بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .
وبعد :
فهذه عصارة تجربتي في منهجية وكيفية القراءة الفاعلة لكتب السنة المشرفة ، وقد استقيتها من مشايخ عدة حتى سبكوا لي بجملة نصائحهم ما أخاله أثمر في وفيما أكتب ، فجزاهم الله خيراً ..
فأقول : ينبغي لمن يريد الشروع في مطالعة الأمهات السنية أن يراعي عشر مسائل :
أولاً : وقبل كل شيء : أن يحتسب نيته عند الله ، وذلك بأن يطالع الكتاب تعبداً وتقرباً إلى الله بتفهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، لا ليضيف إلى قائمة مقروئاته عنوانا ، ولا للتباهي والتعالم ، فضلاً عن غير ذلك .
ثانياً : أن ينتقي مما نصح العلماء المجرِّبون بمطالعته مما يعي أنه ينفعه في دينه وتخصصه ، فلا يطالع ويقرأ وفق هواه كتاباً حسبه فيه أنه اشتهاه ! فمن تتبع نصائح العلماء فيما ينفع أو يضر من الكتب والمصنفات إختصر على نفسه طريقاً طويلاً في بحرٍ لجي !!
ثالثاً : أن يتحرى نسخةً معتمدةً مقبولةً عند أهل الصنعة الحديثية ، سيما في زمن كثيرت فيه طبعات تجار المحققين ومتطفليهم وجهالهم ، وله أن يسأل في الباب عن أفضل الطبعات التي قوبلت على عدد من النسخ أو التي راجعها من يوثق بنقده من أهل البصيرة العلمية ، ولا يغترن بمدح كل مادح لكتابه ، فلطالما سقينا سماً على هيئة عسل علمي ! ولطالما عكرت هوامش معاصرة أصولها السلفية !! يعرف هذا من يعرفه ..
رابعاً : أن يستعين بعد الله تعالى بشرح مفصول عن نسخته التي يطالع فيها ، على أن يكون الشرح معتبراً عن أهل العلم كاشفاً لغوامض المتن المشروح مبيناً لمذهب سابكه ، وهذا في حال كان القارئ يصول أوائل صولاته على كتب السنن ولا رصيد معه يكفيه من خلفية لغوية وفقهية في الدين .. فيرجع للشرح أيان أشكل عليه المراد من الكتاب ..
خامساً : أن يشترط على نفسه من يومه مقداراً معيناً يخصه للمطالعة وإدمان النظر في الكتاب ، ثم يجعل ذلك المقدار مقياساً معتبراً لنشاطه وكسله في المطالعة ، ليبصر حقيقة همته التي تزعمها نفسه ، فإن أتم مطالعته وفق ما حدد من مقدار يومه له فقد إنضبط ، وإن زاد على سابق من حدد فقد قال بعضهم : بها ونعمت ، وقال آخرون -وهو المختار بحكم التجربة- أن يرد نفسه لحكم ما التزم ، إلا أن يجدد شرطه على نفسه ، وإن قلل أو أصابه داء الملل فليستعذ بالله وليراجع قدرته على مطالعة أمثال هذه الكتب وليستعن بعد الله تعالى ببعض الصحبة الطيبة إن أمكن .
سادساً : أن يستعين بسجلٍ (دفتر) ، يفهرس فيه أوراقه وفق ما يستفيده من مطالعة الكتاب ، فيجعل بعض الصفحات لما يغرب عليه من المسائل الجديدة عليه ، وبعضها للكليات الكبار ، وبعضها لما يشكل عليه فيسأل عنه ويستفسر ، حتى إذا ما ابتغى مراجعة الكتاب الأصل أجزأه مراجعة ملزمته .
سابعاً : أن لا ينتقل من كتاب إلى آخر قبل أن يتم السابق ، فإنه إن فعل كانت نفسه أجرأ عليه أن يكرر ذلك مرة ثانية وثالثة .. وهكذا يعدم الوصول .
ثامناً : أن يراعي بيئة المطالعة، فلا يقرأ وقت انصراف ذهنه إلى شغل آخر ، ولئن كان قد احتسب التعبد بمطالعته فليراعي كونه في عبادة التعلم لا في هرج قراء الجرائد !
تاسعاً : أن يحاول مع نفسه أن يشرح الكتاب ويتفهمه ويتخذ له صوراً فقهية ، ثم يستكشف الأمر ليحكم على ذهنه أفتق أم لا ؟
عاشراً : فليدون عند ختمه لكل قسم من كتب وأبواب وفصول الكتاب الأصل زبدة مذهب الكاتب إن وجدت .
هذا واعلم أن هذه الكيفية تسمى عند أصحابها بقراءة (المطالعة) وثم أنواع أخر لها كيفيات غير هذه كقراءة (التجريد) وهي أهمها عندي وقراءة (المراجعة) و (التحقيق) وغير ذلك .وبعد :
فهذا جهد مقل أسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم
قاله بلسانه وخطه ببنانه
أبو النور العثماني الحنبلي