قبس من ((كتابي الصحيح من الترغيب والترهيب من الكتاب والسنة الجزءالرابع ص 92 )
الترغيب في صدقة الفطر
قال تعالي : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ ([1])»
قال ابن القطان :
وأجمع عوام أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض.
وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء، إذا أمكنه أداها عن نفسه وأولاده الأطفال الذين لا مال لهم.
وأجمعوا على أن على المرأة قبل أن تنكح أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها.
وأجمعوا أن زكاة الفطر لا تجب على الجنين في بطن أمه.
وأجمعوا أنها لا تجب على من لا شيء له([2]).
وقال الشافعي :
إذا فضل عن قوت المرء وقوت أهله مقدار ما يؤدي عن زكاة الفطر وجبت عليه، وكذلك قال ابن المبارك وأحمد بن حنبل.
وقوله على كل حر أو عبد ظاهره إلزام العبد نفسه إلاّ أنه لا ملك له فيلزم السيد إخراجه عنه.
وقال داود هو لازم للعبد وعلى سيده أن يمكنه من الكسب حتى يكسب فيؤديه.
وفيه دليل على أنه يزكي عن عبيده المسلمين كانوا للتجارة أو للخدمة لأن عموم اللفظ يشملهم كلهم. وفي دلالته وجوبها على الصغير منهم والكبير والحاضر والغائب، وكذلك الآبق منهم والمرهون والمغصوب وفي عبيد عبيده وفي كل من أضيف إلى ملكه.
وفيه دليل على أنه لا يزكي عن عبيده الكفار لقول من المسلمين فقيده بشرط الإسلام فدل أن عبده الذمي لا يلزمه .
وفيه دليل على أن إخراج أقل من صاع لا يجوز وذلك أنه ذكر في الخبر التمر والشعير وهما قوت أهل ذلك الزمان في ذلك المكان فقياس ما تقتاتونه من البر وغيره من الأقوات أنه لا يجزي منه أقل من صاع. ([3]).
وقال أبو بكر بن المنذر :
وأجمعوا أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر([4])
وفي رواية: «فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،» يُعْطِي التَّمْرَ «، فَأَعْوَزَ ([5])أَهْلُ المَدِينَةِ مِنَ التَّمْرِ، فَأَعْطَى شَعِيرًا»، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ «يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ، وَالكَبِيرِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لِيُعْطِي عَنْ بَنِيَّ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ([6])»
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ([7])»
وفي رواية:«وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ ([8])»
فِيهِ التَّخْيِيرُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، فَيُخْرِجُ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ صَاعًا.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَهِيَ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَالْبُرُّ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يُعْطَى مَا قَامَ مَقَامَ الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِهَا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ يُجَزِّئهُ عِنْدَ عَدَمِهَا الْإِخْرَاجُ مِمَّا يَقْتَاتُهُ كَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَلُحُومِ الْحِيتَانِ وَالْأَنْعَامِ، وَلَا يُرَدُّونَ إلَى أَقْرَبِ قُوتِ الْأَمْصَارِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ جِنْسِيَّةُ الْمُقْتَاتِ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسَّلْتِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالدُّخْنِ وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَدسَ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: مِنْ السِّتِّ الْأُوَلِ خَاصَّةً فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُهُ كَالْقَطَانِيِّ وَالتِّينِ وَالسَّوِيقِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، فَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ وَفِي الدَّقِيقِ قَوْلَانِ وَيُخْرَجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ قُوتُهُ دُونَهُ لَا لِشُحٍّ فَقَوْلَانِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ :
يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبُرِّ وَالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْقَمْحِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّخْيِيرِ فَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِتَعْيِينِ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ أَوْ قُوتِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ التَّخْيِيرِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ رِوَايَاتِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا غَالِبُ مَا يُقْتَاتُ بِالْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى إيجَابِ التَّمْرِ عَلَى مَنْ يَقْتَاتُهُ وَالشَّعِيرِ عَلَى مَنْ يَقْتَاتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِم َا فِي الْغَلَبَةِ فَلَا تَرَجُّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَالْمُخْرِجُمُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ([9]).
وفي رواية: «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ»، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ، قَالَ: «أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ ([10])»
وفي رواية: «فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: «إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ، تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ ([11])»
قَالَ النَّوَوِيُّ:
تَمَسَّكَ بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ مَنْ قَالَ بِالْمُدَّيْنِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْآثَارِ وَتَرْكِ الْعُدُولِ إِلَى الِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَفِي صَنِيعِ مُعَاوِيَةَ وَمُوَافَقَةِ النَّاسِ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ مَحْمُودٌ لَكِنَّهُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَاسد الإعتبار([12]).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ([13])»
أَيْ: تَطْهِيرَ الصَّوْمِ وَقِيلَ: الصِّيَامُ جَمْعُ صَائِمٍ كَالْقِيَامِ جَمْعُ قَائِمٍ،
وَفِي الْمَصَابِيحِ: طُهْرَةَ الصَّائِمِ؛ أَيْ: تَطْهِيرًا لِذُنُوبِهِ (مِنَ اللَّغْوِ) وَهُوَ مَا لَا يُعْنَى، وَقِيلَ: الْبَاطِلُ .
وَقَالَ الطِّيبِيُّ:
الْمُرَادُ بِهِ الْقَبِيحُ (وَالرَّفَثُ) أَيِ الْفُحْشُ مِنَ الْكَلَامِ .
قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ فِي الْأَصْلِ مَا يَجْرِي مِنَ الْكَلَامِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَحْتَ اللِّحَافِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ كَلَامٍ قَبِيحٍ اهـ
فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ عَلَى الْقَبِيحِ الْفِعْلِيِّ أَوِ الْعَطْفُ تَفْسِيرِيٌّ.
قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ:
وَهَذَا لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْفِطْرَةَ عَلَى الْأَطْفَالِ لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَلْزَمْهُمُ الصِّيَامُ لَمْ يَلْزَمْ طُهْرَتُهُ وَالْأَكْثَرُون َ عَلَى إِيجَابِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ عِلَّةَ الْإِيجَابِ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الطُّهْرَةِ وَالطُّعْمَةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَسَاكِينِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ مَعَ هَذَا أَيْضًا إِلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا أَنْ يَمْلِكَ مَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِاسْتِوَاءِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي كَوْنِهَا طُهْرَةً. أَقُولُ: كَمَا أَنَّهُ شَرَطَ مَا ذُكِرَ شَرَطْنَا النِّصَابَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مَا أَمْكَنَ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَفْضِيلِ الْفُقَرَاءِ فَكَانَتْ أَعْمَالُهُمْ مُطَهَّرَةً وَذُنُوبُهُمْ مَغْفُورَةً مِنْ غَيْرِ صَدَقَةٍ، وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّ أَكْثَرَ وُقُوعِ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ (وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) أَيْ لِيَكُونَ قُوتُهُمْ يَوْمَ الْعِيدِ مُهَيِّئًا تَسْوِيَةً بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ فِي وِجْدَانِ الْقُوتِ ذَلِكَ الْيَوْمَ،
وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الطُّهْرَةَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الصَّائِمِينَ، وَالطُّعْمَةَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّقْسِيمِ سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ([14]).
فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ :
ولا يجوز إخراج زكاة الفطر, قيمة في قول أكثر أهل العلم.
فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّدَقَاتِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَاةِ لِلْفُقَرَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَوْ كَانَ هَذَا لَيْسَ قُوتَهُمْ بَلْ يَقْتَاتُونَ غَيْرَهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِمَّا لَا يَقْتَاتُونَهُ كَمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ. وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مِنْ جِنْسِ الْكَفَّارَاتِ هَذِهِ مُعَلَّقَةٌ بِالْبَدَنِ وَهَذِهِ مُعَلَّقَةٌ بِالْبَدَنِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْمَالِ فَإِنَّهَا تَجِبُ بِسَبَبِ الْمَالِ مِنْ جِنْسِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ([15]).
قَالَ أَبُو دَاوُد قِيلَ لِأَحْمَدَ وَأَنَا أَسْمَعُ: أُعْطِي دَرَاهِمَ - يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ - قَالَ: أَخَافُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقَالَ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ لِي أَحْمَدُ لَا يُعْطِي قِيمَتَهُ، قِيلَ لَهُ: قَوْمٌ يَقُولُونَ، عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ، قَالَ يَدَعُونَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيَقُولُونَ قَالَ فُلَانٌ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] . وَقَالَ قَوْمٌ يَرُدُّونَ السُّنَنَ: قَالَ فُلَانٌ، قَالَ فُلَانٌ.
وقال ابن قدامة :
وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.
وقال ايضا : وَمَنْ أَعْطَى الْقِيمَةَ، لَمْ تُجْزِئْهُ.
وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، وَشُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ، وَالْحَاجَاتُ مُتَنَوِّعَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَنَوَّعَ الْوَاجِبُ لِيَصِلَ إلَى الْفَقِيرِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ حَاجَتُهُ، وَيَحْصُلُ شُكْرُ النِّعْمَةِ بِالْمُوَاسَاةِ مِنْ جِنْسِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ، وَلِأَنَّ مُخْرِجَ الْقِيمَةِ قَدْ عَدَلَ عَنْ الْمَنْصُوصِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الرَّدِيءَ مَكَانَ الْجَيِّدِ.([16]).
وقَالَ الشَّافِعِيُّ:
أَيُّ قُوتٍ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى رَجُلٍ أَدَّى مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِنْ كَانَ حِنْطَةً أَوْ ذُرَةً أَوْ سُلْتًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُؤَدِّي إِلَّا الْحَبَّ لَا يُؤَدِّي دَقِيقًا وَلَا سُوَيْقًا وَلَا قِيمَةً([17]).
وقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ :
وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، فَلَوْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الصَّاعِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا يَجُوزُ لِمَا مَضَى، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَصَّ عَلَى قَدْرٍ مُتَّفَقٍ فِي أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَسَوَّى بَيْنَ قَدْرِهَا مَعَ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَقِيمَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقَدْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ دُونَ قِيمَتِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِيهِ لَوَجَبَ إِذَا كَانَ قِيمَةُ صَاعٍ مِنْ زبيب ضروع، وهو الزبيب الكبار أضعاف حنطة فأخرج من الزبيب نصف صاع قيمته من الحنطة صاع أن يجزئه فلما أجمعوا على أنه لا يجزئه، وَإِنْ كَانَ بِقِيمَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ دُونَ الْمَنْصُوصِ عليه ([18]).
وقال النووي :
ولا يجوز أخذ القيمة في شئ مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ عَلَّقَهُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ
فَلَا يَجُوزُ نَقْلُ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ كَالْأُضْحِيَّة ِ لَمَّا عَلَّقَهَا عَلَى الْأَنْعَامِ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا إلَى غَيْرِهَا([19]).
وقال ابن حزم :
وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ بَعْضِ الصَّاعِ شَعِيرًا وَبَعْضِهِ تَمْرًا، وَلَا تُجْزِئُ قِيمَةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيمَةُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ لِلزَّكَاةِ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ فَيَجُوزُ رِضَاهُ، أَوْ إبْرَاؤُهُ([20]).
وقال الشنقيطي في ((أضواء البيان 8/287))
أَمَّا التَّعْوِيضُ بَيْنَ الْجَذَعَةِ وَالْمُسِنَّةِ أَوِ الْحِقَّةِ إِلَى آخِرِهِ فِي الْإِبِلِ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ([21]).
فَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ; لِأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ فَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ مُعَيَّنَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ أَعْلَى أَوْ أَنْزَلُ مِنْهَا ; فَلِلْعَدَالَةِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمِسْكِينِ جُعِلَ الْفَرْقُ لِعَدَمِ الْحَيْفِ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْأَصْلِ وَلَيْسَ فِيهِ أَخْذُ الْقِيمَةِ مُسْتَقِلَّةً، بَلْ فِيهِ أَخْذُ الْمَوْجُودِ، ثُمَّ جَبْرُ النَّاقِصِ.
فَلَوْ كَانَتِ الْقِيمَةُ بِذَاتِهَا وَحْدَهَا تُجْزِئُ لَصَرَّحَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلَا يَجُوزُ هَذَا الْعَمَلُ إِلَّا عِنْدَ افْتِقَادِ الْمَطْلُوبِ، وَالْأَصْنَافُ الْمَطْلُوبَةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِذَا عُدِمَتْ أَمْكَنَ الِانْتِقَالُ إِلَى الْمَوْجُودِ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ لَا إِلَى الْقِيمَةِ، وَهَذَا وَاضِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتْحِ: لَوْ كَانَتِ الْقِيمَةُ مَقْصُودَةً لَاخْتَلَفَتْ حَسَبَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَكِنَّهُ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ.
أَمَّا قَوْلُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: «ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ([22])» .
فَقَدْ نَاقَشَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ مِنْ حَيْثُ السَّنَدُ وَالْمَعْنَى. وَلَكِنَّ السَّنَدَ ثَابِتٌ، أَمَّا الْمَعْنَى، فَقِيلَ: إِنَّهُ فِي الْجِزْيَةِ.
وَرُدَّ هَذَا: بِأَنَّ فِيهِ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْجِزْيَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا.
وَقِيلَ: إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَسْتَلِمَ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ مِنْ أَجْنَاسِهَا يَسْتَبْدِلُهَا مِنْ بَابِ الْبَيْعِ وَالْمُعَاوَضَة ِ عَمَلًا بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِلطَّرَفَيْنِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَكِنَّهُ اجْتِهَادُ أَعْرَفِهِمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَالصَّحِيحُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَصَرُّفٌ بَعْدَ الِاسْتِلَامِ وَبُلُوغِهَا مَحِلَّهَا وَلَا سِيَّمَا مَعَ نَقْلِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَلَيْسَتْ تُنْقَلُ ابْتِدَاءً، وَلِأَنَّ مُهِمَّةَ زَكَاةِ الْمَالِ أَعَمُّ مِنْ مُهِمَّةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ; فَفِيهَا النَّقْدَانِ وَالْحَيَوَانِ.
أَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَطُعْمَةٌ لِلْمِسْكِينِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ ; فَلَا تُقَاسُ عَلَيْهَا.
أَمَّا النَّاقَةُ الْحَسَنَةُ الَّتِي رَآهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ بَعِيرَيْنِ، فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الِاسْتِبْدَالِ بِالْجِنْسِ عَمَلًا لِلْمَصْلَحَةِ، لَمْ تَخْرُجْ عَنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ.
وَأَمَّا الْجِزْيَةُ يُؤْخَذُ مِنْهَا قَدْرُ الْوَاجِبِ: فَلَا دَلِيلَ فِيهِ ; إِذْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِيهَا جَانِبُ تَعَبُّدٍ وَارْتِبَاطٍ بِرُكْنٍ فِي الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا الْجِزْيَةُ: فَهِيَ عُقُوبَةٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، فَأَيُّمَا أُخِذَ مِنْهُمْ فَهُوَ وَافٍ بِالْغَرَضِ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْقَائِلِينَ بِالْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مُسْتَنَدٌ صَالِحٌ، فَضْلًا عَنْ عَدَمِ النَّصِّ عَلَيْهَا.
وَخِتَامًا: إِنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيمَةِ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْأُصُولِ مِنْ جِهَتَيْنِ:
الْجِهَةُ الْأُولَى: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ذَكَرَ تِلْكَ الْأَصْنَافَ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهَا الْقِيمَةَ وَلَوْ كَانَتْ جَائِزَةً لَذَكَرَهَا مَعَ مَا ذَكَرَ، كَمَا ذَكَرَ الْعِوَضَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْفَقُ وَأَرْحَمُ بِالْمِسْكِينِ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ.
الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: - وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ - أَنَّهُ لَا يُنْتَقَلُ إِلَى الْبَدَلِ إِلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْمُبْدَلِ عَنْهُ، وَأَنَّ الْفَرْعَ إِذَا كَانَ يَعُودُ عَلَى الْأَصْلِ بِالْبُطْلَانِ فَهُوَ بَاطِلٌ.
كَمَا رَدَّ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى الْحَنَابِلَةِ قَوْلَهُمْ: إِنَّ الْأُشْنَانَ يُجْزِئُ عَنِ التُّرَابِ فِي الْوُلُوغِ. أَيْ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ جِنْسِهِ وَيَسْقُطُ الْعَمَلُ بِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ أَخَذُوا بِإِخْرَاجِ الْقِيمَةِ ; لَتَعَطَّلَ الْعَمَلُ بِالْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصَةِ،
فَكَأَنَّ الْفَرْعَ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ سَيَعُودُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الطَّعَامُ بِالْإِبْطَالِ، فَيَبْطُلُ.
وَمِثْلُ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي الْهَدْيِ بِمِنًى مِثْلًا بِمِثْلٍ، عِلْمًا بِأَنَّ الْأَحْنَافَ لَا يُجِيزُونَ الْقِيمَةَ فِي الْهَدْيِ ; لِأَنَّ الْهَدْيَ فِيهِ جَانِبُ تَعَبُّدٍ، وَهُوَ النُّسُكُ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَيْضًا: إِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِيهَا جَانِبُ تَعَبُّدٍ ; طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ، وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ، كَمَا أَنَّ عَمَلِيَّةَ شِرَائِهَا وَمُكَيَّلَتِهَ ا وَتَقْدِيمِهَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ. أَمَّا تَقْدِيمُهَا نَقْدًا فَلَا يَكُونُ فِيهَا فَرْقٌ عَنْ أَيِّ صَدَقَةٍ مِنَ الصَّدَقَاتِ، مِنْ حَيْثُ الْإِحْسَاسُ بِالْوَاجِبِ وَالشُّعُورِ بِالْإِطْعَامِ.
وَقَدْ أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيمَةِ فِيهَا جَرَّأَ النَّاسَ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْقِيمَةِ فِي الْهَدْيِ وَهُوَ مَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى وَلَا الْأَحْنَافُ.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء السؤال التالي:
هل تجوز زكاة الفطر أن أنفقها على المحتاجين فلوسا بمقدار ثمن الصاع الذي أنفقه عليهم؟
ج: لا يجوز دفع النقود بدلا من الطعام في صدقة الفطر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج الطعام في صدقة الفطر، وقدره بالصاع مما يدل على تعينه وعدم إجزاء القيمة، وفي إمكان الفقير أن يبيعها بعد قبضه لها وينتفع بثمنها في حاجاته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم([23]).
فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ :
س: ما هي القيمة الحقيقية للصاع المذكور في الحديث المتعلق بزكاة الفطر؟
ج: صدقة الفطر يجب دفعها طعاما، ولا يجزئ فيها دفع القيمة، ومقدار الصاع ثلاثة كيلو جرامات تقريبا([24]).
وللمزيد أنظر كتاب الصحيح من الترغيب والترهيب من الكتاب والسنة الجزء الرابع ص 92 لأبي عبدالرحمن عيدبن أحمد فؤاد
([1]) صحيح أخرجه البخاري ((1503))
([2])الإقناع في مسائل الإجماع ((1/218))
([3])معالم السنن ((2/49))
([4])الإجماع ((47))
([5])(فأعوز. .) احتاجوا ولم يقدروا عليه. (عن بني) عن أبناء نافع وكانوا موالي له أي عتقاء. (الذين يقبلونها) العمال الذين يجمعونها]
([6]) صحيح أخرجه البخاري ((1511))
([7]) صحيح أخرجه البخاري ((1506))
([8]) صحيح أخرجه البخاري ((1510))
([9])طرح التثريب ((4/48))
([10]) صحيح أخرجه البخاري ((1508))
([11]) صحيح أخرجه مسلم ((985))
([12])فتح الباري ((3/374))
([13]) حسن أخرجه ابن ماجه ((1827)) والحاكم ((1488)) من طريق مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْخَوْلَانِيُّ ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .به . وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ،ووفقه الذهبي .
([14])مرقاة المفاتيح عند حديث ((1818))
([15])مجموع الفتاوى لابن تيمية ((25/69))
([16])المغني لابن قدامة ((3/88))
([17])مختصر المزني ((8/151)) وقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ.
لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ بَدَلًا مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَلَا بَدَلًا مِنَ التَّمْرِ دِبْسًا وَلَا نَاطِفًا، وَأَجَازَ أبو حنيفة ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جَوَازِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ، وَأَجَازَ مَالِكٌ الدَّقِيقَ بَدَلًا مِنَ الْحَبِّ مَعَ وِفَاقَهُ أَنَّ الْقِيَمَ فِي الزَّكَوَاتِ لَا تَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَشَّارٍ الْأَنْمَاطِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذْ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَاعًا مِنْ تمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شعيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أقطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ طعامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ دقيقٍ. وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَبَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَامِلُ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْبَذْرِ وَالطَّحْنِ وَالْهَرْسِ وَالِادِّخَارِ وَالدَّقِيقُ مَسْلُوبُ الْمَنَافِعِ إِلَّا الِاقْتِيَاتَ فَلَمْ يَجُزْ إِخْرَاجُهُ لِنَقْصِ مَنَافِعِهِ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ أَنْكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ وَهِمَ فِيهِ سُفْيَانُ
([18])الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي ((3/384))
([19])المجموع شرح المهذب ((5/428))
([20])المحلى بالآثار ((708))
([21])وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا ابْنَةُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ.
([22])إسناده إِلَى طَاوس صَحِيح إِلَّا أَن طاوسا لم يسمع من معَاذ .أخرجه البيهقي في السنن الكبرى
((7372)) من طريق يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ مُعَاذٌ.
([23])فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية ((8/261))
([24])فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية ((8/265))