( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
هذا الضب ذنبه أحرش الذي يمسه الناس " العكرة " وله مزايا إن شاء الله سوف نتحدث عنها ،وهذا عند من يحب أكل الضباب ، لكن من لا يأكلها فإنه لا يرغب فيه البتة بل يكرهونها ويكرهون آكلها ولا يرغبون في ذكرها ، لكن من يحب هذه الضباب يحب هذا الذنب . وكذلك الشحمة الصفراء التي تكون في بطنه ، وكذلك الأنثى من الضب التي في بطنها البيض ، ولذلك ذكر ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث قال بعضهم : " ضبَّة مكون " يعني التي في بطنها بيض ، ونحن نسميها بـ " المِكَن " والنطق الصحيح " مَكِن " مثل " كتف " يقولون " ضبة مكون " يعني من اجتمع بيضها في بطنها " ضبة مكون أحب إلي من دجاجة سمينة " وذكر ابن الجوزي في " كشف المشكل " أن بعضهم أنشد بعض الأبيات من الشعر فقال : فلو كان هذا الضبُّ لا ذنب له ولا كُشْيَة الكُشْيَة : الشحمة الصفراء التي في بطن الضب فلو كان هذا الضبُّ لا ذنب له ولا كُشْية ما مسَّه الدهرَ لامس ولكنه من ذُنَيْبِه وكشيته دبَّت إليه الدهارس من أجل هذا الذنب ومن أجل هذه الشحمة دبَّت إليه الدهارس ، والدهرس : هو الرجل الذكي الفطين النشط ممن يصيد الضباب ، فيحرص على صيدها . وقال آخر : ولو أنت لو ذقتَ الكُشَّ بالأكباد لما تركت الضبَّ يعدو بالواد مما يدل على أنهم كانوا يصيدون الضباب جريا وليس رميا ( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " عدم أكله صلى الله عليه وسلم للضب لا يدل على عيب الطعام ، وإنما هو من الطعام الذي لا يشهيه "
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن الضبَّ يحرم على المُحرم أن يصيده ، وكذلك من هو مُحل ، فيما لو قُدِّر أنه رأى ضبا في حرم مكة – لأن الضباب ليست موجودة في مكة – لكن ربما يأتي به أناس ويضعونه فيها ، فلا يصيده ، فلو صاد المُحْرِم الضب أو صاد المحل الضب في حرم مكة فإنه يلزم بأن يخرج " جديا " وهو ما بلغ من المعز ستة أشهر يتصدق به على فقراء الحرم ، فمن صاد الضب حال الإحرام أو المحل صاد في حرم مكة فإنه يلزم شرعا بهذه الفدية ، ما الدليل ؟ ما جاء عند الشافعي والبيهقي بإسناد صححه ابن حجر في التلخيص ، قال عمر رضي الله عنه : ( في الضب إذا صاده المحرم جدي )
وهذا يدل على أن الضب معروف لدى الصحابة رضي الله عنهم . أما بعد فيا عباد الله : لا يظن ظان أنه لما نذكر ما يتعلق بالضب أننا نحرص على صيده ولاسيما بهذه المبالغات التي تحصل من بعض الناس ، لأنه وللأسف رأيت في بعض الصور أن أناساً صادوا ضباباً حتى ملئوا السيارات وكانت الضباب بعضها فوق بعض ، وكثير من هؤلاء أحيانا يرمون الصيد ولا يستفيدون منه ، وبالتالي فإن هذا مما لا يليق بالمسلم أن يفعله ، ولذلك عند الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بإسناد حسن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة )
ولذلك جاءت أحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أن بعض العلماء يرى أنها حسنة باعتبار مجموعها ، منها ما جاء في مستدرك الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أحد يقتل عصفورا ) وهذا يشمل العصفور وغيره ، ولكن عُبِّر بالعصفور لأنه أقل ما يصاد : ( من ما أحد يقتل عصفورا فما فوقه بغير حقها إلا سأله الله ، قيل وما حقها ؟ قال أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها فيرمي به )
وعند أحمد : ( من قتل عصفورا بغير حق سأله الله يوم القيامة )
وعند أحمد : ( من قتل عصفورا عبثا عج هذا العصفور يوم القيامة فقال يا رب إن فلانا قتلني من غير منفعة ، فسله لم فعل ذلك ) ؟
وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنها تدل على أن المسلم لا يكون بهذه الصورة من حيث الإجهاز على هذه الضباب أو على غيرها مما يصاد . ( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
قال ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " : " إن هناك حديثا يتناقل ولكنه من أحاديث الخرافة وهو : ( أن الضب كان يهوديا عاقَّا فمسخه الله ضبا )
وكذلك ما ذكره القاري في عمدته ، قال : ( وتزعم الأعراب في خرافتها أن الضفدع كان له ذنب فأخذ الضب ذنبه )
أيضا هذا لا يصح . ( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن جحر الضب ملتوي إلتواءً شديدا ومتعرج تعرجاً واضحا بيناً ، ألا تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم من باب التحذير لهذه الأمة وليس من باب الإقرار لها قال كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن ؟! )
هذا تحذير منه صلى الله عليه وسلم ، لماذا عبَّر بجحر الضب ؟ لأن جحر الضب ملتوي وصعب أن يدخل فيه ، فكأن هؤلاء اليهود والنصارى لو أنهم ساروا في طريق متعرج شديد العرجة كعرجة جحر الضب لدخلته هذه الأمة ، مما يدل على أن الأمة يجب عليها أن تتنبه لما يدار لها وما يدار حولها . ( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
جاء عن الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه – وهو حديث ضعيف لكن أردت بذلك التنبيه وهو حديث : ( لو كان المؤمن في جحر ضب لقيض الله له من يؤذيه )
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن من يصيد الضباب ربما يصيدها بالرمي ، فتنقطع منه قطعة فلا يجوز أكلها ، وأي حيوان أو دابة يجوز أكله إذا ذكي بقطع الحلقوم والمريء إذا قطع منه شيء في حياته وهو حي مثلا شاة قطعت يدها وهي حية فهذا المقطوع ميتة لا يجوز أكله ، ربما يصيدون الضب فيُقطع جزء منه ويدخل في الجحر ، ممكن يجز نصفه من الرمي فيدخل في جحره ، فلا يجوز أكل هذا النصف المقطوع ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن أبي داود والترمذي : ( ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت )
ثم إذا قبضت عليه – والحديث للضباب ولغيرها – إذا قبضت عليه وهو حي بعدما رميته وهو حي يجب أن تذكيه ، فإن تركته من غير تذكية حتى مات فإنه يكون ميتة ولا يجوز أكله . ( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن من يصيد الضب بالرمي لا ينس التسمية ، لأنه إن ترك التسمية لم يجزئ أكل هذا المصيد ضبَّا أو غير ضب ، قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه : ( إذا رميت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل )
( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند أبي داود والنسائي والترمذي : ( من اتبع الصيد غَفَلَ ) ويضبط ( غَفُلَ )
يعني انتبه يا من تصيد لا تشغلك هواية الصيد عما يجب عليك من حقوق دينية أو دنيوية ، ثم عليك أثناء الصيد ألا تنس ذكر الله ، اذكر الله " سبحان الله ، الحمد الله ، أكبر الله ، أستغفر الله " حتى لا تكون من الغافلين . ( ومن الأحكام المتعلقة بالضب )
أن بعض الناس يظن لحديث يتوارد أن ما صيد شيء إلا لأنه ضيَّع التسبيح ، قال تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ }الإسراء44 ، هذا الحديث عند أبي نعيم في الحلية : ( ما صِيد صَيْد ولا قطعت شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح )
ولكنه حديث لا يصح . الخاتمة : .................