ثبوت حكم دم النفاس في حالات الإجهاض
د. نورة بنت عبدالله بن محمد المطلق*
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونستهديه ونعود بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
تتعرض بعض النساء الحوامل إلى إجهاض أجنتهن ويتبع ذلك تساؤل الكثير منهن عن حكم الدم الخارج منهن هل هو نفاس تمتنع فيه عن الصلاة والصيام والجماع أم هو دم فاسد فتلتزم فيه بالوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها وتصوم فرضها ؟ فبم تكون المرأة نفاساً ؟
نسمع من بعض المفتين من يحدد ذلك بأن الحمل إذا كان عمره واحداً وثمانين يوماً فهو دم نفاس وإن كان أقل من ذلك فهو دم فساد ، مع عدم ربطه بتبين خلق الإنسان في الجنين المجهض وهذا بناء على كلام بعض الفقهاء كما سيرد ذكره في البحث واستدلالهم بقول الله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[1]
وبقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[2].
وقوله عليه الصلاة والسلام : " إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك...."[3] .
ومع تطور الأجهزة الطبية ودقة الأشعة الصوتية المصورة للجنين في مراحل حمله المختلفة، هل نقول: بأن الأصل لتكون المرأة نفاسا إذا تبين خلق الإنسان وإن كان أقل من واحد وثمانين يوماً كأن يكون له واحد وخمسون يوماً أم لا بد أن يكون واحداً وثمانين يوماً أم لا يشترط تبين خلق الإنسان، فبمجرد التأكد من وجود الحمل علقة، أو مضغة، وتجهضه المرأة تكون نفاسا.
مسألة مهمة تتعلق بطهارة المرأة، وعبادتها، وعدتها من طلاق ووفاة؛ ولأهميتها رأيت البحث فيها بالجمع بين أراء أهل الاختصاص من الفقهاء الباحثين فيه والأطباء المختصين في هذا المجال، فأسأل الله الإعانة والتوفيق.
تعريف النفاس في اللغة والاصطلاح الفقهي والطبي:
تعريف النفاس في اللغة:
ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء ، والنفس الدم ونُفَِست المرأة ونَفِستْ بالكسر نَفَساً ونفاسة ونفاساً فهي نُفَساءُ ونَفْساءُ ونَفَساءُ : إذا ولدت وجمعها نُفَساوات، ونِفاس ونُفاس ونُفَّس[4].
وليس في الكلام فُعلاء يجمع على فِعَال غير نفساء وعشراء[5]، ويقال: نَفِست المرأة تنفس بالفتح إذا حاضت.[6]
وقيل: إنه مشتق من تنفس الرحم به ، وقيل: هو من النفس الذي هو عبارة عن الدم،
وقيل: هو من النفس التي هي الولد فخروجه لا ينفك عن دم يتعقبه[7].
وقيل: النفاس بكسر النون الولادة من التَّنَفُّس وهو التَّشَقُّقُ والانصداع، ثم سمي الدم نِفاساً؛ لأنه خارج بسبب الولادة تسمية للمُسبَبَّ باسم السَّبَب[8].
تعريف النفاس في الاصطلاح الفقهي:
عرفه فقهاء الحنفية بأنه: اسم للدم الخارج من الرحم عقيب الولادة[9].
وعند فقهاء المالكية: الدم الخارج للولادة[10].
وعند فقهاء الشافعية: دم يرخيه الرحم في حال الولادة وبعدها[11].
وعند فقهاء الحنابلة: هو دم تُرخيه الرَّحِمُ مع الولادة وقبلها بيومين أو ثلاثة بأمارةٍ وبعدها إلى تمام أربعين من ابتداء خروج بعض الولد[12].
وأقرب تعريف ما ذكره صاحب المبدع بقوله: دم يرخيه الرحم للولادة وبعدها إلى مدة معلومة[13]. حيث قيد دم النفاس بنزوله في مدة معلومة هي أقل النفاس وأكثره.
