الأمم الإسلامية في روسيا
أحوالها السياسة والاجتماعية
وحقائق نفيسة تاريخية وجغرافية
في سنة 1924 وضعَت حكومة موسكو نظامًا جغرافيًّا جديدًا لاتِّحاد جمهوريات السوفيت، فجعَلت من الجمهورية الروسية وحدة سياسية مُستقلة تشمَل سيبيريا وتِسع مناطِق مستقلَّة أُخرى، وأنشأت حكومات محلية مُستقلَّة في كل من اليوكرين، وروسيا البيضاء، والقرم، وقازان، وبشكيريا، والقوقاز الشمالية، بما فيها داغستان، وقازاكستان، وأزبكستان، وناشكستان، وقره كالبكستان، وبلاد التركمان وبلاد القرغنير، ومنغوليا الشمالية، واتِّحاد جمهوريات القوقاز السوفيتي المُكوَّن من أرمينيا والكرج وأذربيجان.ويبلغ المُسلمون في روسية السوفيتية (19,218,000) نِسمة طبقًا لآخِر إحصاء، وسوادهم من العنصر التركي، ومواطِنهم - على الأغلب - في الجنوب الشرقي، والمُسلمون قلائل في روسيا الكُبرى وسيبريا والبوكرين، وروسيا البيضاء، ويوجد نحو خمسة عشر ألف مسلم في ريازان من أعمال ولاية كسيموف الواقعة على نهر أوكا[1]ويوجَد في سيبريا ثمانون ألف مسلم في ولايات بربارا ونورالي وأنشك، وهم البقية الباقية من دولة الخانات المسلمة في سيبيريا، وليس للمسلمين أثر في قاصية الشرق، ويوجد في ولاية ماري مائة ألف مُسلم، وهم ثلث السكان، ويوجد في إقليم فوتياك خمسون ألف مسلم، وفي إقليم تشوفاخ أربعون ألفًا، وذلك طبقًا لإحصاء سنة 1920.القرم:منذ أكتوبر سنة 1921 أُنشئت في القرم حكومة محلية، وتبلغ مساحتها 577 و25 كيلو مترًا مربعًا، وسكانها طبقًا لإحصاء سنة 1925 نحو 877 و577 نسَمة منهم 187 ألف مسلم أغلبهم من الفلاحين الذين يَعيشون خارج المدن، وقد غلبَت اليهودية على القرم منذ القرن السابع إلى القرن العاشِر الميلادي، ولم يَصلْها الإسلام إلا في القرن الرابع عشر؛ ذلك أن القبائل التركية والتتارية نفَذت إليها منذ الفتح المغولي في منتصف القرن الثالث عشر، ولم يمضِ قرنٌ آخَر حتى كان الإسلام قد انتشر فيها، وقد صارت جمهورية انتُخب لرئاستها رئيس مسلم، هو الرفيق سيد عليف (ابن علي).وسواد المسلمين في شمال القرم تتار أو مغول، تغلب عليهم حياة البداوة، وأما في الجنوب، فإنهم يرجعون إلى أصل يهودي أو يوناني أو جنوي أو إلى القبائل الغجريَّة، ولغتهم الرسمية الروسية أو التركية المَمزوجة بالعُثمانية، وقد قاموا بحركة محمودة لإحياء الآداب الإسلامية، ولهم صحُف قوية في طليعتها (ترجمان)، التي كان يُحرِّرها الزعيم الإسلامي إسماعيل بك جسير نكسي، وكان لها أثر عظيم في قيادة الرأي الإسلامي العام.قازان:يَبلُغ سكان ولاية قازان زهاء ثلاثة ملايين، منهم مليون وثلاثة أرباع مليون من المسلمين طبقًا لإحصاء سنة 1925، وهم سُنيُّون يعتنقون مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان.وقد ظهر الإسلام لأول مرة في أواخر القرن التاسع؛ حيث اعتنقه الأمير حيدر صاحب بلغاري، ووجدت نُقود ترجع إلى عهد خلفائه مثل الأمير طالب سنة 950م، والأمير محمد مؤمن (سنة 976م)، وفي سنة 1237 افتتح المغول بلغاري الكُبرى المُكوَّنة من إقليم الغولي، وأعطى الأباطرة التتار ولاية قازان في سنة 1266 إلى الإمبراطور كاتيمور، وهو سليل قياصرة قازان الذين كانوا يَحكمون كسيموف والقرم.وفي سنة 1437 أسَّس أولوغ محمد مملكة قازان، فلبثت قائمة حتى افتَتحها القيصر إيفان الرابع في سنة 1552، وحاول القيصر أن يَفرِض النصرانية على كبار المُلاك والزعماء، ولكنه لم يُفلح في ذلك؛ لشدة تمسُّك أهلها بالإسلام، وفي سنة 1777 اعترفت الإمبراطورة كاترين الثانية رسميًّا بتفوق العنصر الإسلامي في قازان، وأنشأت معهد (أوفا) الذي يتخرَّج فيه علماء المسلمين.