تأسست البوذية على يد سدهارتها غاوتاما Siddhartha Gautama الشهير باسم (بوذا)(1)(Buddha) أو العارف المستنير، وإليه تنسب.
وهي إحدى الفلسفات الفكرية التي ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد.
كانت بداية نشأتها في بلاد الهند، فهي لم تخرج عن إطار الفكر الهندي بشكل عام، وبسبب نشوئها ضمن المحيط الديني والاجتماعي للهندوسية، فقد تبنت العديد من أفكارها ومعتقداتها.
وقبل الشروع في الحديث عن المعتقدات البوذية، لابد من الإشارة إلى أنها انقسمت إلى مدارس عدة، لم يبق منها على مر العصور إلا تلك التي يسميها البوذيون المركبات الثلاث(2).
تحمل كل واحدة من هذه المركبات نظرة مختلفة تجاه تعاليم بوذا وكيفية الوصول إلى مرحلة الخلاص، مع اشتراكها في بعض المعتقدات الأساسية(3)...
احتفظت البوذية - بمدارسها الثلاث- بكثير من العقائد الهندوسية الدارجة في الهند إبان نشأتها، ولم تحدث فيها أي إضافة أو تغيير يذكر، من أهمها: عقيدة الــ كارما و الــ سمسارا.
أما العقائد الخاصة بالبوذية فهي كالتالي:
(١) بوذا: اختلفت نظرة البوذيين إلى بوذا بحسب قربهم وبعدهم عن تعاليمه،
فالمدارس التي بقيت على التعاليم الأصلية للفلسفة البوذية، والتي تتسم بالإلحاد -أو في أقل أحوالها التوقف في وجود الإله- لم تكن تؤله بوذا. يل لم تعر للقضايا الغيبية والإلهيات كبير اهتمام، ولم تتطرق لكثير منها بالنفي أو الإثبات، فهو معلم ومرشد إلى سبيل الخلاص.
والتعاليم التطبيقية والسلوكية المتعلقة بالفلسفة إنما يراد منها تحقيق الخلاص الذاتي، وليس التقرب لأي قوى خارقة.
أما المدارس التي انحرفت عن تعاليم بوذا الأصلية فهي تصفه بالصفات الخارقة وتلبسه لباس الألوهية.
ومن ثم شيدت له التماثيل، وقدمت لها القرابين، وظهرت العبادات والطقوس الدينية، إلى أن أصبحت البوذية صورة شبيهة بالوثنية الهندوسية البدائية...
ولاشك أن المظاهر الوثنية هي الأكثر انتشارا بين أتباع البوذية في بلدان الشرق.
أما الإلحاد والقول بالمطلق المتجاوز، فمقتصرة على الخواص من الكهنة والرهبان، حيث تعد هذه العقائد مستعصية الفهم على العوام والبسطاء.
بينما انتقلت تلك العقائد المعقدة إلى الغرب وتبنتها حركة ((العصر الجديد)).
(2) الحقائق الأربع:
بينما كان بوذا في تأمله الشهير، ادعى أنه قد انكشفت لإدراكه أربع حقائق يُعد الجهل بها هو السبب في تكرار الموالد، والبقاء في دوامة التناسخ.
هذه الحقائق الأربع هي الفكرة المركزية في البوذية، وتأملها هو المهمة الأساسية في حياة البوذي، وهي الموصلة إلى الإشراق والتنوير.
تتمثل تلك الحقائق بالتقاط التالية:
1-حقيقة العذاب: يعني إدراك مظاهر العذاب وأشكاله. فالولادة عذاب والمرض عذاب والموت عذاب...
2-حقيقة أصل العذاب وأسبابه: ويكمن سبب العذاب عند البوذيين في رغبة الإنسان بما لا يستطيع تحصيله، فتتولد المعاناة من حرمانه.
3-حقيقة إبطال العذاب والقضاء عليه: هذه الحقيقة هي عبارة عن إبطال التوق،والرغبة والتحرر منها بشكل تام، حيث لا يبقى للإنسان رغبة. وبذلك تبطل عملية الصيرورة، وتنقطع عملية التناسخ.
4- حقيقة السبيل المؤدي إلى إبطال العذاب: وهي الطريق العملي لتحصيل ثمرة بقية الحقائق، وإبطال العذاب، والتوصل إلى الـ نيرفانا...
(3) الــ نيرفانا (Nirvana):
هي كلمة سنسكريتية؛ تعني: الانطفاء، أو انقطاع التوق، وانعدام الرغبة.وهي الهدف الأسمى لجميع الممارسات البوذية. يعبر عنها البوذيون بأنها (الغاية التي تنتهي إليها الإنسان بعد خلاصه من كل ألم، وفوزه بالنجاة الحقيقية).
ومع أهمية هذا المبدأ عند كافة المدارس البوذية، إلا أن الباحث يجد اضطرابا كبيرا في تحديد مفهومه وتقديم تعريف واضح لحقيقته في النصوص البوذية...
لقد كانت بدايات دخول البوذية إلى أميركا في القرن التاسع عشر مع الفلسفة المتعالية والثيوصوفي خاصة، وكما سبق فإن بلافانسكي نفسها كانت قد تحولت إلى البوذية.
أما المدارس البوذية الأكثر انتشارا في الغرب فهي: زن(
Zan) (4) والـــ تانترا (Tantra)(5)، بينما الصورة التي تتبناها حركة (العصر الجديد) هي صورة ملفقة تجمع بين عناصر من البوذية وتخلطها بديانات وفلسفات أخرى بالإضافة إلى إقحامها في العلوم التجريبية البحتة، وكلها تتبنى عقيدة وحدة الوجود.
_______________________
(1) بوذا: ولد سدهارتها غاوتاما في القرن السادس قبل الميلاد لأسرة هندوسية من الطبقات الشريفة. اختار سدهارتها طريق التنسك والتقشف الذي كان عليه نساك زمانه، ليحقق الخلاص من الآلام الدنيوية، اكتشف بعدها بسبعة أعوام أن إماتة الجسد ليست هي السبيل لتحقيق الخلاص.
في أحد الأيام جلس بوذا متأملا تحت شجرة ضخمة بجانب النهر، وزعم أنه بلغ ما أسماه (الإشراق)، فحقق الخلاص والتحرر من التناسخ، وأصبح بعدها يسمى الــ بوذا، وبدأ ينشر تعاليمه.
توفي بوذا عن عمر يناهز الثمانين سنة، بعد رئاسته للرهبنة لمدة امتدت إلى خمسة وأربعين عاما.
(2) وفي هذا إشارة إلى العقائد الباطنية عند البوذية، حيث تعد العقيدة والتعاليم مطية يصل بها المرء إلى الغاية، فإذا حقق هدفه تخلى عن المركبة ولم يعد بحاجة إليها. وهذا شبيه بحال غلاة الصوفية والفرق الباطنية المنتسبة للإسلام.
(3) المركبة الصغرى، الــ هنايانا:Hinayana ويسميها أتباعها : الــ ثيرافادا Therevada أو طريق الأقدمين، ويتميزون بالتقيد الحرفي بتعاليم بوذا، والحرص على الإبقاء على أصالة الفلسفة دون تحويلها إلى ديانها تعبدية. ومن ثم فهم لا يعترفون بالاجتهادات التي نشأت عن النساك الرهبان من بعد بوذا. ويعتبرون الطريق الوسط الذي اتبعه بوذا في آخر حياته هو سبيل الخلاص.
المركبة الكبرى، الــ مهايانا : Mahayana نشأت هذه المدرسة كمحاولة للتصدي للفلسفات الهندوسية التي عجزت الــ هنايانا عن مواجهتها، وذلك من خلال توفير الشروح والتفاسير المطولة على العقائد البوذية الأساسية، والاعتماد على الآراء الاجتهادية الحادثة. ويرى أتباع المركبة الكبرى أن التزهد والتقشف هو الطريق إلى الخلاص، حيث كان هذا المسلك هو الذي مهد لــ بوذا طريق الوصول إلى حالة الإشراق.
المركبة الماسية، الــ فاجريانا : Vajrayana تفرعت هذه الطريقة عن المركبة الكبرى، وتميزت بما أدخل عليها من المعتقدات الدينية، والممارسات التعبدية، والــ يوغية.
(4) زن: توصف بوذية زن بأنها أصعب ديانات الأرض فهما، فهي استسرارية بشكل يصعب معه فهمها، أو شرحها بالكلمات كما يدعون، وإنما تفهم بالتجربة...
(5) تانترا: هي -في الأصل- توجه هندوسي باطني، وهي إحدى المدارس البوذية التي تطلق عليها: المركبة الماسية. تعتبر التانترا من أكثر المدارس البوذية انتشارا في الغرب.
http://majles.alukah.net/t137879/