تعريف النفاس في الإصطلاح الطبي:
هناك فرق عند الأطباء بين النفاس ودم النفاس، فالنفاس هو: الفترة التي تلي الولادة والتي تؤدي إلى عودة الرحم وجهاز المرأة التناسلي إلى حالته الطبيعية قبل الولادة.[14]
ودم النفاس هو: الدم والإفرازات التي تخرج من الرحم بعد الولادة وتستمر لمدة ثلاثة إلى أربعة أسابيع، وقد تطول إلى ستة أسابيع (أربعين يوماً) [15].
وقيل هو: عبارة عن الإفرازات التي تخرج بعد الولادة ويكون عبارة عن دم في أول أربعة أيام، ثم يفتح لونه وتقل كمية الدم حتى يصبح عبارة عن مخاط لا لون له بعد عشرة أيام.[16]
الإجهاض والإسقاط في المصطلح الطبي: ـ
الإجهاض (Abortion)
فقدان نتاج الحمل الذي لم يولد وذلك عندما يحدث في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل[17].
الإسقاط (Miscarriage)
فقد جنين الحامل قبل أن يبلغ درجة من النمو تمكنه من الحياة في عالمنا خارج الرحم[18].
الفرق بين الإجهاض والإسقاط: ـ
عندما يحدث فقدان للحمل في أثناء الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل فإنه يعد إجهاضاً، وعندما يحدث بين نهاية الشهر الثالث وبداية الشهر السابع فإنه يعد إسقاطا وفيه يكون للجنين فرصة في البقاء حياً إذا ولد بعد الشهر السادس من الحمل[19].
قد يكون الإجهاض تلقائياً أو ناشئاً عن حادث أو إصابة، والإجهاض التلقائي يعرف عامياً بالسقط[20].
وكثير من حالات الحيض المؤجل وبخاصة إذا صحبتها جلطات كبيرة من دم الحيض تعتبر حالات إجهاض مبكر حدثت قبل ملاحظة الحمل ، وتحدث ثلثا حالات الإجهاض تقريباً في أثناء الأشهر الثلاثة الأولى للحمل وأغلبها يكون قبل الأسبوع الثامن ، ويقل احتمال حدوثه بعد الأسبوع الثاني عشر حين تثبت أصول السخد
( المشيمة) وتتحسن تغذية الجنين[21].
ويتفق قول الفقهاء القائلين بأن أكثر الدم أربعون يوماً مع رأي الأطباء ، ويتفق قول القائلين بأن أكثر النفاس ستون يوماً مع التعريف الطبي للنفاس وهو عودة الرحم إلى حالته الطبيعية إذ أن أكثر ذلك في رأي الطب ثمانية أسابيع أو ستون يوماً ، ولكن الاختلاف بينها في التعريف فالأطباء يقصدون بالنفاس حالة الرحم حتى يعود إلى وضعه الطبيعي ويسمى (Peurpurim) .
وأما الدم والإفرازات التي تصحبه فتسمى (Lochia) أي دم النفاس ومدته عند الأطباء لا تزيد على ستة أسابيع[22].
حساب أشهر الحمل:
الحمل هو المدة مابين الإخصاب والولادة ، وينمو في أثنائها الجنين في الرحم ومدة الحمل تسعة أشهر تقريباً لكنها قد تزيد أو تنقص[23].
ويبدأ حساب أشـهر الحمل عند الأطباء من بداية آخر حيضة حاضتها المرأة ، ومدة الحمل 280 يوماً (أربعين أسبوعا).ً
وعندالفقهاء يبدأ من وقت الإخصاب (التلقيح) أي بعد أسبوعين من بداية آخر حيضة حاضتها المرأة ، فالفرق بين حساب الأطباء وحساب الفقهاء أسبوعان (أربعة عشر يوماً).
والعمر الحقيقي للجنين هو 280 – 14 = 266 يوماً فقط ، وهذا هو العمر الحقيقي للجنين منذ نزول البويضة[24].
حكم الدم النازل بعد الإجهاض: ـ
إذا أجهضت المرأة حملها فلا يخلو ذلك من عدة حالات:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك قبل مضي أربعين يوماً من الحمل فالدم النازل بعده دم فساد وليس بدم نفاس فلا تترك المرأة الصلاة والصيام بل تأتي بها وتتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، وهذا باتفاق الفقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
فعند الحنفية: " إذا اسقطت سقطاً فإن كان قد استبان شيء من خلقه فهي نفساء فيما ترى من الدم بعد ذلك وإن لم يستبن شيء من خلقه فلا نفاس لها، ولكن إن أمكن جعل المرئي من الدم حيضاً يجعل حيضاً، وإن لم يكن بأن لم يتقدمه طهر تام فهو استحاضة"[25].
وعند المالكية: "لاعدة لكل حامل غير الوضع والسقط التام والمضغة من الولد في ذلك سواء"[26].
فجعلوا المضغة مثل السقط التام وهي الأربعين الثالثة فدل على أن ماسبقها لا يعد نفاسا.
وقالوا: " وإن كان الحمل دماً اجتمع، وعلامة كونه حملاً أنه إذا صب عليه الماء الحار لم يذب"[27].
وعند الشافعية: " لا يخلو حال المرأة في ولادتها من أحد أمرين: إما أن تضع ما فيه خلق مصور أم لا؟ فإن لم يكن فيما وضعته خلق مصور لا جلي ولا خفي كالعلقة والمضغة التي لا تصير بها أم ولد ولا تجب فيها عدة ، لم يكن الدم الخارج معه نفاساً ، وكان دم استحاضة أو حيض على حسب حاله ، لأنه لما لم يحكم لما وضعته بحكم الولد فيما سوى النفاس كذلك في النفاس"[28].
وعند الحنابلة: تكون نفاساً " بوضع مايتبين فيه خلق الإنسان نصاً ، فلو وضعت علقه أو مضغة لا تخطيط فيها لم يثبت لها بذلك حكم النفاس"[29].
وفي المغنى: " وإن رأته -أي الدم- بعد إلقاء نطفة أو علقة فليس بنفاس"[30].
وفي الإنصاف: " يثبت حكم النفاس بوضع شيء فيه خلق الإنسان على الصحيح والمذهب ونص عليه، ومدة تبيين خلق الإنسان غالباً ثلاثة أشهر"[31].
وبالقول بأن الإجهاض قبل أربعين يوما من الحمل لا يعد نفاساً أخذ الشيخ ابن باز[32]، وابن عثمين[33]رحمهما الله.
وعللوا:
1- بأن السقط إذا لم يكن استبان من خلقه شيء فإنه لا يُدرى هل هو حمل مخلوق من ماء الذكر والأنثى ، أو دم جامد ، أو شيء من الأخلاط الردية استحال إلى صورة لحم؟ وإذا لم يُعلم حاله فلا يتعلق به شيء من أحكام الولادة[34].
2- أنه لم يثبت لهذا الحمل أنه ولد لا بالمشاهدة ولا بالبينة فلا يتعلق به شيء من الأحكام[35].
الحالة الثانية: أن تسقط المرأة حملها بعد تبين خلق الإنسان فيه فالدم النازل بعده دم نفاس باتفاق الفقهاء من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، والحنابلة.
فعند الحنفية:"فأما إذا اسقطت سقطاً فإن كان قد استبان شيء من خلقه فهي نفساء فيما ترى من الدم بعد ذلك"[36].
وعند المالكية: " لا عدة لكل حامل غير الوضع والسقط التام والمضغة من الولد في ذلك سواء"[37].
وعند الشافعية: " لا يخلو حال المرأة في ولادتها من أحد أمرين... وإن كان فيه خلق مصور تنقضي به العدة وتصير به أم ولد"[38].
