بسم الله الرحمن الرحيم
المتعلمون والقدوات بين الحقوق والواجبات
اعلم – وفقك الله – أن فلاح العبد ونجاته تبدأ مع نسمات التوفيق إذا هبت على قلبه مزيلةً عن بصيرته وسن الغفلة ، ونعاس البطالة .
فينتبه من رقاده ، ويستيقظ من نومه ، فإذا هو مفكر في مطلوبه الذي فوته بالبطالة فتنبعث نفسه إلى مقصوده جملة – محبة ورغبة ورهبة - .
وفي هذه الحال هو أحوج إلى المربي الناصح العالم الأمين الذي يأخذ بيده إلى الطريق الموصلة إلى مقصوده الذي في بلوغه صلاحه ونجاته .
كالمولود الذي يخرج من ظلمة الأرحام إلى الحياة الدنيا هو أحوج ما يكون إلى الأم الحانية التى تقوم برعايته وحضانته وتغذيته .
فالهداية في أول اليقظة ولادة جديدة للقلب ، وكل مولود فيه ضرورة فطرية إلى ما فيه صلاحه ودوامه .
وهو مضطر إلى شيئين :
الأول / مادة صلاحه ودوامه .
الثاني / المربي الذي يقوم على تعليمه وتقويمه وصيانته .
ومن لا يربه الرسول ويسقه *** لبان له قد در من ثدي وحيه
فذاك لقيط ماله من نسبة *** ولا يتعدى طور أبناء جنسه
فمادة صلاحه ( الوحي ) - كتاباً وسنةً – على طريقة الأصحاب .
والمربي له ( العلماء الربانيون ) وهم الورثة الشرعيون للنبي – صلى الله عليه وسلم - .
والمولود الجديد كالطفل الصغير عادم للتمييز بين مادة صلاحه ومادة فساده ، وبين المعلم المهتدي ، والمضل الغوي .
وفي هذه الحال هو بحاجة إلى علمين وتربيتين – يصل بهما إلى مطلوبه - :
فأما العلمان :
- فالأول ( إجمالي ) يعرف به العبد مطلوبه على سبيل الاجمال من معرفة : التوحيد والنبوة والمعاد . ومن مصادرها الأصلية : الكتاب والسنة بفهم الأصحاب .
- والعلم الثاني ( تفصيلي ) يوضح معالم طريق الرسول – صلى الله عليه وسلم – على سبيل التفصيل يأخذه من العلماء الربانيين على التدريج .
وأما التربيتان :
- فالأولى / تربية ذاتية ، قوامها : ( بالمحاسبة ) ، ( والمجاهدة ) .
فبالمحاسبة يصلح قصده ونيته .
وبالمجاهدة يصلح عمله وعزمه .
- والثانية / تربية كسبية ، قوامها : ( بالمعلم الراسخ ) ، ( والقدوة الرباني ) .
فالمعلم الراسخ يصلح علومه وعقله .
والقدوة الرباني يصلح أعماله وأخلاقه .
والخلل الحاصل عند الخلق : إما من جهة فساد العلم أو من جهة فساد التربية أو من كليهما بطبيعة الحال .
والمقصود : أن عندنا واجبين :
الواجب الأول على ( طالب العلم ) بأن يقوم بالتربية الذاتية لنفسه – محاسبة ومجاهدة – حتى تنصلح نيته ويستقيم عمله .
فأعظم الفساد في السلوكيات اليومية لبعض طلاب العلم أنهم يعملون ( بلا رقابة ) فينشرون ، ويناظرون ، ويحللون ، وينتقدون ، ويفرضون ، ويتدخلون ... وغير ذلك بلا محاسبة إيمانية ، ولا مجاهدة صديقية .
والواجب الثاني على ( المعلم القدوة ) بأن يقوم بالتربية الكسبية لطلابه وإخوانه وأبنائه : - تعليماً ربانياً ، وتزكية أخلاقية – حتى تكون علومهم نافعة ، وأعمالهم صالحة .
فأعظم الخلل في طرائق التعليم التربوي – اليوم – التقصير عند بعض المعلمين في حضانة النشأ الجديد وإهمال صيانته .
فلغياب خطاب تزكية النفوس ، ورعاية العلوم ، أو ضعفه ينشأ طالب العلم : متصدراً ، ممارياً ، متعالماً ، متكبراً ... إلى غير ذلك بلا علم راسخ ، ولا نفس زكية .
ولنتأمل قول الله – تعالى – معتبرين متفكرين - : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}[الحشر : 18] .
اللهم أصلح أحوالنا ، ووفقنا إلى ما يرضيك عنا .
***