إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
♦ أولًا: حُكم المُداومة على دعاء القُنوت في صلاة الفجر:
اختلف العُلماء في حُكم المُداومة على دعاء القُنوت في صلاة الفجر على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
لا يُسنُّ القُنوت في صلاة الفجر إلا في النوازل، وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وهو المنقول عن جماعة من الصحابة؛ كابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وأبي الدرداء رضي الله عنهم.
واستدلَّ أصحاب هذا القول بما يلي:
1- عن أبي مالك سعد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي: (يا أبت، إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر وعمر وعُثمان وعلي رضي الله عنهم، فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بُني، مُحدث)، وفي لفظ: (يا بُني، إنها بدعة)[1].
2- عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنَتَ شهرًا بعد الركوع، يدعو على أحياء من بني سليم)[2]، وفي لفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يلعن رعلًا وذكوان وعصية؛ عصوا الله ورسوله)[3]، وفي لفظ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنَتَ شهرًا يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه)[4].
3- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قَنَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا مُتتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال: ((سمِع الله لمن حمده)) من الركعة الآخرة، يدعو على أحياء من بني سليم؛ على رعل وذكوان وعصية، ويُؤمِّن مَنْ خلفه)[5].
وقالوا: ما ورد من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القُنوت؛ فإنما يدلُّ على مشروعيته عند النوازل في الصلوات الخمس كلها، وتركه عند عدمها؛ ولكن كان أكثر قُنوته - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - في الفجر، وهذا القول هو الذي عليه فُقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخُلفاء الراشدين، والذي يُبيِّن هذا أنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائمًا، ويدعو بدعاء راتب، لكان المُسلمون ينقلون هذا عن نبيِّهم، فإن هذا من الأمور التي تتوفر الهِمَم والدواعي على نقلها، وهم الذين نقلوا عنه في قُنوته ما لم يُداوم عليه، وليس بسُنَّة راتبة؛ كدعائه على الذين قتلوا أصحابه، ودعائه للمُستضعفين من أصحابه، ونقلوا قُنوت عمر وعلي على من كانوا يُحاربونهم، فكيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائمًا في الفجر أو غيرها، ويدعو بدعاء راتب ولم يُنقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا في خبر صحيح، ولا ضعيف؟!
القول الثاني:
يُسنُّ القُنوت في صلاة الفجر دائمًا، وهو قول مالك والشافعي.
واستدلوا بما يلي:
1- قوله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].
وقالوا: الوُسطى: هي الفجر والقُنوت فيها.
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا) [6].
القول الثالث:
أنه منسوخ فلا يُشرع بحال بناء على: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنَتَ، ثم ترَكَ)، والتركُ نَسْخٌ للفعل، كما أنه لما كان يقوم للجنازة، ثم قعد، جُعِل القعود ناسخًا للقيام، وهذا قول طائفة من أهل العراق.
الترجيح:
الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول أنه لا يُسنُّ القُنوت في صلاة الفجر إلا إذا كان هناك سبب؛ كنازلة تنزل بالمُسلمين، ولا يختص ذلك بصلاة الفجر؛ بل يكون فيها وفي غيرها من الصلوات المفروضة، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، ورجَّحه الشيخ ابن باز، والشيخ ابن جبرين، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ صالح الفوزان، وغيرهم من العُلماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (النبي صلى الله عليه وسلم قنت لسببٍ نزلَ به، ثم تركه عند عدم ذلك السبب النازل به؛ فيكون القُنوت مسنونًا عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فُقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخُلفاء الراشدين رضي الله عنهم؛ فإن عمر رضي الله عنه لما حارب النصارى قنت عليهم القُنوت المشهور: "اللَّهمَّ عذِّب كفرة أهل الكتاب... " إلى آخره، وهو الذي جعله بعض الناس سُنةً في قُنوت رمضان، وليس هذا القنوت سُنَّةً راتبةً، لا في رمضان ولا غيره؛ بل عمر قنت لما نزل بالمُسلمين من النازلة، ودعا في قُنوته دعاء يُناسب تلك النازلة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنَتَ أولًا على قبائل بني سليم الذين قتلوا القُرَّاء دعا عليهم بالذي يُناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمُستضعفين من أصحابه دعا بدعاء يُناسب مقصوده؛ فسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخُلفائه الراشدين تدلُّ على شيئين:
أحدهما: أن دعاء القُنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه وليس بسُنَّة دائمة في الصلاة.
الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاءً راتبًا؛ بل يدعو في كل قُنوت بالذي يُناسبه، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أولًا وثانيًا، وكما دعا عُمر وعلي رضي الله عنهما لما حارب مَنْ حاربَه في الفتنة، فقنَتَ ودعا بدعاء يُناسب مقصوده، والذي يُبيِّن هذا أنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائمًا ويدعو بدعاء راتب، لكان المُسلمون ينقلون هذا عن نبيِّهم، فإن هذا من الأمور التي تتوفَّر الهِمَم والدواعي على نقلها، وهم الذين نقلوا عنه في قُنوته ما لم يُداوم عليه، وليس بسُنة راتبة؛ كدعائه على الذين قتلوا أصحابه، ودعائه للمُستضعفين من أصحابه، ونقلوا قُنوت عُمر وعلي على مَنْ كانوا يُحاربونهم، فكيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم يقنت دائمًا في الفجر أو غيرها، ويدعو بدعاء راتب، ولم يُنقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا في خبر صحيح ولا ضعيف؛ بل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين هم أعلم الناس بسُنَّته وأرغبُ الناس في اتِّباعها؛ كابن عُمر وغيره، أنكروا، حتى قال ابن عمر: "ما رأينا ولا سمِعنا "، وفي رواية: "أرأيتكم قيامكم هذا: تدعون ما رأينا ولا سمِعنا"؟! أفيقول مُسلم: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت دائمًا، وابن عمر يقول: ما رأينا ولا سمِعنا؟! وكذلك غير ابن عمر من الصحابة عدُّوا ذلك من الأحداث المُبتدعة.
ومن تدبَّر هذه الأحاديث في هذا الباب علم علمًا يقينيًّا قطعيًّا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت دائمًا في شيء من الصلوات، كما يعلم علمًا يقينيًّا أنه لم يكن يُداوم على القُنوت في الظهر والعشاء والمغرب، فإن من جعل القُنوت في هذه الصلوات سُنَّةً راتبةً يحتجُّ بما هو من جنس حُجَّة الجاعلين له في الفجر سُنة راتبة)؛ ا هـ [7].
وقال ابن قدامة رحمه الله: (لا يُسنُّ القُنوت في الصبح، ولا غيرها من الصلوات سوى الوتر، وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة، ورُوي عن ابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وأبي الدرداء.
وقال مالك، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، والشافعي: يُسنُّ القُنوت في صلاة الصبح في جميع الزمان؛ لأن أنسًا قال: "ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا"؛ رواه الإمام أحمد في المُسند وكان عمر يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم.
ولنا ما رُوي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرًا يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه"؛ رواه مُسلم، وروى أبو هريرة، وأبو مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
وعن أبي مالك قال: "قلت لأبي: يا أبتِ، إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعُمر وعُثمان وعلي ها هنا بالكوفة نحوًا من خمس سنين، أكانوا يقنتون؟ قال: أي بُني، مُحدث"؛ قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، وقال إبراهيم النخعي: "أول من قنت في صلاة الغداة علي، وذلك أنه كان رجلًا مُحاربًا يدعو على أعدائه"، وروى سعيد في سُننه، عن هشيم، عن عُروة الهمذاني، عن الشعبي، قال: "لما قنت علي في صلاة الصبح أنكر ذلك الناس، فقال علي: إنما استنصرنا على عدوِّنا هذا"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الفجر إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم"؛ رواه سعيد، وحديث أنس يحتمل أنه أراد طول القيام، فإنه يُسمَّى قُنوتًا، وقُنوت عُمر يُحتمل أنه كان في أوقات النوازل، فإن أكثر الروايات عنه أنه لم يكن يقنت، وروى ذلك عنه جماعة فدلَّ على أن قُنوته كان في وقت نازلة)؛ ا هــ[8].
وقال أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: (القُنوت في الفجر غير مشروع إلا في حالة النوازل؛ كحُلول الوباء، أو حصار العدو للبلاد، أو تسلُّطه على المُسلمين، ففي هذه الحال يُشرع القُنوت في صلاة الفجر وغيرها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك)؛ ا هـ[9].
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح بصفة دائمة لا بالدعاء المشهور ((اللهم اهدنا فيمن هديت... إلخ))، ولا بغيره؛ وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في النوازل؛ أي: إذا نزل بالمُسلمين نازلة من أعداء الإسلام، قنت مُدَّة مُعينة يدعو عليهم، ويدعو للمُسلمين، هكذا جاء عن النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وثبت من حديث سعد بن طارق الأشجعي أنه قال لأبيه: يا أبتِ، إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر وعُمر وعُثمان وعليٍّ رضي الله عنهم، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: "أي بُني، مُحدث"؛ أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وجماعة بإسناد صحيح.
أما ما ورد من حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا، فهو حديث ضعيف عند أئمة الحديث)؛ ا هـ[10].
وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين رحمه الله: (ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح شهرًا بعد الرفع من الركوع يدعو على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان الذين قتلوا سبعين من الصحابة، يُقال لهم: القُرَّاء، وثبت أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت أحيانًا في الصبح، يدعو على رُؤساء المُشركين بمكة، ويدعو للمُستضعفين، فنزل قول الله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 128]، فعلى هذا يجوز القُنوت في صلاة الصبح في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع إذا نزل بالمُسلمين نازلة، وقد يجوز في الصلوات كلها إذا اشتدَّت الأزمات، وكثُرت المصائب، وخيف على المُسلمين من بطش الأعداء، فأما القُنوت الدائم في صلاة الصبح فلم يثبت الاستمرار عليه)؛ ا هـ [11].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (جميع الواصفين لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه قنت في الفجر إلا في النوازل، فإنه كان يقنت في الفجر، وفي غير الفجر أيضًا؛ بل يقنت في جميع الصلوات الخمس، وبناء على ذلك فإنه لا يُسنُّ القُنوت في صلاة الفجر إلا إذا كان هناك سبب؛ كنازلة تنزل بالمُسلمين، والنازلة إذا نزلت بالمُسلمين، فإن القُنوت لا يختصُّ بصلاة الفجر؛ بل يكون فيها وفي غيرها، وذهب بعض أهل العلم إلى أن القُنوت في صلاة الفجر سُنَّة؛ ولكن ما هو القُنوت الذي يقنت في صلاة الفجر؟ ليس هو قُنوت الوتر كما يظنُّه بعض العامة؛ ولكنه قُنوت يدعو فيه الإنسان بدعاء عام للمُسلمين، مُناسب للوقت الذي يعيشه، وإذا ائتمَّ الإنسان بشخص يقنت في صلاة الفجر، فإنه يُتابعه ويُؤمِّن على دعائه، ولا ينفرد عن المُصلين كما نصَّ على ذلك إمام أهل السُّنة أحمد بن حنبل رحمه الله)؛ ا هـ [12].
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: (أما القُنوت في الوتر فهو سُنَّة، ويُراد به الدعاء بعد الركوع، ولا ينبغي المُداومة عليه؛ بل يفعله أحيانًا، ويتركه أحيانًا، وأما القُنوت بعد الركوع من صلاة الفجر، فهذا عند الجُمهور لا يجوز، إلا في حال النوازل إذا نزل بالمُسلمين نازلة، فإنه يُشرع لأئمة المساجد أن يقنتوا في الصلوات الخمس بأن يدعوا الله عز وجل أن يرفع عن المُسلمين هذه النازلة.
وأما في حالة غير النوازل، فإنه لا يُشرع القُنوت في صلاة الفجر عند الجُمهور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا دائمًا، ولم يفعله خُلفاؤه من بعده رضي الله عنهم، والحديث الوارد في أنه "كان يقنت في صلاة الفجر حتى فارق الدنيا" حديثٌ فيه مقال، لا يصلح للاستدلال، وراجع كلام الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هذه المسألة)؛ ا هـ [13].
وقال الشيخ خالد بن عبدالله المُصلح حفظه الله: (لأهل العلم في إدامة القُنوت في صلاة الفجر قولان:
القول الأول: لا يُسنُّ القُنوت في صلاة الفجر إلا في النوازل، وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وهو المنقول عن جماعة من الصحابة؛ كابن عباس، وابن عُمر، وابن مسعود رضي الله عنهم.
القول الثاني: يُسنُّ القُنوت في صلاة الفجر دائمًا، وهو قول مالك والشافعي.
وقد استدلَّ كلُّ فريق بأدلة، والذي يترجَّح من هذين القولين القول بأن القُنوت إنما يُسنُّ عند النوازل فقط، ففي صحيح البخاري من طريق عاصم الأحول عن أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قنَتَ شهرًا يدعو على أحياء من بني سليم"، وفي رواية مُسلِم من طريق قتادة عن أنس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنَتَ شهرًا يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه"، وهذان يدلان على أن القُنوت في الفجر كان مُؤقتًا، ولم يكن يُديمه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم)؛ ا هـ [14].
