تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: العزلة عند الفتنة..والعبادة في المحنة

  1. #1

    افتراضي العزلة عند الفتنة..والعبادة في المحنة

    العزلة عند الفتنة..والعبادة في المحنة


    أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني


    تُدق طبول الفتن!، وتُقرع أجراسها، وتَحل المحن وتَتنوع أجناسها!، ومن عظيم ما ينجي من سمومها، ومن أهم ما يُثبت عند ظهورها: الإكثار من العبادة على اختلاف أنواعها.
    ولذا ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قوله:" العبادة في الفتنة كهجرة إلي " 1، وفي لفظ:" العبادة في الهرج كهجرة إلي " 2.
    و" المراد بالهرج هنا : الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا الأفراد " 3.
    وقد ذكر الإمام المنذري رحمه الله أن الهرج هو :" الاختلاف والفتن، وقد فُسر في بعض الأحاديث بالقتل، لأن الفتن والاختلاف من أسبابه، فأقيم المسبب مقام السبب "4.
    أما " وجه تمثيله عليه الصلاة والسلام بالهجرة : أن الزمان الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله، إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقعت الفتنة تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة، وهو أحد أقسام الهجرة " 5.
    وكما هو بين عند الأكياس، أن المراد من هذا المذكور – هنا – بلا مَسْمَاس 6، شُغل النفس بالعبادة وترك الإفلاس، وإشغالها بما هو حق من الاستئناس، واعتزال ما فسد من أحوال الناس، واجتناب ما دخل عليهم من سوء الرأي والقياس، والبعد عن حال من ضيع العلم وما هو أساس،خاصة زمن الافتتان وكثرة الالتباس.
    ولأجله قال الإمام أحمد رحمه الله – إمام أهل السنة والحديث -:" والإمساك في الفتنة سنة ماضية، واجب لزومها، فإن ابتليت: فقدم نفسك دون دينك.
    ولا تعن على فتنة بيد، ولا لسان، ولكن اكفف يدك، ولسانك، وهواك – والله المعين – "7.
    فليس المقصود – إذن – من هذه (العزلة الأثرية) 8، ترك الدعوة إلى الخير بشرطه وضابطه، أو التنكب عن إحقاق الحق مع مراعاة ظرفه وواقعه (!)، نظرا وتأملا في حاله وعواقبه، كل ذلك بتحكيم العلم والفقه وأسسه، وبميزان الشرع والدين وقواعده 9.
    فالعزلة المشروعة التي حث عليها سلفنا الصالح رضوان الله عليهم لا تعني " مفارقة الناس في الجماعات والجمعات، وترك حقوقهم في العبادات وإفشاء السلام ورد التحيات، وما جرى مجراها من وظائف الحقوق الواجبة لهم، وصنائع السنن والعادات المستحسنة فيما بينهم، فإنها مستثناة بشرائطها، جارية على سبيلها، ما لم يَحُلْ دونها شُغل، ولا يمنع عنها مانع عذر " 10
    فهذا على وجه الاختصار هو فقه العزلة وفق ما كان عليه سلف الأمة خصوصا عند حلول الإحنة 11وفي زمن المحنة، ومنه كان إخباره عليه الصلاة والسلام بحدوث الفتنة في أحاديث كثيرة للاستعداد لها تبعا للسنة.
    وفيه قال الإمام الألوسي رحمه الله :" إنما أخبرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بما سيقع، ليوطنوا أنفسهم على احتماله عند وقوعه، ويستعدوا للقائه، ويقابلوه بحسن الصبر والثبات، فإن هجوم الفتن مما يزيد في اللأواء، والاستعداد للكرب مما يهون الخطب " 12.
    وعليه فمن المهمات ضبط أمر الاختلاط بالناس والصبر على أذاهم كما ورد في الحديث 13 وحالة كونه أفضل من البعد عنهم لأن الكثيرين لا يفهمون حقيقته ولا يدركون صورته (!).
    فـ " اعلم أن الأفضل هو المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، هذا أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، ولكن أحيانا تحدث أمور تكون العزلة فيها خيرا من الاختلاط بالناس 14، من ذلك إذا خاف الإنسان على نفسه فتنة، مثل أن يكون في بلد يُطالب فيها بأن ينحرف عن دينه، أو يدعو إلى بدعة، أو يرى الفسوق الكثير فيها، أو يخشى على نفسه من الفواحش، وما أشبه ذلك، فهنا العزلة خير له "15.
    ولذلك قرر الإمام الخطابي رحمه الله أن العزلة التي دلت عليها النصوص الشرعية بضوابطها الأثرية " تابعة للحاجة، وجارية مع المصلحة " 16، أما عند الصوفية فمقصودة ومطلوبة لذاتها فتنبه إلى هذا ولا تكن من الغافلين.
    والشاهد أنه من أهم ما يلزم الاشتغال به زمن الفتنة: العزلة عن الفضول وما يجلب الشرور، والحرص على الإكثار من العبادة طاعة للعزيز الغفور، فرارا من حلول المقت، وتحقيقا لعظيم ما يدخل في (واجب الوقت! )17 ، فإنه كما مر من كلامه صلوات الله وسلامه عليه " العبادة في الهرج كهجرة إلي" 18، فاحذر التفلت.
    فالله الله على العبادة زمن الفتنة وأيام المحنة، فما ورد ما ورد فيها من فضل إلا لأن الوقت وقت غفلة، ولما تجده النفوس عند فعل الطاعة مع إحكامها وفي إبانه من مشاق تهون عند أرباب العزائم بالاشتياق.
    ومن تم اسْتُحبت " عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، لأن ذلك محبوب لله عز وجل كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة. ولذلك فضل القيام في وسط الليل المشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر "19.
    فـ "النفوس تتأسى بما تشاهد من أحوال أبناء الجنس فإذا كثرت يقظة الناس و طاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، و إذا كثرت الغفلات و أهلها تأسى بهم عموم الناس، فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها، ولهذا المعنى ..قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث مغفل بن يسار : ( العبادة في الهرج كهجرة إلي )، وخرجه الإمام أحمد ولفظه: ( العبادة في الفتنة كهجرة إلي )، و سبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم و لا يرجعون إلى دين فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه و يعبد ربه و يتبع مراضيه و يجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مؤمنا به متبعا لأوامره مجتنبا لنواهيه" 20.
    فاحرص يا رعاك الله – زمن الفتن خاصة – على العبادة تامة فإنها من الأسباب العاصمة، مصداقا لقوله تعالى: ( أليس الله بكاف عبده ).
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" فإذا قام به العبد ( أي: مقام الصبر ) كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة واستحالت البلية عطية وصار المكروه محبوبا فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته فإن لله تعالى على العبد عبودية الضراء وله عبودية عليه فيما يكره كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوت مراتب العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى .. ولكن فرق عظيم بين العبودتين فمن كان عبدا لله في الحالتين قائما بحقه في المكروه والمحبوب فذلك الذي تناوله قوله تعالى : { أليس الله بكاف عبده } وفي القراءة الأخرى { عباده }21 وهما سواء لأن المفرد مضاف، فيعم عموم الجمع.
    فالكفاية التامة مع العبودية التامة والناقصة مع الناقصة، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
    وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوه عليهم سلطان قال تعالى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } ولما علم عدو الله إبليس أن الله تعالى لا يسلم عباده إليه ولا يسلطه عليهم قال : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } وقال تعالى : { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك } فلم يجعل لعدوه سلطانا على عباده المؤمنين فإنهم في حرزه وكلاءته وحفظه وتحت كنفه وإن اغتال عدوه أحدهم كما يغتال اللص الرجل الغافل فهذا لا بد منه لأن العبد قد بلي بالغفلة والشهوة والغضب ودخوله على العبد من هذه الأبواب الثلاثة ولو احتزر العبد ما احتزر فلا بد له من غفلة ولا بد له من شهوة ولا بد له من غضب .
    وقد كان آدم أبو البشر صلى الله عليه و سلم من أحلم الخلق وأرجحهم عقلا وأثبتهم، ومع هذا فلم يزل به عدو الله حتى أوقعه فيه فما الظن بفراشة الحلم ومن عقله في جنب عقل أبيه كتفلة في بحر ؟!
    ولكن عدو الله لا يخلص إلى المؤمن إلا غيلة على غرة وغفلة فيوقعه ويظن أنه لا يستقبل ربه عز و جل بعدها وأن تلك الوقعة قد اجتاحته وأهلكته وفضل الله تعالى ورحمته وعفوه ومغفرته وراء ذلك كله" 22.
    .............................. ........................

    1. صحيح الجامع رقم: 3974.
    2. رواه الإمام مسلم.
    3. شرح الإمام النووي رحمه الله على مسلم 18/88.
    4. الترغيب والترهيب 4/127.
    5. قاله أبو بكر بن العربي رحمه الله في عارضة الأحوذي 9/53.
    6. " المسمسة: اختلاط الأمر والتباسه، والاسم: المَسْمَاس " الصحاح في اللغة 2/170.
    7. طبقات الحنابلة 1/27.
    8. اعلم أن " العزلة بغير عين العلم ( زلة )، وبغير زاي الزهد ( علة ) " مرقاة المفاتيح 4/743.
    9. وأحب أن أنبه – هنا – على قضية غاية في الأهمية وهي: الفرق بين ( فقه الواقع ) حقا وصدقا (!)، و ( مجرد معرفة ما وقع ) (!!)، وهذه هذه وما يعقلها إلا العالمون.
    وكل ذلك وفق رؤية صائبة، ونظرة ثاقبة، مع مراعاة – لزاما – الأصول الشرعية، والقواعد المرعية لضبط هذا الواقع فقها، وعلما، وحدا، ومقدارا، فإن الحق في هذا الباب يُدرك على النمط الوسط دون وكس ولا شطط، وبسط ذلك ليس هذا مجاله، فإلى حينه وعند محله إن شاء الله تعالى.
    10. العزلة للإمام الخطابي رحمه الله 11-12.
    11. وقد قيل :" الإحن تجر المحن " المعجم الوسيط 1/8.
    12. تفسير الألوسي رحمه الله 4/147.
    13. قال عليه الصلاة والسلام:" المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " صحيح الجامع برقم: 6651.
    14. قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:" رُب هجر جميل خير من مخالطة مؤدية " غذاء الألباب 205.
    15. شرح رياض الصالحين للعلامة ابن عثيمين رحمه الله 3/509-510.
    16. العزلة للخطابي رحمه الله 11.
    17. قال الإمام ابن القيم رحمه الله :" أفضل العبادة : العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته " المدارج 1/88.
    18. قال العلامة السندي رحمه الله عند هذا الحديث كما في حاشيته على سنن ابن ماجة 2/477:" أي: في أيام الفتن، وظهور العناد بين العباد ".
    19. لطائف المعارف للإمام ابن رجب رحمه الله 138.
    20. نفسه.
    21. وهي قراءة حمزة والكسائي رحمهما الله، كما في " الكشف عن وجوه القراءات السبع ".
    22. الوابل الصيب 13-14 – صحيحه - .

    أبو أويس رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني
    عامله الله بلطفه الخفي وكرمه الوفي

    الثلاثاء 13 جمادى الثانية 1432 هـ / الموافق للتاريخ ( الإفرنجي ) 17 ماي 2011 م.
    كتبت وقد أيقنت يوم كتابتـي *** بأن يدي تفنى ويبقى كتابها
    فإن كتبت خيراً ستجزى بمثلها *** وإن كتبت شراً عليَ حسابها

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,733

    افتراضي

    أخرج مسلم في صحيحه ( 2948 ) عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه ، أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ).
    قال النووي رحمه الله في شرح مسلم:
    " المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس ، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ، ويشتغلون عنها ، ولا يتفرغ لها إلا أفراد ".

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,733

    افتراضي

    زيادة العبادة في أيام تنتشر فيها المعصية


    ما حكم عمل عبادة في وقت هرج الناس ( مثل رأس السنة الميلادية ) ، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : (عبادة في الهرج كهجرة إلي ) ؟

    الحمد لله
    المسلم المتمسك بدينه هو الذي يذكر الله سبحانه وتعالى في السر والعلن ، وفي السراء والضراء ، لا يغيب ربه عن ذكره ولا عن قلبه ، ولا تشغله عن عبادته الشواغل ، ولا تصرفه عن حبه الصوارف ، فتراه في جميع شأنه حريصا على عبادة الله ، حريصا على شغل عمره بطاعة ربه ومولاه ، إذا خالط العابدين نافسهم وسابقهم إلى رضوان الله ، وإذا رأى الغافلين استشعر نعمة الله عليه بما حباه ، فهؤلاء هم الشهداء الغرباء القابضون على الجمر ، الذين وردت الأحاديث في فضل عملهم ، وتمسكهم بالسنة في زمان الفتنة والمحنة والغربة .
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    ( بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) رواه مسلم (145)
    فالفضل حاصل لمن يحافظ على السنة والطاعة والعبادة في أيام الفتنة والغفلة كما يحافظ عليها في أزمان الصلاح والتقوى ، فهو عامل عابد على كل حال .
    هذا هو الذي جاءت الأحاديث في مدحه والثناء عليه .
    أما ما قد يفهمه بعض الناس ، أن يترقب أحدهم أيام انتشار المعاصي والمنكرات ، ليبادر إلى تخصيص ذلك اليوم بصيام أو قيام ، ولا يكون ذلك من هديه وعادته في غالب أيامه وأحواله ، فليس هذا من الفهم الصحيح للحديث ، وليس مقصودا للشارع الحكيم ، وإنما المقصود الحث على التمسك الدائم بالسنة ، والقيام الكامل بأوامر الله تعالى ، ليبقى المسلم منارة في الأرض في أزمنة الظلام ، ويلقى الله تعالى وما استقال من بيعته التي بايع عليها حين أعلن استسلامه إليه عز وجل .
    وهذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت أيامه وساعاته خالصة لوجه الله تعالى ، فلم يكن يدع فرصة لعبادة الله تفوته ، حتى سأله أسامة بن زيد رضي الله عنه : قال : يا رسول الله ، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ فقال : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ . رواه النسائي في "السنن" (رقم/2357) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/1898)
    وهذا هو أيضا معنى الحديث الذي يرويه مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه ، أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ ) رواه مسلم ( 2948 )
    قال النووي رحمه الله :
    " المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس ، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ، ويشتغلون عنها ، ولا يتفرغ لها إلا أفراد " انتهى.
    "شرح مسلم" (18/88)
    فلا نرى للأخت السائلة ولا لغيرها من المسلمين تخصيص ليالي رأس السنة الميلادية بعبادة ، على وجه المقابلة للكفار الذين يملؤونها بالمعاصي ، إلا إذا كان القيام أو الصيام من عادة المسلم في باقي أيامه ، فلا بأس حينئذ من العبادة تلك الليالي ، والله سبحانه وتعالى يجزيه خيرا على عمله ونيته .
    وقد سبق التحذير من تخصيص ليالي أعياد الكفار بعبادات معينة في جواب السؤال رقم : (113064)
    والله أعلم .

    https://islamqa.info/ar/113220



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,733

    افتراضي

    هل يجوز لنا الاجتماع ليلة رأس السنة للذِّكر والدعاء وقراءة القرآن ؟


    هذه الرسالة رأيتها كثيراً على الإنترنت ، ولكن في الحقيقة لم أرسلها لشكِّي في كونها من البدعة ، فهل يجوز نشرها ، ونثاب عليها ، أم إنه لا يجوز هذا لأنه بدعة ؟ " إن شاء الله كلنا سنقوم الساعة 12 ليلة رأس السنة ، ونصلي ركعتين ، أو نقرأ قرآناً ، أو نذكر ربنا ، أو ندعو، لأنه لو نظر ربنا للأرض في الوقت الذي معظم العالم يعصيه : يجد المسلمين لا زالوا على طاعتهم ، بالله عليك ابعث الرسالة هذه لكل الذين عندك، لأنه كلما كثر عددنا : كلما ربنا سيرضى أكثر " . أفيدوني ، أفادكم الله .

    الحمد لله
    قد أحسنتِ غاية الإحسان في عدم نشر تلك الرسالة ، والتي انتشرت في كثير من المواقع الإلكترونية التي يغلب عليها طابع العامية والجهل .
    والذين نشروا تلك الرسالة وأرادوا من المسلمين القيام بالصلاة والذِّكر : لا نشك أن نياتهم طيبة ، وعظيمة ، وخاصة أنهم أرادوا أن تقوم طاعات وقت قيام المعاصي ، لكن هذه النية الطيبة الصالحة لا تجعل العمل شرعيّاً صحيحاً مقبولاً ، بل لا بدَّ من كون العمل موافقاً للشرع في سببه ، وجنسه ، وكمَِّه ، وكيفه ، وزمانه ، ومكانه ، - وانظر تفصيلاً لهذه الأصناف الستة في جواب السؤال رقم : ( 21519 ) - وبمثل هذا يميِّز المسلم العمل الشرعي من البدعي .
    ويمكن حصر أسباب المنع من نشر تلك الرسالة بنقاط ، منها :
    1. أنه وُجدت مناسبات جاهلية ، ومناسبات لأهل الكفر والضلال ، منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا ، ولم نر نصّاً نبويّاً يحثنا على إنشاء طاعة وقت فعل غيرنا لمعصية ، ولا بعمل مشروع وقت فعل عمل بدعي ، كما لم يُنقل قول لأحدٍ من الأئمة المشهورين باستحباب فعل هذا .
    وهذا من علاج المعصية ببدعة ، كما حصل من علاج بدعة الحزن واللطم في " عاشوراء " من الرافضة ببدعة التوسع في النفقة وإظهار الفرح والسرور .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
    وأما اتخاذ أمثال أيام المصائب مأتماً : فليس هذا من دين المسلمين ، بل هو إلى دين الجاهلية أقرب ، ثم هم قد فوتوا بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل ، وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها ، مثل فضل الاغتسال فيه ، أو التكحل أو المصافحة وهذه الأشياء ونحوها من الأمور المبتدعة كلها مكروهة وإنما المستحب صومه ، وقد روي في التوسع فيه على العيال آثار معروفة أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه ، قال : بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته رواه ابن عيينة وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله ، والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت للعصبية بين الناصبة والرافضة ؛ فإن هؤلاء أعدوا يوم عاشوراء مأتماً : فوضع أولئك فيه آثاراً تقتضي التوسع فيه ، واتخاذه عيداً ، وكلاهما باطل ...
    لكن لا يجوز لأحد أن يغيِّر شيئا من الشريعة لأجل أحد ، وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء ، وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة ، المقابلة للرافضة ... .
    " اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 300 ، 301 ) .
    وقد نقلنا كلاماً نفيساً آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فانظره في جواب السؤال رقم : (4033).
    2. الدعاء والصلاة لها أوقات في الشرع فاضلة ، قد رغبنا النبي صلى الله عليه وسلم بفعلها فيه ، كالثلث الأخير من الليل ، وهو وقت نزول الرب سبحانه وتعالى للسماء الدنيا ، والحث على فعل ذلك في وقت لم يرد فيه النص الصحيح إنما هو تشريع في " السبب " و " الزمن " والمخالفة في أحدهما كافية للحكم على الفعل بأنه بدعة منكرة ، فكيف بأمرين اثنين ؟! .
    وفي جواب السؤال رقم : ( 8375 ) سئلنا عن التصدق على العائلات الفقيرة في رأس السنة الميلادية ، فأجبنا عنه بالمنع ، وكان مما قلناه هناك :
    ونحن المسلمين إذا أردنا الصّدقة : فإننا نبذلها للمستحقّين الحقيقيين ، ولا نتعمد جعْل ذلك في أيام أعياد الكفار ، بل نقوم به كلما دعت الحاجة ، وننتهز مواسم الخير العظيمة ، كرمضان ، والعشر الأوائل من ذي الحجّة ، وغيرها من المواسم .
    انتهى
    والأصل في المسلم الاتباع لا الابتداع ، قال الله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران/ 31 ، 32 .
    قال ابن كثير – رحمه الله - :
    هذه الآية الكريمة حاكمة على كل مَن ادعى محبة الله ، وليس هو على الطريقة المحمدية : فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر ، حتى يتبع الشرع المحمدي ، والدين النبوي ، في جميع أقواله ، وأحواله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عليه أمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) .
    " تفسير ابن كثير " ( 2 / 32 ) .
    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –
    أحبوا الرسول أكثر مما تحبون أنفسكم ، ولا يكمل إيمانكم إلا بذلك ، ولكن لا تُحدِثوا في دينه ما ليس منه ، فالواجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس ، وأن يقولوا لهم : اشتغلوا بالعبادات الشرعية الصحيحة ، واذكروا الله ، وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم في كل وقت ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأحسنوا إلى المسلمين في كل وقت .
    " لقاءات الباب المفتوح " ( 35 / 5 ) .
    3. أنكم تتركون ما هو واجب عليكم تجاه تلك المعاصي والمنكرات ، وهو الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والنصح للمخالفين ، وانشغالكم بعبادات فردية مع وجود معاصي ومنكرات جماعية لا يحسُن بكم فعله .
    فالذي نراه هو تحريم نشر مثل تلك النشرات ، وبدعية الالتزام بتلك الطاعات لمثل تلك المناسبات ، ويكفيكم التحذير من الاحتفالات المحرمة في المناسبات الشركية أو المبتدعة ، وأنتم بذلك مأجورون ، وتقومون بواجبكم تجاه فعل تلك المعاصي .
    وينظر جواب السؤال رقم : ( 60219 ) للوقوف على فوائد مهمة في النية الصالحة وأنها لا تشفع لصاحبها لجعل عمله المبتدع عملاً مأجوراً عليه ، وفيه تفصيل مهم .
    والله أعلم

    https://islamqa.info/ar/113064



  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,629

    افتراضي

    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •