قطع السارق في القرآن .. جرح يداوى وليس بترا .. ولليدين لا ليد واحدة (125)
ليس بترا يفصل يده عن الجسد ويعطله عن الكسب ويجعله عالة على المجتمع
آية السرقة (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [05/المائدة38])
أولا ـ بيان أن القطع ليدي السارق الاثنتين كلتيهما معا لا ليد واحدة منهما فقط
أ ـ الآية تتحدث عن سارقين اثنين لهما أربع أيد ، وتأمر بقطع أيديهما وأيديهما جمع أي أكثر من يدين
وحيث إنهما سارقان ولهما أربع أيد فجمع الأيدي في الآية محصور بين احتمالين اثنين إما ثلاث وإما أربع
ب ـ لكن احتمال الثلاث غير مراد
1 ـ لأن فيه تمييزا بين سارقين جريمة كل منهما طبق جريمة الآخر
2 ـ ومقتضى العدل التسوية بينهما في العقوبة فلا تقطع يدان لأحدهما بينما تقطع يد واحدة للآخر
3 ـ فتكون الخلاصة قطع يدي السارق كلتيهما معا جراء جريمة سرقته
ثانيا : بيان أن القطع ليس استئصالا يفصل اليد عن الجسد بل جرح بلا فصل يطبب ويعالج
أ ـ الآية تتحدث عن قطع والقطع لا يستلزم بالضرورة البتر أي الاستئصال أي فصل اليد عن الجسد
1 ـ فقد يكون مع فصل
2 ـ وقد يكون محض جرح بلا فصل كما في (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [12/يوسف31])
3 ـ أي جرحن أيديهن من فرط انبهارهن بجمال يوسف وهن يقشرن فاكهة قدمتها لهن مضيفتهن امرأة العزيز
4 ـ فإنه من الصعب تصديق فصل امرأة يدها عن جسدها لفرط انبهار بجمال رجل
5 ـ وإن يكن هذا غير مستحيل فإنه من أوضح المستحيلات أن يفصلن أيديهن عن أجسادهن ثم يتبقى لديهن أرْيَحِيَّة وانسجام وصفاء بالٍ وطغيان استمتاعٌ حتى يقلن متغزلات في طغيان جماله (حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ [12/يوسف31])
ب ـ ويبعد احتمال القطع مع الفصل ما يلي :
1 ـ أن اللفظ إذا احتمل معنيين في عقوبة وكان أحدهما أرحم من الأخر وجب اعتبار الأرحم ، وهذا يشبه النص في قوانين العالم الجنائية على أن الشبهة تفسر لصالح المتهم .
2 ـ وأن فصل يدي السارق معا ستعطله عن الكسب ولا يليق أن يكون هذا مقصودا لشارع حكيم .
3 ـ وأن فصل يدي السارق معا وما يستتبعه من تعطيله عن الكسب سيجعله عالة على المجتمع وهذا ظلم للمجتمع الذي شرعت عقوبة السرقة لحمايته من ظلم السارقين أصلا .
4 ـ وأن فصل يدي السارق سيجعل التشريع ناقصا إذ لا نص آخر في حكم السارق إن عاد إلى السرقة بعد فصل يديه
5 ـ بينما جرح يديه دون فصل سيتعافى بعد أيام ويكون ممكنا معاودة نفس عقوبة السرقة عليه إن عاود السرقة
6 ـ والاحتمال الذي يظهر التشريع كاملا أولى من الذي يظهره ناقصا .
ثالثا : بيان أن للمسروق منه حق العفو عن القطع
أ ـ للنص التالي مباشرة عقيب نص القطع (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [05/المائدة39])
ب ـ أي فمن تاب من بعد سرقته وأصلح فإن الله يتوب عليه ويغفر له ويرحمه
ج ـ وإذا كان الله قد قال (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [33/الأحزاب21])
د ـ فمن باب أولى أن تكون لنا الأسوة الحسنة في الله نفسه سبحانه وتعالى
هـ ـ أي أن نتوب على السارق ونغفر له ونرحمه إن تاب وأصلح كما تاب الله عليه وغفر له ورحمه
و ـ وإذا كان الله قد منح ولي القتيل حق العفو عن القاتل
ز ـ فمن باب أولى أن يمنح حق العفو لصاحب الحق فيما دون ذلك
رابعا : أما الروايات المنسوبة إلى النبي بخلاف ذلك فكذب عليه متونا وأسانيد
أ ـ أما متونا فلمناقضتها دلالات القرآن
1 ـ إذ تنص على قطع يد واحدة فقط لا يدين
2 ـ بينما ينص القرآن على قطع اليدين كلتيهما معا
ب ـ وأما سندا فلعدم صحة أي سند أي رواية منها
ج ـ لقد حول ملوك المسلمين بعد الخلافة الراشدة الأولى بعد وقعة صفين حولوا الإسلام من رسالة هداية إلى مشروع سيطرة
1 ـ فوجدوا من يضع لهم أحاديث يغزون بها المسالمين من غير المسلمين ويغنمون أموالهم ويسبون نساءهم وأطفالهم باسم الدعوة ونشر الإسلام
2 ـ ولأن الله لا يصلح عمل المفسدين فقد كثر المجرمون ومنهم السراق
3 ـ فوجد هؤلاء الملوك من يضع لهم أحاديث أن القطع في السرقة استئصال
4 ـ فلما انتبهوا إلى ما لا طاقة لهم به من بشاعة استئصال اليدين وضعوا أحاديث أخرى تجعل الاستئصال ليد واحدة
خامسا : الرد على منشور الشيخ سعيد الصرفندي كما بالتعليق الأول التالي
أ ـ ورد القطع في القرآن بمعنى الجرح
1 ـ كما في (مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [12/يوسف50])
2 ـ وكما في (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [12/يوسف31])
ب ـ وورد بمعنى البتر
1 ـ كما في (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ [22/الحج19])
2 ـ وكما في (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا [59/الحشر5])
ج ـ وورد بمعنى منع العبور في الطريق
1 ـ كما في (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ [29/العنكبوت29])
2 ـ وكما في (وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً [09/التوبة121])
د ـ والفرق بين الجرح والبتر
1 ـ أن الجرح بتر جزئي لطبقة سطحية بعمق ما
2 ـ وأما البتر فكلي لكل الطبقات من أول وريد إلى آخر وريد
هـ ـ وليس في سياق قطع السارق ما يبين أجرح هو أم بتر ؟
1 ـ والقرآن بين لنا أن القطع لليدين معا لا ليد واحدة
2 ـ وما نعلمه متناقلا عبر الأجيال حتى جيلنا أنه ليد واحدة
3 ـ وقد بين القرآن عدم صحة هذا المتناقل بأنه ليد واحدة
و ـ فلم يعد غريبا ألا يكون صحيحا أيضا المتناقل أنه بتر
1 ـ فكيف وكل أسانيد هذا المتناقل غير صحيحة
2 ـ سواء أسانيد ما ورد أنه بتر أو أنه ليد واحدة دون الأخرى..