عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: سورة البقرة، والنفقة في سبيل الله والربا، والموت والحياة

  1. #1

    افتراضي سورة البقرة، والنفقة في سبيل الله والربا، والموت والحياة

    قال رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم:

    ((صدقة السر تطفئ غضب الرب)).


    صححه الألباني في السلسلة وصحيح الجامع، عن عبد الله بن جعفر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي أمامة الباهلي وعمر بن الخطاب وأم سلمة وأنس بن مالك ومعاوية بن حيدة.


    والمتابع لمقاطع سورة البقرة متابعة دقيقة يلاحظ أن السورة أكثرت من الحديث عن التقوى والقلوب والنفقة ثم في نهاية السورة دمجت الحديث عن الموت والحياة مع الحديث عن النفقة في سبيل الله والربا.

    وفي ذلك إشارة لطيفة أن الربا يميت القلوب والنفقة تحيي القلوب كما قال في نهاية السورة: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (البقرة : 276 ).


    اللهم تقبل منا نفقاتنا وزودنا التقوى، فهي خير الزاد...



  2. #2

    افتراضي

    هذا المعنى الذي أشارت إليه الآية { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } ، واضح في قصة البقرة التي سميت بها هذه السورة العظيمة،

    يقول الله في قصة البقرة، بعد أن تحدث عن أصحاب البقرة بضمير الغيبة، {
    قالوا ادع لنا ربك ... } ثلاث مرات، ثم قال تعالى: { فذبحوها ما كادوا يفعلون }، ثم حدث إلتفات في الضمير فتحدث الله لنا جميعا بضمير المخاطب بقوله: { وإذ قتلتم نفسا }، وهذا خطاب لنا جميعا ولا يجوز أن يستثني أحد نفسه، بل كل منا مقصر من وجه أو أكثر فهو قتل نفسه بغفلته وتراخيه في العبادة، ثم قال محذرا: { والله مخرج ما كنتم تكتمون } أي في أنفسكم، ثم جاء العلاج بضرب النفس الميتة والمريضة بالصدقة، فقال: { فقنا اضربوه ببعضها }، ثم عقب بأن هذا هو الذي يحيي النفس الميتة فقال: { كذلك يحيي الله الموتى }، وهذه الآيات في قصة البقرة وغيرها يقصها علينا الله لعلنا نعقل فنعمل فقال: { ويريكم آياته لعلكم تعقلون، ثم قست قلوبكم }.

    فأنصح كل مخطئ وكلنا ذاك الرجل، أن يتصدق ويضرب بصدقته الخالصة لله يضرب بها نفسه لعل الله أن يحيي هذه النفوس المريضة، وليكرر هذا المقطع في صلواته وخلواته: {
    كذلك يحيي الله الموتى }.

    اللهم احيي قلوبنا الميتة، كما أحييت هذا الميت في قصة البقرة، إنك على كل شيء قدير.

  3. #3

    افتراضي

    استشكل أحد الأخوة الكرام جزاه الله خيرا، هذه الإشارة عند قوله تعالى: { وإذ قتلتم نفسا ... } استشكل أن تكون غير النفس المقتولة في القصة،
    وقام استشكاله على الآتي:
    1- أنه لو كان المعنى كذلك لقال وإذ قتلتم أنفسكم
    2- ولا يقال للغافل أنه قتل نفسه
    3- ولا يقال للمتصدق أن يضرب نفسه بصدقته
    4- وهذا القول لم يؤثر عن أحد من السلف الصالح
    5- أن فيه تكلف وخروج عن قواعد اللغة وأصول الكلام

    أقول وبالله التوفيق أن سياق الآيات ووجود أيات أخرى تشير إلى هذا المعنى جعلني أشير إلى دقة ولطافة وحكمة التعبير القرآن.