♦ ثانيًا: حُكم مُتابعة المأموم للإمام في دعاء القُنوت في صلاة الفجر:
من المسائل التي تتعلق بحُكم المُداومة على دعاء القُنوت في صلاة الفجر أنه ينبغي على المأموم أن يُتابع الإمام، ولو كان المأموم لا يرى القُنوت؛ وذلك جمعًا للكلمة ودرءًا للفتنة، وهذه المسألة من المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد، والخلاف شرٌّ، فمَنْ صلَّى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليُتابع الإمام في القُنوت في صلاة الفجر، ويُؤمِّن على دُعائه، وقد نصَّ على ذلك الإمام أحمد رحمه الله، وأفتى بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن جبرين، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ صالح الفوزان، وغيرهم من العُلماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إذا اقتدى المأموم بمن يقنت في الفجر أو الوتر، قنت معه، سواء قنت قبل الركوع أو بعده، وإن كان لا يقنت لم يقنت معه، ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبُّونه فتركه لأجل الاتِّفاق والائتلاف، كان قد أحسن) ا هـ؛ [15].
وقال أيضًا رحمه الله: (وإذا فعل الإمام ما يسوغ فيه الاجتهاد يتبعه المأموم فيه، وإذا كان هو لا يراه مثل: القُنوت في الفجر، ووصل الوتر، وإذا ائتمَّ مَنْ يرى القنوت بمن لا يراه تبعه في تركه)؛ ا هـ [16].
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (إذا قنت لا بأس أن تقنت معه؛ لكن الأفضل أن يدع ذلك السُّنَّة ألَّا يقنت في الفجر إلا في الوتر فقط إلا في النوازل، إذا نزل نازلة بالمسلمين؛ حرب عدو، يدعو في صلاته بعد الركوع، يرفع يديه ويدعو، يقنت في النوازل كما كان النبي يفعل في الصبح وغيرها، أما اعتياد القُنوت في الصبح دائمًا، فهذا خلاف السُّنة، فالصواب تركه؛ لكن لو صليت مع إمام يقنت، فلا بأس أن تُؤمِّن على دعائه، وأن ترفع يديك)؛ ا هـ [17].
وسُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: عندنا إمام يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة فهل نُتابعه؟ وهل نُؤمِّن على دُعائه؟
فأجاب رحمه الله بقوله: (من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر، فليُتابع الإمام في القُنوت في صلاة الفجر، ويُؤمِّن على دُعائه بالخير، وقد نصَّ على ذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى)؛ ا هـ [18].
أخي الحبيب:
أكتفي بهذا القدر وفيه الكفاية إن شاء الله، وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافيا ًكافيًا في توضيح المُراد، وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل، وما كان من صواب، فمن الله، وما كان من خطأ أو زَلَلٍ فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله مني بريئان، والله المُوفِّق، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفي الختام:
أسأل الله عز وجل لي ولكم ولجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
أخوكم/ عبدرب الصالحين أبوضيف العتموني.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
[1] رواه الترمذي (402) والنسائي (164) وابن ماجه (1241) والبيهقي (3156) وأحمد (15879) والطبراني في "الكبير" (8178) وابن أبي شيبة (6963) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (435).
[2] رواه البُخاري (7340).
[3] رواية مُسلم (1584).
[4] رواية مُسلم (1586).
[5] رواه أبو داود (1445)، والبيهقي (3098)، وابن خزيمة (618)، وأحمد (2746)، والحاكم (820)، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح وضعيف سُنَن أبي داود (1443).
[6] رواه البيهقي (3105)، والدارقطني (1694)، وأحمد (12657)، وابن أبي شيبة (312)، وعبدالرزاق (4964)، وضعَّفه الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (1238).
[7] مجموع الفتاوى؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، جـ 23، ص 108.
[8] المُغني؛ لابن قدامة رحمه الله، جـ 2، ص 114.
[9] فتاوى اللجنة الدائمة للبُحوث العلمية والإفتاء، جـ 31، ص 392.
[10] مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، جـ 29، ص 317.
[11] موقع الشيخ ابن جبرين رحمه الله: (الفتاوى/القنوت في الفجر).
[12] فتاوى نور على الدرب؛ للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، جـ 6، ص 2.
[13] المُنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان، موقع طريق الإسلام: (الفتاوى/القنوت في الوتر).
[14] موقع طريق الإسلام: (الفتاوى/حُكم القنوت في صلاة الفجر للشيخ/ خالد المُصلح).
[15] مجموع الفتاوى؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، جـ 22، ص 286.
[16] الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ص 67.
[17] فتاوى نور على الدرب؛ للشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، جـ 10، ص 264.
[18] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، جـ 14، ص 177.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/131322/#ixzz5ZZgMquza