تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: حكم التداوي بدم الخفاش لمنع إنبات الشَّعر

  1. #1

    افتراضي حكم التداوي بدم الخفاش لمنع إنبات الشَّعر

    حكم التداوي بدم الخفاش لمنع إنبات الشَّعر



    قبل أيام – وأثناء مطالعتي للقاموس المحيط للفيروز آبادي – رحم الله عظامه ( ت: 817هـ ) ، توقفتُ عند قوله عن الخفاش : ” الوَطْواطُ، سُمِّيَ لِصِغَرِ عَيْنَيْهِ، وضَعْفِ بَصَرِه. ودَمُهُ إنْ طُلِيَ به على عاناتِ المُراهِقِينَ، مَنَعَ الشَّعَرَ ” ! .
    استعمال دم الخفاش لمنع إنبات الشعر عادة من عادات بعض العرب والعجم قديماً ، وتُعرف بالوطوطة ، نسبةً إلى الوطواط نفسه . وأكثر من يستعملها أهل الأرياف لعلمهم بأحوال الحيوان وهوام الأرض .
    يتم ذبح الخفاش وعصر دمه في إناء ، ثم يُسخَّن قليلاً ويدهن به بدن المولودة قبل بلوغها أربعين يوماً ، ويُدلك الجسم كُّله لا سِّيما مواضع منابت الشَّعر في الأنثى .
    ولقد اتصلتُ بصديق لي في مِصر له معرفة بالأرياف هناك ، فأفادني بأن هذه العادة مستمرة إلى اليوم ، وثابتة بالتجربة كما قيَّدها الفيروزآبادي رحمه الله تعالى ، وليست خرافة كما يزعم البعض ! .

    والذي يظهر بعد الإستقراء أن التداوي بدم الخفاش منقول عن تجارب القدماء في التداوي ، كالفراعنة وأمثالهم من الأمم الكافرة ، كالإغريق واليونان والفرس ، ونحوهم من الأمم السالفة .
    ولا تُعرف هذه العادة في التداوي لا في الطب النبوي ولا في الطب العربي المقبول عند أهل الفطر السليمة ، فهي دخيلة ومريبة .
    والعادات المبنية على الظن الغالب لا يجوز العمل بها عند الأصوليين ، حتى وإن أصابت مرات . وقد قال الله تعالى : ” قل هل عندكم من علمٍ فَتُخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ” ( الأنعام : 148 ) . فهي عادة تُصيب بالخرص لا بالدوام .
    والدم مما يتحقق الضرر بإستعماله ، وبه من الجراثيم والآفات ما يُوجب على المسلم توقِّيه والحذر من ضرره ، فكيف بعاقلٍ يدهن به جسم طفلته وفلذة كبده ؟! .
    ومن الناحية الشرعية الدم المسفوح نجس – لغير مأكول اللحم – عند جماهير العلماء ، والنجس يحرم بيعه أو استخدامه أو مباشرته لغير ضرورة .
    ومعلوم أن هذا الحيوان الطائر نجس الدم واللحم ، لأنه يقتات على الحشرات الضارة والجرذان والقوارض السامة .
    ولحم الخفاش محرم عند كثيرٍ من العلماء ، وبعضهم كره أكله ولم يُبحه ولم يحرمه ، والأول أرجح.
    وليس ببعيد أن تكون هذه العادة الغريبة مما يتُقرَّب به للجن عند الأمم البائدة قديماً ، وقد تناقلها بعض العرب والعجم بعلمٍ أو بجهلٍ عن طريق كتب اليونان ، فأضحت من المسلَّمات اليقينيات عند بعض المؤرِّخين والمتطببِّين ، وهذا من تلبيس إبليس على الخاصة .
    وتأسِّيساً على ما تقدَّم فإن الأصل في التداوي بالمحرمات والنجاسات التحريم، لعموم الأدلة في ذلك، للحديث المرفوع: ” إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داءٍ دواءٌ، فتداووا ولا تداووا بحرام ” أخرجه أبو داود بإسنادٍ صحيح .
    وقول أبي هريرة رضي الله عنه ” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث” . أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد بإسناد صحيح. والقاعدة عند الأصوليين أن المحرم يُستفاد من ذم فاعله والنهي عنه . وهذا ينطبق تماما على التداوي بدم الخفاش بلا ارتياب، لأنه داخل في جنس المحرم وصفته ، ولأن الطباع السليمة تشمئزُّ منه وتعافه .
    لكن عند الضرورة – ولا ضرورة في موضوع المناقشة هنا – يجوز التداوي بالمحرمات والنجاسات، والدليل على ذلك: الأدلة العامة على إباحة المحرَّم للمضطر، كقول الله سبحانه ” وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم إلا ما أُضطررتم إليه ” (الأنعام:119)، ففي هذه الآية دليل على إباحة تناول المحرمات عند الضرورة .
    وقد قال العز بن عبد السلام ( ت : 660هـ ) رحمه الله تعالى ” جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة ” .

