الذكريات الحزينة.. كيف تتعايشين معها؟



أحمد عباس



عندما تتقدمين في العمر يأتي عليك وقت تشعرين فيه بحنين إلى النظر إلى الماضي واسترجاع ذكريات من الحياة التي مرت بك، لكنك قد تجدين العديد من التجارب غير السارة تجول بخاطرك وقد تكتشفين أن آلام هذه التجارب والمواقف لازالت حية داخل قلبك وأن الزمن لم يعالجها رغم مرور السنوات.

هذه الذكريات المؤلمة قد تجد لنفسها مجالا أكبر عندما ندخل مرحلة ربيع العمر لأننا نكون أقل انشغالاً وتزداد مساحة وقت الفراغ في حياتنا وهو ما يؤدي إلى اتساع فرص تذكر الماضي، والسؤال الآن كيف يمكن لك إذا ما داهمتك هذه الذكريات الأليمة أن تتغلبي على هذه الأوجاع والأحزان وتتمكني من مداوة قلبك والنظر إلى الأمام، وسنحاول استعراض بعض الخطوات التي تساعد في تحقيق هذا الأمر.

أولاً: للتخلص من الذكريات لابد من مواجهتها

لا يمكن لأي إنسان أن يواجه شيئًا ما مؤلمًا أو مخيفًا بدون أن يمتلك الإرادة والقدرة على مواجهته وعدم الهروب منه، لأن الهروب لا يعني انتهاء الألم وإنما تأجيله فقط، والذكريات الحزينة مثلها مثل أي شيء نخاف منه ونتألم بسببه لابد أن تواجهيها وتتقبلي وجودها أولاً لأن ذلك سيجعل نظرتك لها نظرة موضوعية وصحيحة وتقديرك لحقيقتها أكبر، ويمكن أن تلجأي في سبيل الوصول إلى هذه المواجهة إلى الحوار الداخلي مع نفسك أو أسلوبك الكتابة والتدوين، المهم أن تدعي مشاعرك تجاه تلك الذكريات تنطلق بدون كبت.

ثانيًا: دعيها تمر !

الآن وبعد أن تمكنتي من المواجهة وتثبيت عين القلب على كل الذكريات الماضية بدون خوف أو هرب آن الآوان لكي تقولي لنفسك : "دعيها تمر" فالذكريات كلها سواء كانت سعيدة أو أليمة لم تعد الآن ملكًا لك وإنما أصبحت ملك الماضي وطواها الزمن ولا يجب أن تحملي نفسك شعورًا بالذنب والحسرة أنت في غنى عنه، ولكي تحققي هذا الهدف وتدعليها تمر لابد أن تتذكري كيف كان قلبك قبل حدوث تلك المواقف والتصرفات والوقائع وتذكري أن نواياك كانت بالتأكيد تعبر عن شخصيتك الحقيقية ورغباتك ومشاعرك وانفعالاتك وهو ما يجب أن يوصلك إلى إدراك حقيقة أنه ليس المهم الآن ما حدث لكن المهم أنك عشتي الماضي بكل كيانك ومما لا شك فيه أنك قد استفدتي من كل تجربة مرت بك.

ثالثًا: استحضري الدروس والعبر

الذكريات ومهما كانت حزينة فأنت قد خرجت منها بالكثير من الدروس والعبر التي كانت بالتأكيد تفيدك حتى وإن لم تدركي ذلك بشكل مباشر، ومن ثم فلابد أن تنتقلي بذاكرتك لما هو أبعد من مجرد استحضار موقف معين أو ذكرى محددي بل حاولي أن تستحضريها في سياق حياتك الماضية كلها وستجدين أن الذكرى ليست مؤلمة كما تتخيلين وأن الموقف كان مؤلمًا في وقت حدوثه فقط بينما هو الآن في سياق عمرك الماضي قد يبدو مليئًا بحكمة الخالق المدبر الذي جعلك تستفيدين منه.

رابعًا: كوني نهرًا يفيض على الآخرين

النهر العذب لا يستمر في جريانه إلا لأنه يتلقى المدد الرباني من السماء فالأكطار هي غذائه الذي يمده بالحياة ليكون النهر هو نفسه مصدر الحياة للناس، وكذلك ذكرياتك المؤلمة التي تعلمتي منها الكثير في رحلة حياتك هي الآن مثل السيل الجارف الذي يجب أن يملأك بالحكمة والخبرة والنضج وتكونين كالنهار الذي يلقي بنصائحه ووصايا وخلاصة تجاربه ليستفيد منها المقربون منك ومن لهم قيمة حقيقية عندك، ولذلك فإن هذه الذكريات الأليمة التي مرت بك في حياتك يمكن أن تكون بمثابة أجراس إنذار لأبنائك وأحفادك في مشوار حياتهم