قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى : كتاب التصوف ( 11 / 665-669 ) :
...فهؤلاء المبتدعون المخالفون للكتاب والسنة أحوالهم ليست من كرامات الصالحين ، فإن كرامات الصالحين إنما تكون لأولياء الله المتقين ; الذين قال الله فيهم : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ، { الذين آمنوا وكانوا يتقون } وهم الذين يتقربون إلى الله بالفرائض التي فرضها عليهم ثم بالنوافل التي ندبهم إليها .
كما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يقول الله : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ; فبي يسمع ، وبي يبصر وبي يبطش ، وبي يمشي ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه ).
ولهذا قال أهل العلم والدين - كأبي يزيد البسطامي وغيره - : لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي .
وقال الشافعي : لو رأيتم صاحب بدعة يطير في الهواء فلا تغتروا به .
فأولياء الله المتقون هم المتبعون لكتاب الله وسنة رسوله كما قال تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم }.وطريقهم طريق أنبياء الله المرسلين ، وأولياء الله المتقين ، وحزب الله المفلحين .
وأما أهل الشرك والبدع والفجور فأحوالهم من جنس أحوال " مسيلمة الكذاب " و " الأسود العنسي " الذين ادعيا النبوة في آخر أيام النبي صلى الله عليه وسلم وكان لكل منهما شياطين تخبره وتعينه .
وكان " العنسي " قد استولى على أرض اليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قتله الله على أيدي عباده المؤمنين ،وكان قد طلب من أبي مسلم الخولاني أن يتابعه فامتنع فألقاه في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، كما جرى لإبراهيم الخليل صلوات الله عليه وذلك مع صلاته وذكره ودعائه لله مع سكينة ووقار .
وهؤلاء أصحاب الأحوال الشيطانية ، لا تصير النار عليهم بردا وسلاما .
بل قد يطفونها كما يطفيها الناس وذلك في حال اختلاط عقولهم وهيج شياطينهم وارتفاع أصواتهم هذا إن كان لأحدهم حال شيطاني .
وإلا فكثير منهم لا يحصل له ذلك ; بل يدخل في نوع من المكر والمحال فيتخذ حجر الطلق أو دهن الضفادع وأنواعا من الأدوية.
كما يصنعون من جنس ما تصنعه المشعذون . إخفاء اللاذن والسكر في يد أحدهم فإنهم نوعان : خاصتهم أهل حال شيطاني وعامتهم أهل محال بهتاني .
وهؤلاء لا يعطى أحدهم من الزكاة حتى يتوب ويلتزم ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة ويكون مع ذلك من مستحقي الزكاة المذكورين في قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل }.
فأما من كان غنيا ليس من هذه الأصناف ، فلا يعطى من الزكاة لا سيما إذا كان مع غناه من شيوخ الضلال مثل شيوخ المضلين الأغنياء ، الذين ليسوا من الأصناف الثمانية ; فإن هؤلاء لا يجوز أن يعطوا من الزكاة بإجماع المسلمين .
وهؤلاء إذا قالوا للإنسان : تعطينا وإلا فإني أنالك في نفسك ، فإنه قد تعينهم شياطين على إضرار بعض الناس بقضاء الله وقدره ، لكن هذا يكون لمن هو خارج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، مثل أهل الفجور والبدع الذين لا يصلون الصلوات الخمس ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله فهؤلاء قد تسلط عليهم بعض هؤلاء بذنوبهم وخطاياهم .
وأما الذين يفعلون ما أمر الله به ورسوله من الصلوات الخمس وغيرها ويخلصون دينهم لله ، فلا يدعون إلا الله ، ولا يعبدون غيره ولا ينذرون إلا لله ، ويحرمون ما حرم الله ورسوله ; فهؤلاء جند الله الغالبون ، وحزب الله المفلحون ، فإنه يؤيدهم وينصرهم .
وهؤلاء يهزمون شياطين أولئك الضالين فلا يستطيعون مع شهود هؤلاء واستغاثتهم بالله أن يفعلوا شيئا من تلك الأحوال الشيطانية بل تهرب منهم تلك الشياطين .
وهؤلاء معترفون بذلك .
يقولون : أحوالنا ما تنفذ قدام أهل الكتاب والسنة ، وإنما تنفذ قدام من لا يكون كذلك من الأعراب والترك والعامة وغيرهم
فهؤلاء من أهل الضلال والغي الذين يجب نهيهم ، واستتابتهم، ومنعهم من طاعة الشيطان والشرك والبدع والفجور وأمرهم بما أمر الله به ورسوله واتباع الكتاب والسنة .
ولا يجوز للمؤمن أن يخافهم فإن الله تعالى يقول في كتابه :{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل . فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم . إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } وقال تعالى : { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون . كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون . فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون }.