هذه مرثية للشيخ أحمد الحسني كتبها في فقيد الأمة الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله
هذي الفضيلةُ من بكائك تشـهقُ *** ولربَّما من حزن فقدِك تزهـقُ
فلها الرزيــَّةُ والعزاءُ كــلاهما *** أو ما تراها بالمــدامعِ تَشرَقُ
تَبكيك "بكرُ" فأنت حارسُها الذي *** يحمي الحمى , ولصـونها يتأرَّقُ
هذا زحـــامُ ذوي العزاءِ ببابها *** وجـهٌ كئيب , أو فؤادٌ يخفـقُ
فلقد سقيتَ غراسها ورعيتَــها *** حتى استوت والعود عودٌ مورقُ
فتنــاثرت أزهارُها في عــالمٍ *** سيَّان مغربُه وذاك المشــرقُ
وبطيبها قد طاب ذكرك في الورى *** وكلاكما للعصر مسكٌ أعبـقُ
أحييتها من بعد أن مُدَّت لهـــا *** أيدٍ ملطخةٌ تكـــاُد تُمزِّقُ
فغزا مجـــاج يراعكم في وكرِها*** شُبهاً كأنَّ سوادهنَّ الفيلــقُ
فتصاعدت أنفاس كــلُّ فضيلة *** وإلى اجتماعٍ شملُها المتفــرقُ
وتمايست في بردها الــزاهي إلى *** كلُّ البقاع وعرفها يتنــشقُ
ما إن تخاف ولا نخــاف لعرضها *** هتكاً يُراد , وأنت حيٌّ تـرزقُ
فلأنت سهمٌ صائبٌ نُصمي بــه *** مَن بالرذيلة في البريِّة ينــعقُ
يا أمتي , هــــذا المصاب لمثله *** يبكي الدماءَ مغرِّبٌ ومـشرِّقُ
فليستقلَّ من الدمـوع وإن جرت *** كالمزن أو كالبحر ما قد يُنفِـق
ولتتسع منه الضلوعُ لحرقـــةٍ *** كنا بها لولا التجلد نُصعَــقُ
والعين منه لــــدمعة سلسالة *** من بعد بحر الفضل كم تغرورقُ
والأذن إن ضـــج العزاء بسمعها*** إن الجميع على الفضيلة مشفـقُ
بحر العلوم وحبرها إن لم يكـــن *** سباقة فيــــها فما إن يسبقُ
فانظر لمسرد كتبه يــــاحسنها *** فكــــأنها التَّيّـَارُ إذ يتدفقُ
واقرأ له تعلم بأنَّ غبـــــاره *** في العلم ليس من السهولة يُلحقُ
فقـــهٌ يساير عصرنا إذ فهمُـه *** لنوازل الأيـام فهمٌ أعمــقُ
تنهى إلــيه من الصحاب صعابها *** وإليه داجية المشاكــل تُعنقُ
فيخوضها بمـــهارة ذهنيـــة *** تقضي بأن الفكـر فكر أحذقُ
فإذا أراق على القــراطس حبره *** فنفيس در في المــهارق يهرقُ
لفظٌ بديـــعٌ حبكــُه ووراءه *** معنى عريـــض مونق ومنمَّقُ
قـال الألى ذهبوا اجتهاد قد مضى *** إن المـجال على الفقيه مضيَّقُ
فاقـــرأ له" طفل الأنابب" يتضحْ *** أن الثواب على اجتهاد مطـلقُ
وكذلك " التشريح" أو ما قــال في *** "إنعاشه" فجميع ذلـك شيِّقٌ
وكـــــذا سواها من نتاجٍ شاهدٍ *** أن الفقيد مؤصِّل ومحقِّقُ
هذا ومجمل حالـــــه في كتبه *** أن نال فيها ما ينال موفَّقُ
ولقــــد قرأت له الكثير وإنني *** بجمال صنعته أسير موثَقُ
مــاذا أقول وحسن صيتك سائرٌ *** وعلى الثناء عليك كلٌّ مطبقُ
دأبُ المنيةِ هكــــذا استهدافها *** عِلقا نفيسا في المكارم مُعرِقُ
"وإذا المنية أنشبت أظفارهــــا " *** ما إن لنا إلا عيون تحدقُ
ولقـــد مضى لسبيلها من قبلكم *** غرٌّ نجومٌ هديها يتألقُ
وكــفى مصابــــا بالنبي محمد *** أدعو لكم برفيقه إن تُلحقوا
واللهَ أسالُ أن يسلسل ديمـــــةً *** من عفوه تغدو عليك وتغدقُ
وليهنِ روحَك أنها نزلت علــــى *** رب كريم بابه لا يغلقُ
وليهنكم من بعد ذلــــــك أنه *** هذي الفضيلة من بكائك تشهقُ
يوم الثلاثاء 28-1-1429