قراءة فتوى الشيخ رحمه الله بارك الله فيكم
الحمد لله رب العالمين
أصل هذه المسألة أن يعلم الإنسان أن مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وغيره ما دل عليه الكتاب والسنة وما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهو أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه. وقد دخل في ذلك جميع الأعيان
القائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها من أفعال العباد وغير أفعال العباد، وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فلا يكون في الوجود شيء إلا بمشيئته وقدرته، ولا يمتنع عليه شيء شاءه. بل هو قادر على كل شيء، ولا يشاء شيئا إلا وهو قادر عليه، وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
وقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها. وقد قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم. قدَّر أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم، وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة.
فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء وقدرته على كل شيء ومشيئته لكل ما كان وعلمه بالأشياء قبل أن تكون وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون.
وغلاة القدرية ينكرون علمه القديم المتقدم وكتابته السابقة، ويزعمون أنه أمَر ونهَى وهو لا يعلم من يطيعه ممن يعصيه، بل الأمر أنف، أي مستأنف. وهذا القول أول ما حدث في الإسلام بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين وبعد إمارة معاوية في أواخر عصر عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهما من الصحابة. وكان أول من ظهر ذلك عنه بالبصرة معبد الجهني. فلما بلغ الصحابة قول هؤلاء تبرءوا منهم وأنكروا مقالتهم كما قال عبد الله بن عمر: (إذا لقيت أولئك فاخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني)*، وكذلك كلام ابن عباس وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين فيهم كثير، حتى قال فيهم الأئمة كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم إن المنكرين لعلم الله المتقدم يكفرون.
ثم لما كثر خوض الناس في القدر صار جمهورهم يقر بالعلم المتقدم والكتاب السابق لكن ينكرون عموم مشيئة الله وعموم خلقه وقدرته، ويظنون أنه لا معنى لمشيئته إلا أمره، فما شاء فقد أمر به وما لم يشأ لم يأمر به. فيلزمهم أن يقولوا قد يشاء الله تعالى ما لا يكون ويكون ما لا يشاء. وأنكروا أن يكون الله تعالى خالق [ذلك]
* في الهامش: (والذي يحلف به عبد الله بن عمر بن الخطاب، لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر)، ليحي بن يعمر حين سأله وحميد بن عبد الرحمن الحميري وقالا له: إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرأون العلم، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، فقال ..
قلت (نضال): الحديث في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي بهذا السياق عن عبد الله بن بريدة عن يحيى فذكره.
يبدو أن المخطوط غير كامل