فائدة صحبة الزهاد:
قال ابن الجوزي:
لقيت مشايخ، أحوالهم مختلفة، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، وكان أنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعلمه، وإن كان غيره أعلم منه.
ولقيت جماعةً من علماء الحديث يحفظون ويعرفون، ولكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح وتعديل، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة، ويسرعون بالجواب، لئلا ينكسر الجاه، وإن وقع خطأ.
ولقيت عبدالوهاب الأنماطيَّ، فكان على قانون السف، لم تسمع في مجلسه غيبةٌ، ولا كان يطلب أجرًا على سماع الحديث، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق، بكى، واتصل بكاؤه، فكان -وأنا صغير السن حينئذ- يعمل بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد، وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل.
ولقيت الشيخ أبا منصور الجَوَالِيْقِيّ َ، فكان كثير الصمت، شديد التحري فيما يقول، متقنًا، محققًا، وربما سئل المسألة الظاهرة، التي يبادر بجوابها بعض غلمانه، فيتوقف فيها حتى يتيقن، وكان كثير الصوم والصمت، فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما ففهمت من هذه الحالة
أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول./ انتهى
قال صاحب الموضوع: مشايخ ابن الجوزي كثر و لم ينتفع إلا باثنين , اما في وقتنا فينذر وجود من تنتفع بصحبته , فيبقى النظر في أحوال الزهاد للإنتفاع بهم
قال ابن الجوزي:
أعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم! لا نرى فيهم ذا همة عالية؛ فيقتدي به المبتدئ، ولا صاحب ورع، فيستفيد منه الزاهد.
فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تاصنيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم، كما قال:
فاتني أن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمعي