10- أن الله ناداه في القرآن الكريم بصفته بخلاف غيره من الأنبياء:
خاطب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم بالنبوة والرسالة ولم يناده باسمه، زيادة في التكريم والتشريف أما سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام فخوطبوا بأسمائهم قال الله تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 41].
﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67].﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64].
بينما قال تعالى لأنبيائه: ﴿ قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 33].
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [آل عمران: 55].
﴿ قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 144].
﴿ قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 46].
﴿ يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26].
﴿ يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ [هود: 76].
﴿ يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12].
﴿ يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 7].
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: (ولا يخفى على أحد أن السيد إذا دعى أحد عبيده بأفضل ما وجد فيهم من الأوصاف العلية والأخلاق السنية، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام لا يشعر بوصف من الأوصاف ولا بخلق من الأخلاق، أن منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعز عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم .وهذا معلوم بالعرف أن من دعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه ).[1]
فإن قال قائل: ألم يقل الله: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].
فذكره باسمه، وكذلك ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].
فالجواب: أنه إنما ذكره باسمه ليعرف به لذا قرنه بالرسالة، فقال: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].
قال المؤلف: (كيف تصير عالمًا في زمن النت: (1274- 1277) (وناده بوصف كان يحبه صلى الله عليه وسلم وصف العبودية في مواضع تدل على التعظيم والتبجيل؛ لأن لفظة: (العبد) تطلق ويراد بها معان كثيرة، منها:
1- العبودية العامة، وهي لجميع الناس، برهم وفاجرهم، ومؤمنهم وكافرهم وبرهان هذا ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 93].
2- العبودية الخاصة-للمسلمين والمؤمنين بصفة عامة-، وهذه خاصة بالمؤمنين، وأمثلة هذا في القرآن كثيرة جداً، منها قوله تعالى: ﴿ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 16]
وقال أيضًا: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، وقال أيضًا: ﴿ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴾ [العنكبوت: 56].
3- عبودية خاصة الخاصة - كما قال بعض العلماء، أو: نقول: عبودية خاصة بصفة خاصة-وهذه للأنبياء والمرسلين، وذلك إذا كانت لفظة: (عبده) مضافة إلى ضمير الجلالة، (كما هو مصطلح القرآن، فإنه لم يقع فيه لفظ العبد مضافًا إلى ضمير الغيبة الراجع إلى الله تعالى إلا مراداً به النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -والإضافة إضافة تشريف لا إضافة تعريف لأن وصف العبودية لله متحقق لسائر المخلوقات فلا تفيد في إضافته تعريفًا.﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23].
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].
﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَك َ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 36].
﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 10].
﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19].
وذِكرُ النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - بوصف العبودية لله تقريب لمنزلته وتنويه به بما في إنزال الكتاب عليه من رفعة قدره كما في قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾ [الإسراء: 1] انظر: (التحرير والتنوير) (7/ 12/ 247).
ولفظة: (العبد) جاءت هنا إثر مواضع وأماكن عظيمة فيراد بها نبينا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وقد ورد في خصوصها أحاديث كثيرة مثل: (لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ وَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري في: (صحيحه) (59-كتاب أحاديث الأنبياء، 48-باب: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) (6/ 490)، و(7/ 149/ رقم:3445)، و(12/ 144/ 145) من حديث عمر بن الخطاب، وأخرج جزءاً منهم مسلم في: (صحيحه) (11/ 191/ 192)، وأحمد في مواضع من (مسنده) (1/ 55/ 56)، وقال المحدث أحمد شاكر في تعليقه على: (المسند) (1/ 90/ 94/ 167/ 391/ رقم:154/ 164/ 331/ 191): (إسناده صحيح).
4- عبودية الدرهم، والدينار، والخميصة، والخميلة، لقوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن منع غضب، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش).
الحديث بهذا اللفظ أخرجه الطبراني في: (المعجم الأوسط) (3/ 94/ رقم:2595)، وبنحوه أخرجه الإمام البخاري من حديث أبي هريرة، في: (صحيحه) في كتاب الجهاد والسير، باب: الحراسة في الغزو في سبيل الله، وفي كتاب الرقاق باب: ما يتقى من فتنة المال.وهذا تحذير من الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -لأمته من الإيغال في هذه الدنيا وأن تكون أكبرَ همهم، فبيَّن أن العبد الذي يجمع الدنانير والدراهم ويرضى بذلك وهو أكبر همه ويصرف وقته وطاقته وجهده وشبابه في جمع الدراهم والدنانير أو: جمعِ الخمائل والخمائص-وهي أنواع الملابس-أو: ما يشبه ذلك من ضروب هذه الدنيا ومما فيها، فإنه قد تعس.
قوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -: (تعس): دعاءٌ عليه بالهلاك، عبد الدينار: (عبد الدرهم) هو الذي يتوقف رضاه على إعطائه الدينار والدرهم، وسخطه على عدم ذلك، وهذه منقصة تدل على أن الدنيا إنما هي معبر وليست بدار إقامة، ووسيلة وليست غاية؛ لكن من خالط قلبه الإيمان كان بخلاف ذلك فيستقل الدنيا ويستضعفها، ويزهد فيها إن لم تكن من طريق حلال، وما عطف على الدينار والدرهم فهم في حكمه كقوله: (تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة).
والخميصة والخميلة نوعان من الثياب أي: الذي يرضى بوجودهما ويغضب عند فقدهما.
وقوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -: (انتكس)، معناه: رجع على عقبيه، وخُتم له بخاتمة السوء، ومعلوم أن: (العبرة بالخواتم).ثم بالغ في وصفه فقال- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -: (إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط)، وزاد دعاءً عليه فقال: (تعس وانتكس, وإذا شيك فلا انتقش)، ومعنى هذا: دعاء عليه إذا وقع في ورطة لا يخرج منها, أي: دعاء عليه بالبقاء فيها. وعدم الخلاص منها.
وقوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -: (وإذا شيك فلا انتقش) معناه: (إذا أصابته مصيبة دنيوية مثل الشوكة مثلاً فلا انتقش، معناه: لا أزيلت عنه ولا أخذت عنه بالمنقاش الذي يزال به الشوك، وقد حذَّر الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - بهذا عن اتباع الدنيا).
5- العبودية التي هي ضد الحرية، وهي محصورة على الجهاد.
([1])
بداية السُّول في تفضيل الرسول (22).