23-10-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
وعلى هذا الأساس فالعقلانية فكرة إلحادية، لا كما يثرثر العقلانيون العرب- وغير العرب- أنهم لا يعارضون الدين ولا يحاربونه، وإنما– فقط- يخضعونه للحسابات المنطقية، والآراء العقلية؛ لينسجم المعتقد الديني مع إنسان العصر الحديث، ويتوافق مع توجهاته.


يمثل موقع الأوان الإلكتروني أحد أكبرالمواقع الناطقة باسم العقلانيين العرب، ففي التعريف بالموقع بالنافذة التعريفية فيه يذكر القائمون على الموقع أنه موقع فكريّ ثقافيّ، انطلق منذ غرّة مارس 2007م، بمبادرة وتمويل من رجل الأعمال والمثقّف اللّيبيّ محمّد عبد المطّلب الهوني، وهو منبر "رابطة العقلانيّين العرب" التي تمّ الإعلان عن تأسيسها في باريس يوم 24 نوفمبر 2007م.
ويدعو موقع الأوان بحسب ما جاء في أهدافه إلى:
1. خلق هامش للتّفكير الحرّ المستقلّ والمعرفة النّقديّة.
2. ربط الصلة بين الطاقات الفكرية والأدبية والفنية في العالم العربي بتوفير فضاء التقاء وتبادل وحوار.
3. العمل على نشر وتطوير المعرفة حول مبادئ حقوق الإنسان، وحول القيم السّياسيّة والأخلاقيّة الحديثة، لا سيّما العلمانيّة التي تتأكّد الحاجة إلى إرسائها في العالم العربيّ.
4. الانتقال من المنهج الدّفاعيّ السّلبيّ عن الحرّيّة إلى منهج إيجابيّ، يهتمّ بتجارب الحرّيّة في مجالات مختلفة.
فموقع الأوان موقع علماني صِرف، وهو ليس كبقية المواقع التي تُذيل صفحات مواقعها ونهايات مقالاتها المنشورة بعبارة: "الآراء الواردة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن وجهة نــظر الموقع، وإنما تعبر عن وجهة نظر كاتبها أو قائلها"، بل يبدو من طبيعة الموقع تبنيه لكل ما ينشر فيه، ودعوته لنشر هذه الآراء وتعميمها، ولهذه يُذيل الموقع صفحاته بهذه العبارة: "يسمح بإعادة النشر الإلكتروني شريطة ذكر المصدر، وللأوان الحقّ في إعادة النشر الورقي لغايات غير ربحيّة، ولأصحاب المقالات الحق في إعادة النشر الورقيّ مع ذكر الأوان".
بعد هذه المقدمة الطويلة نوعا ما-والضرورية- ندخل في موضوعنا الرئيسي وهو ما يشير إليه عنوان هذه المشاركة، وهو الحديث عن تبني العقلانيين العرب لكل فكرة من شأنها الإسهام في هدم وتفكيك الديانات التوحيدية، وعلى رأسها الإسلام؛ لأنه الدين الفطري الوحيد الذي لم تستطع أيادي التحريف أو التزييف التلاعب به حتى الآن- ولن تستطيع بإذن الله-.
والعقلانية مذهب فكري قديم جديد بنفسالوقت؛ برز في الفلسفة اليونانية على يد سقراط وأرسطو، وبرز في الفلسفة الحديثة والمعاصرة على أيدي فلاسفة أثَّروا كثيراً في الفكر البشري أمثال: ديكارت وليبنتز وسبينوزا وغيرهم.
والعقلانية ليست مذهب واحد، فهي مذاهب متعددة، ولكل مذهب آرائه الخاصة به، لكن جميع مذاهب العقلانية تلتقي في النهاية على أساس واحد صلب، وهو الإيمان المطلق بالعقل، والاعتماد عليه بشكل رئيسي في معرفة طبيعة الكون والوجود، وتقديمه على كل مقدس، بل يعارضون فكرة المقدس ويسعون إلى طمسها.
وعلى هذا الأساس فالعقلانية فكرة إلحادية، لا كما يثرثر العقلانيون العرب- وغير العرب- أنهم لا يعارضون الدين ولا يحاربونه، وإنما– فقط- يخضعونه للحسابات المنطقية، والآراء العقلية؛ لينسجم المعتقد الديني مع إنسان العصر الحديث، ويتوافق مع توجهاته.
فالناظر في مشاركات العقلانيين العربية الفكرية، وإلى آرائهم المستوردة يتضح له بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن توجههم توجه هدمي لا غاية من ورائه إلا القضاء على كافة أشكال الاتصال الروحي بين الإنسان وخالقة، وهو ما يعني القضاء على الدين أو أي ملمح توحيدي في أي ديانة كانت.
ولعل الحوار الأخير المنشور على موقع الأوان "العقلاني" مع الفيلسوف الفرنسي مشيال أونفراي، تحت عنوان "علينا تفكيك أساطير الديانات التوحيدية" يلخص لنا ما يهدف إليه الموقع، ورابطة العقلانيين العرب، والعقلانيون العرب بصفة عامة، وإن ادعوا غير ذلك.
ففي الحوار الأخير المنشور تحت نافذة حوارات- والمنقول بنصه من موقع مشيال أونفراي- كم من الانحرافات لا أقول الدينية فحسب، بل والعقلانية أيضاً، والتي تدعونا إلى التساؤل، لماذا يقوم موقع يدعي العقلانية، ويدعو إلى نشرها بين أوساط العرب بنقل هذا المنتج المهترئ وتبني آرائه، إلا إن كانت هذه الآراء تنسجم مع ما يهدف إليه القائمون على الموقع؟
ففي مطلع الحوار يقول مترجمه: "لا يكتفيميشال أونفراي في مؤلفه (بحث في علم الإلحاد)- بِيعَت منه أزيد من 200000 نسخة- بفضح الأصولية وشتى تمظهراتها فحسب، بل يوضح كيف تدعونا النصوص المقدسة الثلاثة إلى التقاتل وإراقة الدماء وإشعال فتيل الحرب؛ لأن الديانات التوحيدية مسكونة بغريزة الموت حتى النخاع".
فأي مقدمة إلحادية أقوى من هذه المقدمة؟!! فذاك المترجم منذ البداية يتبني سياسية الهدم لكل فكرة توحيدية، وهو ليس كغيره من العقلانيين الذين يتهمون الأشخاص؛ تهرباً من اتهامهم بالطعن المباشر في الدين، بل يتهم النص الإلهي مباشرة.
وفي الحوار المنشور والذي يتبني فيه صاحبه وناقله للأفكار الإلحادية، يرى ميشال أونفراي أن الحاجة ماسة إلى علم الإلحاد كمنهج يَصْلُح لتفكيك الأساطير الثلاثة العائدة لأديان التوحيد، وذلك لأنه وجد نفسه فجأة بين عدد لا يُستهان به من الأشخاص، يؤمنون بالأساطير والخرافات وسلسلة من حكايات الأطفال من قبيل: الحياة ما بعد الموت والعقاب الإلهي والجنة والنار، فضلاً عن ترسانة من الأوامر الغير منطقية!!
وبرغم تمحور كلام أونفراي على اليهودية والمسيحية، إلا أن مترجم المقال- والقائم على الموقع- أراد بذلك إسقاطاً، ليدرج الإسلام تحت ذات الفكرة، لأن جُلّ المخاطبين والمعنيين بهذه المشاركات هم العرب المسلمون لا غيرهم.
وفي ختام حواره يسعى أنفراي إلى تجميل صورة الملحد، فيحذر من مَغبَّة الاعتقاد بأن الملحد لا يمكنه أن يكون فاضلاً أو أنه لن يعرف أن يحيا دونما روحانية، ويدعي أن هناك روحانية مادية- وهي التي يطمحُ إليها!!
والخلاصة من كل ما ذكرنا أن العقلانية والعلمانية بل والليبرالية، وغالب الفلسفات المادية- القديمة والحديثة- لا هدف منها إلا نفي كل فكرة من شأنها أن تقودنا إلى احترام المقدس؛ ولهذا فهدفهم الأساس الانقضاض على الفكرة التوحيدية، ولهذا أيضا فالهجوم على النص المقدس والدعوة إلى انسنته، والتعامل معه بهذا الاعتبار صار هو المنحى الأكثر استخداماً من قبل كل التيارات العقلانية في العصر الحديث.