قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين يذم أنصار التقليد ويبطل حججهم:
[ خالف المقلدون أمر الله ورسوله وأئمتهم ]
الوجه العشرون : أن فرقة التقليد قد ارتكبت مخالفة أمر الله وأمر رسوله وهدي أصحابه وأحوال أئمتهم ، وسلكوا ضد طريق أهل العلم ، أما أمر الله فإنه أمر برد ما تنازع فيه المسلمون إليه وإلى رسوله ، والمقلدون قالوا : إنما نرده إلى من قلدناه ; وأما أمر رسوله فإنه صلى الله عليه وسلم أمر عند الاختلاف بالأخذ بسنته وسنة خلفائه الراشدين المهديين ، وأمر أن يتمسك بها ، ويعض عليها بالنواجذ ، وقال المقلدون : بل عند الاختلاف نتمسك بقول من قلدناه ، ونقدمه على كل ما عداه ، وأما هدي الصحابة فمن المعلوم بالضرورة أنه لم يكن فيهم شخص واحد يقلد رجلا واحدا في جميع أقواله ، ويخالف من عداه من الصحابة بحيث لا يرد من أقواله شيئا ، ولا يقبل من أقوالهم شيئا ، وهذا من أعظم البدع وأقبح الحوادث ; وأما مخالفتهم لأئمتهم فإن الأئمة نهوا عن تقليدهم وحذروا منه كما تقدم ذكر بعض ذلك عنهم .
وأما سلوكهم ضد طريق أهل العلم فإن طريقهم طلب أقوال العلماء وضبطها والنظر فيها وعرضها على القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال خلفائه الراشدين ، فما وافق ذلك منهم قبلوه ، ودانوا الله به ، وقضوا به ، وأفتوا به ، وما خالف ذلك منها لم يلتفتوا إليه ، وردوه ، وما لم يتبين لهم كان عندهم من مسائل الاجتهاد التي غايتها أن تكون سائغة الاتباع لا واجبة الاتباع ، من غير أن يلزموا بها أحدا ، ولا يقولوا : إنها الحق دون ما خالفها ، هذه طريقة أهل العلم سلفا وخلفا ، وأما هؤلاء الخلف فعكسوا الطريق ، وقلبوا أوضاع الدين ، فزيفوا كتاب الله وسنة رسوله وأقوال خلفائه وأصحابه ، فعرضوها على أقوال من قلدوه ، فما وافقها منها قالوا لنا وانقادوا له مذعنين ، وما خالف أقوال متبوعهم منها قالوا : احتج الخصم بكذا وكذا ، ولم يقبلوه ، ولم يدينوا به .
واحتال فضلاؤهم في ردها بكل ممكن ، وتطلبوا لها وجوه الحيل التي تردها ، حتى إذا كانت موافقة لمذاهبهم وكانت تلك الوجوه بعينها قائمة فيها شنعوا على منازعهم ، وأنكروا عليه ردها بتلك الوجوه بعينها ، وقالوا : لا ترد النصوص بمثل هذا ، ومن له همة تسمو إلى الله ومرضاته ونصر الحق الذي بعث الله به رسوله أين كان ومع من كان لا يرضى لنفسه بمثل هذا المسلك الوخيم والخلق الذميم . اهــــــــ
يتبع إن شاء الله