مقَدِّمَةالحمد لله كثيراً ، والصلاة والسلام على من أُرسل كافَّة للناس بشيراً ونذيراً ، وعلى آله وصحابتهِ والتابعين .
أَما بعد :
ففي حدود عام 1658 م جاء الاستعمار الهولندي بعدد كبير من مسلمي أندونيسيا وماليزيا ، أثناء استعماره تلك البلاد ، إلى جنوب إفريقيا ، كأَسرى وعبيد ، وضغط عليهم بكل ما أُوتي من قوة ووسائل طيلة ثلاثمائة عام لكي يتركوا دينهم ويعتنقوا النصرانية ، وكانت هذه خطة خبيثة جدّاً ؛ بأن يأتي الاستعمار بعدد من المسلمين ويعزلهم عن وطنهم حتى لا يكون بينهم وبين العالم الإسلامي أي رباط واتصال ، لكن الحق يعلو ولا يُعلى عليه ، وفي كل جيل وعصر يقوم المجاهدون بمهمة الجهاد وإعلاء كلمة الله .
وقد حاول كل من الاستعمار البريطاني والهولندي طوال هذه الفترة أن يُبيد الكيان الإسلامي في جنوب إفريقيا ، إلاَّ أَن أيّاً منهما لم يستطع أن يحول ثلاثمائة مسلم إلى النصرانية ، بل على العكس تمكن المسلمون من إنشاء أكثر من ثلاثمائة مسجد وثلاثمائة مدرسة إسلامية في هذا البلد .
والمسلمون في جنوب إفريقيا يصل عددهم إلى حوالي 2 % فقط من مجموع عدد السكان ، فهم أقل من نصف مليون نسمة .
والمشاكل والتحدّيات التي يواجهها المسلمون فـي هـذا البلد كثيرة ، فالإِرساليات التبشيرية تقوم بعملها بينهم على قدم وساق ، ويدخل أَفرادها على المسلمين بيوتهم ، ويزودونهم بالكتب والنشرات التبشيرية ، وهذه أَخطر مهمة تقوم بها الإرساليات في معظم أنحاء العالم .
وجدير بالذكر أن البيض في هذا البلد أغنياء ، لكنهم مع ذلك يتلقون فيضاً من المساعدات من الخارج ، من فرنسا وألمانيا وأمريكا ، وغيرها لتقوية الإرساليات التبشيرية ، لذلك فمن المستحيل أن تقوم القلَّة القليلة من المسلمين في جنوب إفريقيا بأعباء إبلاغ الدعوة الإسلامية إلى 98 % من سكان هذا البلد ، ولا يجوز أن تترك لهم هذه المهمة الجليلة دون مساعدة من الخارج .
والمشكلة الثانية هي : عدم إجادة اللغة العربية ، فالمسلمون في جنوب إفريقيا يرغبون في تعلم اللغة العربية لأنها لغة القرآن ، ويجب على كل مسلم أن يتقنها ، إلاَّ أنهم لا يتوفر لديهم عدداً كافياً من معلمي اللغة العربية .
وشريط الفيديو الذي يتم نقل وقائعه على صفحات هـذا الكتاب ، هو عبارة عن برنامج قام بإعداده تليفزيون أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ([1]) عن الشيخ أحمد ديدات والمركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة ( ديربان ) بجنوب إفريقيا والتابع له وذلك سنة ( 1989 م ) ، ويتحدث فيه الشيخ ديدات عن حياته وبداياته ، وتجاربه وذكرياته في الدعوة ، وما أثمرت عنه هذه التجارب من نجاحات ، وأن الداعية بذكائه وبساطته وحسن دعوته يمكنه أن يخترق كلامه إلى قلوب الناس ويؤثر فيهم ، وأن يحقق بمفرده ما قد تعجز عنه بعض الدول .
وقد أهدى الشيخ ديدات خلاصة تجاربه للشباب الواعد من جيل الدعاة الذين يتلقون منه دروس الدعوة ، وقد أتوا إليه من مشارق الأرض ومغاربها ليعلمهم في الدعوة ومواجهة جحافل المبشرين وعتاة التنصير .
كما يتضمن هذا الشريط معلومات ووقائع مهمة وخطيرة عن الإسلام والمسلمين في دولة جنوب إفريقيا ، وعن أحوال الدعوة الإسلامية بصفة عامة ، والحملة الصليبية الشرسة التي يواجهها المسلمون الآن في شتى أرجاء الأرض بصفة خاصة . كما ينقل لنا الدور المهم والفعال الذي يقوم به المركز الدولي للدعوة الإسلامية بمدينة ( ديربان ) ، في المحافظة على هوية المسلمين ، وفي نشر الدعوة الإسلامية ، كما يُلقي الضوء على الدورة الأولى لتخريج جيل من الدعاة على غرار الداعية الملهم الشيخ أحمد ديدات .
والله ولي التوفيق ، وهو سبحانه وتعالى نعم المولى ونعم النصير .
أشرف محمد الوحش
([1]) من المعروف أن تليفزيون أبو ظبي كان قد حقق نصراً إعلاميّاً غير مسبوق ، وكان له دور مهم ، حيث ساهم في إبراز هذه الظاهرة العالمية المتفردة في الدعوة [ ظاهرة الشيخ ديدات ] بدبلجة مناظرته الشهيرة مع القس سواجارت باللغة العربية بتنقنية متقدمة ، وفكر إعلامي واعٍ ، فذاع صيته وبلغت شهرته الآفاق [ عربيّاً ] بعد نجاحه في أوروبا وأمريكا إثر سلسلة مناظراته المعروفة التي دك بها معاقل الكفر وحصون الشرك ، وقد نشرت دار الفضيلة بعض هذه المناظرات ، وهي :
1- مناظرة العصر .. مع القس الدكتور أنيس شروش .
2- مناظرتان في استكهولم .. مع كبير قساوسة السويد استانلي شوبيرج .
( الناشر )