    فأما السياق فراجع الآيات من أول المقطع عند قوله تعالى: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة : 47 )
    ولا حظ أن الخطاب لأبناء نبي كريمن، ونحن كذلك أبناء نبي أكرم عند الله وهو نوح عليه السلام.
    ثم عدد الله عليهم نعمه، قال تعالى: { وإذ نجيناكم ... (59) ... فأنجيناكم ... (50) ... ثم عفونا عنكم ... (52) ... فتاب عليكم ... (54) ... ثم بعثناكم من بعد موتكم ... (56) وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ... (57) ... فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ... (58) ... اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ... (61)}
    والملاحظ أن كل هذه النعم التي من الله بها على بني إسرائيل قد أنعم سبحانه علينا بمثلها أو أكثر، فنعمة الآمن والنجاة من المهالك كل البشر ينعمون فيها وكذلك نعمة العفو والتوبة والهداية وإحياة القلوب الميتة والمأكل والمشرب والملبس.
    ثم حدث إلتفات وتحول في السياق من بني إسرائيل صراحة إلى كل المكلفين في الآية رقم 62 ثم عاد السياق إلى طبيعة يخاطب بني إسرائيل، وذلك في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة : 62 )
    ومن حكم ذلك ولله الحكمة البالغة أن نفيق من غفلتنا واعتقادنا أن الآيات تتحدث عن بني إسرائيل وليس لنا علاقة بالأمر، بل الحديث لي ولك ولهم ولا يغادر أحدا.
    وإذا تابعنا السياق سنجد إلتفات آخر يؤكد هذا المعنى.
    فبعد أنه قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة : 63 ) ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ (البقرة : 64 )
    فالمخاطب هنا ليس كل بني إسرائيل بل المخاطب مجموعة رفع عليها الطور كانت مع نبي الله موسى عليه السلام، ثم حدث الإلتفات فخاطب الله كل المكلفين فقال: { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (البقرة : 65 )
    فقصة أصحاب السبت كانت بعد موسى بزمن بعيد والذين علموا بها أنا وأنت وكل المكلفين، ومن حكم هذا الإلتفات ولله الحكمة البالغة أن يفيق كل منا من غفلته ويعلم أن اللفظ كان عن بني إسرائيل لكن المقصود هو نحن أهل القرآن، أهل هذه الكتاب المبارك، كما يقولون أياك أعني واسمعي يا جارة...
    ====================


    وأما الآيات التي أشارة إلى العلاقة بين حياة القلوب والصدقة بصورة أكثر وضوحا، فقد جاء في سورة عظيمة من المفصل، ورد فيها ذكر النفقة في أكثر من موضع فيها، ومن هذه المواضع مقطع مكون من أربع آيات، في الآية الأولى حث الله المؤمنين على أن تخشع قلوبهم، وألا ينتجوا منهج أهل الكتاب قساة القلوب الغافلين، ثم أشارت الآية الثانية إلى أن حياة القلوب وموتها بين الله وحده، ثم حثت الآية الثالثة على الصدقة، ثم تحدثت الآية الرابعة عن الإيمان.
    وأنصح نفسي وإياكم بتدبر هذه الآيات من آن لآخر والعمل بها لعل الله أن يحيي قلوبنا فتخشع لذكرة وما نزل من الحق.
    استمع إلى المولى في هذه الآيات يقول: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (الحديد : 16 )
    اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الحديد : 17 )
    إِنَّ الْمُصَّدِّقِين َ وَالْمُصَّدِّقَ اتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (الحديد : 18 )
    وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (الحديد : 19 )


    لاحظ هنا قوله تعالى: { ... قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الحديد : 17 )
    وهنا قال سبحانه: { ... وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (البقرة : 73 )


    ثم جاءت قصة البقرة، ويلاحظ أن المقتول واحد، والقاتل كما اتفقت كتب التفسير شخص واحد، ومع ذلك يقول الله: { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (البقرة : 72 )
    فهل المخاطب هو القاتل وحده، أم الذين تباطؤوا في ذبح البقرة، أم كل من كان مع نبي الله موسى عليه السلام، أم كل بني إسرائيل إلى يوم الدين، أم أنا وأنت وهم.

    راجع سياق الآيات كما شرحت لك سيتبين لك الأمر من حيث التدبر وليس من حيث علم التفسير، وجزاك الله خيرا،،،

    واعلم أخي العزيز أن للتفسير قواعد تختلف عن قواعد التدبر، فمثلا أنت عندما تقرأ في تفسير سورة الضحى مثلا تجد أن المخاطب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عند التدبر والخشوع والتذكر قد تتحسس أن الخطاب لك أن الله يخاطبك أنت بهذه الآيات الكريمات.

    والمتقون يسمعون آيات الله ويحملون كل خطاب لهم، فإذا خاطب الله الكافرين فإنه يعنيهم هم لأنهم كثيرا ما يكفرون بنعمة الله، وهم يشعرون أو لا يشعرون، وإذا خطاب الله المشركين، فإنه يعنيهم أيضا، فكثيرا ما يقعون في الرياء والشرك الأصغر من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وإذا خاطب أهل الكتاب، فإنه يعنيهم أيضا لأنهم نزل عليهم كتاب كما نزل على السابقين، وهكذا فباب التدبر باب أوسع من التفسير بكثير.

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم...

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •