[الفصل الثالث]
[جبريل مع لوط عليهما السلام]
قال المفسرون: لما خرج جبريل وميكائيل وإسرافيل - عليهم السلام - من عند إبراهيم الخليل - عليه السلام - توجهوا إلي قرية سدوم من أرض غور زغر، في صور شبان حسان؛
- اختبارا من الله -تعالي- لقوم لوط،فطلبوا من لوط - عليه السلام - أن يضيفهم، فخشي إن لم يضيفهم أن يأخذهم قومه، وهم قوم سوء فاسقين: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود:77] أي هذا يوم بلاؤه شديد؛ وذلك لما يعلم من مدافعته عنهم؛ وذلك أن قومه قد اشترطوا عليه ألا يضيف أحدا.
- وإقامة للحجة عليهم
وانطلق لوط - عليه السلام - مع الملائكة الكرام، وهو يحسبهم بشرا، فجعل يعرض لهم في الكلام؛ لعلهم ينصرفون عن هذه القرية وينزلون في غيرها.
فقال لهم: والله يا هؤلاء، ما أعلم علي وجه الأرض أهل بيت أخبث من هؤلاء.
ثم مشي قليلا، وأعاد عليهم ذلك، حتي كرره أربع مرات.
فخرجت امرأة لوط، فأخبرت قومها أن في بيت لوط رجالا لم يُرَ أجمل منهم؛ فجاءه قومه يهرعون إليه، يريدون أن يأخذوا ضيفه، فأرشدهم إلي غشيان نسائهم: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود:78] فالنبي للأمة بمنزلة الوالد، كما قال تعالي: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِين َ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]
وجعل لوط - عليه السلام - يمانع قومه الدخول، ويدافعهم، والباب مغلق وهم يحاولون فتحه، وولوجه، وهو يَعِظُهُم، وينهاهم من وراء الباب: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } [هود:78] وهذه شهادة عليهم بأنه ليس فيهم رجل فيه خير، بل جميعهم سفهاء وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوه منه قبل أن يسألوه عنه.
فلما ضاق الأمر، وعسر الحال، قال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80] أي: لأحللت بكم النكال، فقالت الملائكة: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود:81]
فخرج جبريل - عليه السلام - فضرب وجوههم بطرف جناحه؛ فطمست أعينهم حتي قيل إنها غارت بالكلية: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر:37] ولم يبق لأعينهم محل، ولا عين، ولا أثر.
فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن، ويقولون: إذا كان من الغد، كان لنا وله شأن.
فأمرت الملائكة لوطًا - عليه السلام - أن يسري هو وأهله من آخر الليل: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} [هود:81] عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه، وأمروه أن يكون سيره في آخرهم كالساقة لهم، وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة الملعونين: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81]
فلما خرج لوط - عليه السلام - بأهله وهم ابنتاه فقط، لم يتبعه منهم رجل واحد
فلما أشرقت الشمس نزل بهم العذاب؛
- فاقتلع جبريل - عليه السلام - مدائن قوم لوط بطرف جناحه من قرارهن،والسجيل: هو الصلب الشديد القوي،
- ورفعها بمن فيها من الناس وما معهم من الحيوانات، وما يتبع تلك المدن من الأرض، والأماكن، وغير ذلك فرفع الجميع حتي بلغ بهن عنان السماء حتي سمعت الملائكة أصوات ديكتهم، ونباح كلابهم،
- ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر:74]
وأما منضود فمعناه: يتبع بعضها بعضا في نزولها من السماء: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود:82]
هذا، وقد رويت في قصة جبريل - عليه السلام - مع قوم لوط آثار كثيرة، نذكر إحداها اكتفاءاً بما ذكرناه من سرد القصة، فعن مجاهد - رحمه الله تعالى - في قوله تعالي: {وَالْمُؤْتَفِك ةَ أَهْوَى} [النجم:53] قال: يعني قوم لوط أهوي بها جبريل، ورفعها إلي السماء، ثم أهوي بها.[1]
______________________________ _
[1] حسن: رواه أبو الشيخ في العظمة (372،371)