وفي المجموع:" قال أصحابنا لايشترط في ثبوت حكم النفاس أن يكون الولد كامل الخلقة ولا حيا، بل لو وضعت ميتاً أو لحماً تصور فيه صورة آدمي أو لم يتصور، وقال القوابل: إنه لحم آدمي ثبتحكم النفاس هكذا صرح به المتولي وآخرون.وقال الماوردي:وضابطه أن تضع ما تنقضي به العدة وتصير به أم ولد"[39].
وعند الحنابلة: " ولا تنقضي عدة حامل إلا بوضع ما تصير به أمة أم ولد وهو مايتبين فيه خلق الإنسان ولو خفياً"[40].
جاء في المبدع: " ويثبت حكمه ـ أي النفاس ـ بوضع شيء فيه خلق الإنسان على الأشهر"[41].
وفي المغنى: " إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء فيه خلق الإنسان فهو نفاس نص عليه"[42].
وبه قال الشيخ بن باز رحمه الله حيث قال:" إذا اسقطت المرأة مايتبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء لها أحكام النفاس فلا تصلي ولا تصوم..."[43].
وبه قال الشيخ ابن عثمين رحمه الله حيث قال:" إذا ولدت ولو ميتاً أو حياً فإنه لا بد أن يتبين فيه خلق إنسان يتبين فيه اليدان والرجلان والرأس وهذا إنما يكون بعد بلوغ الحمل ثمانين يوماً ، أما قبل ذلك فلا يمكن أن يُخَلَّق؛ لأن الجنين في بطن أمه يكون في الأربعين الأولى نطفة ، وفي الثانية علقة ، ثم في الثالثة يكون مضغة مخلقة وغير مخلقة إذاً لا يمكن أن يبدأ التخطيط إلا بعد الثمانين، فبعد الثمانين يمكن أن يخلق ، وفي التسعين الغالب أن مُخلَّقٌ ... ثم قال: اعلم أن أحكام الجنين تتنوع؛ فمنها ما يتعلق بكونه نطفة... ثم قال: الثالث: يتعلق بكونه مضغة مخلقة أنه يترتب عليه النفاس......."[44].
واختاره الشيخ عمار بدوي[45] حيث قال: "وإذا نزل الجنين وتبين الخلقة تكون المرأة نفاساً"[46].
وعللوا بما يلي:
1- أن السقط إذا استبان بعض خلقه فهو في الحكم كالولد التام تتعلق به أحكام الولادة من انقضاء العدة ، وصيرورة المرأة نفساء لحصول العلم بكونه ولداً مخلوقاً عن الذكر والأنثى[47].
2- أن عدة المرأة تنقضي به بلا خلاف، قال ابن المنذر: "أجمع كل ما نحفظ عنه من أهل العلم على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط إذا علم أنه ولد"[48].
وذلك لأنه إذا بان فيه شيء من خلق الآدمي علم أنه حمل فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ...} [49].
الحالة الثالثة: إذا اسقطت المرأة علقة أو مضغة أي جنيناً في الأربعين الثانية أو الثالثة قبل تبين الخلق فيه فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في اعتبار الدم النازل بعده دم نفاس أم دم استحاضة على أقوال:
القول الأول: إذا ألقت علقة فلا يكون الدم بعدها نفاساً، وأما إذا ألقت مضغة فإن كانت لا صورة فيها ولم تشهد القوابل بأنها مبتدأ خلق آدمي فليس الدم بعدها نفاساً، وإن شهد ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي فالدم بعده نفاساً.
وهو قول الحنفية[50]، وهو ظاهر مذهب الشافعي[51]، ورواية عند أحمد أن الأمة تكون به أم ولد[52]، وبذلك يكون الدم بعده نفاساً.
جاء في الإنصاف: " وأقل مايتبين به الولد واحد وثمانون يوماً ، فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها لم يثبت لها بذلك حكم النفاس نص عليه....وعنه: يثبت بوضع مضغة وهما وجهان مطلقان في المغنى والشرح ...........
