النعيم لا يدرك بالنعيم!
ناس في دنيا الناس -كثر- تغرهم الصور، ويأخذ بألبابهم البريق، وهو الذي يعنيهم من نتيجة العمل...
في الزمان الأول كان من يروم أن يكون صورة مبهرة، وشيئا مذكورا يهترئ بدنه وهو يطلب ذلك، ثم لا يصل إليه بغير سعي أو نصب،
بينما اليوم ميسور جدا هذا البريق!
تستطيع أن تدخل عالما افتراضيا -على أن كثيرا مما فيه لا يمت للأصل بصلة-،
ويمكنك بعد دخوله أن تجمل نفسك كيفما تشاء، أو على الأقل تبدي ما يعجبك وتحجب سواه.
لك أن تبدو ذا خلق رفيع لو لم تكن حقا،
وذا علم متين بمجرد قدرتك على تنميق الكلمات وصف العبارات،
ويمكنك أن تبدو كيفما تهوى، وأن تتحصل على مدح العوام رواد هذا العالم،
والذين لا يستطيع معظمهم أن يسبر أغوار المظاهر ليتوصل إلى بواطنها،
وتحوز إعجابات الآلاف وتتبعهم لك ولما تقول وتفعل، كل هذا وأنت متكئ على أريكة، أو نائم على سرير!
هناك فقط تقضي أمتع أوقاتك، يثقل عليك محاورة جليس لك،
لا تعيره أدنى اهتمام مثلما أنه لم يكن يوما مشغوفا بك الشغف الذي تراه الآن، توشك أن تتمنى سقوط الصلوات الخمس عنك كي لا تبرح مكانك،
لكنها لا تسقط فتضطر لنقرها أو السرقة منها، لبك مشغول مأخوذ بمجدك الذي أتاك...
وفي اليوم الذي تحول الظروف بينك وبين العالم الافتراضي الذي رحلت من عالمك إليه، ستجد نفسك على الحقيقة [لاشيء]!
ستجد الناس مضت للأمام وأنت واقف لا تبرح مكانك، ولم تصعد لأعلى!
ستجد روحا فارغة، وقد ظننت أنك عندما صنعت لها وهما وأغرقتها فيه، واغترفت لها منه أنها امتلأت وسعدت.
ستجدك وحيدا مستوحشا في تيه وألم...
هل ستهرب بعدها إلى النوم؟ أو إلى الخيال لمزيد من الشرود؟ أو إلى البكاء والانهيار؟ أو ستنتحر؟!
وهل ظننا يوما أن النعيم يدرك بالنعيم؟
أو أن صلاح الدنيا والآخرة يكون بترك العمل؟
أو أن سعادة الروح بلذة عاجلة توشك على الزوال من حيث تبدأ؟!
أفيقوا أيها الغارقون!!!
قال النبي صلى الله عليه وسلم : [الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ
احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ] (رواه مسلم).
اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.