الحلقة العاشرة :
قال مسلم رحمه الله :
باب ما جاء في التوقي في حمل الحديث وأدائه والتحفظ من الزيادة فيه والنقصان :
4- حدثنا ابن نمير، ثنا أبو خالد الأحمر، عن أبي مالك، عن سعد بن عبيدة، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم، قال: "بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحد الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج" فقال رجل: الحج و صيام رمضان، فقال: "لا، صيام رمضان و الحج" هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5- حدثنا محمد بن رافع، ثنا عبدالرزاق، أنا معمر، عن عثمان بن بزدويه ( صوابه : يزدويه بالياء ) ، عن جعفر بن روذي، سمعت عبيد بن عمير و هو يقص - يقول، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين"، فقال ابن عمر: ويلكم لا تكذبوا على رسول الله. إنما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين".
6- حدثنا الحُلواني، ثنا محمد بن بشر، ثنا خالد بن سعيد قيل لمحمد: من ذكرت يا أبا عبدالله؟ قال: الثقة، الصدوق، المأمون خالد بن سعيد أخو إسحاق ابن سعيد - عن أبيه، قال: ما رأيت أحداً كان أشد اتقاء للحديث من ابن عمر.
7- حدثنا يحيى بن حبيب قال: ثنا بشر بن المفضل، ثنا ابن عون، عن مسلم أبي عبدالله، عن إبراهيم بن يزيد، عن أبيه، عن عمرو بن ميمون، قال: ما أخطأني خميس إلا آتي فيه عبدالله بن مسعود، و ما سمعته لشيء قط يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان عشية، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نكس فرفع بصره - أو قال: رأسه - و إني لأنظر إليه... فذكر الحديث.أهـ
قلت : يبين مسلم رحمه الله من خلال ما أوره تحت هذا الباب ، حرص السلف رحمهم الله على مدى توقيهم وحذرهم الشديد عند تحمل الأحاديث وأدائها وإتقان التحديث وعدم الزيادة والنقصان فيها والتحفظ في ذلك ، وأداء الحديث كما سمعوه بدقة متناهية منقطعة النظير .
ـ في الحديث الأول :
ـ ابن نمير ، هو : محمد بن عبد الله بن نمير ( ت 234 ) كوفي ، ثقة حافظ إمام له كلامم في الجرح والتعديل ، وكانا أحمد وابن معين يقدمانه في حفظه على الكوفيين .
ـ أبو خالد الأحمر هو: سليمان بن حيان الأزدى ، صدوق لكنه يخطيء ، كما قاله الحافظ ابن حجر .
ـ أبو مالك هو : سعد بن طارق الأشجعي الكوفي ، وهو ثقة .
والحديث أخرجه مسلم ( 16 ) بطوله ، والبخاري بدون شطره الأخير ( أي : دون قول الرجل ومراجعة ابن عمر له ) .
ـ أما الحديث ففيه دلالة على ما بوبه مسلم رحمه الله من التوقي والحذر عند التحديث وعدم الزيادة والنقصان ، بل عدم التقديم والتأخير في الحديث ، بل أداؤه على النحو الذي حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذلك من قول الرجل : الحج وصيام رمضان . فراجعه ابن عمر ، وقال : لا ، صيام رمضان والحج . ثم علل مراجعته للرجل فقال : هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي الحديث الثاني :
في إسناده شيخ مسلم محمد بن رافع ، وقد أكثر عنه مسلم في صحيحه .
وعبد الرزاق بن همام الصنعاني صاحب المصنف ، وهو معروف ثقة ، إلا أنه عمي فتغير ، فكان يخطيء إذا حدث من حفظه بعدما عمي ، فكان يلقن ويحدث بأحاديث ليست من كتبه ، وإذا حدث من كتبه فهو ثقة ، فمن سمع منه بعدما عمي فينظر في حديثه هل وافق الثقات أم لا ؟ فإن وافقهم فحديثه مقبول ، وإلا فلا .
ـ وعثمان بن يزدويه أبو عمر ، ذكره ابن حبان في الثقات 5 / 156 ، وهو مجهول . وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6 / 173 : عثمان بن يزدويه الصنعانى أبو عمر وروى عن انس وعمر ابن عبد العزيز ويعفر بن روذى ووهب بن منبه وسعيد بن جبير روى عنه امية بن شبل ومعمر بن راشد سمعت أبى يقول ذلك، قال أبو محمد روى عنه عبد العزيز بن ابى رواد
.ـ وكذا يعفر ، مجهول ، أورده ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعيديلا ، قال : يعفر بن روذى روى عن ابن عمر ، روى عنه عثمان بن يزدويه سمعت أبى يقول ذلك.
ـ الرابضة : العاجزة .انظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 2 / 460 .
ـ العائرة : المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع . انهاية 2 / 718 .
كلمة : ويلكم ، لا شيء فيها ، وحديث : ويل واد في جهنم . لا يصح .والله أعلم .
قال العلامة بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية :
ويلك : قال البخاري في صحيحه : باب ما جاء في قول الرجل : ويلك . وساق فيه تسعة أحاديث ورد فيها جريان هذه اللفظة على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأراد - رحمه الله تعالى - بهذا : التنكيت على ضعف الحديث الوارد في النهي عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها في قصة : (( لا تجزعي من الويح فإنه كلمة رحمة ، ولكن اجزعي من الويل )) . أخرجه الخرائطي في : مساوئ الأخلاق . بسند واهٍ ، وهو آخر حديث فيه . ا هـ ملخصاً من كلام الحافظ في الفتح .
وفي حياة الحيوان قال : ( هذه الكلمة - ويلك - أصلها لمن وقع في هلكة ، فقال له ذلك ؛ لأنه كان محتاجاً قد وقع في جهد وتعب . وقيل : هذه الكلمة تجري على اللسان ، وتستعمل من غير قصد إلى ما وضعت له أولاً ، وهي كقولهم : لا أم له . لا أب له . تربت يداك ، قاتله الله . عقرى . حلقى . وما أشبه ذلك ) انتهى .