وقيل: يثبت لها حكم النفساء إذا وضعته لأربعة أشهر قدمه في الرعاية الكبرى، قال في الفروع: ويتوجه أنه رواية مخرجه من العدة..."[53].
وبه قال الشيخ ابن عثمين رحمه الله حيث قال: " الثالث: يتعلق بكونه مضغة مخلقة أنه يترتب عليه النفاس، فالمرأة إذا وضعت الحمل قبل أن يتبين فيه خلق إنسان فإن الدم الذي يخرج ليس دم نفاس"[54].
وبه قال ابن باز رحمه الله تعالى: " أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمه ولا تخطيط فيه، أو كان دماً فإنها بذلك يكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس ولا الحائض"[55].
واستدلوا:
1- قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ...}[56].
فدلت الآية المذكورة على أن التخليق يكون للنطفة[57]، فمخلقة أي مصور منها خلق الآدمي ، وغير مخلقة تارة بأن تقذفها الأرحام قبل تخليقها[58].
2- قول الله تـعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {23/12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {23/13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[59] أي جعلنا اللحم كسوة للعظام كما جعلنا العظام عماداً للحم وذلك في الأربعين الثالثة[60] في النصف الثاني منها ، كما تدل على أن المضغة تصير عظاماً بعد نفخ الروح[61].
3- أن شهادة ثقات من القوابل أنه مبتدأ خلق آدمي يشبه مالو تصور[62]،وأما إذا لم يشهدن فإنه لم يثبت كونه ولداً ببينة ولا مشاهدة فأشبه العلقة؛ لأنها لا تنقضي العدة بوضع ماقبل المضغة بحال[63].
4- أن العلقة ليست بشيء وإنما هي دم لا تنقضي به عدة ولا تعتق به أمة[64]. قال الإمام أحمد بن حنبل: ولا نعلم مخالفاً في هذا إلا الحسن فإنه قال: إذا علم أنها حمل انقضت به العدة ، وفيه الغُرة، قال ابن قدامة: والأول أصح وعليه الجمهور[65].
وعند الحنابلة: أقل مايحكم بأنه دم نفاس وماتنقضي به العدة من الحمل أن تضعه بعد ثمانين يوماً منذ أمكنه وطؤها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك"[66].
ولا يحكم بالنفاس وتنقضي العدة بما دون المضغة فوجب أن يكون دم النفاس بعد الثمانين فأما ما بعد الأربعة أشهر فليس فيه اشكال؛ لأنه ينكس[67] في الخلق الرابع[68].
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله: إذا نُكس في الخلق الرابع فليس فيه اختلاف، ولكن إذا تبين خلقه هذا أدل[69].
5- أن العلماء قد أجمعوا على أن عدة الحامل تنقضي بوضع ما استبان خلقه[70]،
وكذا المتوفى عنها زوجها، قال ابن المنذر: " أجمعوا على أن عدة المتوفى عنها تنقضي بالسقط"[71]. وقال ابن قدامة: "مابان فيه خلق الآدمي من الرأس واليد والرجل فهذا تنقضي به العدة بلا خلاف بينهم"[72].
6- أن حكم النفاس لا يثبت إلا بنزول الحمل، وإذا بان فيه شيء من خلق الآدمي علم أنه حمل فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[73] [74].
ويمكن أن يجاب عنه: بأن الآية عامة في كل حمل، ولم يشترط فيه أن يتبين فيه خلق الإنسان.
7- أن التخليق هو أن تظهر في الحمل آثار تخطيط الجنين كالرأس واليدين ونحوهما، والتخليق يكون في مرحلة المضغة ولا يكون قبل ذلك لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ...}[75] فالله جل شأنه وصف المضغة بالمخلقة وغير المخلقة فدل على أن ما قبلها ليس مخلفاً.
يتبع