22-11-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
هذا ما زعمه الكاتب "صالح حمّاية" في مقال له نشر على موقع علماني ما فتأ يهاجم الإسلام ويطعن في هذا الدين باسم "المسلمون أمة ضد العقل"، مستشهدا بكلام مجتزأ لشيخ إسلامي جليل شارحا مذهب السنة والجماعة حين يقول: "وإن وقع تعارض ظاهر –أي بين العقل والنقل- فإن الشرع مقدم على العقل لعصمة الشرع دون العقل" (مبادئ ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة - محمد يسري – م 1 ص 223).
إذا كان أهل الكلام –المعتزلة ومن وافقهم– قد حاولوا من قبل الدخول من باب افتراض تعارض النقل الصحيح مع العقل لتبرير تقديم الأخير على النصوص الشرعية، فإن الكثير من علمانيي هذا العصر وليبرالييه يحاولون اليوم ركوب هذه الموجة للطعن في الدين، واتهام الأمة الإسلامية بأنها أمة ضد العقل.
هذا ما زعمه الكاتب "صالح حمّاية" في مقال له نشر على موقع علماني ما فتأ يهاجم الإسلام ويطعن في هذا الدين باسم "المسلمون أمة ضد العقل"، مستشهدا بكلام مجتزأ لشيخ إسلامي جليل شارحا مذهب السنة والجماعة حين يقول: "وإن وقع تعارض ظاهر –أي بين العقل والنقل- فإن الشرع مقدم على العقل لعصمة الشرع دون العقل" (مبادئ ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة - محمد يسري – م 1 ص 223).
والحقيقة أن أسلوب اجتزاء كلام علماء أهل السنة والجماعة وبتره وفصله عن سياقه طريقة علمانية خبيثة متبعة لتمرير الطعن في هذا الدين، فنقل الكلام بكامله دون حذف أو قص أو اجتزاء لا يلبي هدف العلماني وغايته، بل يفضحه ويظهر حقيقة بضاعته الكاسدة التي لا يمكن أن تصمد أمام عقلانية كلام علماء السلف الصالح الحقيقية المتوافقة مع شرع الله تعالى.
ولو أعطى الكاتب لنفسه المزيد من الوقت لإتمام قراءة كلام علماء السلف في هذه القضية، لعلم أن العقل الصريح الواضح لا يمكن بحال من الأحوال أن يتعارض مع النقل الصحيح الثابت عند أهل السنة، بل إن العقل الصريح يشهد للنقل الصحيح ويؤيده، والسبب هو وحدة المصدر، فالذي خلق العقل هو الله، والذي أرسل إليه النقل هو الله، فكيف يمكن أن يقع التعارض؟!
ولو أمعن الكاتب العلماني في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله –إن كان يريد الحقيقة وليس مناكفة الدين فحسب- الذي بين فيه أهم الأسباب الكامنة وراء زعم البعض بإمكان وقوع تعارض العقل مع النقل، ومن أهمها: عدم التفرقة بين العقل القطعي الصريح الدلالة وبين ما يسميه البعض معقولات أو دلالات عقلية، ناهيك عن الجهل بالكتاب والسنة، لأيقن أنه لا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح.
لم يكتف الكاتب العلماني باتهام الأمة الإسلامية بأنها ضد العقل فحسب، بل اتهمها بالنفاق أيضا، حيث زعم أن الأمة التي تدعي أمام الآخرين أنها أمة العقل والعلم والمعرفة، لكنها في أحاديث شيوخها ووعاظها تحارب العقل -لتقديمها النقل على العقل- هي أمة منافقة على حد زعمه.
وبعد أن امتدح الكاتب المعتزلة لأنهم رفعوا من شأن العقل -بحسب زعمه– وقدموه على النقل، وهاجم كل من هاجمهم أو انتقدهم واصفا إياهم بأنهم دعاة الجهل والاستبداد والتخلف، وصم المدارس الإسلامية الملتزمة حاليا بأنها مدارس تعلم الجهل ولا تعلم العلم، زاعما أن هناك حربا من الأصولية –حسب وصفه- ومن المجتمع الإسلامي على العقل.
لقد حاول التيار العلماني على طول الخط استغلال الفكر الاعتزالي الذي يدعو إلى تقديم العقل على النقل عند التعارض للوصول إلى ثغرة يتسلل منها للطعن في هذا الدين، ولاتهام المسلمين المتبعين لنصوص الكتاب والسنة بأنهم جهلة، وأن الإسلام لا يمكن أن يصلح لهذا الزمان الذي وصل فيه العقل البشري إلى ما وصل من التقدم العلمي.
بينما الحقيقة التي غفل عنها كاتب المقال العلماني وغيره أنه لا يوجد بين العقل والشريعة تناقضا وتعاديا يدعوان الإنسان إلى مرافقة العقل ومفارقة الشريعة، وأن أساس الصراع الذي احتدم بين الاتجاهات الفكرية قديما قد حسم أمره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفذ "درء تعارض العقل مع النقل"، حيث أكد فيه أن العقل والشريعة متعاونان لا متخاصمان ولا متناقضان.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام: "كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ولكن كثيرا من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا، فمن عرف قول الرسول ومراده به كان عارفا بالأدلة الشرعية، وليس في المعقول ما يخالف المنقول....... وكذلك العقليات الصريحة إذا كانت مقدماتها وترتيبها صحيحا لم تكن إلا حقا لا تناقض شيئا مما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، والقرآن قد دل على الأدلة العقلية التى بها يعرف الصانع وتوحيده وصفاته وصدق رسله وبها يعرف إمكان المعاد" مجموع الفتاوى 12/80