المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم
نرجوا التوضيح؟!
وفقكم الله
كلامه في صدد رده على ابن المرحل :
واليكم ما دار بينهما من حوار على اثرها ألقى كلمته المشهورة : " إذا دار الأمر أن ينسب ...
بحث جرى بين شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وبين ابن المرحل .
كان الكلام في الحمد والشكر، وإن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح، والحمد لا يكون إلا باللسان.
فقال ابن المرحل: قد نقل بعض المصنفين ـ وسماه ـ: إن مذهب أهل السنة والجماعة: إن الشكر لا يكون إلا بالاعتقاد. ومذهب الخوارج: أنه يكون بالاعتقاد، والقول والعمل، وبنوا على هذا: إن من ترك الأعمال يكون كافرًا؛ لأن الكفر نقيض الشكر، فإذا لم يكن شاكرًا كان كافرًا.
قال الشيخ تقي الدين: هذا المذهب المحكى عن أهل السنة خطأ والنقل عن أهل السنة خطأ. فإن مذهب أهل السنة: أن الشكر يكون بالاعتقاد، والقول والعمل. قال الله تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ:13]. وقام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبدًا شكورًا).
قال ابن المرحل: أنا لا أتكلم في الدليل، وأسلم ضعف هذا القول، لكن أنا أنقل أنه مذهب أهل السنة.
قال الشيخ تقي الدين: نسبة هذا إلى أهل السنة خطأ، فإن القول إذا ثبت ضعفه، كيف ينسب إلى أهل الحق؟
ثم قد صرح من شاء الله من العلماء المعروفين بالسنة أن الشكر يكون بالاعتقاد، والقول والعمل، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة.
قلت: وباب سجود الشكر في الفقه أشهر من أن يذكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن سجدة سورة [ص] (سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرًا). ثم من الذي قال من أئمة السنة: إن الشكر لا يكون إلا بالاعتقاد؟
قال ابن المرحل: هذا قد نقل، والنقل لا يمنع، لكن يستشكل. ويقال: هذا مذهب مشكل.
/قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: النقل نوعان. أحدهما: أن ينقل ما سمع أو رأى. والثاني: ما ينقل باجتهاد واستنباط. وقول القائل: مذهب فلان كذا، أو مذهب أهل السنة كذا، قد يكون نسبه إليه لاعتقاده أن هذا مقتضى أصوله، وإن لم يكن فلان قال ذلك.
ومثل هذا يدخله الخطأ كثيرًا. ألا ترى أن كثيرًا من المصنفين يقولون: مذهب الشافعي أو غيره كذا، ويكون منصوصه بخلافه؟ وعذرهم في ذلك: أنهم رأوا أن أصوله تقتضي ذلك القول، فنسبوه إلى مذهبه من جهة الاستنباط، لا من جهة النص؟. وكذلك هذا. لما كان أهل السنة لا يكفرون بالمعاصي، والخوارج يكفرون بالمعاصي، ثم رأى المصنف الكفر ضد الشكر، أعتقد أنا إذا جعلنا الأعمال شكرًا لزم انتفاء الشكر بانتفائها، ومتى انتفي الشكر خلفه الكفر، ولهذا قال: إنهم بنوا على ذلك: التكفير بالذنوب. فلهذا عزى إلى أهل السنة إخراج الأعمال عن الشكر.
قلت: كما أن كثيرًا من المتكلمين أخرج الأعمال عن الإيمان لهذه العلة.
قال: وهذا خطأ، لأن التكفير نوعان: أحدهما: كفر النعمة. والثاني: الكفر بالله. والكفر الذي هو ضد الشكر: إنما هو كفر/ النعمة لا الكفر بالله. فإذا زال الشكر خلفه كفر النعمة، لا الكفر بالله.
قلت: على أنه لو كان ضد الكفر بالله، فمن ترك الأعمال شاكرًا بقلبه ولسانه فقد أتى ببعض الشكر وأصله. والكفر إنما يثبت إذا عدم الشكر بالكلية. كما قال أهل السنة: إن من ترك فروع الإيمان لا يكون كافرًا، حتى يترك أصل الإيمان. وهو الاعتقاد. ولا يلزم من زوال فروع الحقيقة ـ التي هي ذات شعب وأجزاء ـ زوال اسمها، كالإنسان، إذا قطعت يده، أو الشجرة، إذا قطع بعض فروعها.
قال الصدر بن المرحل: فإن أصحابك قد خالفوا الحسن البصري في تسمية الفاسق كافر النعمة، كما خالفوا الخوارج في جعله كافرًا بالله.
قال الشيخ تقي الدين: أصحابي لم يخالفوا الحسن في هذا، فعمن تنقل من أصحابي هذا؟ بل يجوز عندهم أن يسمى الفاسق كافر النعمة، حيث أطلقته الشريعة.
قال ابن المرحل: إني أنا ظننت أن أصحابك قد قالوا هذا، لكن أصحابي قد خالفوا الحسن في هذا.
قال الشيخ تقي الدين: ولا أصحابك خالفوه. فإن أصحابك /قد تأولوا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي أطلق فيها الكفر على بعض الفسوق ـ مثل ترك الصلاة، وقتال المسلمين ـ على أن المراد به كفر النعمة. فعلم أنهم يطلقون على المعاصي في الجملة أنها كفر النعمة. فعلم أنهم موافقو الحسن، لا مخالفوه.
ثم عاد ابن المرحل، فقال: أنا أنقل هذا عن المصنف. والنقل ما يمنع، لكن يستشكل. قال الشيخ تقي الدين: إذا دار الأمر بين أن ينسب إلى أهل السنة مذهب باطل، أو ينسب الناقل عنهم إلى تصرفه في النقل كان نسبة الناقل إلى التصرف أولى من نسبة الباطل إلى طائفة أهل الحق، مع أنهم صرحوا في غير موضع: أن الشكر يكون بالقول، والعمل، والاعتقاد. وهذا أظهر من أن ينقل عن واحد بعينه.