نظرات في كتاب جغرافية الباز الأشهب
قراء ثانية في سيرة الشيخ عبد القادر الكيلاني وتحقيق محل ولادته وفق منهج البحث العلمي : دراسة تاريخية" للدكتور جمال الدين فالح الكيلاني .
أ.نصرالدين أجـــــــــــــ ديـــــــــــــ ـر
جامعة تلمسان-الجزائـــــــــ ــر

الحمد لله الذي منح أهل الصفاء قربا، وجعل بينهم وبينه مودّة وحبا، والصلاة والسلام منبع النور الذي منه يستسقي العارفون الكمّل، وتشرئب أعناق الهائمين العذّل، وعلى آله وصحبه ومن عرج معارج التحقيق واعتلى سنام التدقيق بغية الانصاف حال تطاير شرر الخلاف.... وبعــد:
فإن رواية أخبار الصالحين وتتبع آثارهم أمر مطلوب ومطلب مرغوب والحديث فيه ذو شجون وفيه الصفاء والأجون ولا يستنكر فيه بذل الأوقات والسنون، ولا الأمارات والظنون...إلا أن الارتقاء للتمحيص والتحقيق أشوف في الاعتبار، وأرقى في مقامات الابتكار ... والحق أن أهل التوسم في التحصيل على مراتب ودون التصرف صرف الرواتب والسعيد من خص بمزية ففهمناها واستغرقته المناقب... وإن ممن كان لهم الصعود في مدارج التمحيص دون بقية الأقران، ومن تجلى عليهم النجم السعود دون غيره من الإخوان الأخ الفاضل العالم العامل الجامع من الحسن أشتاتا، الكاشف عن أسرار العلم والجامع لدقائق الرسم: الدكتور جمال الدين فالح الكيلاني نفع الله به في موضوع نال به قصب السبق في قطع قول كل خطيب في تحقيق جملة من المسائل متعلقها الغوث االرباني والقطب الصمداني سيدنا عبد القادر الجيلاني ...
وما إن فتحنا كتابه الموسوم: " جغرافية الباز الاشهب قراء ثانية في سيرة الشيخ عبد القادر الكيلاني وتحقيق محل ولادته وفق منهج البحث العلمي : دراسة تاريخية" حتى بدا في حلة أغرت أقلام الإبداع، وكشف عن حسن ساق في اتساق وفتح الأبواب بــ : " هيت لك "
فوجدناه بحثا جامعا لنبذ متناثرة في مصادر شتى، وكاشفا عن مخبآت مفارق علماء الأمصار في مسألة التحقيق العلمي لمحل ولادة الشيخ عبد القادر الجيلي وفي ذلك نبذ للخلاف واجتثاته من جذوره بأدلة قطعية يذعن لها القاصي والداني ويخبت عندها العاني ...
وتكمن قيمة الدراسة في أنها :
- حررت بيت القصيد عند أئمة التاريخ وسلكت طرقا مميزة في التدليل والاستدلال من حيث المبدأ العام
- جمع بين التفريع والتأصيل على وجه مميز يفضي بصاحبه إلى الامتثال قطعا إذ يورد الآراء ويعرض المثالب والمآخذ ويثبت صحية ما ذهب اليه.
- هذب العزو والإحالات وكشف عن أصول أهل الرواية كشفا موفقا .
- ومن حيث التفصيل حقق المعنى الجامع المانع المراد من ربط المعلومات التاريخية وتمحيصها وتدقيقها في الوصول الى المبتغى .
- وصل بين مناهج السلف والخلف على وجه متواتر لفظا معنى وزين ذلك بأسلوب علمي لائق رائق ولغة توافق منهج اهل التاريخ.
- أفرد قسما للنماذج العملية في قراءة ما أورده الاقدمون في الحديث عن الشيخ عبد القادر الجيلاني واستثمار ما تماشى والحقيقة العلمية....
وجـه الجــــــــــــ دة في المدوّن:
ان من أنعم النظر في هذا المدون النفيس تتجلى له ملامح التجديد في تاريخ وما نقل عن الباز الأشهب وفق منهج علمي دقيق استحق به الريادة من أوجه :
- تحقيقه لمسمى البحث الأكاديمي في كتابه: إعمالا لبث روح التجديد في الطرح الصوفي لا كما اعتاد البعض باستعباد عقول الناس وفق البواطن دون مستند، فمنهج السادة الصوفية دقيق وجليّ ظاهرا فضلا عن الباطن يذعن له المكابر ...
- توقيته لجملة من النظريات العلمية من المصادر التي أثرت الكتاب احتجاجا بها أو انتقادا لها... مادل على السعة العلمية للمصنف.
- الرونق الأدبي والأسلوب العلمي زان الكتاب وأضفى عليه حللا من حيث الشكل العام... حيث استعمل المصنف لغة راقية سليمة .
- الضبط الكلي للموضوع، فلا يتعدى جزئية إلا بعد استيفاء جميع ما ورد فيها... مع بيان المسالك الموصلة اليها...
- الموازنة بين الأقوال والترجيح وترك الحديث في الجزئيات التي سال حبرها على وجه صيرها من المسلمات.
- الجرأة في الطرح، فلقد كان المؤلف جريئا في ترجيح بعض الآراء ونبذ الخلاف بغية الإنصاف وقد كشف عن ذلك في غير ما موضع من الكتاب
- المزاوجة بين أدلة النقل الصحيح والتي هي عماد المنهج التاريخي ، مغيبا بذلك العواطف والعوامل النفسية ، وفق منهج تتعانق فيه الإشارات مع العبارات.
والحاصل: أن هذا مدون جغرافية الباز الاشهب قراء ثانية في سيرة الشيخ عبد القادر الكيلاني وتحقيق محل ولادته وفق منهج البحث العلمي : دراسة تاريخية" قد ضمنه مؤلفه جواهر حسان وبنات أفكاره الاتي لم يطمثهن انس ولا جان ، ويكون بذلك قد أضاف جوهرة فريدة نادرة في زمن عزّ فيه كل نفيس.. قال الأخضري في فائقه: يكفيك علما رفع التنازع من الجزئي عنه فأنت المنعــم
والحمد لله بدء وختما والصلاة والسلام على النبي وصفا وذاتا واسما
قاله بفمه وأمضاه بقلمه تراب نعال أقدام العلماء المتشرف بخدمة الأولياء
أ*.د.نصرالدين أجدير
أستاذ التفسير والمقاصد
جامعة تلمسان- الجزائر