تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حكم الشروع في المندوب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,985

    افتراضي حكم الشروع في المندوب

    حكم الشروع في المندوب


    د. أيمن عبد الحميد عبد المجيد البدارين([*])




    ملخص البحث:


    المندوب الذي لا يعاقب تاركه، هل ينقلب واجباً يعاقب تاركه إذا شرع الشخص فيه، بأن تلبس بفعله وباشر عمله، فيحرم عندها قطعه؟ وإن قطعه وجب عليه قضاؤه؟

    اختلف الأصوليون والفقهاء في هذه القاعدة فلم يوجب الشافعية والحنابلة المندوب بالشروع فيه، وأوجبه البعض مطلقاً، وفصل الحنفية والمالكية، فأوجبوه في بعض النوافل دون بعض، فقمت بالتعريف بالمسألة وبينت أهميتها وهدفها، وحررت محل النزاع وأسباب الخلاف فيها، وشروط وجوب النفل بالشروع عند القائلين به، كما بينت مذاهب العلماء وأدلتهم، وقد ترجح لدى بعض مناقشة الأدلة بقاء المندوب على حكمه الأصلي، فلا ينقلب واجباً بالشروع فيه.


    المقدمة:


    الأصل في المندوب: أنه يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، لكن هل هذا الحكم يبقى ثابتاً حتى بعد الشروع في المندوب؟ أي الدخول فيه وبدء العمل به، أو التلبس به؟ بتعبير آخر هل ينقلب المندوب واجباً بمباشرة العمل به؟ فمن نوى صوم يوم نافلة كيوم الاثنين ولم ينو قضاء ولا التزاماً بنذر أوجبه على نفسه، ثم باشر فعلاً بالصوم بأن دخل جزء من النهار وهو صائم، فهل يجب عليه أن يكمل صومه ويحرم عليه قطعه إلا بعذر يبيح الفطر في الصيام الواجب كصيام رمضان؟ أم يبقى صومه مندوباً، فيحل له قطعه دون سبب مع كونه خلاف الأولى أو مكروه على أبعد تقدير، لأن المندوب لا يعاقب تاركه.
    أو بتعبير آخر هل يبقى حكم المندوب الندب قبل الشروع فيه وبعده، أم يصبح للمندوب حكمان: حكم قبل الشروع فيه وهو الندب، وحكم بعد الشروع فيه وهو الوجوب، فيكون المندوب مندوباً قبل الشروع واجباً بعده، أي حكمه الندب أصالة، والوجوب تبعاً لعارض زائد عن ماهيته، وهو الشروع فيه والدخول في هذا الفعل المندوب، أياً كان هذا المندوب، في أي باب من أبواب الفقه.
    هذا ما تحاول الدراسة الإجابة عليه من خلال عرض آراء العلماء في هذه المسألة الأصولية وأدلتهم، والموازنة بينها للوصول إلى الراجح في هذه القضية والقاعدة الخطيرة التي يمكن أن يتفرع عنها عشرات، بل مئات آلاف الفروع الفقهية، لأن القاعدة تنطبق على كل نافلة.
    أهمية البحث:

    هذه قاعدة أصولية عظيمة الخطر، واسعة التطبيق، كثيرة النفع، إذ يتفرع عنها عشرات بل مئات آلاف الفروع الفقهية، لأن المندوبات لا تحصى كثرة، سواء أكان النفل ثابتاً بنص خاص من كتاب أو سنة، أو كان ثابتاً بالإجماع، أو بالقياس، أو بالأدلة التبعية الأخرى، أو بالتفريع على أصول الشرع ومقاصده، فلا يوجد واجب لا يتعلق به مندوبات، ولا يوجد مندوب أو مستحب لذاته أو لغيره إلا وتنطبق عليه هذه القاعدة.
    فهي قاعدة جليلة، تطبيقاتها هائلة، فلاشك أن نفعها عظيم، لأن كثرة التطبيقات هي أحد أهم معايير الأهمية في بحث القواعد الأصولية.


    مشكلة البحث وأسئلته:


    يحاول البحث معالجة مجموعة من المشاكل والإجابة على مجموعة من الأسئلة منها:
    هل المندوب إذا شرع فيه صار واجباً؟ فالشروع في نفل العبادة هل هو سبب لوجوب إتمامه وقضائه إن فسد؟ وما هي اتجاهات الأصوليين وآرائهم في القاعدة؟
    هل صحيح ما ينسب إلى الحنفية والمالكية من إطلاق القول: بأن الشروع في النفل يوجبه أياً كان هذا النفل؟ أم في المسألة تفصيل وتعيين لبعض النوافل دون بعض؟
    ما الأدلة التي استدل بها كل فريق، وما أحقية ما استدلوا به عند عرضه على قواعد الشرع وأصوله.
    ما الشروط الواجب توافرها في النفل كي يصبح واجباً بالشروع فيه عند القائلين بذلك؟
    أين محل النزاع بالضبط بين الأصوليين في القضية موضوع الدراسة.
    ما الأسباب التي أدت إلى الاختلاف بين القائلين بوجوب إتمام الندب بالشروع فيه والقائلين بعدم وجوبه؟ وهل للقاعدة تطبيقات فقهية تدل على أهميتها؟
    هدف البحث:


    يهدف البحث إلى أمور، منها:
    تحرير محل النزاع بين الأصوليين في القاعدة موضوع الدراسة.
    بذل الجهد في استقراء آراء العلماء في وجوب أو عدم وجوب إتمام النفل في حال الشروع فيه، وهل يصبح إتمامه واجباً أم يبقى على أصل الندب؟
    تحقيق آراء المذاهب التي ينسب إليها إطلاق القول بوجوب إتمام النفل في حال الشروع فيه، وإثبات خطأ هذه النسبة، وأن المعتمد في هذه المذاهب غير ما اشتهرت نسبته إليها، بخاصة المذهب الحنفي والمالكي.
    محاولة استقراء أدلة الفرقاء ومناقشتها، للوصول إلى الراجح في هذه القضية والقاعدة الأصولية العظيمة الخطر والواسعة التطبيق.
    بيان شروط وجوب إتمام النفل عن القائلين به.
    الوقوف على أهم الأسباب التي أدت إلى الاختلاف بين القائلين بوجوب إتمام الندب بالشروع فيه، والقائلين بعدم وجوبه.
    الإسقاط الواقعي للقاعدة على الفروع الفقهية من خلال ضرب مجموعة من الأمثلة التطبيقية الفقهية في نهاية الدراسة التي تعطي مزيد بيان وتوضيح للقاعدة وكيفية إعمالها.
    تقسيم البحث:


    قسمت البحث إلى تمهيد وتسعة مطالب: تضمن التمهيد: توطئة للبحث، بيان أهميته، هدفه، مشكلته، تقسيمه، الدراسات السابقة حول القاعدة، أما المطالب فجاءت على النحو التالي:
    المطلب الأول: التعريف بموضوع البحث.
    المطلب الثاني: تحرير محل النزاع.
    المطلب الثالث: مذاهب العلماء في وجوب المندوب بالشروع فيه.
    المطلب الرابع: أسباب اختلاف الأصوليين.
    المطلب الخامس: شروط وجوب النفل بالشروع فيه عند القائلين به.
    المطلب السادس: أدلة المذاهب، وقسمته إلى فرعين عرضت فيهما أدلة كل مذهب من المذاهب.
    المطلب السابع: المناقشة والترجيح، المطلب الثامن: التطبيقات على القاعدة.
    وختمت البحث بذكر أهم نتائج البحث، وتوصيات الباحث، وذكر المراجع والمصادر مرتبة هجائياً بحسب أسماء مؤلفيها.
    الدراسات السابقة:


    لم أعثر على دراسة مستقلة بحثت قضية الدراسة.


    المطلب الأول


    التعريف بموضوع البحث


    المندوب في اللغة مأخوذ من ندب، وجميع الألفاظ المشتقة من هذا الجذر ترجع إلى معان هي: الأثر، ومنه الندب أثر الجرح. والجمع أنداب، والثاني: الخطر، ومنه: أندب نفسه، خاطر بها، والثالث: يدل على خفة في الشيء، ومنه رجل ندب أي خفيف([1])، إضافة إلى معنى الطلب، إذ يطلق في اللغة على المدعو إليه([2]).
    ومن هذين المعنيين الأخيرين أخذ معنى الندب اصطلاحاً، لأن المندوب مطلوب فعله، وهذا الطلب فيه خفة على المكلف، إذ يطالب بفعله لا على سبيل الحتم والإلزام، ولا يعاقب على تركه، فاجتمع فيه الطلب والخفة أي السهولة.
    فالندب: هو ما طلب الشارع فعله لا على سبيل الحتم والإلزام، ومرادهم بنفي الحتم والإلزام نفي العقاب عمن تركه مع لزوم الثواب تفضلاً من الله عز وجل على من فعله، فهو: ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه.
    فللندب تعريفان، تعريف بالصفات الذاتية وهو: "ما طلب الشارع فعله طلباً غير جازم"([3])، وهو تعريف حدي، والثاني: تعريف بالأثر وهو: "ما يثاب على فعله، ولا يعاقب على تركه"([4]) وهو تعريف رسمي، لأن الأثر خارج عن الماهية، ومع ذلك فالتعريف الرسمي أسهل وأوضح، وهو جامع مانع لا اعتراض عليه، كاف في التعبير عن الندب، لأن ترتب الثواب على الفعل لا يكون إلا من مطلوب، وعدم ترتب العقاب علي الترك لا يكون إلا إن كان الطلب غير جازم، ويمكن أن يجمع التعريفان بالقول إن المندوب هو:
    ما طلب الشرع فعله طلباً غير جازم، بحيث يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه.
    واستخدام بعضهم الحمد أو المدح والذم بدل الثواب والعقاب، فعرفه بأنه ما يحمد فاعله ولا يذم تاركه، وقيد "يحمد" خرج به الحرام والمكروه فإنه يحمد تاركهما، وكونه لا يذم تاركه خرج به الواجب فإن تاركه يذم، وقيد "مطلقاً" ليخرج بذلك خصال الكفارة والواجب الموسع وفرض الكفاية، لأن فاعله يمدح ولا يذم تاركه. على أن قيد مطلقاً يغني عنه قولهم "لا يذم" يفيد العموم، لكونه نكرة في سياق النفي([5]).
    فالإتيان بالمندوب موجب للثواب([6]) تفضلاً من الله عز وجل، وهذا الثواب في المندوب أقل منه في الواجب، لقوله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة عز وجل: (وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه) ([7]). والمراد بالشروع: هو الدخول في العبادة دخولاً معتبراً شرعاً وفق الشروط المقررة في الشروع لكل عبادة، فلو أن مكلفاً دخل في عبادة فهل يجب عليه إتمامها أم لا؟
    فمن شرع في صلاة نافلة كسنة الظهر القبلية (راتبة الظهر) – مثلاً – فهل ينقلب حكم النافلة بدخوله وشروعه فيها بتكبيرة الإحرام من الندب إلى الوجوب فيحرم عليه قطعها إلا لسبب يبيح قطع الواجب، أم يبقى الحكم على أصله، وهو سنية الركعتين قبل فريضة الظهر، فيجوز قطعها ولو لغير عذر([8])؟
    وليتنبه إلى أن المندوب والمستحب والفضيلة والنفل والتطوع والسنة عند جماهير أهل العلم من الفقهاء الأصوليين([9]) ألفاظ مترادفة، أي أسماء لمعنى واحد، وحكمها جميعاً الثواب على الفعل، وعدم العقاب على الترك، وذهب بعض أهل العلم إلى أن المندوب والمستحب والتطوع والسنة غير مترادفة ثم تفرقوا بعد ذلك إلى مذاهب: فذهب بعضهم إلى أن الفعل إن واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم فهو السنة، فإن فعله مرة أو مرتين فهو المستحب، أو لم يفعله صلى الله عليه وسلم وهو ما ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد والنوافل المطلقة فهو التطوع، وفيل: إن النفل والتطوع لفظان مترادفان، والسنن والمستحب ونحو ذلك أنواع لها، وقيل: السنة: ما استحب فعله وكره تركه، والتطوع: ما استحب فعله ولم يكره تركه، وقيل: السنة ما فعله صلى الله عليه وسلم، والمستحب ما أمر به، سواء أفعله أم لا، أو فعله ولم يداوم عليه، وقيل: السنة ما ترتب كالرواتب مع الفرائض، والنفل والندب ما زاد على ذلك، وقيل: النفل قريب من الندب إلا أنه دونه في الرتبة، وقيل: ما ارتفعت رتبته في الأمر وبالغ الشرع في التخصيص منه يسمى سنة، وما كان في أول هذه المراتب تطوعاً ونافلة، وما توسط بين هذين فضيلة ومرغباً فيه([10]).
    والخلاف لفظي لا يظهر أثره إلا في كثرة الثواب وقلته([11])، ولأن حاصله جواز أو عدم جواز وضع اسم بدل آخر في التعبير عن المندوب، كأن نسمي المندوب سنة أو تطوعاً أو العكس؟ فمنعه بعضهم، وذهب أكثر أهل العلم إلى جوازه([12]).
    فالقاعدة في المحصلة تنطبق على جميع الأفعال التي تنطبق عليها أحد هذه الأسماء في لسان الفقهاء، فهي أسماء لمسمى واحد، أو ألفاظ مشتركة لنفس المعنى، والعبرة بالقصود والمعاني لا للألفاظ والمباني، فهل الشروع في المندوب أو المستحب أو الفضيلة أو النفل أو التطوع أو السنة أو غيرها من الاصطلاحات المشتركة – التي يثاب فاعلها ولا يذم تاركها – يجعل هذا الفعل واجباً، أي فيجب إتمامه، ويحرم قطعه إلا لعذر يبيح قطع الواجب، ويجب عليه قضاؤه إن قطعه؟ هذا محور الدراسة والقاعدة التي يحاول هذا البحث الإجابة عنها والإحاطة بما يتعلق بها.


