكر على ابن عامر إنما أنكر عليه ما ثبت أنه براء منه قطعاً وضرورة؛ لأن هذه القراءة مما علم ضرورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بها، ولولا عذر أن المنكر ليس من أهل الشأنين، أعنى علم القراءة وعلم الأصول، ولا يعد من ذوى الفنيين المذكورين؛ لخيف عليه الخروج من ربقة الدين، وإنه على هذا العذر لفي عهدة خطرة، وزلة منكرة. [15]
وقال أبو حيان في رده عليه: وأعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقاً وغرباً. [16]
ومع ذلك فإذا نزلنا مع الزمخشري ومن تابعه في رد هذه القراءة، إذا نزلنا معهم إلى القياس النحوي، فإننا نرى أن القراءة ماضية مع القواعد النحوية، فلقد قال الكوفيون: يجوز الفصل بين المتضايفين في النثر وفي الشعر إذا كان المضاف مصدراً، والمضاف إليه فاعله، والفاصل بينهما مفعوله كقراءة ابن عامر التي نحن بصددها، ومنه قول القائل:
عتوا إذ أجبناهم إلى السلم رأفة*** فسقناهم سوق البغاث الأجادل
فسوق، مصدر مضاف، والأجادل مضاف إليه، من إضافة المصدر إلى فاعله، والبغاث مفعوله، وفصل به بين المضاف والمضاف إليه، والأصل سوق الأجادل البغاث. [17]
ولست أهدف من ذلك تصحيح القراءة بقواعد العربية، بل هدفي الرد على بعض المخالفين، ودعوتهم إلى تصحيح ما استقروا عليه من أوجه الإعراب المخالفة لاستعمال القرآن الكريم، وتصحيحها لتمضى مع قواعد القرآن الكريم.
المثال الثالث
قال - تعالى -: (وكذلك نُجِّي المؤمنين)[18]
وهذه قراءة ابن عامر ببناء الفعل "نجي" للمجهول مع تضعيف الجيم وكسرها وتسكين الياء ثم نصب "المؤمنين"[19]
وقد خطأ هذه القراءة أبو حاتم والزجاج وقالا: فيها لحن ظاهر حيث نصب اسم ما لم يسم فاعله، وإنما يقال: نُجِّـــى المؤمنون وكُرم الصالحون. [20]
ودافع عن القراءة من النحاة الفراء وأبو عبيد وثعلب وقالوا: نائب الفاعل هو المصدر المحذوف والتقدير: وكذلك نجي النجاء المؤمنين، كما تقول ضُرب زيدا بمعنى ضُرب الضربُ زيداً. ومنه قول القائل:
ولو ولدت قفيرة جرو كلب*** لسب بذلك الجرو الكلابا
أي لسب السب بذلك الجرو الكلابا.
وفي الإتحاف: أن الأصل ننجى حذفت إحدى النونين استثقالاً لتوالى المثلين. [21]
وقد اعترض على هذه القراءة أيضاً بأن الفعل "نجي" وهو ماض جاء ساكن الآخر، والأصل أن يأتي مفتوحاً.
وأجيب عن ذلك بأن تسكين ياء الماضي جاء على لغة من يقول: بقي ورضي دون تحريك الياء استثقالاً لتحريك ياء قبلها كسرة، ومنه قول القائل:
خمر الشيب لمتى تخميرا*** وحدا بي إلى القبور البعيرا
ليت شعري إذا القيامة قامت*** ودُعِي بالحساب أين المصيرا
حيث سكنت ياء دُعي استثقالاً لتحريكها وقبلها كسرة.
يتبع