إنكم لا تعرفونه ..
السلام عليك يا سعود ، يوم ولدت ، ويوم مت ، ويوم تبعث حيّا ..
صحب الناس في دنياهم كل صاحب ، وتركت زماننا لترحل إلى القرن الأول فتصاحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
لا أنساك وقد قلت لي في ضحى يوم ما : إنني جعلت مشروع حياتي لهم
السلام عليك حيث كرست عمرك ووقتك وعقلك وفكرك وجهدك في البحث عنهم ، ووهبتهم حياتك في مرحلة الدكتوراه ، فخرجت رسالتك للدكتوراه مطبوعة في 12 جزءا .
موسوعة بديعة ، عنوانها "الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة" ، ولم تكتف بعد ذلك بذلك ، بل طبعت بعدها الذيول والمستدركات .
لم نكن نعلم كم عدد الأحاديث التي جاءت في فضائل الصحابة والصحابيات ، حتى جاء الشيخ سعود فجمعها ورتبها ، وخرجها ، وطبعها ، وعدها لنا فبلغت 2022 حديثا دون تكرار ، حكم على أسانيدها صحة وضعفا ..
قال لي فرحًا : لما انتهيت من كتابة موسوعتي ، ألفت المستدرك عليها ، ثم جمعت الأحاديث الزوائد عليها من كتاب المطالَب العالية لابن حجر ، ثم حققت فضائل عمر رضي الله عنه لعبد الغني المقدسي ، فحاولت أن أسد هذه الثغرة في المكتبة الإسلامية .
وصدق والله وبر فلا يوجد كتاب جمع فضائل الصحابة باستيعاب ككتابه .
لكل إنسان صديق يصاحبه ، وقوم يعاشرهم ويأنس بهم ، وكان أُنسك يا سعود بمصاحبة صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ..
إنكم لا تعرفونه ..
هذا الرجل وصفه العلمي الأكاديمي : أستاذ دكتور "بروفيسور" ، ووصفه الحقيقي كائن بحثي .
عندما أراد التقدم لموضوع رسالة الدكتوراه طلبت منه اللجنة أن يذكر السبب الذي دعاه لاختيار هذا الموضوع ، فكان أول أسبابه الحب ..
قال : لأني أحب صحابة رسولي ، فهم غرس من غرس يده ، وسهم من كنانته، ورمح في قلوب أعدائه جمعني الله بهم وسائر المسلمين في جنته
فكانت ثمرة حبه الصادق 12 مجلدا .
إنكم لا تعرفونه !
تظنون أنه ألف هذه الرسالة فحسب ! لا ، بل ألف وحقق غيرها قرابة 50 بحثا حسب عد بعضهم .
كان الدكتور سعود يتلمس رحمة الله في أبحاثه ، فكان كثيرا ما يبحث في أبواب الفضائل ..
كتب في فضائل الصحابة .
وكتب موسوعة في 5 مجلدات اسمها "الجامع لمرويات فضائل الحج والعمرة" من قرأها لا ينفك عنها إلا وقد قصد بيت الله راجلا أو راكبا .
وكتب بحثا بعنوان الميزان لمرويات فضائل شهر شعبان .
وحقق كتابا لابن أبي الدنيا بعنوان فضل عشر ذي الحجة .
وحقق كتاب البكري الاتحاف بفضيلة الطواف .
وحقق رسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية بعنوان تيسير العبادات لأرباب الضرورات .
وألف معجما عن المعالم الأثرية في المدينة المنورة .
ولما كتب الدكتور ناجي العربي بعض المؤلفات التي فيها ما فيها ، انبرى في الدفاع عن السنة بكتاب اسمه "حماية السنة" أجاب فيه على ما جاء في كتبه .
ولا أنساه وقد دخل علينا ذات يوم في مكتب عميد كلية الحديث ، وكان في غاية ما يكون من السرور والانشراح ، قد استنارت أسارير وجهه كأنه بشر بمولود ، قال : خرج كتابي الآن من المطبعة ، واستلمته للتو ، ولو كانت لدي نسخة أخرى لأهديتها لكم ، وكان بحثا بعنوان : أحكام ماء البحر وميتته ، في 400 صفحة تقريبا شرح فيه حديثا واحدا ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم عن البحر "الطهور ماؤه الحل ميتته" 4 كلمات شرحها في 400 صفحة تقريبا .
إنكم لا تعرفونه !
كنت أتعجب كثيرا من وفرة تصانيفه وكثرتها فسألته -ذات يوم كنا نراقب فيه الطلاب في امتحانات الجامعة ، بعدما ذهب أكثر من في القاعة- يا دكتور كيف كتبت ما كتبت من الكتب والمؤلفات ؟
فقال لي : إن الله حبب إليّ العلم والبحث ، فلا أجد في دنياي متعة ألذ من كتابة الحديث .
ثم اقترب مني وقال هامسا : إنني إذا دخلت إلى بيتي ، خلعت ثوبي وعلقته ، ثم انطلقت إلى كتبي وأوراقي وجهازي ، وانشغلت بذلك عن الدنيا .
وصدق والله وبر ، وشاهد ذلك رسالته العلمية للدكتوراه حيث أنهاها فجر يوم العيد عام 1422 هـ .
إنكم لا تعرفونه !
كان فوق ذلك شاعرا ، وكان فوق ذلك أستاذا في الجامعة ، وكان فوق ذلك معلما وداعية ، سافر مرة شهرا إلى أندنوسيا لتعليم المسلمين هناك .
وسافر إلى أفريقيا ، وكان مجموع بقائه في نيجيريا في سفرات متعددة 3 أشهر ، معلمًا وداعية ، فلم يشغله البحث عن التعليم ، ولم يشغله التعليم عن البحث .
شهادات طلابه
قال لي أحد طلابه من دولة الهند وقد سمع بخبر وفاته ، "سبحان الله ! مات بحر العلم" .
وقال لي أحد طلابه من مصر : "كان حافظا لافظا يشرح الحديث الواحد في خمسة مجالس أحيانا ، فلا يكاد يغادر من ألفاظه شيئا"
قصة وفاته
أصابته وعكة صحية بسبب خراج في بطنه ، دخل على إثرها المستشفى ثم ازدادت حالته حرجًا ، حتى قبضت روحه الطاهرة في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بالعناية المركزة ، وسيدفن في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر يوم الأحد 9 ذو القعدة 1439 هـ فضجت صفحات المواقع والتواصل تنعاه .
رحمة الله عليك يا حبيبي الشهيد بإذن الله أ. د. سعود بن عيد بن عُمير الجربوعي الصاعدي
إنكم الآن تعرفونه ، وقد كان يدعو لكم !
لقد دعا الدكتور سعود لكل من قرأ كتابه ، أو طالعه ، فحملوه ، وطالعوه وانشروا علمه ، على هذا الرابط :
http://waqfeya.com/book.php?bid=3055 وقد ألف ما ألف وعمره عند وفاته 47 عامًا ..
وكتبه محبه : حمد الجهني .
فجر الأحد 9-11-1439 - القاهرة .