أن العلم من لوازم المعية، ولازم اللفظ من معناه ، فإن دلالة اللفظ على معناه من وجوه ثلاثة: دلالة مطابقة، ودلالة تضمن، ودلالة التزام ، ولهذا يمكن أن نقول: هو سبحانه معنا بالعلم، والسمع، والبصر، والتدبير والسلطان وغير ذلك من معاني ربوبيته ، كما قال تعالى لموسى وهارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) ، وقال هنا في سورة الحديد: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). فإذا كان العلم من لوازم المعية : صح أن نفسرها به ، وبغيره من اللوازم التي لا تنافي ما ثبت لله تعالى من صفات الكمال، ولا يعد ذلك خروجا بالكلام عن ظاهره" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (1/ 247-250).
وقال رحمه الله: " المعية لا تقتضي الحلول والاختلاط، بل هي في كل موضع بحسبه، ولهذا يقال: سقاني لبنا معه ماء. ويقال: صليت مع الجماعة. ويقال: فلان معه زوجته.
ففي المثال الأول: اقتضت المزج والاختلاط، وفي الثاني اقتضت المشاركة في المكان والعمل بدون اختلاط، وفي الثالث اقتضت المصاحبة ، وإن لم يكن اشتراك في مكان أو عمل .
وإذا تبين أن معنى المعية يختلف بحسب ما تضاف إليه، فإن معية الله تعالى لخلقه تختلف عن معية المخلوقين لمثلهم ، ولا يمكن أن تقتضي المزج والاختلاط أو المشاركة في المكان؛ لأن ذلك ممتنع على الله عز وجل ، لثبوت مباينته لخلقه وعلوه عليهم .
وعلى هذا : يكون معنا، وهو على العرش فوق السماوات ، لأنه محيط بنا علما، وقدرة ، وسلطانا، وسمعا، وبصرا، وتدبيرا، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته .
فإذا فسرها مفسر بالعلم : لم يخرج بها عن مقتضاها، ولم يكن متأولا ، إلا عند من يفهم من المعية المشاركة في المكان ، أو المزج والاختلاط ، على كل حال ؛ وقد سبق أن هذا ليس بمتعين في كل حال" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (1/ 118) .
فتبين بهذا : أن السلف لم يؤلوا آيات المعية، ولم يقعوا في التناقض، بل فسروا الآيات على ظاهرها، واعتقدوا أن الظاهر حق ، لا يستلزم حلولا ، ولا اتحادا ، ولا يقتضي ولا يوهم تشبيا.