قال الشيخ سليمان بن سحمان فى كتابه تبرئة الامامين الجليلين من تزوير اهل الكذب - فإن الشهادة على قتلاهم بالنار واستباحة أموالهم وسبي ذراريهم من أوضح الواضحات على ارتدادهم مع ما ثبت من تسميتهم أهل الردة جميعاً ولم يسيروا مع مانعي الزكاة بخلاف سيرتهم مع بني حنيفة وطليحة الاسدي وغيره من أهل الردة ولم يفرقوا بينهم ومن نقل ذلك عنهم فقد كذب عليهم وافترى ودعوى أن ابا بكر رضي الله عنه لم يقل بكفر من منع الزكاة وانهم بمنعهم إياها لم يرتدوا عن الاسلام دعوى مجردة فأين الحكم بالشهادة على أن قتلاهم في النار هل ذاك إلا لأجل ارتدادهم عن الاسلام بمنع الزكاة ولو كان الصحابة رضي الله عنهم لا يرون أن ذلك ردة وكفراً بعد الاسلام لما سبوا ذراريهم وغنموا أموالهم ولساروا فيهم بحكم البغاة الذين لا تسبى ذراريهم وأموالهم ولم يجهزوا على جريحهم وقد كان الصحابة رضي الله عنهم اخشى لله واتقى من أن يصنعوا هذا الصنيع بمسلم ( ممن ) لا يحل سبي ذراريهم وأخذ اموالهم وهل هذا إلا غاية الطعن على الصحابة وتسفيه رأيهم وما اجمعوا عليه وتعليله بأنه لو كان يرى أنهم كفار لم يطالبهم بالزكاة بل يطالبهم بالايمان والرجوع تعليل بارد لا دليل عليه فانهم لم يكفروا ويرتدوا بترك الايمان بالله ورسوله وسائر اركان الاسلام وشرائعه فيطالبهم بالرجوع إلى ذلك وإنما كان ارتدادهم بمنع الزكاة وأدائها والقتال على ذلك فيطالبهم باداء ما منعوه واركان الاسلام فلما لما ينقادوا لذلك وقاتلوا كان هذا بسب ردتهم وعمر أجل قدرا ومعرفة وعلماً من أن يعارض أبا بكر أو يقره على خلاف الحق فغنه لما ناظره أبو بكر وأخبره أن الزكاة حق المال قال عمر فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق .
وقد كان من المعلوم أن جحد الصلاة أو تركها تهاوناً وأصر على ذلك أنه كافر . فلذلك قال أبو بكر والله لا قاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فمن جحد الزكاة ومنعها كان كمن جحد الصلاة وامتنع عن فعلهاوبذلك تعرف عمق علم الصحابة وأنهم ابر هذه الامة قلوباً واعمقها علما وأقلها تكلفاً ، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه ولاظهار دينه .
وأما دعواه أن أبا بكر دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم ، ولم يكفرهم فدعوى مجردة وتحكم بلا علم فأين ادخالهم في أهل الردة وسبي نسائهم وذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار لولا كفرهم وارتدادهم فإنهم لو كانوا مسلمين عندهم لما ساروا فيهم سيرة أهل الردة.
وشيخ الاسلام رحمه الله من أعلم الناس بأحوال الصحابة وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره وكان إليه المنتهى في ذلك . قال الامام الذهبي في معجم شيوخه : هو شيخنا وشيخ الاسلام وفريد العصر علما ومعرفة وشجاعة وذكاء وتنويراً إليهاً ، وكرماً ونصحاً للأمة ، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ، سمع الحديث وأكثر بنفسه من طلبه وكتابته وخرج ونظر في الرجال والطبقات وحصل ما لم يحصله غيره وبرع في تفسير القرآن وغاص في دقائق معانيه بطبع سيال وخاطر وقاد إلى مواضع الاشكال ميال واستنبط شيئاً لم يسبق إليها وبرع في الحديث وحفظه فقل من يحفظ ما يحفظ من الحديث مع شدة استحضاره له وقت الدليل وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب وفتاوى الصحابة والتابعين واتقن العربية أصولاً وفروعاً ونظر في العقليات وعرف أقوال المتكلمين ورد عليهم ونبه على خطئهم وحذر منه ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين وأوذي في الله تعالى من المخالفين وأخيف في نصره السنة المحفوظة حتى أعلى الله مناره وجمع قلوب اهل التقوى على محبته والدعاء له وكبت أعدائه وهدى به رجالا كثيراً من أهل الملل والنحل وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالباً وعلى طاعته وأحيى به الشام بل الاسلام بعد أن كان ينثلم خصوصاً في كائنة التتار وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي فلو حلفت بين الركن والمقام أني ما رأيت بعيني مثله وأنه ما رأى هو مثل نفسه لما حنثت انتهى . وقال ابن الوردي في تاريخه وقد عاصره ورآه : وكانت له خبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم ومعرفته بفنون الحديث مع حفظه لمتونه الذي انفرد به وهو عجباً في استحضاره واستخراج الحجج منه وإليه المنتهي في عزوه إلى الكتب الستة والمسند حيث يصدق عليه أن يقال كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث ولكن الاحاطة لله تعالى غير أنه يغترف فيه من بحر وغيره من الائمة يغترفون من السواقي وأما التفسير فسلم له ( قال ) وله الباع الطويل في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين قل أن يتكلم في مسألة إلا ويذكر فيها مذاهب الاربعة ، وقد خالف الاربعة في مسائل معروفة وصنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة وبقي سنين يفتى بما قام الدليل ( عليه ) عنده ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية .
وكان دائم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التوكل ثابت الجأش له أوراد وأذكار يديمها ، لا يداهن ولا يحابي ، محبوباً عند العلماء والصلحاء والامراء والتجار والكبراء انتهى ملخصاً .
وإذا كانت هذه حاله عند أهل العلم بالحديث والجرح والتعديل وأنه كان إليه المنتهي في هذه الحقائق علماً وعملاً ومعرفة واتقاناً وحفظاً وقد جزم بإجماع الصحابة فيما نقله عنهم في أهل الردة تبين لك أنه لم يكن بين الصحابة خلاف قبل موت أبي بكر رضي الله عنه ولم يعرف له مخالف منهم بعد أن ناظرهم ورجعوا إلى قوله ولو ثبت خلافهم قبل موت أبي بكر وبعد الغلبة على أهل الردة كما زعم ذلك من زعمه لذكر شيخ الاسلام ولم يجزم بإجماعهم على كفر مانعي الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وقد اختلفوا ، هذا ما لا يكون أبداً