بسم الله الرحمن الرحيم
وقفة مع قول الإمام البخاري رحمه الله تعالى:" { كل شيء هالك إلا وجهه }قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب التفسير من صحيحه:إلا ملكه":
سورة القصص { كل شيء هالك إلا وجهه } إلا ملكه ويقال إلا ما أريد به وجه الله. اهـــ
ففسر الوجه بالملك ثم عقب بصيغة التمريض:" و يقال ما أريد به وجهه"، مما يدل على جزمه بالأول، خلافا لما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى حيث قال عند تفسيره للآية:"..وقال مجاهد والثوري في قوله: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } أي: إلا ما أريد به وجهه،وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرر له." اهـ.
و كذلك هذا خلاف ما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري حيث علق على قول البخاري:" وكذا نقله الطبري عن بعض أهل العربية وكذا ذكره الفراء" اهـ، حيث أنه بالرجوع إلى تفسير الطبري و تفسير الفراء يظهر أنهما لم يفسرا بهذا التفسير، فالإمام الطبري قال في تفسيره:" واختلف في معنى قوله:( إِلا وَجْهَهُ ) فقال بعضهم: معناه: كلّ شيء هالك إلا هو، و قال آخرون: معنى ذلك: إلا ما أريد به وجهه" اهـ.كذا الفراء اكتفى بقوله:" "كل شيء هالك إلا وجهه" قال: إلا هو."اهـ.
فهل هذا يعني أن الإمام أبا عبد الله البخاري رحمه الله تعالى لا يثبت صفة الوجه كصفة خبرية دل عليها الكتاب و السنة و أجمع عليها سلف الأمة؟
لا ريب أن هذا الإمام من كبار الأئمة الذين كانوا على مذهب السلف في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه و سلم في سنته و الناظر إلى كتاب التوحيد من صحيحه يعلم علم اليقين أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى كان على منهج السلف في كل الصفات.
فتفسيره للوجه بالملك لا يعني نفيه صفة الوجه عن الله تعالى، و يكف للرد على من يتهم الإمام البخاري بهذه التهمة روايته لأحاديث في إثبات صفة الوجه لله تعالى، من ذالك ما رواه بسنده عن عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن –ح .4878
فلا نشك طرفة عين في أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى كان على منهج السلف و أنه أثبت صفة الوجه لله تعالى، و لا يظن به أنه سلك مسلك التأويل في صفة الوجه عند قوله :إلا وجه: إلا ملكه.
لكن يشكل هذا التفسير منه، فمعلوم أن العلماء اختلفوا في تفسيرها على قولين:
إلا ذاته، أو إلا ما أريد به وجهه، و لا تعارض بين القولين ، فكما تفنى كل الذوات إلا ذاته سبحانه، فكذلك تفنى كل الأعمال و تضمحل إلا ما ابتغي به وجهه و كان خالصا له جل في علاه.
قال الشيخ الغنيمان في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري- باب قول الله تعالى:" هل شيء هالك إلا وجهه:" و أما قوله: " إلا ملكه" فهذا تأويل بعيد، وهو مخالف لصنعه هنا، حيث ذكر الآية ثم أتبعها بحديث جابر، وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: " أعوذ بوجهك". فهذا ظاهر جداً في أنه أراد إثبات الوجه صفة لله -تعالى-. ومما يدل على بطلان ذلك: أن الأشياء كلها ملك لله -تعالى-، فهل يجوز أن يقال: كل شيء هالك إلا كل شيء؟ بخلاف قوله: إلا ما أريد به وجهه، فإن هذا مما تدل عليه الآية عن طريق المفهوم - مع بقائها نصاً - في إثبات الوجه لله -تعالى- والله أعلم.. اهــ.
فهل هذا التفسير من الإمام البخاري كان سبق قلم أو سهوا منه؟
و أرجو الفائدة.