    أما تعويل بعض الناس على العمل بالعادات سواء عُرفت عن طريق التجربة أو التطبُّب أو نقل العارفين لأحوال البدن ، فلا يجوز العمل بها – حتى ولو كانت من توصية أهل الصناعة – إذا خالفت الشرع أو كانت سبباً لحصول محرَّم محتمل أو مجزوم بوقوعه .
    ومنع إنبات الشَّعر يُمكن تحصيله بغير دم الخفاش ونحوه من المحرمات والمشتبهات ، التي تُوقع المسلم في الإثم والحرج ، وربما تكون ذريعةً إلى القدح في الدِّيانة والمذهب .
    وإزالة الشعر غير المرغوب فيه من الجسم ، والذي لم يتعرض الشارع لحكمه ، مثل : شعر الصدر ، واليدين ، والساقين،وشعر العورة للأنثى إزالة كلية أبدية ، لا يبعد أن يكون من المشتبهات التي تركها والاحتياط فيها أبرأ للدِّين وأقرب للورع ، إذ لا يظهر بجلاء تحريمه ولا إباحته .
    وعِلة ذلك أنه داخل في تغييِّر خلق الله ، والأصل في تغييِّر خلق الله التحريم ، لأنه من تحسين الشياطين وزخرفتهم .

    يُضاف إلى ذلك أنه في حكم المسكوت عنه ، بقرينة ذكر الشارع للشُّعور التي يحرم حلقها أو التخفيف منها ، ولا جرم أن ذكر الممنوع يقتضي أن ما سواه إما مأمورٌ به ، وإما معفوٌ عنه . هذا من حيث العموم ، ويُستثنى من ذلك ما يُخالف زينة المرأة ويُلحق الضرر بها ظاهرًا وباطناً ، فيباح إذا كانت المرأة بالغة وذات زوج .
    أما تأصيل حكم الإزالة النهائية لشعر المرأة كالعورة ونحوها ،بحيث لا ينبتُ مرة أخرى – باستعمال الليزر وما يقاس عليه في القديم والحديث – ففيه محظوراتأربع :
    الأولى: أن ذلك يدخل في تغييِّر خلق الله، قال الله تعالى عن إبليس عياذاً بالله تعالى منه: ” وَلأُضِلَّنَّهُ مْ وَلأُمَنِّيَنَّ هُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنّ َ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللَّهِ” ( النساء :119).
    والمراد بتغييِّر خلق الله كما قال المفسرون: تغييِّره عن وجهه وصورته أو صفته. فيدخل في ذلك قتل أو إزالة الخلايا والمسامّ التي تُنتج وتظهر هذه الشُّعور .

    الثانية : أن ذلك لا يُؤمَن معه حدوث ضرر آني أو آتي ، إما بسبب قتل أو إزالة الخلايا التي تنتج الشُّعور، أو بتأثير الوسيلة المستخدمة في ذلك .الثالثة : أن ذلك مضادُّ للحكمة التي خلق الله هذه الشُّعور لأجلها، فما خلق الله هذه الشُّعور إلا لحكمة وإن خفيت على أكثر المسلمين.الرابعة : أن إزالة الشعر نهائيًا يُفوِّت على المكلَّف عبادة أُمر بها، وهي أخذ هذه الشُّعور كلما نبتتوطالت .
    وختاماً فإن الحِيل المحرمة التي تُفضي إلى المفسدة ووأد الورع لا حصر لها ، وهي من حِبال إبليس للإيقاع ببني آدم ، ورحم الله ابن القيم (ت: 751هـ ) حين وصف ذلك بقوله :” المحرمات قسمان : مفاسد مطلوبة الإعدام ، وذرائع مطلوبة الإعدام ” . والله الهادي .
    هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
    1436/2/4هـ



    http://ahmad-mosfer.com/1201
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,785

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,785

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •