12 - قال ابن الصلاح عند كلامه عن مراسيل الصحابة: ( وأما مراسيل الصحابة، كابن عباس وأمثاله، ففي حكم الموصول، لأنهم إنما يروون عن الصحابة، كلهم عدول، فجهالتهم لا تضر، والله أعلم).
فاستدرك ابن كثير قائلًا: (قلت: وقد حكى بعضهم الإجماع على قبول مراسيل الصحابة.
وذكر ابن الأثير وغيره في ذلك خلافًا.
ويحكى هذا المذهب عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني، لاحتمال تلقيهم عن بعض التابعين.
وقد وقع رواية الأكابر عن الأصاغر، والآباء عن الأبناء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى).
قلت: (أبو البراء): والقول قول من كلام بقبول مراسيل الصحابة؛ لأنهم عدوا وروايتهم غير غيرهم قليلة وإذا رووها بينوها، قال السيوطي في: (تدريب الراوي): (صـ 207): (وفي الصحيحين من ذلك ما لا يحصى؛ لأن أكثر رواياتهم عن الصحابة، وكلهم عدول ورواياتهم عن غيرهم نادرة، وإذا رووها بينوها، بل أكثر ما رواه الصحابة عن التابعين ليس أحاديث مرفوعة بل إسرائيليات أو: حكايات أو: موقوفات).
وقال ابن حجر في: (نكته على ابن الصلاح): (1/ 194): (قلت: لَكِن قَول الصَّحَابِيّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ احْتِمَال سَمَاعه من غَيره أَو: من غير صَحَابِيّ احْتِمَال بعيد، فَلَا يُؤثر فِي الظَّاهِر وَأما روايتهم عَن [التَّابِعين] فنادرة جدًا وَحَيْثُ رووا عَنْهُم بينوهم فَبَان ضعف هَذَا الإحتمال).
13 - قال ابن الصلاح عند كلامه على القسم الأول من أقسام المدلَّس: (أنه يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهمًا أنه سمعه منه).
فاستدرك ابن كثير موضحًا: (قلت: وغاية التدليس أنه نوع من الإرسال لما ثبت عنده، وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيرد من أجله، والله أعلم).
قلت: (أبو البراء): وثمَّة فرق بين التدليس والإرسال، فكلًا من المدلس والمرسل يروي عن شيخ شيئًا لم يسمعه منه، بلفظ يحتمل السماع؛ لكن المدلس له سماع من هذا الشيخ في الجملة، بينما المرسل -أي إرسالًا خفيًا- لم يسمع من هذا الشيخ أصلًا؛ لكنه عاصره أو لقيه ولم يسمع منه، قال الخطيب البغدادي في: (الكفاية): (صـ 357): ( إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمنٌ للإرسال لا محالة، من حيث كان المدلس ممسكًا عن ذكر من بينه وبين من دلَّس عنه، وإنما يفرق حاله حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمع منه فقط، وهو المُوَهِّنُ لأمره، فوجب كون هذا التدليس متضمنًا للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس؛ لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا المعنى لم يذم العلماء من أرسل الحديث وذموا من دلسه).
قلت: (أبو البراء): وغاية ذم العلماء للمدلس؛ لأن له سماع من شيخه بالجملة وعدم ذكره للواسطة بينه وبين شيخه توهم الصحة، سيِّما لو كان الواسطة ضعيفًا، بينما المرسل أمره أوضح إذا ليس له سماع من ذاك الشيخ في الأصل فكان مَن لم يسمع مِن شيخ عاصره أهون حالًا على الباحث ممن أوهم سماعًا من شيخ سمع منه غير الذي دلسه، والله أعلم.
14 - قال ابن الصلاح عند كلامه على العدالة: (وتوسَّع ابن عبد البر، فقال: كل حامل علم معروف العناية به، فهو عدل، محمول أمره على العدالة، حتى يتبين جرحه، لقوله عليه الصلاة والسلام: (يحملُ هذا العلم من كلِّ خَلَفٍ عدوله).
قال:- أي ابن الصلاح- وفيما قاله اتساع غير مرضي، والله أعلم).
- فاستدرك ابن كثير قائلًا: (قلت: لو صحَّ ما ذكره من الحديث لكان ما ذهب إليه قويًّا، ولكن في صحَّته نظرٌ قويٌّ، والأغلبُ عدمُ صحَّتِه، والله أعلم).
- قلت: (أبو البراء): في استدراك ابن كثير على ابن الصلاح استدراك وموافقة.
أما الموافقة: ففي تضعيفه للحديث، والحق أنه مرسلٌ وكل طرقه ضعيفة كما أفاد ابن القطان في: (بيان الوَهَم والإيهام).
وأما الاستدراك: ففي تقوية ما ذهب إليه ابن عبد البر في التوسعة في العدالة وأن كل حامل علم عدل، والصحيح أن الحديث لا يخدم ما ذهب إليه، فالحديث خبر بمعنى الإنشاء، أي: ينبغي لمن يحمل العلم أن يكون عدلًا لا أن كل من يحمل العلم عدلٌ.
قال النووي: (... ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئًا من العلم؛ فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه، والله أعلم). تهذيب الأسماء واللغات: (1/17).
جزاكم الله خيرا ، واصلوا وصلكم الله بهداه.
سؤال:
هل يصح قول أن الحافظ ابن كثير يغلب عليه الفقه، وأن أكثر من صنف في علوم الحديث من الفقهاء، فادخلوا في علوم الحديث بعض من اختيارات الفقهاء؟
الذي يظهر أن ابن كثير غلب عليه طريقة الفقهاء وليس المحدثين الصرف ، كعلي بن المديني وأحمد والبخاري وسلم والنسائي وأبي حاتم والدارقطني وغيرهم .
فهو من محدثي الفقهاء ، أقرب إلى الفقه ، وهذا يظهر في طريقة ترجيحه لبعض المسائل والمباحث ، وطريقته قريبة من النووي ، رحم الله الجميع .
قال ابن حجر في الدرر الكامنة :
وكان كثير الاستحضار حسن المفاكهة سارت تصانيفه في البلاد في حياته وانتفع بها الناس بعد وفاته ولم يكن على طريق المحدثين في تحصّيل العوالي وتمييز العالي من النازل ونحو ذلك من فنونهم وإنما هو من محدثي الفقهاء وقد اختصر مع ذلك كتاب ابن الصلاح وله فيه فوائد ، قال الذهبي في المعجم المختص : الإمام المفتي المحدّث البارع فقيه متفنن مفسر نقال وله تصانيف مفيدة مات في شعبان سنة 774 وكان قد أضر في أواخر عمره.اهـ
الخطيب البغدادي لم يكن من الفقهاء - بالمعنى المعروف - بل كان من المحدثين ، وقد ألف وصنف في علوم الحديث كثيرا جدا ، حتى قيل : ما من علم من علوم الحديث إلا وصنف فيه رحمه الله .
وابن الصلاح من المحدثين .
نعم النووي كان من محدثي الفقهاء.
ابن حجر كان من المحدثين الفقهاء الذين جمعوا بين الأمرين ، لكن غلب عليه في تصانيفه الحديثية طريقة المحدثين .
ابن كثير ، سبق بيانه . وهناك الكثير ممن صنف في علوم الحديث ، منهم محدثون صرف ، ومنهم فقهاء ، ومنهم من جمع وكل بحسب ما غلب عليه .
ومن المعلوم أن هناك مباحث أدخلت على كتب المصطلح لما لها من علاقة بينهما ، وهي في الأصل من مباحث الفقهاء والأصوليين ، كمبحث المتواتر وغيره ، كما ذكر أخونا الفاضل أبو البراء وفقه الله .
نفع الله بك حبينا الغالي أبا البراء .
جزاكم الله خيرا