    المطلب الثاني


    تحرير محل النزاع


    اتفق العلماء على أن من أحرم بالحج والعمرة المندوبين وجب عليه إتمام أفعالهما، فلا يخرج منهما بالإفساد، وهذا متفق عليه عند الجميع، إلا إذا اشترط عند الإحرام وحبسه حابس، أو أحصر ومنع من أعمالها فيفدي ويتحلل([13])، قال العيني: "وبالاتفاق على أن حج التطوع يلزم بالشروع"([14]). قال ابن القيم: "إن الله سبحانه أمر بإتمام الحج والعمرة، فعلى من شرع فيهما أن يمضي فيهما وإن كان متطوعاً بالدخول باتفاق الأئمة، وإن تنازعوا فيما سواه من التطوعات، هل تلزم بالشروع أم لا"([15])، بل نقل بعضهم إجماع أهل العلم على أن من أحرم بحج أو عمرة وجب عليه الإتمام، لكن وجوب الإتمام بعد الشروع لا يستلزم ابتداء الوجوب([16]).
    واختلف العلماء في بقية الأفعال المندوبة التي طلب الشارع فعلها لا على سبيل الحتم والإلزام، بحيث يترتب على فعلها الثواب ولا يترتب على تركها العقاب، هل يجب إتمامها بالشروع فيها أم لا، ويترتب على ذلك وجوب قضائها في حال قطعها عند القائلين بالوجوب وعدم ذلك عند القائلين بعدمه.
    ثم هل موضع البحث هو عين المندوب أم الشروع فيه، أي هل يصبح نفس المندوب واجباً بالشروع فيه، أم أن الوجوب لا يتعلق بعين الفعل المندوب وإنما بعين الشروع فيه وإتمامه، أي يبقى المندوب مندوباً، والذي يصبح واجباً هو إتمامه.
    اختلف القائلون بلزوم الشروع في حكم النفل بعد الشروع فيه على أقوال:
    النفل بالشروع فيه يصير واجباً، وهو ظاهر كلام الأكثر([17])، وممن نص على ذلك: الإمام التفتازاني بقوله: "النفل يلزم بالشروع فيه([18])، والبجيرمي في قوله: "النفل يلزم بالشروع"([19])، وابن حجر العسقلاني في قوله: "واحتجوا به بأن التطوع يلزم بالشروع"([20])، ونسبة الكاساني للحنفية بقوله: "النفل يصير واجباً عندنا بالشروع"([21])، ويدل على أن محل الكلام في عين المندوب فيه وتحوله إلى الوجوب، لا أن المسألة متعلقة بالشروع فقط، قول الإمام الرازي: "اختلفوا في أن المندوب هل يصير واجباً بعد الشروع فيه، فعند أبي حنيفة رحمة الله عليه أن التطوع يلزم بالشروع، وعند الشافعي رضي الله عنه لا يجب"([22])، ومن المعاصرين: محمد المالكي بقوله: "الوجوب في النوافل بالشروع"([23])، وعبد الكريم زيدان بقوله: "المندوب إذا شرع فيه صار واجباً"([24]). وهذه بعض العبارات التي نقلتها سريعاً، ولو أردت مزيد بسط لعباراتهم لتبين أن قولهم هو قول المعظم.
    النفل يبقى نفلاً والذي يجب هو الإتمام، فالوجوب يتعلق بإتمام العبادة بعد الشروع فقط([25])، يفهم هذا من كلام عدد من الفقهاء كقول الحموي: "إذا شرع في الأربع التي قبل الظهر أو قبل الجمعة أو بعدها ثم قطع في الشفع الأول والثاني يلزمه الأربع أي قضاؤها، قلت – الحموي -: ولولا وجوب المضى لما لزم القضاء"، وقول الدسوقي: "النفل يلزم إتمامه بالشروع فيه"([26]). وهذا قول الأقل كما يفهم من استقراء عباراتهم.
    وأتوقف عن الترجيح بين الاتجاهين، وأرى أن المسألة بحاجة إلى مزيد تدقيق ونظر.
    وليتنبه إلى فرق جوهري بين الحنفية والمالكية، وهو أنهم اتفقوا على أن من قطع نافلة بعد أن شرع بها عامداً لا ناسياً، ولم يكن ثمة عذر يمنع إتمامها، فهذا يجب عليه قضاء هذه النافلة عند الطرفين، أما لو قطعها ناسياً أو كان ثمة عذر يمنع إتمامها فقطعها لأجله فيجب عليه قضاؤها عند الحنفية، ولا يجب القضاء عند المالكية([27]).
    المطلب الثالث


    مذاهب العلماء في وجوب المندوب بالشروع فيه


    المذهب الأول:

    لا يلزم النفل بالشروع فيه، فلا يجب إتمامه ولا يعاقب على تركه، وإن قطعه لا يجب عليه قضاؤه، وهو قول سفيان الثوري، وإسحاق، وهو مذهب مجاهد، وطاؤس، وهو قول ابن عباس، وروي عن سلمان، وأبي الدرداء وغيرهم([28])، واعتبره الماوردي ثابتاً عن علي بن أبي طالب، وابن عباس وجابر بن عبد الله([29]).
    وهو ما رجحه السادة الشافعية، والإمام أحمد في رواية عنه رجحها أكثر الحنابلة، ومنهم: القاضي أبو يعلى، فهو مخير بين فعل النفل وتركه وإن كان فعله أولى، فإذا شرع فيه فهو مخير فيما لم يأت تحقيقاً لمعنى النفلية، إذ النفل لا ينقلب فرضا، وإتمامه لا يكون إسقاطاً للواجب بل أداء للنفل([30])، حتى قعد الشافعية قاعدة "الشروع لا يغير حكم المشروع فيه غالباً"([31])، والحنابلة قاعدة "لا يلزم المندوب بشروع، بل هو مخير فيه بين إتمامه وقطعه"([32]).
    فمن قطع عبادته المندوبة لعذر لم يكره، وإن قطعها لغير عذر كره على الأصح، ومن العذر: أن يعز على من المضيف امتناع الضيف من الأكل، فعندها لا يكره على الصائم صوم ندب أن يفطر([33]). وليس للشافعية نفل مطلق يستحب قضاؤه إلا من شرع في نفل صلاة أو صوم ثم أفسده فإنه يستحب له قضاؤه كما ذكره الرافعي في باب صوم التطوع([34]). وقال الشافعية بلزوم عبادات أربع أخرى بالشروع فيها فاستثنوها من أصلهم – إضافة إلى الحج – وهي:
    الأضحية: فإنها سنة، وإذا ذبحت لزمت بالشروع، وقد نص عليه الشافعي.
    الجهاد: يجب إتمامه على الشارع، فيه حتى وإن كان تطوعاً.
    صلاة الجنازة: وهو المعتمد، خلافاً لإمام الحرمين الجويني الذي ذهب إلى أن له قطعها إذا كانت لا تتعطل بقطعه لها.
    لو شرع المسافر في الصلاة بنية الإتمام لزمه، ولا يسوغ له القصر بعد ذلك، بخلاف ما لو شرع في الصيام فله الفطر على الصحيح([35]).
    كما إن حكم سائر التطوعات عند الحنابلة حكم الصوم فيما تقدم، عدا الحج والعمرة فإنها يلزمان بالشروع، وعن أحمد أنه قال: الصلاة أشد – يعني من الصوم – فلا يقطعها. قيل: له، فإن قطعها قضاها؟ قال: إن قضاها فليس فيه اختلاف. فمال الجوزجاني الحنبلي([36]) من هذا إلى أنها تلزم بالشروع، لأنها ذات إحلال وإحرام فأشبهت الحج، وعامة الأصحاب على خلافه، وكلام أحمد لا دلالة فيه على وجوب القضاء، بل على تأكد استحبابه([37]). وذهب الزاهدي الحنفي([38]) أنه لو شرع في سنة من السنن أو التراويح لا يلزمه المضي ولا قضاؤها إذا أفسد([39]).
    المذهب الثاني:

    يلزم النفل بالشروع فيه مطلقاً، ويجب إتمامه، ويعاقب على تركه، وإن قطعه يجب عليه قضاءه، وقد نسب هذا الرأي إلى أبي بكر الصديق، وابن عباس، وكثير من الصحابة والتابعين، الحسن البصري، ومكحول، والنخعي، وهو المشهور من مذهب السادة الحنفية والمالكية، وقالوا: إن من شرع في نافلة وجب عليه إتمامها، ولا يجوز له الخروج منها وإبطالها، فإن خرج منها وجب عليه قضاءها([40])، وقالوا في بيان تعميمها وإطلاقها: "العبادة تلزم بالشروع كما تلزم بالنذر"([41])، وإن كان ابن عابدين لم ينسب لمن ورد ذكرهم من الصحابة والتابعين إطلاق القول بذلك، وإنما "الشروع في نفل العبادة التي تلزم بالنذر ويتوقف ابتداؤها على ما بعده في الصحة"([42]). وروى الطحاوي عن ابن عباس وعبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أنهما كانا يريان القضاء واجباً من إفساد صوم التطوع([43]).
    وعن الإمام أحمد رواية أخرى غير معتمدة بوجوب إتمام صوم التطوع ولزوم القضاء إن أفطر، وعنه رواية ثالثة بأنه يلزم إتمام الصلاة دون الصوم، لأنها ذات إحرام وإحلال([44])، فهذه الرواية تدل على أن الصلاة تلزم بالشروع ومال الجوزجاني من الحنابلة إليها، وقال: الصلاة ذات إحرام وإحلال فلزمت بالشروع كالحج([45])، وأما ما عدا ذلك كالصدقة المتطوع بها والقراءة والأذكار وجميع النوافل فلا يلزم إتمامها بالشروع فيها اتفاقاً([46]).
    تحقيق مذهب الحنفية والمالكية:

    بعض النوافل تصبح واجبة بالشروع فيها دون بعض. هذا هو تحقيق مذهب السادة الحنفية والمالكية، فقد اشتهر القول بإطلاق وجوب إتمام المندوب بالشروع فيه لعموم السادة الحنفية والمالكية، وهي نسبة مع ذيوعها واشتهارها وانتشارها إلا أنها بعيدة كل البعد عن التحقيق، حيث أن القول بالإطلاق موجود في هذين المذهبين، لكنه ليس المعتمد فيهما. ولا بد من التنبيه إلى أن من أطلق النسبة للحنفية والمالكية بإطلاق تحول النفل إلى الوجوب بالشروع فيه صنفان:
    الأول: بعض علماء المذهبين: وهذا الإطلاق منهم يحمل على ما قيده به محققو المذهب، أي فلا يحمل ولا يفهم على إطلاقه، فأي إطلاق لقول في مذهب إنما يحمل على ما قيده به محققوه وأساطينه، فلا يصح نسبة إطلاق القول إلى الحنفية والمالكية في هذه المسألة، وعلى أبعد تقدير يمكن أن يحمل هذا الإطلاق على أنه هو قول في المذهب الحنفي والمالكي مع بعده فيما أرى.
    الثاني: علماء من غير علماء المذهبين: ولا تؤخذ المذاهب إلا من أربابها، فأي نسبة من غير علماء المذهبين لهما إنما هي نسبة خطأ يأتي تصحيحها من خلال الرجوع إلى الكتب المعتمدة في كل مذهب، وعرضها عليها، ليتميز صحة النسبة من خطئه، فأي نسبة إلى الحنفية والمالكية بإطلاق القول في تغير حكم المشروع بالشروع إنما هي نسبة خطأ.
    فما يحب على العبد عند الحنفية والمالكية بالتزامه نوعان:

    ما يجب بالقول، وهو النذر.
    ما يجب بالفعل، وهو الشروع في النوافل([47]).
    أما النسبة للحنفية بإطلاق القول بوجوب المندوب بالشروع فيه عند تدقيق النظر في كتبهم المعتمدة نجد أن هذا الإطلاق لا يصح مطلقاً، فليس كل نافلة تلزم بالشروع عند الحنفية ما لم تتحقق في هذه النافلة وصف هو علة الوجوب وهو "أن العبادة لا تلزم بالشروع ما لم تلزم بالنذر"([48])، فقد جعل الحنفية كون العبادة مما تلتزم بالنذر علة لوجوب إتمامها، ووجوب قضائها إن أفسدها، وممن نص على ذلك: علاء الدين البخاري بقوله: "لا تضمن القربة بالشروع المضاف إلى عبادة لا يمضي في فاسدها، وإنما تضمن بالشروع في عبادة تلتزم بالنذور، ولا بد من إضافة الحكم إلى هذا الوصف، لأن الوصف إنما يذكر علة للحكم، وما ذكر لا يصلح علة للوجوب فلا بد من إضافته إلى وصف يصلح علة للوجوب، وهو أنه مما يلتزم بالنذر"([49])، فالشروع عند الحنفية ملزم كالنذر إلا أن النذر ملزم بذاته، والشروع لصيانة المؤدى إلى السنن والفروض([50])، كما ينبغي التنبيه على أن ما وجب بالشروع في النافلة ليس أقوى مما وجب النذر([51]).
    فليس كل نافلة تلزم بالشروع عند الحنفية، بل التحقيق حصرها في سبع عبادات، جمعها الناظم([52]):
    من النوافل سبع تلزم الشارع أخذاً لذلك مما قاله الشارع
    صوم صلاة طواف حجة رابععكوفه عمرة إحرامه([53]) السابع([54])
    والمراد بـ "الشارع" الأولى هو المكلف الذي يشرع في العبادة، وبالشارع الثانية نص الكتاب والسنة، وفيه مع ما قبله الجناس التام، وقوله: "طواف" أي يلزمه إتمام سبعة أشواط بالشروع فيه بمجرد النية، إلا إذا شرع فيه يظن أنه عليه، وقوله: "عكوفه" الاعتكاف يلزم بالشروع مفرع على القول الضعيف على رواية تقدير الاعتكاف النفل بيوم، أما على ظاهر الرواية من أن أقله ساعة فلا يلزم، بل ينتهي بالخروج من المسجد، وقوله: "إحرامه" أي لو نوى الإحرام من غير تعيين حجة أو عمرة صح ولزمه، وله أن يجعلها لأيهما شاء قبل أن يشرع في أعمال أحدهما، وبهذا غاير الحج والعمرة وإن استلزماه فاندفع التكرار([55]).
    التحقيق أن المعتمد في المذهب المالكي – كما حققه القرافي والرعيني والصاوي وغيرهم – أن القاعدة ليست على إطلاقها وإنما تحقيق المذهب أنه لا تلزم العبادة المندوبة بالشروع إلا في سبع عبادات: الصلاة، والصوم، الحج، العمرة، الاعتكاف، الإئتمام، طواف التطوع، بخلاف الوضوء والصدقة والوقوف والسفر للجهاد غير ذلك، فمن شرع في تجديد الطهارة يجوز له ترك الإكمال لذلك الوضوء، ومن شرع بصدقة التطوع له الرجوع بها، ومن شرع في بناء وقف أو مسجد أو تلاوة القرآن له إبطال ذلك كله([56]).
    وضابط النافلة التي تجب بالشروع عند المالكية أن "كل عبادة توقف أولها على آخرها يجب إتمامها" أصله الحج فيجب إتمامه والعمرة والصلاة والصوم والاعتكاف والطواف بخلاف الوضوء وقراءة القرآن والذكر والصدقة والوقوف والسفر للجهاد ونحوها([57]).
    وقد نظمها ابن عرفة المالكي بقوله:
    صلاة وصوم ثم حج وعمرة طواف عكوف وائتمام([58]) تحتما
    وفي غيرها كالطهر والوقف خيرنفمن شاء فليقطع من شاء تمماً([59])
    ونظمها الحطاب الرعيني بقوله:
    قف واستمع مسائلاً قد حكموا بكونها بالابتداء تلزم
    صلاتنا وصومنا وحجنا وعمرة لنا كذا اعتكافنا
    طوافنا مع ائتمام المقتدفيلزم القضاء بقطع عامد([60])
    من خلال ما سبق يتبين اتفاق الحفية مع المالكية في تعيين العبادات التي تلزم بالشروع.
    وليتنبه إلى أمر دقيق عند القائلين بلزوم العبادة بالشروع فيها، وهو أن الشروع في العبادة ليس ملزماً لذاته، بل لصيانة ما أدى([61]) من العبادة عن البطلان بقطعها، فكأنه بشروعه بالنافلة تعلق حق الله فيها، فلصيانة هذا الحق حرم قطعها، ووجب إتمامها، والله تعالى أعلم.
    وعمم المالكية المنع بمنع قطع العقود التي اعتبر الشرع في انعقادها الشروع فيها بعد الصيغة تلزم بالشروع كالجعل والقراض، لأن أصل العقود من حيث هي اللزوم، وأن ما ثبت في الشرع أو عند المجتهدين أنه مبني على عدم اللزوم بالقول، فإنما ذلك لأن في بعض العقود خفاء الحق الملتزم به فيخشى تطرق الغرر إليه، فوسع فيها على المتعاقدين فلا تلزمهم إلا بالشروع في العمل، لأن الشروع فرع التأمل والتدبر، ولذلك اختلف المالكية في عقود المغارسة والمزارعة والشركة هل تلحق بما مصلحته في لزومه بالقول، أو بما مصلحته في لزومه بالشروع؟([62]).
    وليتنبه إلى فرق جوهري بين الحنفية والمالكية، وهو أنهم اتفقوا على أن من قطع نافلة بعد أن شرع بها عامداً لا ناسياً، ولم يكن ثمة عذر يمنع إتمامها فهذا يجب عليه قضاء هذه النافلة عند الطرفين، أما لو قطعها ناسياً أو كان ثمة عذر يمنع إتمامها فقطعها لأجله فيجب عليه قضاؤها عند الحنفية، ولا يجب القضاء عند المالكية([63]).
    فإن قلت: إن الواجب المتصل كالصلوات الخمس وصوم رمضان يجب قضاؤهما مطلقاً سواء أقطعهما لعذر أم دون عذر، فلم لا يقضي المالكية النوافل مطلقاً وإن قطعت بعذر؟ أجاب القرافي: أن المشهور في علم الأصول: أن القضاء في الواجب المتصل مع العذر وعدمه، لقوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]، والمرض عذر، وقد وجب معه القضاء، فلذلك أوجبنا القضاء مطلقاً، ولم يأت دليل يوجب القضاء في النوافل إن قطعت، بل ورد الدليل بوجوب القضاء في حالة قطع النافلة دون عذر خاصة فاقتصر عليها، لأن وجوب القضاء تبع للأمر به، وهذا الدليل هو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعائشة وحفصة رضي الله عنهما في صوم التطوع: (اقضيا يوماً مكانه) ([64]) وكانتا عامدتين، فبقيت حالة فير العمد لا قضاء فيها على مقتضى الأصل، لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد فيقتصر به حيث ورد([65]).

    المطلب الرابع

    أسباب اختلاف الأصوليين
    يرجع اختلاف الأصوليين في القاعدة إلى أسباب عدة أهمها:
    أولاً: التعارض الظاهري بين الأدلة، فبينما تجد آثاراً تأمر بقضاء ما قطع من النوافل – مثلاً – تجد آثاراً تدل على خلاف ذلك، كما تجد آثاراً تدل على الإنكار على قطع المندوب تجد آثاراً قطع النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه نافلة لا لعذر([66]).
    ثانياً: الاختلاف في تعميم قوله تعالى: ﴿ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 33] هل يشمل كل عمل فيشمل النافلة؟ أم يقتصر على الواجب؟ أو بتعبير آخر هل هو على عمومه؟ أم أنه عام مخصوص؟
    ثالثاً: اختلافهم في صحة قياس النافلة على النذر من عدمه، فمن قاس النافلة على النذر قال بوجوب إتمامها وقضائها إن قطعها، ومن لم يقس لم يوجب.
    رابعاً: اختلافهم في توجيه أحاديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته بالقضاء هل هو على سبيل الوجوب أم الندب، وهل الأمر بالقضاء يقتضي الوجوب أم لا؟
    خامساً: اختلافهم في تصحيح وتضعيف بعض الآثار الدالة على لزوم قضاء النافلة.
    سادساً: اختلافهم في فهم بعض الآيات كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وقوله: ﴿ورَهْبَانِيَّ ً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد: 27].
    سابعاً: الاختلاف في فهم الاستثناء في حديث الأعرابي الآتي والذي جاء فيه (إلا أن تطوع)، هل هو استثناء متصل أم منفصل؟ فمن قال: إنه متصل قال بوجوب إتمام النافلة، ومن قال: إنه منفصل لم يقل بذلك.
    المطلب الخامس

    شروط وجوب النفل بالشروع عند القائلين به
    اشترط الحنفية لوجوب إتمام النافلة بالشروع شروطاً:
    أن يكون الشروع صحيحاً، فلو شرع في عبادة فاسدة فإنه لا يجب إتمامها ولا قضاؤها([67])، كأن اقتدى متنفل بأمي لا يحسن قراءة الفاتحة أو بامرأة([68])، لذلك ذهبوا إلى أن الشروع في العبادة بدون شرطها لا يصح فالاعتكاف يصح بدون الصوم، ولهذا لو قال: لله على أن اعتكف شهر رجب، فإنه كلما رأى الهلال يجب عليه الدخول في الاعتكاف ولا صوم في ذلك الوقت، ولو كان شرطاً لما جاز بدون، فضلاً عن الوجوب إذ الشروع في العبادة بدون شرطها لا يصح([69]).
    أن تكون العبادة مما يتوقف ابتداؤها على ما بعده في الصحة([70])، أي لا يصح أولها إلا إذا صح آخرها، ولا يصح آخرها إلا إذا صح أولها كالصلاة والصوم، فإن كان أولها لا يعتمد في الصحة والقبول على آخرها، ولا آخرها على أولها فلا يكون الشروع فيها موجباً لإتمامها، كالصدقة وقراءة القرآن والاعتكاف، فخرج بهذا الشرط الوضوء، وسجدة التلاوة، وعيادة المريض، وسفر الغزو، ونحوها مما لا يجب بالنذر، لكونه غير مقصود لذاته، وخرج ما لا يتوقف ابتداؤه على ما بعده في الصحة نحو الصدقة والقراءة، وكذا الاعتكاف على قول محمد بن الحسن، ودخل فيه الصلاة والصوم والحج والعمرة والطواف والاعتكاف على قولهما([71]).
    أن يقصد هذه العبارة، فاحترز بهذا الشرط عن الشروع ظناً، كما إذا ظن أنه لم يصل فرضاً فشرع فيه فتذكر أنه قد صلاة صار ما شرع فيه نفلاً لا يجب إتمامه، حتى لو نقضه لا يجب القضاء([72]).
    أن يشرع في النفل في وقت مستحب، فإذا شرع فيه في وقت الكراهة ثم أفسده فقد اختلف الحنفية في لزوم القضاء عليه، فالمشهور من الرواية وجوب القضاء، وذهب بعضهم إلى عدم الوجوب([73]).
    أن يكون مكلفاً، فالصبي إن شرع في عبادة من العبادات لا تصبح واجبة عليه، لأنها تكون مندوبة في حقه، فلا يتعلق الوجوب بذمته.
    أن لا يلزمه القضاء بغير صفة الأداء، وهو شرط اشترطه الإمام أبو حنيفة، وخالفه الصاحبان، واعتبرا أن الأصل إيجاب القضاء دون صفة الأداء، مثاله: أن الرجل إذا صلى مع الإمام في العيد ركعة ثم تكلم فلا قضاء عليه في قول أبي حنيفة، وعند الصاحبين عليه قضاء ركعتين، وجه قولهما أنه بالشروع التزم أداء ركعتين ولو التزم ذلك بالنذر كان عليه أداؤهما فكذلك إذا التزم ذلك بالشروع، وقياساً بسائر الصلوات، وأبو حنيفة يقول: إنه قصد الإسقاط لا الالتزام، ألا ترى أن من شرع في صلاة الجمعة مع الإمام ثم تكلم لم يلزمه إلا ما يلزمه قبل الشروع، وهو أداء الظهر، فكذلك هنا، يوضحه أنا لو أوجبنا عليه القضاء فإما أن يقضي مع التكبيرات أو بدون التكبيرات، ولا يمكنه أن يقضي مع التكبيرات، لأن ذلك غير مشروع إلا في صلاة العيد، والمنفرد لا يصح أن يصلي العيد منفرداً، ولا يجوز أن يقضيه بدون التكبيرات، لأن القضاء بصفة الأداء، ومثلها من شرع في صوم يوم النحر ثم أفسده لم يلزمه القضاء في قول أبي حنيفة، وعندهما يلزمه قضاء يوم آخر، وهذا في المعنى متقارب([74]).
    أن يشرع فيه وهو عليه فعلاً لا ظناً، فمن شرع في صوم على ظن أنه عليه، ثم تبين أنه ليس عليه فليس عليه إتمامه ولا قضاؤه إذا تركه، لكن الأفضل قضاؤه، مثاله: أن من شرع في صوم الكفارة ثم أيسر قبل تمامه ليطعم لم يجز صومه، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل فلا يعتبر البدل، والأفضل أن يتم صوم ذلك اليوم، فلو أفطر لا يلزمه القضاء عند أبي حنيفة وصاحبيه، خلافاً لزفر الذي أوجب القضاء([75])، وهذا يشمل الفرض والنفل، فتقيد بعضهم لهذا الشرط بالفرض هو تقييد اتفاقي، لأنه لو شرع في النفل على ظن أنه عليه ثم علم أنه لا شيء عليه كان متطوعاً، والأحسن أنه يتمه، فإن أفطر لا قضاء عليه، والصلاة كالصوم في هذا([76]).
    أن يشرع في النافلة وهو قادر على إتمامها، فمن شرع في صوم التطوع أو صلاته قادراً على إتمامها حيث يجب عليه إتمامها، فإن لم يقدر لم يجب، وله أجر بقدر عمله([77]).

    المطلب السادس

    أدلة المذاهب ومناقشتها

    الفرع الأول

    أدلى القائلين: أن المندوب لا ينقلب واجباً بالشروع ومناقشتها
    استدل الجمهور على خلاف ما قرره المخالفون بأدلة:

    الدليل الأول: ما رواه أبو أيوب عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: (أصمت أمس)؟ قالت: لا. قال: (تريدين أن تصومي غداً؟) قالت: لا. قال: (فافطري). وقال حماد بن الجعد سمع قتادة حدثني أبو أيوب أن جويرية حدثته فأمرها فأفطرت)([78]).
    وجه الدلالة من الحديث: أن أمره إياها أن تفطر بعد أن شرعت فيه يدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام في الصوم ويقاس على الصوم غيره.
    الدليل الثاني: بما روته أم هانئ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر)([79]).
    وجه الدلالة: أن التخيير للمتطوع ينافي الوجوب، فلا يلزم بالشروع، فالتمييز يقتضي الإباحة، ولو كان الإتمام واجباً لما خيره صلى الله عليه وسلم بين الصوم والفطر، ويقاس على الصوم غيره من العبادات، إذ لا فرق.
    الدليل الثالث: عن عائشة أم المؤمنين قالت (دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء"؟ فقلنا لا. قال: فإني – إذاً – صائم". ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدب لنا حيس. فقال "أرينيه فلقد أصبحت صائماً". فأكل)([80])، وفي رواية عن عائشة أم المؤمنين قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: (هل عندكم من طعام؟) قلت: لا. قال: (إذا أصوم). قالت: ثم دخل مرة أخرى، فقلت: قد أهدي لنا حيس. فقال: (إذاً أفطر اليوم وقد فرضت الصوم)([81]).
    وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر بعدما نوى في صوم نفل، ولو كان واجباً لما قطعه.
    الدليل الرابع: في صحيح مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم (خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام. فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة)([82])، وفي رواية الترمذي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت. فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فشرب والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضهم وصام بعضهم، فبلغه أن ناساً صامواً فقال: (أولئك العصاة). قال أبو عيسى: حسن صحيح([83]). وعن ابن عباس بسند صحيح قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح إلى مكة في شهر رمضان، فصام حتى مر بغدير في الطريق وذلك في نحر الظهيرة، قال: فعطش الناس، وجعلوا يمدون أعناقهم، وتتوق أنفسهم إليه، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء، فأمسكه على يده حتى رآه الناس، ثم شرب، فشرب الناس)([84]).
    وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر أثناء صومه، ولو كان إتمامه واجباً لما قطع صومه، فإن قيل: أفطر لعذر وهو مشقة السفر وحر الهجير، فالجواب: أن الناس في التعب من السفر ومشقة الهجير صنوف شتى، فمنهم: من يشق عليه ومنهم: من لا يشق عليه، فوجود من لا يشق عليه أمر مقطوع به كما هو معلوم ضرورة من تتبع أحوال الناس، فيكون بعض الذين لم يشق عليهم قد أمروا بالفطر وقطع صوم النافلة دون عذر، فإن كان هذا حال بعضهم كفى للاستدلال به، كما أنه لو سلمنا – جدلاً – أن الجميع معذور في فطره، فيبقى الاستدلال به صحيحاً، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحد بالقضاء، ولو كان إتمام النفل واجباً لوجب قضاؤه، فعدم أمرهم بالقضاء دليل على عدم وجوب الإتمام والله تعالى أعلم.
    فإن قيل: كيف تستدل بالحديث وصوم النبي صلى الله عليه وسلم كان في رمضان بنص الحديث، وهو فرض لا مندوب؟! فالجواب: أن المسافر يحق له الفطر في رمضان، فصوم المسافر في مندوب مرغوب في حقه لا واجب، فالمعتمد عند جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية: أن صوم المسافر خير من فطره إن لم يتضرر به([85])، فإن صامه فله أجر الفرض، وهو صوم يوم من رمضان، وله كذلك أجر النافلة على صومه، مع أن الرخصة الفطر، لفضيلة الشهر الفضيل، فالأداء أفضل من القضاء، ونيل فضيلة الشهر خير من الصوم قضاء في غيره، فمن نوى صوم نهار رمضان ثم بدا له الفطر يكون قد قطع مندوباً لا واجباً، لأن الرخصة باقية بسفره، لكن الأفضل له إتمامه.
    الدليل الخامس: عن أبي سعيد قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهر من السماء([86]) والناس صيام في يوم صائف مشاة، ونبي الله على بغلة له، فقال: اشربوا أيها الناس. قال: فأبوا. قال: إني لست مثلكم أني أيسركم، إني راكب. فأبوا، قال: فثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه فنزل فشرب وشرب الناس، وما كان يريد أن يشرب) ([87]).
    وجه الدلالة: صحيح صريح وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع صومه، وقد صرح أن لا مشقة عليه، لأنه كان راكباً، فإن قيل: كان ذلك في رمضان وكان صومهم واجباً. أجيب بأنه لا دليل عليه. فإن قيل: أفطروا لعذر السفر، وهو عذر مبيح للفطر ولو دون مشقة. أجيب بأنه لم يأمرهم بالقضاء فدل على عدم وجوب الصوم بالشروع فيه.
    الدليل السادس: عن أم هانئ قالت: (دخلت علي النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فناولني فضل شرابه فشربته، فقلت: يا رسول الله، إني كنت صائمة، وإني كرهت أن أرد سؤرك. فقال: إن كان قضاء من رمضان فصومي يوماً مكانه، وإن كان تطوعاً فإن شئت فاقضيه، وإن شئت فلا تقضيه)([88]).
    وجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علق القضاء على المشيئة، وهذا ليس من شأن الواجب([89])، لأن إتمام النفل وقضاءه لو كان واجباً بالشروع لما علق على مشيئة المكلف، فدل على عدم وجوبه بالشروع.
    وفي الحديث مقال، حيث أعله الدارقطني بأحد رواته، وهو سماك بن حرب([90])، وأعله كثير من أئمة أهل العلم، فالحديث ضعيف لا يعتد به، وحاصل الاختلاف فيه: أنه اختلف على سماك، فتارة رواه عن أبي صالح باذان، وهو ضعيف كما مر في الجنائز، وتارة عن جعدة، وهو مجهول([91])، لكن في معناه عن أبي سعيد الخدري: أنه قال: (صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فأتاني هو وأصحابه فلما وضع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى (دعاكم أخوكم، وتكلف لكم). ثم قال له: (أفطر وصم مكانه يوماً إن شئت)([92])، قال ابن حجر العسقلاني: وإسناده حسن([93])، وأيده من المعاصرين الشيخ الألباني رحمه الله([94]).
    الدليل السابع: لو أثم تارك المندوب لانقلب المندوب فرضاً، لأن الإثم على الترك يقتضي الوجوب، والمندوب ليس واجباً اتفاقاً، فثبت أنه لا يعاقب تاركه ففي إيجاب تتمة المندوب بالشروع فيه وقضائه إن قطعه منافاة لمعنى الندب، إذ أن وجوب الإتمام والقضاء حكمان يختصان بالواجب. كما أنه لا عقاب إلا على معصية، ولا معصية في ترك المندوب، ولا في فعل المكروه، لأن المكلف مخير في إتيان كل منهما وتركه، إذ لا حرج في ترك المندوب على الجملة([95])، فلو أثم تارك المندوب لانقلب المندوب واجباً، ولما عاد ثمة مندوب، وهذا يناقض وجود هذا الحكم التكليفي المتفق عليه.
    الدليل الثامن: لأن لازم المندوب جواز الترك، وكما يجوز تركه ابتداء بأن لا يشتغل به أصلاً يجوز تركه ثانياً بعد الشروع فيه بأن لا يتممه فيبطل، إذ لو لم يجز تركه لانقلب واجباً وذلك باطل.
    الدليل التاسع: انعقد الإجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال مقدر وشرع في الصدقة به فأخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقية، وهو نظير الاعتكاف، لأنه غير مقدر بالشرع، فأشبه الصدقة([96]) وغيرها من المندوبات من باب أولى.
    الدليل العاشر: أن الإجماع منعقد على أن الشرع جوز له ترك الصوم والصلاة المتطوع فيها بجملة الأجزاء، فإذا جاز له الترك بجملة الأجزاء فكذا جاز له ترك بعض الأجزاء، وقد نسب هذا الدليل للإمام الشافعي رحمه الله([97]).
    وأجاب المخالفون عنه أنه قبل الشروع لم يؤد شيئاً، فجاز له تركه، أما بعد الشروع فقد أدى بعض القربة فيجب حفظه بإتمامه والقضاء بإفساده([98]).
    ولا يصح جواب المخالفين، لأن المندوب يجوز تركه ابتداء بعدم الدخول فيه أصلاً، فكذلك بعد الدخول فيه، فلا فرق بين تركه ابتداء أو بعد الدخول فيه، كفرض العين لا يجوز تركه ابتداء فكذلك بعد الشروع فيه، مع أنه لم يؤد شيئاً قبل الشروع فيه.
    الدليل الحادي عشر: الشروع في نفل من صلاة أو صوم غير ملزم للشارع فيه إتمامه وقضاؤه إذا أفسد، لأنه عبادة، لا يجب المضى فيها إذا فسدت، كالوضوء، فإنه عبادة لا يمضي في فاسدها، فلم يلزم بالشروع فيه بجامع أن الكل عبادة، ولا يمضي في فاسدها([99])، وبتعبير آخر إن كل عبادة تجب بالشروع لابد أن يجب المضي فيها إذا فسدت، كما في الحج، فيلزم أن كل عبادة إذا فسدت لا يجب المضي فيها لا تجب بالشروع([100]) وأجاب الحنفية عن هذا الدليل بأن ما كان عبادة لا يمضي في فاسدها، فيستوي عمل النذر والشروع فيها كالوضوء – أي كما استوى عملهما في الضوء – فإن الوضوء لما لم يلزم بالشروع لم يلزم بالنذر، فتلزم العبادة النافلة بالشروع، لأنها تلزم بالنذر إجماعاً، لأنه كما ذكر فخر الإسلام: الشروع مع النذر في الإيجاب بمنزلة توأمين لا ينفصل أحدهما عن الآخر، لأن الناذر عهد أن يطيع الله فلزمه الوفاء به، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1] والشارع عزم على الإيفاء فلزمه الإتمام صيانة لما أدى عن البطلان، لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ والأَذَى﴾ [البقرة: 264] وحيث وجبت بالنذر إجماعاً وجبت بالشروع، عملاً بقضية الاستواء، ويسمى هذا قلب التسوية وسماه فخر الإسلام عكساً([101])، لأن حاصله عكس خصوص حكم الأصل، وحكم الأصل – وهو الضوء في هذا المثال – عدم اللزوم بالنذر، والشروع في الفرع هو العبادة النافلة، وهو لزومها بهما، وهذا النوع من القلب هو المنسوب إلى الحنفية أول القياس([102]).

    الفرع الثاني

    أدلى القائلين بأن المندوب ينقلب واجباً بالشروع ومناقشتها

    الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد/ 33]، وفي عدم الإتمام إبطال للمؤدى، ولا معنى للإبطال إلا فعل يحصل به البطلان، ولا شك أن بطلان ما أتى به من النفل إنما حصل بفعله المناقض للعبادة، إذ لم يوجد شيء سواه([103])، ولأن المؤدى قربة وعمل فتجب صيانته عن الإبطال بالمضي فيه، وإذا وجب المضي وجب القضاء بإفساده([104]).
    وأجاب ابن عبد البر المالكي أن: من احتج في هذا بقوله تعالى: {ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فهو جاهل بأقوال أهل العلم، فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء، كأنه قال: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء بل أخلصوها لله، وقال آخرون: {ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} بارتكاب الكبائر أو بالكفر والنفاق، أو بالمن والأذى ونحوها، ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال ما لم يفرضه الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر وغيره لامتنع عليه الإفطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب، وهم لا يقولون بذلك والله أعلم([105])، فيكون المراد بالآية ترك الواجبات([106])، فقوله سبحانه وتعالى: {ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} يحمل على التنزيه جمعاً بين الدليلين، هذا إن لم يفسر بطلانها بالردة، بدليل الآية التي قبلها مباشرة، وهي قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 32]([107]).
    الدليل الثاني: استدلوا بقوله تعالى: {ورَهْبَانِيَّة ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]. وجه الدلالة من الآية: أن الله تعالى أخبر عما ابتدعوه من القرب والرهبانية ثم ذمهم على ترك رعايتها بقوله {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]، والابتداع قد يكون بالقول وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه، وقد يكون بالفعل بالدخول فيه، وعمومه يتضمن وإتمامها، فوجب أن كل من دخل في صلاة أو صوم أو حج أو غير ذلك من القرب فعليه إتمامها، ولا يلزمه إتمامها إلا وهي واجبة عليه، فيجب قضاؤها إذا أفسدها([108])، فالآية سيقت في معرض ذمهم على عدم رعاية ما التزموه من القرب التي لم تكتب عليهم، والقدر المؤدى عمل كذلك، فوجب صيانته عن الأبطال، فإذا أفطر وجب قضاؤه تفادياً عن الإبطال([109]).
    الدليل الثالث: استدلوا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وهذا قد عقد الصوم فوجب أن يفي به. وبقوله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} [الحج/ 30]، وليس من تعمد الفطر بمعظم لحرمة الصوم. وأجيب بأن هذه النصوص كلها عامة، وقد تقرر أن الخاص يقدم على العام.
    قال ابن المنير المالكي: "ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى: {ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، إلا أن الخاص يقدم على العام، كحديث سلمان ونحوه"([110]).
    الدليل الرابع: استدلوا بحديث طلحة بن عبيد الله قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد، ثائر الرأس، نسمع دوي صوته، ولا نفقة ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات في اليوم والليلة). فقال: هل علي غيرهن؟ قال: (لا، إلا أن تطوع، وصيام شهر رمضان). فقال: هل على غيره؟ فقال: (لا، إلا أن تطوع)، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة. فقال: هل على غيرها؟ قال: (لا، ألا أن تطوع). قال فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق) ([111]).
    وجه الدلالة من الحديث: يكمن في الاستثناء "إلا أن تطوع"، فهو استثناء متصل، ومعناه: لا يجب شيء عليك سوى هذه الفروض إلا أن تتطوع فيكون التطوع بالشروع فيه واجباً مثلها، والاستثناء المتصل هو الأصل، والاستثناء من النفي إثبات، والمنفي الوجوب، فيكون المثبت وجوب التطوع أن تطوع، فقوله: "إلا أن تطوع" لا يصح استثناؤه من غير الواجب لكونه – أيضاً – غير واجب، لكنه يدل على أن النفل يلزم بالشروع([112])، فالاستثناء متصل لا منفصل، لأنه هو الأصل في الاستثناء، فالنبي صلى الله عليه وسلم نفي وجوب شيء آخر إلا ما تطوع به، والاستثناء من النفي إثبات، فيكون المثبت بالاستثناء وجوب ما تطوع به وهو المطلوب([113]).
    وهذا مغالطة، لأن هذا الاستثناء من وادي قوله تعالى {لا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إلاَّ المَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان/ 56]، أي لا يجب شيء إلا أن تطوع، وقد علم أن التطوع ليس بواجب فلا يجب شيء آخر([114]).
    واستدل الشافعية والحنابلة بهذا الحديث على أن الشروع غير ملزم من وجهين:
    أن الاستثناء في الحديث منقطع بمعنى لكن، فيكون معنى الحديث: لكن استحب لك أن تطوع([115]).
    ولأنه نفي وجوب شيء آخر مطلقاً شرع فيه أو لم يشرع([116]).
    ومن أراد قرينة صارفة للاستثناء من الاتصال إلى الانقطاع فالقرينة هي تلك الأحاديث السابقة الدالة على قطع النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الطاعات: كالصوم والاعتكاف، ولو كان واجباً لما قطعه، وكذلك أمره غيره بقطع النوافل، كأمره جويرية بنت الحارث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه([117])، فدل على أن الشروع في العبادة لا يستلزم الإتمام.
    ولا شك أن ظاهر الحديث المتبادر منه بالفهم لأول وهلة – وهو علامة الظهور – أن الاستثناء منقطع فالنبي صلى الله عليه وسلم يذكر لذلك الأعرابي الواجبات، وفي آخر كل واجب يحثه على التطوع، فالنبي صلى الله عليه وسلم يذكر له نوعين مختلفين من العبادات: الواجب والمندوب، فالواجب هو فقط الذي سأل عنه الأعرابي بقوله: "هل على غيرهن"، فقوله صلى الله عليه وسلم جواباً على سؤاله: "لا" هو بيان لعدم وجوب غيرها، ومنه: التطوع، فمن البعيد التعبير بلا النافية لجنس الواجب، ثم الاستثناء في كل عبادة يكررها من أركان الإسلام، استدراكاً أنها واجبة مع الأولى إذا تطوع بها، فلو كان الشروع موجباً لذكره مع الواجبات لا استثناء في كل ما ذكر والله تعالى أعلم.
    ولو سلمنا جدلاً أن الاستثناء متصل لا منفصل لدل ذلك على وجوب المندوب ابتداء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى أصل التطوع بقوله "إلا أن تطوع"، ولم يذكر الشروع فيه، فيكون الاستدلال بالحديث دليلاً على وجوب النفل لا الشروع فيه، لأن النسبة كانت لأصله وهو "التطوع"، لا لوصفه وهو "الشروع فيه".
    فإن قيل: لابد من تأويل الحديث بصرفه عن أصله وهو عين المندوب إلى وصفه وهو الشروع فيه، قلنا: لماذا نظرتم إلى عين التطوع من حيث هو فصرفتموه عن أصله إلى وصفه وهو الشروع فيه، ولم تنظروا إلى الاستثناء فتصرفوه عن كونه متصلاً إلى كونه منفصلاً؟ فصرفكم هو تأويل محض ليس أولى من تأويلنا بحمل الاستثناء على كونه منفصلاً، فليس تأويلكم أولى من تأويلنا أو صرفكم عن الظاهر أولى من صرفنا، فخرج الدليل عن الاستدلال به، وسلمت لنا الأدلة الأخرى.
    الدليل الخامس: استدلوا بحديث عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (خرج ذات ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: (أما بعد، فإنه لم يخف على مكانكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ([118]).
    وجه الدلالة من الحديث يكمن في قوله صلى الله عليه وسلم (خشيت أن يفرض عليكم)، يعني صلاة التراويح فتعجزوا عنه، ولا وجه للفرضية إلا لأنه ابتدأه، أي لو شرع صلى الله عليه وسلم في جمعهم على التراويح قصداً لوجب إتمامها.
    ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث من أوجه:


    أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ قيام الليل جماعة في المسجد بقصد إتمامه بقية الشهر فقطعه، ولو كان الإتمام واجباً لقضاه في المسجد، لأن القيام في المسجد جماعة مزيد فضل، وهو أمر مندوب، فعلى قولكم يلزمه قضاؤه وهو لم يقضيه فبطل استدلالكم.

    لما فهم خشيته صلى الله عليه وسلم أن يفرض عليهم أن الفرضية آتية من الشروع، لماذا لا نفهمها أنها آتية من قبل الشرع إن داموا عليها من باب (لا تسألوا عن أشياء أن تبد لكم تسؤكم)، أو يكون المعنى: تفرض عليكم بظنكم، أي تظنوا أنه فرض، أي في ظنكم وتخمينكم.
    أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه ولو كان واجباً لما تركه، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته، وضرب أبنيتهن له، ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب، ولا أمرن بالقضاء، وقضاء النبي لم يكن واجباً عليه، وإنما فعله تطوعاً، لأنه كان إذا عمل عملاً أثبته، كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر، فتركه له دليل عدم الوجوب، لتحريم ترك الواجب، وفعله للقضاء لا يدل على الوجوب، لأن قضاء السنن مشروع([119])، فالقضاء ليس دليلاً على الوجوب.
    الدليل السادس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أصبحت صائمة أنا وحفصة فأهدي لنا طعام فأعجبنا فأفطرنا، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فبادرتني حفصة فسألته، فقال: (صوماً يوماً مكانه)([120])، وفي رواية فقالت حفصة: وبدرتني بالكلام وكانت ابنة أبيها: يا رسول الله، أني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين وأهدى لنا طعام فأفطرنا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقضيا مكانه يوماً آخر)([121])، فهذا يدل على أنه إذا أفسده وجب عليه قضاؤه([122]).
    وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالقضاء، والأمر للوجوب، فدل على أن الشروع ملزم وأن القضاء بالإفساد واجب([123]). وقد ضعف عدد من الحفاظ الحديث، ومنهم: البخاري([124])، وأجاب المباركفوري بأنه حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال، فهو منقطع([125])، فهذا حديث رواه الثقات الحفاظ من أصحاب الزهري عنه منقطعاً([126]). وقال البخاري: في سند هذا الحديث زميل. وقال: لا يعرف لزميل سماع من عروة، ولا ليزيد سماع من زميل، ولا تقوم به الحجة وقال الخطابي: إسناده ضعيف، وزميل مجهول([127]).
    وقد حاول المنبجي الانتصار للحديث بأن البخاري لم يذكر للحديث علة سوى عدم معرفة سماع بعض الرواة من بعض، وهذا لا يوجب ضعفاً في الحديث، لجواز أن يكون روى عنه إجازة، أو مناولة، أو سمعه يزيد ممن سمع من زميل، وسمعه زميل ممن سمع من عروة، وترك كل واحد منهما من سمع منه وذكر من فوقه يوهم بذلك علو إسناده، وكل ذلك ليس بعلة يسقط الاحتجاج بالحديث لأجله([128]). والحقيقة أن بناء التصحيح على الاحتمال مجازفة لا تحمد عقباها تفتح الباب واسعاً لقبول كل الأحاديث المنقطعة بنفس الدعوى التي ذكرها، وفي هذا هدم لأصول راسخة في علم الحديث، لا يصح هدمها دعماً لرأي فقهي معين.
    ولو سلمنا – جدلاً – أن الحديث ثابت عنه صلى الله عليه وسلم فيحمل الأمر بالقضاء على الاستحباب، لتجتمع الأحاديث الواردة في الباب([129]). قال الخطابي: لو ثبت الحديث أشبه أن يكون إنما أمرهما بذلك استحباباً، لأن بدل الشيء في أكثر أحكام الأصول يحل محل أصله، وهو في الأصل مخير، فكذلك في البدل([130]). فيكون الأمر فيهما محمول على الندب كما يدل عليه رواية أبي سعيد عند البيهقي بلفظ: صم مكانه يوماً إن شئت، فعلق القضاء على المشيئة، وهذا ليس من شأن الواجب([131]).
    الدليل السابع: قوله صلى الله عليه وسلم (ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه)([132]) احتج به من يقول: إن النوافل تلزم بالشروع، وأن الشروع فيها جار مجرى التزامها بالنذر، فإن الشروع التزام بالفعل، والنذر التزام بالقول، والالتزام بالفعل أقوى، لأنه الغاية([133]).
    وأجابوا عن الاستدلال بهذا الحديث بأنه لا دلالة فيه على العموم، وإنما هو خاص بالأنبياء بنص قوله صلى الله عليه وسلم إذ قال: "ما ينبغي لنبي" ولم يقل: (ما ينبغي لأحد)، ولا (ما ينبغي لكم)، فدل على مخالفة حكم غيره له في هذا، وأنه من خواصه، ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملاً أثبته وداوم عليه، ولهذا لما قضي سنة الظهر بعد العصر أثبتها وداوم عليها([134]). كما يجاب بأن لبس ملابس الحرب وأدواته أو اللامة إنما يكون في الجهاد، ولا يكون الجهاد مندوباً، بل أقل حالاته أنه فرض كفاية، فهو خارج موضوع بحثنا.
    الدليل الثامن: عن أنس رضي الله عنه: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن، قال: (أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإني صائم)([135])، يدل على أن من شرع في صلاة نفل أو صيام نفل وجب عليه إتمامه([136]).
    والصحيح: أنه لا دلالة فيه، فامتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الفطر لا يدل على وجوب الإتمام، فمطلق الامتناع سلب محض لا دلالة فيه على الوجوب، بل قد يحمل على كراهة الفطر دون سبب لمن شرع في النافلة أو أنه خلاف الأولى، فمن شرع في نافلة: فالإجماع على استحباب إتمامها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفطر جرياً مع عادة العقلاء والربانيين الذين إذا شرعوا في خير اتموه ولو لم يكن إتمامه واجباً، وهذا الجواب من القواعد المقررة عند جماهير علماء الأصول أن مطلق ترك النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على تحريم المتروك دون قرائن.
    الدليل التاسع: استدلوا بما روي عن جابر قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استتمام المعروف خير من ابتدائه)([137]). والجواب أن الحديث ضعيف([138]) لا يصح الاستدلال به، ولو صح فلا دلالة فيه، إذ لا دلالة فيه على وجوب الاستتمام وإنما هو تفضيل الاستتمام على الشروع، ومن أبرز معاني التفضيل والخيرية وأظهرها: الندب، فلا دلالة فيه على وجوب الاستتمام.
    الدليل العاشر: استدلوا بإجماع الصحابة على وجوب النافلة بالشروع، وهو إجماع ذكره الإمام العيني الحنفي في عمدته([139]). والجواب أنه دعوى عجيبة غريبة للإجماع لا دليل البتة على إثباتها، بل كيف تثبت والآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم متعارضة، والمنقول عن الصحابة – أيضاً – متضارب متعارض، فلله دره – رحمه الله – كيف يدعى دعوى عريضة كهذه يستحيل إثباتها في مثل هذا المقام مع كثرة هذا التضارب!!!.
    الدليل الحادي عشر: أن المنذور قد صار لله تعالى تسمية بمنزلة الوعد، فيكون أدنى حالاً مما صار لله تعالى فعلاً وهو المؤدي، ثم إبقاء الشيء وصيانته عن البطلان أسهل من ابتداء وجوده، وإذا وجب أقوى الأمرين وهو ابتداء الفعل لصيانة أدنى الشيئين وهو ما صار لله تعالى تسمية، فلأن يجب أسهل الأمرين وهو إبقاء الفعل لصيانة أقوى الشيئين وهو ما صار لله تعالى فعلاً أولى([140]). فإن علماءنا استدلوا في أن الشروع في النافلة ملزم كالنذر، فقالوا: ما يلتزم بالنذر يلتزم بالشروع إذا صح الشروع([141]).
    الدليل الثاني عشر: واحتجوا – أيضاً – بالقياس على نفل الحج والعمرة حيث يجب قضاؤهما إذا أفسدهما اتفاقاً، للاتفاق "على أن حج التطوع يلزم بالشروع"([142]). والجواب أنه: لا يصح قياسه على الحج والعمرة، لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بعد كلفة عظمى ومشقة شديدة وإنفاق مال كثير، ففي إبطالهما تضييع لماله، وإبطال لأعماله الكثيرة، وقد نهينا عن إضاعة المال وإبطال الأعمال، وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه مال يضيع، ولا عمل يبطل، فإن ما مضى عن اعتكافه لا يبطل بترك اعتكاف المستقبل، ولأن النسك يتعلق بالمسجد الحرام على الخصوص والاعتكاف بخلافه([143]).
    فالحج والعمرة امتازا بأحكام لا يقاس غيرهما عليهما فيهما، فمن ذلك: أن الحج يؤمر مفسده بالمضي في فاسده، والصيام لا يؤمر مفسده بالمضي فيه فافترقا، ولأنه قياس في مقابلة النص فلا يعتد به([144]). فهو قياس مع الفارق، ولأن الحج فيه دليل خاص وهو قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله).
    الدليل الثالث عشر: قياساً على النذر، ووجه الشبه: أن النذر ليس واجباً، فمن نذر فقد أوجبه على نفسه، فإن لم يف به فعليه كفارة يمين. وهكذا كل من شرع في عبادة ليست لازمة، لأنه قبل ذلك كان مختاراً في الفعل وعدمه، فإذا دخل في الفعل فقد قيد نفسه، ومقيد نفسه طليق([145]).
    والجواب أنه قياس مع الفارق، فكيف نقيس ما ألزم المرء به نفسه على ما لم يلزم به نفسه، فشروعه في المندوب ليس فيه أي دليل على التزام الشارع به، بخلاف النذر الذي حقيقته إلزام المرء نفسه بما لا يلزم بلفظ يدل على الإلزام.
    الدليل الرابع عشر: أن الجزء الذي أداه صار عبادة لله تعالى حقاً له فتجب صيانته، لأن التعرض لحق غيره بالإفساد حرام، ولا طريق إلى صيانة المؤدى سوى لزوم الباقي، إذ لا صحة له بدون الباقي، لأن الكل عبادة واحدة بتمامها يتحقق استحقاق الثواب([146]).
    والجواب أن صاحب الحق – وهو الله عز وجل – جعل هذا الفعل مندوباً أصالة، ومعنى الندب وحقيقته جواز الفعل مع الأجر، وجواز الترك مع نفي الإثم، فليس التعرض لحق الآخرين بإفساد المندوب حرام، لأن صاحب الحق هو الذي أذن أصالة بترك المندوب اتفاقاً، فليس الشروع فيه، بأمر يغير حكم الابتداء فيه، وهو حقيقة الندب جائز الفعل والترك.
    الدليل الخامس عشر: قال العيني: "ولو وقع التعارض بين الأخبار فالترجيح معنا لثلاثة أوجه: أحدها: إجماع الصحابة. والثاني: أن أحاديثنا مثبتة وأحاديثهم نافية والمثبت مقدم. والثالث: أنه احتياط في العبادة فافهم"([147]).
    والجواب: إن الإجماع سبق ورددنا دعوى وقوع الإجماع في المسألة، أما أنهم مثبتون والإثبات مقدم على النفي، فإن النفي للوجوب هو الأصل والأصل مقدم، كما أن نفي الوجوب بالشروع هو إثبات لبقاء الندب على أصل معناه وهو الندب، أما أنتم فقلبتم الندب إلى الوجوب بالشروع فنفيتم بقاءه على أصل معناه، فنحن المثبتون وأنتم النافون، كما أن الآثار الدالة على النفي صريحة صحيحة بخلاف ما استدللتم به، فالنفي جاء بالأدلة الصريحة الصحة وهي مقدمة على الإثبات إن جاء بأدلة ضعيفة.


    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,985

    افتراضي رد: حكم الشروع في المندوب

    حكم الشروع في المندوب


    د. أيمن عبد الحميد عبد المجيد البدارين([*])


    المطلب السابع

    الراجح بعد المناقشة

    تبين لنا بعد مناقشة أدلة الفرقاء أن الراجح في هذه القضية الأصولية الحساسة والواسعة التطبيق: أن المندوب يبقى على حكمه الأصلي وهو الندب، فيثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ولا ينقلب واجباً بالشروع فيه، فمن شرع في فعل أي مندوب لا يجب عليه إتمامه – عدا الحج والعمرة – بل يجوز قطعه ولو دون سبب، لكن قطعه دون سبب خلاف الأولى، ولا يجب عليه قضاؤه إن قطعه. كما أن نفي وجوب الندب بالشروع، فيه تيسير على الناس وهو موافق لأحد أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية وهي رفع الحرج {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة/ 185] ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج/ 78] وإيجاب الندب بعد الشروع فيه، فيه حرج كبير على الأمة، إذ أن المندوبات لا تحصى كثرة لكثرة الأفعال التي تترتب عليها مصالح دنيوية وأخروية ولا ترقى إلى مرتبة الوجوب، فكيف نوجب إتمام هذه المندوبات التي لا يكاد أحد إلا ويتلبس بها يومياً، فهذا لا شك فيه عنت كبير على الأمة يخالف مقصد الشارع.
    أما تخصيص بعض المندوبات دون بعض بوجوب إتمامها فهذا محض تحكم لا دليل عليه، فما الفرق بين مندوب ومندوب إن لم يرد فيه دليل خاص على وجوب إتمامه – وهذا غير موجود -، وحتى إن وجد فما وجه منع قياس غيره من المندوبات عليه، فالأصل في الأحكام التعليل!. ولو أثم تارك المندوب لا نقلب المندوب فرضاً، لأن الإثم على الترك يقتضي الوجوب، والمندوب ليس واجباً بالاتفاق، فثبت أنه لا يعاقب تاركه، ففي إيجاب تتمة المندوب بالشروع فيه وقضائه إن قطعه منافاة لمعنى الندب، إذ أن وجوب الإتمام والقضاء حكمان يختصان بالواجب، كما أنه لا عقاب إلا على معصية، ولا معصية في ترك المندوب، إذ لا حرج في ترك المندوب على الجملة، فلو أثم تارك المندوب لانقلب المندوب واجباً ولما عاد ثمة مندوب، وهذا يناقض وجود هذا الحكم التكليفي المتفق عليه.
    فلا شك أن الراجح بعد مناقشة الأدلة وموازنتها وفق قواعد الأصول ومقاصد الشرع ومفاصل المعقول هو قول السادة الشافعية والحنابلة الذين لم يوجبوا الواجب بالشروع فيه بل يبقى على أصل الندب، فلا يجب إتمامه، ويجوز قطعه، ولا يجب قضاؤه إن قطعه.
    المطلب الثامن


    من التطبيقات على القاعدة

    ذكرنا أن الآراء على التحقيق في قاعدتنا ثلاثة:
    رأي بأن النفل لا يلزم بالشروع به مطلقاً، وعلى هذا الرأي فكل نفل حكمه عدم وجوب إتمامه بالشروع به، بل يجوز قطعه، ولا يجب قضاءه حال قطعه، ومعلوم بداهة أن عدد النوافل أو المستحبات أو المندوبات في الشرع لا يحصى كثرة، فجميع هذا المندوبات ينطبق عليها هذا الحكم على هذا الرأي، سواء عند القائلين به من الشافعية والحنابلة، أو على رأي القائلين به، على التحقيق، من الحنفية والمالكية عدا الأنواع الستة من النوافل التي تلزم بالشروع فيها وهي: الصلاة، والصوم، الحج، العمرة، الاعتكاف، الإتمام، طواف التطوع، أو القائلين بهذا الرأي من غير المذاهب الأربعة.
    فعلم أن جميع النوافل اتفقت المذاهب الأربعة على عدم لزومها بالشروع فيها، فيباح قطعها، ولا يجب قضاؤها حال قطعها عدا العبادات الست المختلفة فيها التي قال بها الحنفية والمالكية.
    كما أن جميع صلوات النفل وصوم النفل ونافلة الحج والعمرة والاعتكاف والإتمام وطواف الوداع بشتى ألوانها وأشكالها تجب بالشروع فيها على المعتمدة عند السادة الحنفية والمالكية.
    أما على الرأي الثالث القائل بلزوم النفل مطلقاً بالشروع فيه دون تمييز بين نافلة من أخرى وهو المنسوب لأبي بكر الصديق، وابن عباس، وكثير من الصحابة والتابعين كالحسن البصري ومكحول والنخعي، ونسب كذلك للسادة الحنفية والمالكية فيمكن أن يجعل رأياً في المذهبين، فعلى هذا الرأي كل نفل من النوافل التي لا تعد كثرة، ولا يحصيها مهما أوتي المرء من العلم وفرة، لتجددها كل يوم، بحسب أحوال العاملين، بظهور مندوبات يؤجر فاعلها للمصلحة المرتبة عليها، ولا يعاقب تاركها، بخاصة عند تطبيق كليات الشريعة الداعية إلى أصول كثير من العبادات والأفعال التي تحقق مصالح شرعية، أو تلك المصالح المرسلة التي سكت الشارع عنها فيؤجر فاعلها للمصلحة الناتجة عنها، لأن الشرع دعا لكل ما فيه مصلحة حتى ولو لم يوافق أصلاً شرعياً ما دام لم يخالف شرعياً كما هو معلوم.
    وما ذكرته هنا من رأي المذاهب الأربعة هو المعتمد المعول عليه، فكل نفل في هذه المذاهب يأخذ الحكم السلبي بعدم وجوب إتمامه بالشروع فيه، وعدم وجوب قضائه إن قطعه، عدا النوافل الست التي قال بها الحنفية والمالكية، فلو خالف كتاب في أي من هذه المذاهب ما ذكرت فهو غير معتمد على التحقيق، فلا أطيل البحث بكثرة الأمثلة التي يعلم المحقق كثرتها الهائلة، وليجعل ما ذكرت طريقاً في النسبة إلى هذه المذاهب باطمئنان.

    توليد كثير من المسائل التي تنطبق على القاعدة:

    ويمكن توليد كثير من المسائل التي تنطبق على القاعدة، حيث وجدت قلة التطبيقات عليها في كتب الفقه، ومن ذلك في الصلاة مثلاً:
    إذا شرع في واحد من السنن التالية في الصلاة وهي: دعاء الاستفتاح، والاستعاذة والسورة بعد الفاتحة أو الآية، وتكبيرة الركوع، والذكر في الركوع ودعاؤه، والتسميع للقيام من الركوع، وذكر الوقوف بعد الركوع، وتكبيرة السجود، والذكر في السجدتين ودعاؤه، وذكر الجلوس بين السجدتين، والجلوس الأوسط، وأقل صيغة التشهد الأوسط، والصلاة على النبي بعده، والصلاة على الآل في التشهد الأخير، والصلاة على إبراهيم وآله في الأخير، ودعاء ما قبل التسليم من الصلاة وسجدة التلاوة في الصلاة وسجدتي السهو، والتسليمة الثانية، وأي ذكر شرع فيه من أذكار ما بعد الصلاة...
    فهذه أكثر من عشرين سنة، وقس عليها غيرها، تنطبق القاعدة عليها – في رأيي – فلو قلنا بلزوم الشروع في المندوب مطلقاً للزم الشروع فيها جميعاً فيصبح إتمام ما شرع به منها واجباً، وإن لم نقل بلزومه لا يلزم إتمامها.
    وهذا مثال ولدته على القاعدة في شيء من سنن الصلاة ينطبق على جميع سنن الشرع ومندوباته، فعلى هذا تكون تطبيقات القاعدة عند مطلقي اللزوم دون قيد يجعل الشروع في كل مندوب واجباً، وهذا فيه عنت ومشقة بالغة على الأمة، لذلك لم يقل مذهب معتبر من المذاهب الأربعة بهذا الإطلاق في المعتمد كما بينت، والله تعالى أعلم.

    من أمثلة القاعدة عند الفقهاء:

    ومن أمثلة هذه المندوبات التي ذكرها الفقهاء والتي يجب إتمامها بالشروع فيها، ويحرم قطعها دون سبب مبيح لهذا القطع، ولو قطعه وجب عليه قضاؤه:

    للزوج منع زوجته من إتمام صوم النفل المطلق إذا شرعت فيها بغير إذنه، وله منعها من المبادرة إلى ذلك كما فهم بالأولى، ونسب الأذرعي الجمهور أن للزوج منع زوجته من النفل المطلق مطلقاً، وقال الماوردي: له منعها منه إذا أراد التمتع، قال: وهو حسن متعين، فإن امتنعت من الإفطار ولو آخر النهار بأكل أو غيره سقطت نفقتها لامتناعها من التمكين بما ليس بواجب عليها([148]).
    يباح الإفطار بعذر الضيافة، وإذا كان مخيراً فيما لم يأت فله تركه تحقيقاً لمعنى التخيير([149]). وإن نوى اعتكاف مدة لم تلزمه فإن شرع فيها فله إتمامها وله الخروج منها متى شاء، وبهذا قال الشافعي، وقال مالك تلزمه بالنية مع الدخول فيه، فإن قطعه لزمه قضاؤه([150]).
    يسن للمصلى أن يقرأ في قيامه قبل ركوعه شيئاً من القرآن غير الفاتحة، ولو قرأ آية فيها سجدة فركع ولم يسجد، ثم غير رأيه وبدا له أن يسجد سجود التلاوة لم يحز له سجودها لفوات محله، أو سجد للتلاوة ثم غير رأيه وقرر أن يعود قبل كمال السجود جاز له العود إلى الركوع، لأن سجدة التلاوة نقل([151]).
    ذهب الشافعية إلى أنه إذا قطع المأموم اقتداءه بالإمام بنية المفارقة جاز قطعه مع الكراهة حيث لا عذر له، لما فيه من مفارقة الجماعة المطلوبة وجوباً أو ندباً مؤكداً، بخلاف مفارقته بعذر فلا تكره، وصلاته صحيحة في الحالين، لأن صلاة الجماعة إما سنة – على قول – والسنن لا تلزم بالشروع فيها إلا في الحج والعمرة، أو فرض كفاية – على الراجح – فكذلك، إلا في الجهاد وصلاة الجنازة والحج والعمرة([152]).
    وعند المالكية لو نوى شخص الإمامة ثم رفضها ونوى الفردية فإن الصلاة تبطل لتلاعبه، ولأن المأمومية من الأمور التي تلزم بالشروع وإن لم تجب ابتداء، ومحل عدم جواز الانتقال المذكور ما لم يضر الإمام بالمأموم وفي الطول وإلا جاز له الانتقال([153]).
    إذا شرع في صلاة أربع ركعات النافلة التي قبل الظهر أو قبل الجمعة أو بعدها ثم بدا له أن يقطع صلاته ويسلم من ركعتين ولا يكمل الأربع، جاز ولا يجب عليه القضاء على قول من لم يوجب إكمال النفل بالشروع فيه، وعلى القول الثاني يلزمه قضاءها أربع ركعات([154]).
    يجب القضاء على من قطع النفل – عند الحنفية – سواء أفسده باختياره أو بغير اختياره بأن شرع في صلاة النفل بالتيمم ناسياً الماء في رحله ثم وجده كأن تذكره خلال الصلاة، أو شرع في صوم النفل فصب الماء في حلقه في النوم وجب عليه القضاء وإن لم يوجد منه الإفساد([155]).

    نتائج البحث:


    توصل الباحث من خلال البحث إلى نتائج، أهمها:
    المندوب والمستحب والفضيلة والنفل والتطوع والسنة عند جماهير أهل العلم من الفقهاء والأصوليين: ألفاظ مترادفة، أي أسماء لمعنى واحد، وحكمها جميعاً الثواب على الفعل وعدم العقاب على الترك.
    اتفق الفقهاء على أن من شرع في المحرم أثم ويجب عليه قطع التلبس به وتركه، والمباح والمكروه لا يحرم قطعه ولا يجب قضاءه، أما الواجب فلا يقطع إلا لواجب مساو أو فوقه في الوجوب، أو لاستلزامه محرماً، على تفصيل بين أهل العلم بين أنواع الواجب من موسع ومضيق وعيني وكفائي، ففرض العين إذا شرع فيه حرم قطعه، سواء أضاق وقته أم اتسع، فالواجب المضيق والموسع اتفقت المذاهب الأربعة على حرمة قطعه دون عذر تغيرت صفته من الفورية إلى التراخي، وهو مما اختلف فيه العلماء.
    اتفق الفقهاء على أن من أحرم بالحج والعمرة وجب عليه إتمام أفعالهما ولو كان متطوعاً بهما.
    لا يلزم النفل بالشروع فيه، فلا يجب إتمامه ولا يعاقب على تركه، وإن قطعه لا يجب عليه قضاؤه، وهو قول سفيان الثوري وإسحاق، وهو مذهب مجاهد وطاؤس وهو مروي عن ابن عباس وسلمان وأبي الدرداء وعلي وجابر بن عبد الله، وهو ما رجحه الشافعية وأحمد في رواية رجحها أكثر الحنابلة.
    من قطع عبادته المندوبة لعذر لم يكره، وإن قطعها لغيره عذر كره على الأصح، ومن العذر أن يعز على المضيف امتناع الضيف من الأكل، فعندها لا يكره على الصائم صوم ندب أن يفطر.
    ليس للشافعية نفل مطلق يستحب قضاؤه إلا من شرع في نفل صلاة أو صوم ثم أفسده.
    ذهب الشافعية إلى لزوم خمس عبادات بالشروع فيها مستثنيها من أصلهم وهي: الحج والعمرة، الأضحية فإنها سنة، وإذا ذبحت لزمت بالشروع، والجهاد يجب إتمامه على الشارع فيه حتى وإن كان تطوعاً وصلاة الجنازة، ولو شرع المسافر في الصلاة بنية الإتمام لزمه.
    نسب القول بلزوم النفل بالشروع فيه مطلقاً إلى أبي بكر الصديق، وابن عباس، وكثير من الصحابة والتابعين كالحسن البصري ومكحول والنخعي وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب، وهو المشهور من مذهب السادة الحنفية والمالكية، وفي رواية غير معتمدة عن الإمام أحمد بوجوب إتمام صوم التطوع ولزوم القضاء إن أفطر، وعنه رواية ثالثة بأنه يلزم إتمام الصلاة دون الصوم.
    تحقيق مذهب الحنفية: أن بعض النوافل تصبح واجبة بالشروع فيها دون بعض وهي: الصوم، الصلاة، الطواف، الحج، العمرة، الإحرام، الاعتكاف.
    علة وجوب النفل بالشروع فيه عند الحنفية "أن العبادة لا تلزم بالشروع ما لم تلزم بالنذر"، إلا أن النذر ملزم بذاته، والشروع لصيانة المؤدى، كما أن ما وجب بالشروع أضعف عندهم مما وجب بالنذر.
    تحقيق مذهب المالكية: أن بعض النوافل تصبح واجبة بالشروع فيها دون بعض وهي: الصلاة، الصوم، الحج، العمرة، الاعتكاف، الإئتمام، طواف التطوع.
    ضابط النافلة التي تجب بالشروع عند المالكية: إن "كل عبادة توقف أولها على آخرها يجب إتمامها".
    الشروع في العبادة – عند القائلين بلزوم العبادة بالشروع فيها – ليس ملزماً لذاته، بل لصيانة ما أدى من العبادة عن البطلان بقطعها، فكأنه بشروعه بالنافلة تعلق حق الله فيها، فلصيانة هذا الحق حرم قطعها، ووجب إتمامها.
    اتفق الحنفية والمالكية على أنه يجب القضاء على من قطع نافلة بعد أن شرع بها عامداً ولا ناسياً دون عذر يمنع إتمامها، أما لو قطعها ناسياً أو كان ثمة عذر يمنع إتمامها فقطعها لأجله فيجب عليه قضاؤها عند الحنفية، ولا يجب القضاء عند المالكية. كما أن ظاهر كلام أكثر الفقهاء على أن النفل بالشروع فيه يصير واجباً، وذهب البعض إلى أن النفل يبقى نفلاً والذي يجب هو الإتمام.
    يرجع اختلاف الأصوليين في القاعدة إلى أسباب، أهمها:
    التعارض الظاهري بين الأدلة، الاختلاف في تعميم قوله تعالى: {ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، الاختلاف في صحة قياس النافلة على النذر، اختلافهم في تصحيح وتضعيف بعض الآثار الدالة على لزوم قضاء النافلة، اختلافهم في فهم بعض الآيات كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، الاختلاف في فهم الاستثناء في حديث الأعرابي الذي جاء فيه (إلا أن تطوع).
    اشترط القائلون بوجوب إتمام النافلة بالشروع شروطاً، أهمها: أن يكون الشروع صحيحاً، أن تكون العبادة مما يتوقف ابتداؤها على ما بعده في الصحة، أن يقصد هذه العبادة، أن يشرع فيها في وقت مستحب، أن يكون مكلفاً، أن لا يلزمه القضاء بغير صفة الأداء، أن يشرع فيه وهو عليه فعلاً لا ظناً، أن يشرع في النافلة وهو قادر على إتمامها.


    توصيات الباحث:


    يوصي الباحث بمزيد اهتمام بالأبحاث الأصولية المحكمة المتعلقة بالأحكام التكليفية الخمسة، وبخاصة الوجوب والندب، وأن يكون التركيز على تلك القضايا التي ينبني عليها عدد كبير من الفروع الفقهية، لما لها من أثر كبير في الواقع الحياتي للأمة. كما يوصي الباحث بتحقيق آراء العلماء من كتبهم الأصلية لما يترتب على خلاف ذلك من نسب لها – مع شهرتها – إلا أنها نسب بعيدة عن التحقيق والصواب، كما ظهر من النسبة الخطأ التي اشتهرت عن الحنفية والمالكية بتعميم القول بلزوم النافلة بالشروع فيها.


    المصادر والمراجع

    أحمد بن حنبل (ت 241هـ)، أبو عبد الله الشيباني، المسند، مؤسسة قرطبة – القاهرة.
    الأزهري، صالح بن عبد السميع الآبي (ت 1335هـ)، الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، طبع المكتبة الثقافية، بيروت، لبنان.
    الإسنوي، جمال الدين عبد الرحيم (ت 772هـ)، نهاية السول شرح منهاج الوصول، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1420هـ - 1999م.
    الألباني، محمد ناصر الدين إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة الثانية، 1405 – 1985.
    أمير بادشاه، محمد أمين (ت 972هـ)، تيسير التحرير، دار الفكر، بيروت، لبنان.
    ابن أمير الحاج، موسى بن محمد التبريزي (ت 879هـ)، التقرير والتحرير في علم الأصول، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1417هـ - 1996م.
    الأنصاري، زكريا بن محمد بن زكريا (ت 926هـ)، أسني المطالب في شرح روض الطالب، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1422هـ - 2000م، الطبعة الأولى، تحقيق: د. محمد محمد تامر.
    الأنصاري، زكريا بن محمد بن زكريا (ت 926هـ)، الحدود الأنيقة، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1411هـ.
    الأنصاري، شيخ الإسلام زكريا بن محمد بن زكريا (ت 926هـ)، غاية الوصول شرح لب الأصول، دون ذكر لمعلومات الطبع على الطبعة.
    البجيرمي، سليمان بن محمد بن عمر، تحفة الحبيب على شرح الخطيب (البجيرمي علي الخطيب)، دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان، 1417هـ- 1996م، الطبعة الأول.
    البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة (ت 256هـ)، صحيح البخاري، طبع دار اليمامة ودار ابن كثير، الطبعة الثالثة، 1987م.
    برهان الدين مازه، محمود بن أحمد بن الصدر الشهيد النجاري (ت 616هـ)، المحيط البرهاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، دون سنة طبع.
    البزدوي علي بن محمد، أصول البزدوي (كنز الوصول إلى معرفة الوصول)، مطبعة جاويد بريس، كراتشي، دون ذكر سنة طبع.
    البورنو، محمد صدقي بن أحمد، موسوعة القواعد الفقهية، طبع مؤسسة الراسلة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1424هـ، 2003م.
    البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، نشر مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد، الطبعة الأولى – 1344هـ.
    الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى السلمي، الجامع الصحيح سنن الترمذي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، دون سنة طبع، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون.
    التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر (ت 793هـ)، شرح التلويح على التوضيح، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1996م، تحقيق زكريا عميرات.
    الجمل، سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري (ت 1204هـ)، حاشية سليمان الجمل على شرح المنهج لزكريا الأنصاري، دار الفكر، بيروت، لبنان، بلا رقم طبعة وسنة طبع.
    الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله أبو عبد الله، المستدرك على الصحيحين، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1411 – 1990، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.
    الحجاوي، شرف الدين موسى بن أحمد بن موسى أبو النجا (ت 960هـ)، الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، دون سنة طبع، دار المعرفة بيروت، لبنان، تحقيق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي.
    ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد (ت 852هـ)، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1419هـ 1998م.
    ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (ت 852هـ)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1379هـ، تحقيق: محب الدين الخطيب.
    الحصكفي، علاء الدين محمد بن علي بن محمد الحصني (ت 1088هـ)، الدر المختار، دار الفكر، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1386هـ.
    الحطاب الرعيني، محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي (ت 954هـ)، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، تحقيق زكريا عميرات، دار عالم الكتب، بيروت، طبعة خاصة 1423هـ.
    الحموي، أبو العباس أحمد بن محمد مكي الحسيني الحنفي (ت 1098هـ)، غمز عيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر (لزين العابدين ابن نجيم)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1405هـ.
    الحميدي، محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الأزدي (ت 488هـ)، الجمع بين الصحيحين (البخاري ومسلم)، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، 1423هـ - 2002م، الطبعة: الثانية، تحقيق: د. علي حسين البواب.
    الحوت، محمد بن درويش بن محمد، أسني المطالب في أحاديث مختلفة المراتب، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1997م.
    الدار قطني أبو الحسن علي بن عمر ابن أحمد بن مهدي (ت 385هـ)، العلل الواردة في الأحاديث النبوية، دار طيبة، الرياض، شارع عسير، الطبعة الأولى، 1405هـ - 1985م، تحقيق وتخريج: د. محفوظ الرحمن زين الله.
    الدسوقي، محمد بن أحمد (ت 1230هـ)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الفكر، بيروت، لبنان، تحقيق: محمد عليش، بلا سنة طبع.
    ابن الدهان، أبو شجاع محمد بن علي بن شعيب (ت 592هـ)، تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة، ونبذ مذهبية نافعة. مكتبة الرشد، السعودية، الرياض، 1422هـ - 2001م، الطبعة الأولى، تحقيق: د. صالح بن ناصر الخزيم.
    ابن رحب الحنبلي، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد (المتوفى 795هـ)، القواعد، مكتبة نزار مصطفى الباز ، مكة، الطبعة الثانية، 1999م.
    الرازي، محمد بن عمر بن الحسين (-606هـ)، المحصول في علم الأصول، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض، الطبعة الأولى، 1400، تحقيق: طه جابر فياض العلواني.
    الرملي، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة (ت 1004هـ) الشهير بالشافعي الصغير، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، دار الفكر للطباعة، بيروت، لبنان، 1404هـ، 1984م.
    الزركشي الحنبلي، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله (ت 772هـ)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1423هـ - 2002م، الطبعة الأولى، تحقيق: قدم له ووضع حواشيه: عبد المنعم خليل إبراهيم.
    الزركشي، بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله (ت 794هـ)، البحر المحيط في أصول الفقه، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1421هـ- 2000م، الطبعة الأولى، تحقيق: ضبط نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د. محمد محمد تامر.
    الزركشي، بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله (ت 794هـ)، المنثور في القواعد، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، الطبعة الثانية، 1405هـ، تحقيق د. تيسير فائق أحمد محمود.
    الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي الحنفي (ت 743هـ)، تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، طبع دار الكتب الإسلامي، 1313هـ، القاهرة.
    السبكي علي بن عبد الكافي، الإبهاج في شرح المنهاج، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1404، تحقيق: جماعة من العلماء.
    السرخسي، محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، (ت 483هـ)، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، دون سنة طبع.
    السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911هـ)، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1403هـ.
    السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت911هـ)، شرح السيوطي لسنن النسائي، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1406هـ - 1986، الطبعة الثانية، تحقيق: عبد الفتاح أبو عدة.
    الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي (ت 790هـ)، الموافقات، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، مصر، الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م.
    الشربيني، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني (ت 977هـ)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الفكر، بيروت، لبنان، دون سنة طبع.
    الشرواني، عبد الحميد المكي الشرواني الداغستاني (ت 1301هـ)، حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج، دار الفكر، بيروت، لبنان، دون سنة طبع.
    الشوكاني، محمد بن علي بن محمد الشوكاني (ت 1250هـ)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، تحقيق الشيخ أحمد عناية، دمشق، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1419هـ.
    الصاوي، أحمد بن محمد الخلوتي (ت 1241هـ)، بلغة السالك، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1995م.
    ابن عابدين، محمد أمين بن عمر (ت 1252هـ)، حاشية ابن عابدين، دار الفكر، بيروت، 2000م.
    ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت 1393هـ)، التحرير والتنوير، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ/ 2000م.
    العطار، حسن بن محمد (ت 1250هـ)، حاشية العطار على جمع الجوامع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1420هـ- 1999م، الطبعة الأولى.
    علاء الدين البخاري، عبد العزيز بن أحمد بن محمد (ت 730هـ)، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، المحقق: عبد الله محمود محمد عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1418هـ/ 1997م.
    العيني، بدر الدين محمود بن أحمد (ت 855هـ)، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
    الغزالي محمد بن محمد الطوسي (ت 505هـ)، الوسيط، تحقيق أحمد محمد إبراهيم وتامر محمد تامر، طبع دار السلام، القاهرة، 1417هـ.
    الغزنوي، أبي حفص عمر الحنفي، الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة، مكتبة الإمام أبي حنيفة، بيروت، 1988م، الطبعة الثانية، تحقيق: محمد زاهد بن الحسن الكوثري.
    ابن فارس، أبي الحسين أحمد بن فارس (ت 395هـ)، معجم مقاييس اللغة، دار الجيل، بيروت، لبنان، 1420هـ، 1999م، الطبعة الثانية، تحقيق: عبد السلام محمد هارون.
    ابن قدامة المقدسي، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد (ت 620هـ)، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1405، الطبعة الأولى.
    القرافي، أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي (ت 684هـ)، الفروق، تحقيق خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ، 1998م.
    القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس (ت 674هـ)، الذخيرة، تحقيق محمد حجي، دار الغرب، بيروت، لبنان، 1994م.
    القرشي أبو الوفاء، عبد القادر بن أبي الوفاء محمد بن أبو محمد (ت 775هـ)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية، تحقيق: الناشر مير محمد كتب خانة، كراتشي، باكستان.
    القضاعي، محمد بن سلامة بن جعفر أبو عبد الله (ت 454هـ)، مسند الشهاب، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1986م، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي.
    ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي (ت 751هـ)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الجيل، بيروت، 1973م، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد.
    الكاساني، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني علاء الدين (ت 587هـ)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتاب العربي، بيروت، 1982، الطبعة الثانية.
    الكمال بن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي 681هـ، شرح فتح القدير، دار الفكر، بيروت، الطبعة: الثانية.
    الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب (ت 450هـ)، الحاوي في فقه الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1414هـ - 1994م.
    المباركفوري، عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان (ت 1414هـ)، مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، نشر إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء، الجامعة السلفية، بنارس الهند، الثالثة – 1404هـ، 1984م.
    المباركفوري، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم (ت 1414هـ)، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، تحفة الأحوذي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
    مجموعة من العلماء: إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر، محمد النجار، المعجم الوسيط، دار الدعوة، تركيا، دون سنة طبع.
    محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت 1206هـ)، مختصر الإنصاف والشرح الكبير، مطابع الرياض، الرياض، الطبعة الأولى، تحقيق عبد العزيز بن زيد الرومي، محمد بلتاجي، سيد حجاب.
    المرداوي، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان الدمشقي الصالحي (ت 885هـ)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، دار إحياء التراث العربي بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1419هـ.
    مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم، دار الجيل بيروت، دار الأفاق الجديدة – بيروت، دون سنة طبع.
    ابن الملقن، سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (ت 804هـ)، البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، تحقيق مصطفى أبو الغيط وعبد الله بن سليمان وياسر بن كمال، دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض السعودية، الطبعة الأولى، 1425هـ.
    المنبجي، جمال الدين أبو محمد علي بن أبي يحيي زكريا بن مسعود الأنصاري الخزرجي (ت 686هـ)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، دار القلم، الدار الشامية، سوريا، دمشق، لبنان، بيروت، 1414هـ - 1994م، الطبعة الثانية، تحقيق: د. محمد فضل عبد العزيز المراد.
    ابن منظور، محمد بن مكرم من منظور الأفريقي المصري (ت 711هـ)، لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى.
    ابن ناصر الدين محمد بن عبد الله بن محمد القيسي الدمشقي، توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1993م، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي.
    ابن النجار، تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي (ت 972هـ) شرح الكوكب المنير، المحقق، محمد الزحيلي ونزيه حماد، مكتبة العبيكان، الطبعة الثانية، 1418هـ.
    ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي (ت 970هـ)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
    النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني (ت 303هـ)، سنن النسائي الكبرى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1991م.
    النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيي بن شرف (ت 676هـ)، المجموع شرح المهذب، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1997م.
    النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيي بن شرف (ت 676هـ)، روضة الطالبين وعمدة المفتين، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1405، الطبعة الثانية.

    [*]( ) أستاذ مساعد بقسم الفقه وأصوله – كلية الشريعة – جامعة الخليل – فلسطين.

    [1]() ابن فارس، معجم مقاييس اللغة: 5/413

    [2]() الأنصاري، الحدود الأنيقة: 1/76، المعجم الوسيط، مجموعة من العلماء: 2/910.

    [3]() انظر السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج: 1/52.

    [4]() انظر: البزدوي، أصول البزدوي: 1/139.

    [5]() انظر: الإسنوي، نهاية السول شرح منهاج الوصول: 1/ 43- 44.

    [6]() السيوطي، شرح السيوطي لسنن النسائي: 1/11.

    [7]() الحميدي، الجمع بين الصيحين، البخاري ومسلم: 3/180.

    [8]() مع كون تركها دون عذر خلاف الأولى أو مكروه على أبعد تقدير، لأن المندوب لا يعاقب تاركه.

    [9]() وللسنة معنى آخر عند الأصوليين إذا أطلقت في باب الأدلة – فقط – فالمراد بنها: ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول – غير القرآن – أو فعل، أو تقرير. الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول: 1/ 95.

    [10]() انظر: الأنصاري، غاية الوصول: 1/18، العطار حاشية العطاء على جمع الجوامع: 1/126-127، الزركشي، البحر المحيط: 1/229-230، ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 1/ 133، الشوكاني، إرشاد الفحول: 1/95.

    [11]() الزركشي، البحر المحيط: 1/ 230.

    [12]() العطار، حاشية العطاء على جمع الجوامع: 1/127.

    [13]() الزركشي الحنبلي، شرح الزركشي: 1/435. ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/409. الحموي، غمز عيون البصائر (2/19). الزركشي، المنثور: 2/243.

    [14]() العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 1/268

    [15]() ابن القيم، إعلام الموقعين: 2/49.

    [16]() انظر: الزركشي، المنثور: 2/242-244.

    [17]() يفهم من ظاهر كلام: التفتازاني، التلويح: 2/261، ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 2/29، السرخسي، المبسوط: 2/124، الغزنوي، الغرة المنيقة: 1/70، الزركشي، المنثور: 2/242-243، القرافي، الذخيرة 4/83. المنبجي، اللباب: 1/284.

    [18]() التفتازاني، شرح التلويح على التوضيح: 2/261.

    [19]() البجيرمي، تحفة الحبيب على شرح الخطيب: 2/10.

    [20]() ابن حجر العسقلاني، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (2/459).

    [21]() الكاساني، بدائع الصنائع: 1/164.

    [22]() الرازي، المحصول: 2/355.

    [23]() محمد المالكي، تهذيب الفروق: 3/227. وانظر مزيد صيغ قريبة في: مدكور، نظرية الإباحة: 0/305، اليوسي، البدور اللوامع: 1/270، محمد المالكي، تهذيب الفروق: 1/163، ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 3/56.

    [24]() اليوسي، البدور اللوامع: 1/308.

    [25]() الحموي، غمز عيون البصائر: 2/19.

    [26]() الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 5/230.

    [27]() القرافي، الفروق: 3/353، الحطاب الرعيني، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: 2/408.

    [28]() المباركفوري، مرعاة المفاتيح: 7/111.

    [29]() الماوردي، الحاوي في فقه الشافعي: 1/59.

    [30]() انظر: النووي، المجموع: 8/240. الزركشي، المنثور: 2/242، 244، 246، الأنصاري، أسني المطالب: 3/435، الشربيني، مغني المحتاج: 4/219، النووي، روضة الطالبين: 10/213-214، الشرواني، حواشي الشرواني على تحفة المحتاج بشرح المنهاج: 9/234، ابن قدامة المقدسي، المغني: 3/63-64، ابن حجر العسقلاني، فتح الباري: 6/483، محمد بن عبد الوهاب، مختصر الإنصاف والشرح الكبير: 1/265، ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/407.

    [31]() الشرواني، حواشي الشرواني: 9/234.

