ماذا يجب على المسلم غير المتخصص
عندما يقع الفقهاء في الاختلاف
هل هذا الشئ مباح جائز أم حرام محظور
السلام عليكم : الموضوع متعلق بموقف المسلم وقت وقوع اختلاف بين الفقهاء - القدامى أو المعاصرين - في إسقاط الحكم الشرعي على شئ ما ، فيقول بعضهم أنه مباح وحلال ، ويقول بعضهم الآخر أنه حرام ، وقد يكون جمهور الفقهاء في جانب الإباحة في مسألة والمحرمين هم القلة ، وفي مسألة أخرى يكون جمهور الفقهاء في جانب التحريم والمبيحين هم القلة ، المشكلة التي تواجهني أنني أجد بعض الفقهاء يقول أن في هذه الحالة نستخدم القاعدة الشرعية التي تقول " مَن ابتُليَ بشئ مما وقع فيه الخلاف فله تقليد من أجاز " ، وبعض الفقهاء الآخرين يقول أن في هذه الحالة يكون الأمر من المشتبهات والقاعدة الشرعية تقول "من ترك المشتبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام"، ويترتب على ذلك أن الفريق الأول يرى أن وقوع الخلاف بين الفقهاء في تحريم شئ أو إباحته يُحمَل - لمن أراد ذلك من العوام - على الإباحة لقاعدة " فمن ابتلي بشئ مما وقع فيه الخلاف فله تقليد من أجاز " ، في حين أن الفريق الثاني يرى أن وقوع الخلاف بين الفقهاء في تحريم شئ أو إباحته يُحمَل على أنه من الشبهات والقاعدة تقول " من وقع في الشبهات وقع في الحرام " ، ماذا يفعل المسلم العامي ؟؟ كل فريق يقول أنه يستند إلى قاعدة شرعية ، وكلتا القاعدتين ظاهرهما التعارض ، فهل إحدى القاعدتين غير شرعية وبالتالي يكون الصواب فقط مع أحد الفريقين دون الآخر أم أن كلتا القاعدتان شرعيتان لكن كل منهما لها مجال لتطبيقها وفقاً لقاعدة " لكل مقام مقال " ؟؟؟ مع العلم أن الدليل الشرعي لقاعدة " من ابتلي بشئ من المختلف فيه فله تقليد من أجاز " لها أدلتها الشرعية ومن ضمنها أن الرسول عليه السلام أقر الصحابة عندما افترقوا لفريقين : الأول يقول أن الرسول قال " لا نصلي العصر إلا عند بني قريظة " وبالتالي لا يجوز أن نصلي العصر - عندما يأتي ميعاده - إلا بعد الوصول لبني قريظة ، وقال الفريق الآخر : أن الرسول لم يقل ذلك إلا ليحثنا على الإسراع ، لكن طالما دخل وقت العصر فلابد من صلاتها لأن أفضل الأعمال الصلاة على وقتها ، فالفريق الأول يرى عدم جواز الصلاة إلا عند بين قريظة وإلا نكون وقعنا في مخالفة صريح كلام الرسول ، والفريق الثاني يرى عدم جواز تأخير الصلاة وإلا نكون وقعنا في مخالفة صريح كلام الرسول أيضاً كما أن المفهوم من كلامه الحث على الإسراع فقط وليس النهي عن الصلاة قبل الوصول لبني قريظة ، والنبي عليه السلام أقرهما معاً دون أن يُوَضِّح ما كان يقصده بالفعل ، وبالتالي لا يكون النهي عن المنكر في أمر وقع فيه الخلاف وبالتالي يجوز للعوام تقليد من أباح وأجاز ، في حين أن القاعدة الثانية " ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام " فدليلها الشرعي هو الحديث الوارد به هذه العبارة ، ومن ناحية أخرى حديث " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، فهل إحدى القاعدتين غير شرعية أم كلا القاعدتان شرعيتان لكن يختلف مجال تطبيق كل واحدة ؟؟؟ ولو كان الأمر هو الأخير - القاعدتان شرعيتان لكن لكل مقام مقال - فكيف نعرف وقت تطبيق هذه ووقت تطبيق تلك ؟؟؟؟ أرجو التفصيل قدر المستطاع لكثرة وقوع المسلم العاميّ في مثل هذا الأمر كما أن القاعدتان المذكورتان - وكل منهما يُطلَق عليه قاعدة شرعية - ظاهرهما التعارض مما يجعل المسلم لا ينتفع بهما معاً لأنه يكون بذلك إما يحرم نفسه من رخصة أباحها الله له - وهو أن يقلد من أجاز وقت وقوع الخلاف بين الفقهاء - وإما أن يكون قد وقع في الحرام بتقليده من أجاز لأن من وقع في الشبهات وقع في الحرام !!!!! والسلام عليكم
المجيب: موقع دار الإفتاء الأردنية :
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأخذ بالأيسر أو الأخذ بالأحوط مسألة أصولية وقع فيها اختلاف بين العلماء، إلا أن الفقهاء يتفقون على أنه يحرم على العامي أن يأخذ بالإيسر لمجرد الهوى، أو للتحايل للتخلص من التكاليف الشرعية، وكذلك يتفق الفقهاء على حرمة الأخذ بالأحوط إن كان فيه تهلكة للنفس.
أما إذا كان الدافع والمقصود من الأخذ بالأيسر من أقوال الفقهاء هو رفع حرج أو دفع مشقة أو تحقيق مصلحة معتبرة، فقد تباينت فيه آراء الفقهاء، فمنهم من منع ذلك مطلقا، ومنهم من أجاز ذلك مطلقا، ومنهم من قيد ذلك بقيود وضوابط. أهمها:
أولا: أن يكون الأيسر ـ الرخصة ـ من أقوال الفقهاء المعتبرة، لا الشاذة.
ثانيا: أن يكون في الأخذ بالأيسر ـ الرخصة ـ دفع لمشقة معتبرة.
ثالثا: أن يكون الآخذ بالأيسر قادرا على التقدير والاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك.
رابعا: ألا يؤدي الأخذ بالأيسر إلى الوقوع في التلفيق المحرم.
خامسا: أن لا يكون الوقوع في الأيسر ذريعة أو حيلة للوصول إلى أمر غير مشروع أو إلى إسقاط واجب، أو تضييع حق للغير.
سادسا: أن تطمئن نفس الآخذ إلى ما ترخص به من أحكام.
وهذا ما نميل إليه، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في القرار رقم: (70، 1/8). والله أعلم.
يُتبَع في المشاركات التالية