ومنذ سنة 1864 قام النسكي وتلاميذه بحركة قوية لتَنصير التتار في قازان؛ وذلك بواسطة المدارس، فردَّ المسلمون على ذلك بحركة مدرسية قوية أيضًا؛ حتى إن خمسين ألفًا من التتار المتنصِّرين عادوا إلى الإسلام ثانية، وذلك يدلُّ على أنهم كانوا قد تنصَّروا رغم أنفِهم، وبمثل هذه الحركات الناجِحة يستطيع المسلمون أن يَحولوا دون وصول مُبشِّري النصرانية إلى غايتهم التي يَرمون إليها بتأسيس المدارس التبشيرية في مصر والشام وبلاد الغرب وغيرها من البلاد التي يَغزوها المبشرون كل يوم؛ يسقون أولاد المسلمين ماء المعمودية حتى يَصطبِغوا في هذه المَعامل صبغةً يكونون فيها حربًا على أهليهم وأوطانهم ودينهم، وذلك ما ترمي إليه دول الاستعمار التي تُمدُّ جيوش هؤلاء المُبشِّرين بالمال والسلطان.وسواد المسلمين في قازان من التتار والأُسَر المغولية التي هاجَرت إليها منذ القرن الرابع عشر، ولغتهم هي التركية التتارية الممزوجة بالعثمانية، ولكن علماءهم جميعًا يتكلمون العربية، والمستوى العلمي هناك ناهِض جدًّا، وقد بلغت مدارسهم ومكاتبهم في سنة 1900 أكثر من 650 مدرسة ومكتبًا، والترك في قازان قوة فعالة في الصحافة العثمانية، وصحفهم ومجلاتهم قوية راقية، وأشهرها (ترتارستان) و(وبستن بيراق) و(وبسمن يول) وغيرها وتَصدُر الأربع رسميًّا باللغة الروسية والتتارية.بشكيريا:يَبلُغ سكان إقليم بشكيريا مليونين وربع مليون، منهم ثلاثة أرباع مليون مسلمون، وهم من أصل فيني وتتاري وبشكيري، ولغتهم هي التركية القازانية.وفي أواخِر القرن السادس عشر للميلاد أُسِّست مدينة (أوفا)، وغدت في سنة 1777م مركزًا للمعهد الذي أنشئ لتخريج العلماء والمسلمين، وفيها توفِّي العالم المسلم الكبير (ليماجان بارودي) في سنة 1920، وهو يعتبر أعظم فقيه مسلم في روسيا، وبلَغ عدد المساجد في إقليم (أوفا) سنة 1897 ميلادية نحو 1555 مسجدًا، والمدارس 6220، وبلغ عدد العلماء 4656، وفي سنة 1923 عُقِد المؤتمر الإسلامي في (أوفا) وشهد 280 مندوبًا وضَعوا دستورًا للمسلمين أقرَّتْه حكومة موسكو.القوقاز وداغستان:مساحتهما 918 و58 كيلو مترًا مُربَّعًا، ويَبلُغ سكان إقليم داغستان وحده 996 و833 نسَمة، بينما يبلغ سكان القوقاز 090 و133و6 نسمة، أما عدد المسلمين في الإقليمين فهو زهاء مليون ونصف مليون، وداغستان جمهورية ذات استقلال ذاتي، ومركز الحكومة مدينة (بونيه) التي كانت في الماضي تعرف برسم (تمرخان شورا)، ومن أشهر مُدنها دربند، وماخشتاك.وقد بدأ الإسلام يَنتشِر في القوقاز من الجنوب الشرقي؛ أي: مِن جانب دربند وداغستان، حوالي عام 1000 من الميلاد؛ حيث أسلمَت قبائل الدرواس على يد الفقيه الشافعي (أبي سلمة)، الذي يوجد قبره إلى اليوم في خونزاق، ثم أسلمت قبائل القومق في القرن الرابع عشر، وزالت آثار اليهودية والنصرانية تدريجًا، ولم تعتنق قبائل ليفيل الإسلام إلا في القرن التاسع عشر، وكان أمراء القوقاز يُحارِبون منذ القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر ملوك فارس وروسيا وتركيا، وظهرت منذ سنة 1830 هنالك حركات تجدُّد إسلامي، استحالت غير بعيد إلى ثوراتٍ قوميَّة ضدَّ روسيا.وتولَّى خانات القرم والباشوات الترك في أنايس منذ القرن الثامن عشر حَمل الشراكسة على اعتناق الإسلام، ولكن الدعوة لم تسفر عن كبير نجاح، وما زال الشراكسة يَعبُدون الطبيعة وقواتها كالمطر والرعد وغيرهما، وحاربَت جيوش الدولة العثمانية قبائلهم ونُظمَهم في القرن التاسع عشر، ولكن ما زالت قائمة على الإقطاع والطوائف، ويقول الشراكسة: إنهم مسلمون سنيُّون أحناف، وانتشر الإسلام في الشمال الشرقي على يد خانات أستراخان.وأصلُ المسلمين هنالك أتراك وتتار، ويرجع بعضهم إلى قبائل القست والأنجوش ثم الشراكسة، وكل جماعة تتكلم لغتها الخاصة، ما عدا البلكار والترك والتتار؛ فإنهم يتكلمون التركية.والمسلمون القوقازيون سُنيُّون على مذهب أبي حنيفة، ما عدا التتار في جنوب (دربند) فهم شيعيُّون، والأرواس في داغستان شوافع، وكان معهد العلماء في (أوربنورج) هو الذي يتولى اختيار أئمتهم وقضاتهم منذ سنة 1800 إلى 1917.مجلة الإصلاح، العدد السادس عشر، محرم 1348هـ، ص47