مباحث الأدلة
تعريف الدلالة:
[المتن]:
[الباب الثاني في الأدلة(1): أصل الدلالة: الإرشاد(2)، واصطلاحا قيل: ما يُتوصل به إلى معرفة ما لا يُعلم في مستقر العادة اضطرارا عِلما أو ظنا(3)].
[الشرح]:
(1) (الباب الثاني في الأدلة):
انتقل إلى الباب الثاني، وهو باب الأدلة؛ لأنه لما عرف أصول الفقه قال: وذلك في ثلاثة أبواب:
الباب الأول: في الأحكام. وبينها لك.
(الباب الثاني في الأدلة): ومناسبة ذكر الأدلة هنا أنه عرّف لك أصول الفقه بأنه أدلة الفقه الإجمالية.
أصول دلائل الإجمال وطرق الترجيح قيد تالي
أدلة الفقه الأصول مجملة وقيل معرفة ما يدل له
إذًا أصول الفقه ما هو؟
أدلة الفقه التي يستنبط منها المجتهدُ الأحكامَ الشرعية، حينئذ يرد السؤال ما هي الأدلة الشرعية؟ وما هي أنواعها؟ ما هو المتفق عليه منها؟ وما هو المختلف؟
حينئذ لا بد من السؤال ولا بد من الجواب، لذلك عقد المصنف هذا الباب الثاني في الأدلة؛ أي الأدلة الشرعية.
(2) (أصل الدلالة: الإرشاد):
يقال: دَلالة، ودِلالة، ودُلالة؛ يعني مثلثة الدال، والأفصح: الفتح، ثم الكسر، ثم الضم، بل قال الشيخ الأمين -رحمه الله تعالى-: "وأردؤها الضم" كما في (المقدمة المنطقية)؛ يعني أدناها وإن ثبت لغة، لكن لو قيل دُلالة بالضم لا بأس، له وجه في اللغة.
(أصل الدَّلالة): أو الدِّلالة.
(الإرشاد): لأن الدليل في اللغة مشتق من الدلالة، والدليل يحصل به الإرشاد، فحينئذ نقول: الدلالة في اللغة -في أصل وضعها اللغوي- المراد بها: الإرشاد.
وبعضهم يقول: الدلالة في الاصطلاح: "فهم أمر من أمر".
وبعضهم يجعل هذا الضابط -أيضا- معناها اللغوي، لكن المشهور أنه معناها الاصطلاحي.
"فهم": الفهم إدراك المعنى.
"أمر من أمر"، أمر سواء كان لفظا أو ليس بلفظ، فيشمل اللفظ، ويشمل الإشارة، والكتابة، والنُّصُب، والعُقد، ولسان الحال؛ لأنه يُفهَم منها، تُدرَك المعاني من الألفاظ وتُدرَك من غير الألفاظ، إذًا فهم الشيء أو إدراكه لا يختص بالألفاظ، بل الإشارات، والكتابة، والعقد، والنصب، هذه كلها تكون محلا للفهم.
"فهم أمر من أمر": أي إدراك معنى، الفهم مطلقا.
إدراك معنى الكلام كما ذكرناه في حد الفقه، قلنا: الفقه في اللغة: الفهم، والمراد بالفهم إدراك معنى الكلام.
لماذا قيّدنا الفهم هناك بإدراك معنى الكلام، وقلنا هنا: الدلالة فهم أمر؛ إدراك معنى مطلقا سواء كان لفظا أو لا؟
هناك قيدناه، وذكرنا تعريف أبي هلال العسكري؛ أن الفهم هو العلم بمعاني الكلام عند سماعه مطلقا؛ لأن الفقه هناك المراد به فهم الأدلة، وهي لفظية، فناسب أن يُقيّد الفهم هناك؛ لئلا يرد تعارض بين ذكر الفهم هنا بـأنه مطلق؛ سواء كان من الألفاظ أو غيرها.
كيف نقول في حد الفقه في أول الكتاب: هو لغة: الفهم، والمراد بالفهم إدراك معنى الكلام، ثم نأتي هنا ونقول: فهم أمر من أمر؛ الفهم هنا لا يختص بالكلام؟
فليس بينهما تعارض، هنا الدلالة مطلقة، سواء كانت مأخوذة من النصوص، أو من غيرها، فحينئذ يُعمَم، وهناك الدلالة أو الفهم مُقيَد بالنصوص، والنصوص لفظية.
"فهم أمر من أمر": هذا الحد يُفهَم منه أن الدلالة تكون دلالة إذا حصل الفهم بالفعل، وإذا لم يحصل الفهم منه بالفعل لا يُسمى دلالة.
يتضح بالحد الثاني، أو نقول في حدها: "كون أمر بحيث يُفهَم منه أمر آخر فُهِم منه بالفعل أو لم يفهم".
"كون أمر": يعني وجود شيء.
"أمر": نكرة مطلق، سواء كان لفظا، أو كتابة، أو إشارة، أو أي شيء يمكن أن يكون دليلا يُوضع.
"بحيث يُفهَم منه أمر آخر فُهِم بالفعل أو لم يُفهَم": يعني هل يُشترط في الحكم على الدَّلالة أو على الدليل أنه لا يسمى دلالة ولا دليلا إلا إذا حصل الفهم؟ وإذا لم يحصل الفهم انتفى الوصف بالدلالة أو الدليل؟ أيها أولى؟
نقول: الأولى؛ أن يُعمَم الحكم، فيكون الدليل دليلا سواء فهمت منه المقصود أو لم تفهم، قد تقرأ آية أو حديثا لم تفهم حرفا واحدا، نقول: هذا دليل أو ليس بدليل؟
دليل، لكن لم يحصل الفهم، والدلالة: "فهم أمر من أمر"!
نقول: هو يُفهِم بالقوة لمن كان أهلا للنظر فنظر، فيحصل الفهم، ولكن لقصور الناظر لما نظر لم يفهم، لا لذات الدليل، وإنما لقصور الناظر، فنقول: يُسمى دليلا ولم لو يحصل الفهم بالفعل، وهذا أولى.
والفرق بين التعريفين: أن يُقال: قولهم: "فهم أمر من أمر" أنه لا يسمى دلالة أو دليلا إلا إذا حصل الفهم بالفعل، وُجد الفهم، قرأت فهمت، حينئذ هذا هو الدليل، وما عداه ليس بدليل.
نقول: لا، فلذلك الحد الأجمع أن نقول: "كون أمر بحيث يُفهَم منه أمر فُهم منه بالفعل أو لم يُفهَم"، الشيخ الأمين -رحمه الله تعالى- يذكر مثالين لما يحصل به الدليل ولو لم يحصل به الفهم، يقول: الصحابة -رضي الله عنهم- اختلفوا في الكلالة.
ما هي الكلالة؟
الورثة الذين لا أب ولا ولد، لا فرع ولا أصل، هذه اختلف فيها الصحابة ما المراد بها؟
مع أن النص يدل، {يَسْتَفْتُونَك قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}[النساء176]؛ يعني ليس له ولد، ثم ورَّث الأخت قال: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}، كيف دلّ هذا النص على عدم الأب؟
لأن الأخت لا ترث مع وجود الأب، فتوريث الأخت يستلزم عدم وجود الأب.
إذًا بدلالة الالتزام دلّ النص على عدم وجود الأب الذي هو الأصل، وبدلالة المنطوق: {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}، دلّ على عدم وجود الفرع، حينئذ الدليل دليل ولو لم يحصل الفهم لبعض الصحابة.
فعدم الفهم لما دلّ عليه النص لا يخرجه عن كونه دليلا، ولذلك نقول: "بحيث يُفهَم منه فُهم بالفعل؛ بالإيجاد، أو لم يُفهَم"؛ لأنه يُفهِم بالقوة وإن لم يُفهِم بالفعل.
كذلك قصة يعقوب -عليه السلام- لما رأى الدم على قميص يوسف -عليه السلام- واستخلى قال: «سبحان الله متى كان الذئب حليما كيسا يقتل يوسف ولا يشق قميصه!» هكذا قيل، إذًا عدم شق القميص يعتبر دليلا في حق يعقوب -عليه السلام-، وإن لم يَفهم منه أولاد يعقوب ما فهمه يعقوب -عليه السلام-، فهو دليل، سواء فُهم منه بالفعل كما فهم يعقوب، أو لم يُفهَم منه بالفعل كما لم يفهم منه أولاد يعقوب، فهو دليل، حينئذ نقول: الدلالة أعم.
(أصل الدلالة: الإرشاد): وتطلق الدلالة على الدليل مجازا، الدليل: فعيل، مشتق من الدلالة، والدلالة تطلق على الدليل، لكن من جهة المجاز لا من جهة الحقيقة؛ لأن الدلالة مصدر، وإطلاق المصدر على اسم الفاعل هذا مجاز، ولذلك يُقال: "زيد عدل"، لا بد من التأويل؛ يعني "زيد ذو عدل"، أو "زيد عادل"، لا بد من التأويل، هنا الدلالة تطلق على الدليل، لكن تطلق مجازًا لا حقيقة.
(3) (واصطلاحا قيل: ما يُتوصل به إلى معرفة ما لا يُعلم في مستقر العادة اضطرارا عِلما أو ظنا):
(واصطلاحا): أراد أن يُعرف الدلالة اصطلاحا، والاصطلاح هو الذي ذكرناه سابقا، الدلالة في الاصطلاح: "فهم أمر من أمر"، لكن هنا أراد أن يفسر لنا الدلالة بمعنى الدليل.
إذًا أُطلقت الدلالة مرادا بها الدليل مجازا، ولم يرد الدلالة في الاصطلاح الذي ذكرناه سابقا، وهو "فهم أمر من أمر"، أو "كون أمر بحيث يُفهَم منه أمر فُهِم منه بالفعل أو لم يُفهَم"، هذا في الاصطلاح للدلالة نفسها، في الحقيقة الاصطلاحية أو العرفية، وهنا الدلالة باعتبار كونها أُطلقت على الدليل؛ يعني بالنظر إلى كونها دليلا.
(ما يتوصل به إلى معرفة ما لا يُعلم في مستقر العادة اضطرارا عِلما أو ظنا): المصنف يأتي بحدود بعيدة جدا، ويترك المشهور عند الأصوليين، والمشهور عندهم أن يقال: الدليل: "ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري"، هذا أوضح مما ذكره المصنف هنا.
"ما": أي شيء.
"يمكن التوصل": عبّر بالإمكان ولم يعبر بالفعل؛ لأن الدليل دليل ولو لم يحصل الفهم منه بالفعل، متى ما أمكن الفهم يسمى دليلا، سواء فهمت منه بالفعل أو لم تفهم.
"بصحيح النظر": يعني بالنظر الصحيح، والنظر هو: "الفكر المؤدي إلى علم أو ظن"، والفكر هو: "حركة النفس في المعقولات"، وحركتها في المحسوسات تسمى تخييلا لا فكرا.
إذًا نقول: النظر حدّه: "الفكر المؤدي"؛ المؤدي بمعنى الموصل.
"إلى علم أو ظن": إذًا منتهى النظر قد يكون علما، وقد يكون ظنا، فلا يشترط في النظر أن يكون قطعيا، بل قد يكون قطعيا مؤداه ومقصوده، وقد يكون ظنيا.
"ما يمكن التوصل بصحيح النظر": من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي النظر الصحيح، احترازا عن النظر الفاسد؛ لأن الناظر -مثلا- في الأدلة الموصلة إلى الفقه؛ إما أن ينظر بواسطة القواعد والأصول التي وضعها أهل العلم، وإما أن ينظر بهوى، وهذا كثير عند أهل الأهواء، ينظر في الكتاب والسنة بهواه، فحينئذ ماذا تكون النتيجة؟ نظر صحيح أو نظر فاسد؟
نظر فاسد ولا شك.
متى يكون النظر صحيحا؟
إذا سار على الطريق المرسومة التي وضعها الأصوليون –مثلا- في مثل هذا الفن، ولذلك أصول الفقه يعتبر أساسا ومنهجا لمن أراد استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
"إلى مطلوب خبري": خبري؛ بمعنى النسبة الإسنادية التي تكون بين المبتدأ والخبر، أو الفعل والفاعل؛ لأن الإدراك المتعلق بالجملة الاسمية يسمى تصديقا، وكذلك الإدراك المتعلق بالجملة الفعلية يسمى تصديقا.
إذًا "إلى مطلوب خبري": نسبة إلى الخبر، وهو الإسناد التام، احترز به عن مطلوبٍ تصوري، وهو إدراك المفرد.
ولذلك الدليل عند الأصوليين لا يكون إلا مركبا؛ لأن الإدراك إما أن يكون متعلقا بمفرد (كلمة واحدة؛ اسم، أو فعل، أو حرف)، وإما أن يكون متعلقا بجملة تامة، إن كان متعلقا بجملة تامة؛ أدرك المعنى المراد والمقصود من الجملة الاسمية على وجه التمام، وأدرك المعنى والفائدة المترتبة أو المفهومة من الجملة الفعلية على وجه التمام؛ نقول: هذا تصديق، ما عدا ذلك فهو تصور.
متى يكون النظر دليلا؟
إذا كان موصلا إلى مطلوب خبري؛ بمعنى تصديق.
فالدليل عند الأصوليين لا يكون إلا مركبا، هذا هو الدليل عندهم.
فحينئذ قوله: "إلى مطلوب خبري": يعني إلى تصديق.
نقول: هذا التصديق قسمان:
قد يكون علما، وقد يكون ظنا.
فحينئذ تخصيص الدليل بما أفاد القطع دون الظن تخصيص بلا مُخصص.
فقولهم: "إلى مطلوب خبري" يشمل النوعين، فكل ما أوصل إلى مطلوب خبري سواء كان هذا المطلوب قطعيا -أي يفيد العلم-، أو ظنيا -يفيد الظن- يسمى دليلا.
خلافا لما عليه أكثر المتكلمين -كما سيأتي- من تخصيص الدليل لما أفاد القطع والعلم، وما أفاد الظن هذا لا يسمى دليلا عندهم، بل يُسمى أمارة وعلامة.
والتفريق هذا باطل فاسد؛ بدليل شمول الدليل للنوعين.
(واصطلاحا قيل: ما يتوصل):
هو ما به للخبر الوصول
|
|
بنظر صح هو الدليل
|
والنظر الموصل من فكر إلى
|
|
ظن بحكم أو لعلم مُسجلا
|
إدراك من غير قضا تصور
|
|
ومعْه تصديق وذا مشتهر
|
(واصطلاحا قيل: ما يتوصل به إلى معرفة ما لا يُعلم في مستقر العادة اضطرارًا عِلما أو ظنا): لو أردنا خلاصة الحد نقول: "ما يُتوَصل به إلى معرفة علم أو ظن".
(ما لا يُعلَم في مستقر العادة اضطرارا): مراده أن متعلَق الدليل لا يكون من العلوم الضرورية، وإنما لا بد وأن يكون نظريا.
أما إن كان ضروريا فحينئذ في أي شيء ينظر؟!
نقول: "الفكر المؤدي إلى علم أو ظن"، هذا هو النظر.
"السماء فوقنا"، هل يحتاج إلى فكر وتأمل واستشارة واستخارة؟! ما يحتاج، "الأرض تحتنا"، لا تحتاج، "النار مُحرقة"، "الكل أكبر من الجزء".
إذًا كل ضروري لا يحتاج إلى بحث، لا يوجد فقيه يأتي بالكتب الستة، ثم يبحث ويقول: صلاة الفجر واجبة أو لا؟ لا يمكن، إنما يبحث ما يحتمل البحث، وهو ما لم يكن ضروريا، فإن كان ضروريا لا يحتاج إلى بحث.
لذلك قال: (ما لا يُعلم في مستقر العادة اضطرارا): اضطرارا هذا مفعول به لـ (يعلم).
(في مستقر العادة): يعني ما استقر عادة عند أصحاب كل فن، فالمستقر عادة عند النحاة أحكام تخصهم، والمستقر عادة عند الأصوليين أحكام تخصهم، وكذلك الفقهاء، إلخ.
(ما): أي شيء.
(يتوصل به): يعني يُوصَل به ويؤدي إلى نتيجة.
ما هي هذه النتيجة؟
(إلى معرفة علم أو ظن): النتيجة التي تكون لازمة للمقدمتين، إما أن تفيد علما، وهذا فيما إذا كانت المقدمتان قطعيتين، أفادتا العلم واليقين.
مثّلوا لذلك بالتغير، التغير قالوا: يدل على حدوث العالم، كيف؟
قالوا: "العالم متغير"، "وكل مُتغير حادث"، "فالعالم حادث"، قالوا: هذه نتيجة قطعية، "العالم متغير"، "وكل مُتغير حادث"، هذا هو الدليل.
تتأمل العالم، ما المراد بالعالم؟ تتصور، ثم "العالم متغير"، ثم ما المراد بالتغير هنا؟ ثم ما إثبات هذه المقدمة الصغرى؟ هل هي قطعية أو ظنية؟ هذا يحتاج إلى تأمل وبحث، ثم المقدمة الكبرى، "وكل متغير حادث" يحتاج إلى بحث ونظر وتصور، الموضوع والمحمول، ثم تثبت أن الأولى قطعية، والثانية قطعية -وهذا الكلام فيه نظر- تكون النتيجة لازمة للمقدمتين، فإن كانت المقدمتان قطعيتين لزم أن تكون النتيجة قطعية، فإن لازم المقدمات بحسب المقدمات، هكذا يقول المناطقة، فإن كانتا قطعيتين أفاد -الدليل- القطع، هذا نوع، فإن كانتا ظنيتين أفاد الظن، ولا إشكال، إن كانت إحداهما ظنية والأخرى قطعية أفاد الظن؛ لأن ما تركب من القطعي والظني ظن.
حينئذ نقول: الدليل ما يُتوَصل به إلى معرفة علم، متى هذا؟
إذا كانت كل من المقدمتين قطعيتين.
(أو ظن): فيما إذا كانت المقدمتان ظنيتين، أو إحداهما ظنية والأخرى قطعية، يذكرون مثالا للظن، الاستدلال بالغيم على نزول المطر قطعي أو ظني؟ إذا جاء غيم وعم الأرض نقول: المطر سينزل إن شاء الله. قطعي أو ظني؟
ظني؛ لأن هذا غيب، العادة أن وجود الغيم يترتب عليه نزول المطر، هذه النتيجة ظنية ليست بقطعية؛ لأنه قد يتخلف نزول المطر مع وجود الغيم.
(ما يتوصل به إلى معرفة ما لا يُعلَم في مستقر العادة اضطرارا عِلما أو ظنا): أي ما يُتوصَل به إلى معرفة علم أو ظن لما لا يُعلَم ضرورة، أما ما عُلِم ضرورة فليس متعلقا بالنظر الصحيح.
إذًا عرفنا المراد بالدليل في اصطلاح الأصوليين: "ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري"، هذا أصح مما ذكره المصنف وأولى.
وما ذكره هو للدلالة بمعنى الدليل، ولذلك يقول: دليل فعيل بمعنى فاعل؛ لأنه يحصل به الإرشاد؛ لأنه المرشد حقيقة وما يحصل به الإرشاد مجازا؛ يعني يطلق الدليل على المرشد حقيقة؛ الذي وضع العلامة لترشد الناس، وعلى العلامة نفسها، لكنه من قبيل المجاز.
إذًا يطلق في اللغة: الدليل على المرشد سواء باشر بنفسه أو لا، فَعَل الإرشاد أو لا، وعلى ما حصل به الإرشاد، وهو العلامة، لكن الثاني مجاز.
فالمرشد هو: الناصب للعلامة، أو الذاكر لها، الناصب للعلامة؛ يعني في الحس، أو الذاكر لها إذا كانت باللسان ونحو ذلك.
والذي يحصل به الإرشاد هو العلامة التي نصبت للتعريف.
الإمام أحمد -رحمه الله- له كلمة مشهورة في رتب المذهب، يقول: "الدال: الله تعالى، والدليل: القرآن، والمُبين: الرسول، والمستدل: أولو العلم، هذه قواعد الإسلام".