    [32]() ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/407.

    [33]() انظر: النووي، روضة الطالبين: 2/386.

    [34]() السيوطي، الأشباه والنظائر: 1/402.

    [35]() خلافاً للشيخ أبي إسحاق الشيرازي في الأخيرة. انظر: الزركشي، المنثور: 2/243.

    [36]() الجوزجاني (ت 259)، إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي الجوزجاني، أبو إسحاق: محدث الشام، وأحد الحفاظ المصنفين الثقات. نزل دمشق فسكنها إلى أن مات. له كتاب في (الجرح والتعديل) وكتاب في (الضعفاء)، وقال ابن كثير: له مصنفات، منها (المترجم فيه علوم غزيرة) انظر: الزركلي، الإعلام: 1/81، ابن ناصر الدين، توضيح المشتبه: 5/60.

    [37]() الزركشي الحنبلي، شرح الزركشي علي مختصر الخرقي: 1/435.

    [38]() مختار بن محمود بن محمد الزاهدي أبو الرجاء، له شرح القدوري، وله القنية، تفقه على علاء الدين الخياطي، وبرهان الأئمة التكستاني، وقرأ الكلام على سراج الدين السكاكي، مات سنة (658هـ). أبو الوفاء، الجواهر المضية: 2/166.

    [39]() الحموي، غمز عيون البصائر: 2/19.

    [40]() انظر: التفتازاني، التلويح على التوضيح: 2/261، ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 2/29، السرخسي، المبسوط: 2/124، الغزنوي، الغرة المنيفة: 1/70، القرافي، الذخيرة 4/83، الزركشي، المنثور: 2/242 – 243.

    [41]() القرافي، الذخيرة 4/83.

    [42]() ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 2/29.

    [43]() لم أجده في كتب الطحاوي مع سعة بحث، وإنما نسبة إليه: المنبجي، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب: 1/284.

    [44]() ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/409.

    [45]() محمد بن عبد الوهاب، مختصر الإنصاف والشرح الكبير: 1/265.

    [46]() انظر: ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/409.

    [47]() الحصكفي، الدر المختار: 2/31.

    [48]() وفي ذلك يقول السرخسي: "الشروع في العبادة باعتبار كونها مما لا يمضي في فاسدها لا يكون ملزماً عندنا، بل باعتبار كونها مما تلتزم بالنذر" السرخسي: 2/267.

    [49]() البخاري علاء الدين، كشف الأسرار: 4/153.

    [50]() ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: 3/372، برهان الدين مازه، المحيط البرهاني: 2/177.

    [51]() ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 3/57.

    [52]() عزاه السيد أبو السعود إلى صدر الدين بن العز، وهو من النوع المسمى عند المولدين بالمواليا وبحره بحر البسيط. ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 2/31. ونسبة الصاوي من المالكية لابن كمال باشا من الحنفية. الصاوي، بلغة السالك: 1/79.

    [53]() أراد الإحرام مع الجماعة والدخول معهم وهو اإائتمام كما سيأتي في نظم ابن عرفة التالي.

    [54]() الحصكفي، الدر المختار: 2/31.

    [55]() ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 2/31.

    [56]() الحطاب الرعيني، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: 2/408-409، الصاوي، بلغة السالك: 1/79.

    [57]() قاله الشيخ زروق. انظر: الخطاب الرعيني، مواهب الجليل: 2/409.

    [58]() تنبيه إلى أنه لا يلزم الإعادة في الإئتمام، فمن دخول خلف الإمام فإنه يلزم بالشروع، ولا يجوز له الانتقال عند المالكية، لكنه إذا قطع لا تلزمه الإعادة مع الإمام. انظر: الحطاب الرعيني، مواهب الجليل: 2/409.

    [59]() الصاوي، بلغة السالك: 1/79، الحطاب الرعيني، مواهب الجليل: 2/408.

    [60]() الحطاب الرعيني، مواهب الجليل: 2/409.

    [61]() ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: 3/372، برهان الدين مازه، المحيط البرهاني: 2/177.

    [62]() ابن عاشور، التحرير والتنوير: 5/10.

    [63]() القرافي، الفروق: 3/353، الحطاب الرعيني، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: 2/408.

    [64]() سيأتي تخريج الحديث.

    [65]() انظر: القرافي، الفروق: 3/353.

    [66]() سيأتي معنى هذه الآثار عند مناقشة أدلة الطرفين.

    [67]() انظر: السرخسي، أصول السرخسي: 2/267.

    [68]() ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 2/29.

    [69]() الكاساني، بدائع الصنائع: 2/109.

    [70]() ابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 2/29.

    [71]() المصدر السابق: 2/29.

    [72]() المصدر السابق: 2/30.

    [73]() انظر: ابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق: 1/262، برهان الدين مازه، المحيط البرهاني: 1/387.

    [74]() السرخسي، المبسوط: 2/123-124.

    [75]() الكاساني، بدائع الصنائع: 5/98.

    [76]() الحموي، غمز عيون البصائر: 2/19.

    [77]() الكمال بن الهمام، شرح فتح القدير: 4/478.

    [78]() البخاري، صحيح البخاري: 2/701.

    [79]() وفي رواية: "المتطوع بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر". وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين: 1/ 604-605، وممن استدل: الإمام الرازي. انظر: الرازي، المحصول: 2/211.

    [80]() مسلم، صحيح مسلم: 3/158.

    [81]() النسائي، سنن النسائي الكبرى: 2/116. وصحح البيهقي والدار قطني إسناد هذا الحديث. ابن الملقن، البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير: 5/657-658.

    [82]() مسلم، صحيح مسلم: 3/141.

    [83]() الترمذي، سنن الترمذي: 3/79.

    [84]() رواه أحمد، وقال شعيب الأرناؤوط معلقاً: هذا ملفق من حديثين، الأول: إسناده صحيح على شرط الشيخين، والثاني: إسناده صحيح على شرط البخاري، ورجاله ثقات، رجال الشيخين، غير عكرمة، فمن رجال البخاري، أحمد بن حنبل، المسند: 1/366.

    [85]() في المعتمد عند السادة الشافعية قال الغزالي: "الصوم أفضل من الفطر". الغزالي، الوسيط: 2/250. وانظر: الزركشي، البحر المحيط: 2/224، وهو المشهور في المذهب المالكي. انظر: الزركشي، البحر المحيط: 2/224، وهو المشهور في المذهب المالكي. انظر الأزهري، الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني: 1/654. وهو المعتمد عند الحنفية. انظر: الزيلعي، تبين الحقائق شرح كنز الدقائق: 2/34. وخالف الحنابلة، فالمذهب عندهم أن "المسافر يستحب له الفطر" المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: 3/203.

    [86]() أي سيل جرى بسبب مطر السماء.

    [87]() قال الشيخ شعيب الأرنؤوط معلقاً عليه في الهامش: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجالة ثقات رجال الشيخين، غير أبي نضرة، فمن رجال مسلم. أحمد بن حنبل، أبو عبد الله الشيباني، المسند: 3/46.

    [88]() البيهقي، السنن الكبرى: 4/278.

    [89]() المباركفوري، مرعاة المفاتيح: 7/107.

    [90]() الدارقطني، العلل الواردة في الأحاديث النبوية: 15/365.

    [91]() كما بين ابن الملقن وقال: "هذا الحديث رواه أحمد في مسنده، والطبراني في أكبر معاجمه، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والدارقطني، والبيهقي في سننهم من حديث سماك بن حرب عن هارون بن أم هانئ عن أم هانئ، قال الترمذي: في إسناده مقال. وقال النسائي: اختلف على سماك فيه، وسماك ليس يعتمد عليه إذ انفرد بالحديث وقال عبد الحق بعد أن رواه من طريق النسائي عن حماد ابن سلمة عن سماك به: هذا أحسن أسانيد هذا الحديث، وإن كان لا يحتج به. قال ابن القطان: هو كما ذكر إلا أن العلة لم يبينها وهي الجهل بهارون بن أم هانئ أو ابن ابنة أم هانئ فكل ذلك قيل فيه، وهو لا يعرف أصلاً. وقال المنذري في مختصر السنن: في إسناده مقال ولا يثبت. قال: وفي إسناده اختلاف كثير أشار إليه النسائي". ابن الملقن، البدر المنير: 5/735.

    [92]() البيهقي، السنن الكبرى: 4/279.

    [93]() المباركفوري، مرعاة المفاتيح: 7/106.

    [94]() قال الألباني: "وهذا إسناد حسن، كما قال الحافظ في الفتح. قلت: وهو على شرط مسلم، إلا أن أبا أويس وابنه إسماعيل قد تكلم فيهما من قبل الحفظ". الألباني، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: 7/12.

    [95]() انظر: الشاطبي، الموافقات: 3/254.

    [96]() ابن قدامة، المغني: 3/63.

    [97]() الغزنوي، الغرة المنيفة: 1/70.

    [98]() الغزنوي، الغرة المنيفة: 1/70.

    [99]() واحترز، بلا يحب المضي في فاسدها عن الحج، لأنه يجب المضي فيه بالشروع، لوجوب المضي في فاسده بالإجماع، وهذا ظاهر في أن عدم وجوب المضي في الفاسدة علة لعدم الوجوب بالشروع. ابن أمير الحاج، التقرير والتجبير: 3/273.

    [100]() ابن مسعود، التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه: 2/193 – 295.

    [101]() العكس: أن يدل على حكم آخر يلزم منه ذلك النقيض يسمى عكساً. ابن مسعود، التلويح: 2/193.

    [102]() ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: 3/372. وعبر عنه ابن مسعود: "فنقول: لو كان عدم وجوب المضي في الفاسد على لعدم الوجوب بالشروع لكان علة لعدم الوجوب بالشروع والنذر، كما في الوضوء، فإنه لا يمضي في فاسده، فلا يجب بالشروع والنذر، فيلزم استواء النذر والشروع في هذا الحكم والأول أقوى من هذا، أي القلب أقوى من العكس، لأنه جاء بحكم آخر وبحكم محمل، وهو الاستواء، أي المعترض جاء في العكس بحكم آخر، وفي القلب جاء بنقيض حكم يدعيه المعلل، فالقلب أقوى، لأنه في العكس اشتغل بما ليس هو بصدده وهو إثبات الحكم الآخر، وفي القلب لم يشغل بذلك، وأيضاً جاء يحكم مجمل وهو الاستواء، إذ الاستواء يكون بطريقين والمعترض لم يبين أن المراد أيهما، وإثبات الحكم المبين أقوى من إثبات الحكم المجمل". ابن مسعود، التلويح: 2/193، وانظر الدليل والرد بنفس المعنى في: أمير بادشاه، تيسير التحرير: 4/163 – 164.

    [103]() التفتازاني، التلويح: 2/261.

    [104]() الغزنوي، الغرة المنيفة: 1/70.

    [105]() المباركفوري، مرعاة المفاتيح: 7/107.

    [106]() ابن الدهان، تقويم النظر: 2/123. وانظر: ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/408-409.

    [107]() ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/408-409.

    [108]() المنبجي، اللباب: 1/285.

    [109]() المباركفوري، مرعاة المفاتيح: 7/107.

    [110]() المباركفوري، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: 3/359.

    [111]() مسلم، صحيح مسلم: 1/31.

    [112]() البجيرمي، تحفة الحبيب على شرح الخطيب (البجيرمي على الخطيب): 2/10.

    [113]() العيني، عمدة القاري: 1/268.

    [114]() العيني، عمدة القاري: 1/268.

    [115]() العيني، عمدة القاري: 1/267 – 268.

    [116]() العيني، عمدة القاري: 1/267-268، ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/409.

    [117]() البخاري، صحيح البخاري: 2/701.

    [118]() البخاري، صحيح البخاري: 1/313.

    [119]() ابن قدامة، المغني: 3/63-64.

    [120]() النسائي، سنن النسائي الكبرى: 2/248.

    [121]() البيهقي، السنن الكبرى، وفي ذيله الجوهر النقي: 4/279.

    [122]() المنبجي، اللباب: 1/281-282.

    [123]() العيني، عمدة القاري: 1/ 268.

    [124]() البيهقي، السنن الكبرى: 4/280.

    [125]() عند عبد الرزاق في مصنفة، ومالك في موطئه، والطحاوي والبيهقي وغيرهم. المباركفوري، مرقاة المفاتيح: 7/106، وانظر كلامه الطويل في تضعيفه: 7/113-114.

    [126]() البيهقي، السنن الكبرى: 4/279-281.

    [127]() المنبجي، اللباب: 1/282.

    [128]() المنبجي، اللباب: 1/283.

    [129]() المباركفوري، مرقاة المفاتيح: 7/106.

    [130]() المباركفوري، مرقاة المفاتيح: 7/113.

    [131]() المباركفوري، مرقاة المفاتيح: 7/107.

    [132]() قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. الحاكم النيسابوري، المستدرك: 2/141.

    [133]() ابن القيم، بدائع الفوائد: 3/727.

    [134]() الزرعي، بدائع الفوائد: 3/727.

    [135]() البخاري، صحيح البخاري: 2/699.

    [136]() المنبجي، اللباب: 1/281-282.

    [137]() القضاعي، مسند الشهاب: 2/238.

    [138]() ففي سنده عبد الرحمن بن قيس الضبي، وهو متروك. الحوت، أسني المطالب في أحاديث مختلفة المراتب: 1/114.

    [139]() العيني، عمدة القاري: 1/268.

    [140]() التفتازاني، التلويح: 2/262.

    [141]() البخاري علاء الدين، كشف الأسرار: 4/78.

    [142]() العيني، عمدة القاري: 1/268.

    [143]() ابن قدامة، المغني: 3/64.

    [144]() المباركفوري، مرقاة المفاتيح: 7/108.

    [145]() البورنو، موسوعة القواعد الفقهي: 6/129، 130.

    [146]() التفتازاني، التلويح: 2/261.

    [147]() العيني، عمدة القاري: 1/268.

    [148]() وكذلك القضاء الموسع، وإتمام قضاء صلاة وقتها موسع. الأنصاري، أسني المطالب: 3/435.

    [149]() انظر: الزركشي، المنثور: 2/242، 244، 246. الأنصاري، أسنى المطالب: 3/435، الشربيني، مغني المحتاج: 4/219، النووي، روضة الطالبين: 10/213 – 214، الشرواني، حواشي الشرواني على تحفة المحتاج: 9/234.

    [150]() ابن قدامة، المغني: 3/63.

    [151]() الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: 2/101.


    [152]() الرملي، نهاية المحتاج: 2/234.

    [153]() الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 1/338 – 340.

    [154]() انظر: الحموي، غمز عيون البصائر: 2/19.


    [155]() لما وجب القضاء بالفساد كما وجب بالإفساد علم أنه مضاف إلى معنى آخر شامل لهما وهو الشروع الذي يصير الأداء به مضموناً عليه عند الحنفية، وفوات المضمون موجب للمثل. البخاري علاء الدين، كشف الأسرار: 4/152-153.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •