19-01-2014
تكمن أهمية هذا الكتاب بكون مؤلفه من أعاظم أحبار اليهود قبل أن يؤمن ويشهر إسلامه, وليس السموءل من أحبار اليهود المعاصرين, بل عاش في القرن السادس الهجري, وكانت وفاته في عام 570 هجرية, مما يعني بأن قصة دخول غير المسلمين في الإسلام ليس وليد العصر الحديث فحسب, بل قصة قديمة قدم تاريخ ظهور الإسلام.
بذل المجهود في أفحام اليهود
للحكيم السموءل بن يحيى بن عباس المغربي
طباعة : دار القلم / دمشق والدار الشامية / بيروت
==============
تكمن أهمية هذا الكتاب بكون مؤلفه من أعاظم أحبار اليهود قبل أن يؤمن ويشهر إسلامه, وليس السموءل من أحبار اليهود المعاصرين, بل عاش في القرن السادس الهجري, وكانت وفاته في عام 570 هجرية, مما يعني بأن قصة دخول غير المسلمين في الإسلام ليس وليد العصر الحديث فحسب, بل قصة قديمة قدم تاريخ ظهور الإسلام.
ومن المعلوم بأن ترك الإنسان لدينه والانتقال لدين جديد عن قناعة وفكر ليس بالأمر العادي في صعوبته, فالعاقل يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على مثل هذه الخطوة, خاصة إذا كان قومه وأهل دينه قد عودوه منذ الصغر على الاستعلاء والتعصب لعرقه, واحتقار الآخرين ودياناتهم, وعلى الحقد والكراهية لغير بني جنسه أو مذهبه كاليهود ومن لف لفهم.
ومع ندرة دخول اليهودي في الإسلام نظرا لما تشبع به في صغره من الاستعلاء والحقد كما سلف, فإن بعض اليهود أسلموا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, كما أسلم في عهد السلطان (بيازيدخان) حبر من أحبار اليهود, وسمى نفسه (عبد السلام) وألف رسالة سماها (الهادية), وكذلك أسلم مؤلف هذا الكتاب السموءل بن يحيى المغربي المتوفى سنة 570 هجرية/1174 م.
وبعد التعريف بقصة إسلام صاحب الكتاب في مقدمة عبد الوهاب طويلة مقدم الكتاب ومخرج نصوصه والمعلق عليه, بدأ المؤلف بأهم قضية يعترض بها اليهود على الدين الإسلامي, ألا وهي قضية النسخ, حيث يعيب اليهود والنصارى على الدين الإسلامي وجود النسخ في شريعته, ويرون بأن فيه وصفا لله بالجهل وعدم الحكمة, بينا الحقيقة أن النسخ موجود في التوراة, وقد ألزمهم المؤلف بذلك من عدة وجوه ومنها:
1- سؤاله لليهود: هل كان قبل التوراة شرع؟ ثم إلزامهم بوجود شرع نوح وإبراهيم عليهما السلام, وبعد إقرارهم بذلك يسألهم: هل أتت التوراة بزيادة على تلك الشرائع أو لا؟ فإن قالوا لا فهي عبث إذن, وإن أثبتوا الزيادة فهي بلا شك تتضمن تحريم مباح أو تحليل محرم, وهو النسخ بعينه.
2- نسخ السبت بالصوم الأكبر, مع أن السبت أقدم في التشريع, ومع ذلك فهم يصومون فيه رغم كونه يوم للراحة وعدم المشقة, مما يثبت نسخ فريضة السبت بالصوم الأكبر إن صادف يوم السبت.
وقد ساق المؤلف –وهو الخبير بعلم التوراة– الكثير من الأدلة التي تثبت وجود النسخ عندهم, فأبطل اعتراضهم على الإسلام بوجود النسخ فيه.
بعد موضوع النسخ تناول المؤلف موضوع إفحام أهل الكتاب وإلزامهم بالإسلام, من خلال إثبات النبوة من عدة طرق, ولعل أهمها سؤاله اليهود في هذا العصر: بم عرفتم نبوة موسى وصدقه ولم تروه؟ فإن قالوا بتواتر الأخبار وشهادات الأمم, وهو دليل ثابت في العقل, قلنا إن هذا التواتر موجود لمحمد وعيسى عليهما السلام, فليزمكم تصديقهما كذلك.
ثم ساق المؤلف أدلة عقلية تثبت نبوة عيسى عليه السلام, وكذب اليهود وافتراءاتهم عليه, كما تثبت بأن نبي الله عيسى هو المسيح المنتظر عند اليهود, بعد أن استولت الروم على اليهود وبيت المقدس, وانقضت دولتهم وتفرق شملهم, وقد جاءهم فكذبوه, وينتظرون مسيحهم –ملكهم– المنتظر المزعوم إلى اليوم.
ثم ذكر المؤلف الموضع من التوراة التي أشير فيه إلى نبوة الكليم موسى والمسيح عيسى والمصطفى محمد صلوات الله عليهم أجمعين, والنص هو (إن الله تعالى من سيناء تجلى, وأشرق نوره على سيعير, واطلع من جبال فاران ومعه ربوات المقدسين).
وهم يعلمون أن جبل سيعير هو جبل الشراة الذي فيه بنو العيص الذين آمنوا بالمسيح عليه السلام, بل في هذا الجبل كان مقامه, وهم يعلمون أن سيناء هي جبل الطور, لكنهم لا يعلمون بأن فاران هي جبال مكة.
وفي الإشارة إلى أماكن مقام هؤلاء الأنبياء الثلاثة, ما يقتضي بالعقلاء أن يبحثوا عن تأويلها المؤدي باتباع مقالتهم, والدليل الواضح من التوراة على كون فاران هي جبال مكة, أن اسماعيل لما فارق أباه الخليل سكن اسماعيل في برية فاران, ونطقت التوراة بذلك (وأقام في برية فاران, وأنكحته أمه امرأة من أرض مصر) وإذا كانت التوراة قد أشارت إلى نبوة تنزل على جبل فاران, لزم أن تكون في آل اسماعيل, وقد علم الناس قاطبة أن المشار إليه بالنبوة من ولد اسماعيل هو محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن اليهود لجهلهم وضلالهم لا يجوزون الجمع بين هاتين العبارتين من الآيتين, بل يسامون بامقدمتين ويجحدون النتيجة لفرط جهلهم.
ثم ساق المؤلف الآيات والعلامات التي في التوراة, والتي تدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, ومنها: (نبيا أقيم لهم في وسط إخوتهم مثلك, به فليؤمنوا) وهي إشارة ليؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم, كما جاء في الجزء الثالث من السفر الأول من التوراة مخاطبا ابراهيم عليه السلام: (وأما في اسماعيل فقد قبلت دعاءك, قد باركت فيه, وأثمره وأكثره جدا جدا).
ثم عقد المؤلف فصلا لذكر افتراءات اليهود, فبدأ بإبطال ما يدعون من محبة الله تعالى إياهم, مذكرا إياهم (ببرعام بن نباط) الذي خرج على ولد سليمان بن داود, ووضع لهم الكبشين من الذهب زعكف على عبادتهما جماعة من بني إسرائيل, فكيف يدعون بأنهم أحباء الله تعالى, ويكفي في الرد عليهم قول الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} المائدة/18
ثم ذكر المؤلف طرفا من كفر اليهود وتبديلهم, ومن ذلك أنهم مع ذهاب دولتهم وتفرق شملهم وعلمهم بالغضب الممدود عليهم, يقولون كل يوم في صلواتهم: إنهم أبناء الله وأحباؤه!!
ومن ذلك أنهم ينتظرون قائما يأتيهم من نسل داود, إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم ولم يبق إلا اليهود, وهذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به, وغير ذلك من الافتراءات التي ليس لها دليل من عقل أو نقل صحيح.
وبعد سيل من الافتراءات والأكاذيب اليهودية التي ساقها المؤلف, ذكر السبب في تبديل التوراة, معربا في البداية عن علم أحبار اليهود بكون التوراة التي بين أيديهم ليست المنزلة على موسى عليه السلام, فقد صان عليه السلام التوراة عن بني إسرائيل, ولم يبثها فيهم, بل دفعها لأولاد هارون (اللاويين), وقد قتل بختنصر أئمة وحفاظ التوراة يوم فتح بيت المقدس, ليأتي الكاهن عزرا ليلفق لهم التوراة الموجودة بين أيديهم حاليا, فهي إذن كتاب عزرا –كما يقول المؤلف– وليس كتاب الله.
أما بالنسبة لاعتقاد اليهود في دين الإسلام, فذكر المؤلف أنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أحلاما تدل على أنه صاحب دولة, وأنه سافر إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها, وأنه اجتمع بأحبار اليهود, وقص عليهم أحلامه, فعلموا أنه صاحب دولة, فأصحبوه عبد الله بن سلام, فقرأ عليه علوم التوراة وفقهها مدة, ناسبين الفصاحة التي في القرآن لتأليف عبد الله بن سلام, مع أنهم –أي اليهود– لا يعرفون من العربية ما يفرقون به بين الفصاحة والعي, مع طول مكثهم بين المسلمين.
ومن مخازيهم ومساوئهم أنهم يسمون القرآن (قالون) وهو اسم للسوءة بلسانهم, ويعنون بذلك أنه عورة المسلمين وسوءتهم, كما أنهم يسمون محمدا صلى الله عليه وسلم بأسماء لا تليق, مما جعلهم بذلك أشد الناس عداوة للذين آمنوا, فكيف لا يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون؟؟!!
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده المفترى عليه, بل لم يسلم أنبياؤهم من الافتراء والأكاذيب, فقد افتروا على بنات لوط عليه السلام بأنهما سقتا أبيهما خمرا وضاجعتاه, لاعتقادهما أنه لا بشر غيرهما للتناسل, فولدت الأولى (مؤاب) تعني أنه من الأب, والثانية (بني عمون) تعني أنه من قبيلتها, كما أنهم بذلك يتهمون أنفسهم, فجدة داود من ولد مؤاب, كما أن مسيحهم المنتظر من نسل داود, فكيف ينسجم ذلك مع افتراءاتهم؟؟!!
كما ذكر المؤلف فصلا عن السبب في تشديد الإصر على أنفسهم, فجعل السبب الأهم من جانب فقهائهم وهم الذين يدعون (الحاخاميم) أي الحكماء, الذين ألفوا التلمود والمشنا عبر أجيال متلاحقة, ووضعوا فيه من الإصر والتحريم على أنفسهم الشيء الكثير, مبالغة منهم في مضادة الأمم حتى لا يختلطوا بهم, فيؤدي اختلاطهم بهم إلى خروجهم عن دينهم, فالعزلة هي المخرج والملاذ.
وقد انقسم اليهود قسمين في قبولهم التلمود: قسم انفصلوا بأنفسهم عن الفقهاء وكذبوا ما ألفوه واخترعوه, وهم القراؤون, وقسم شايع الفقهاء ووافقهم في افتراءتهم وتأليفهم للتلمود, وهم (الربانيون) وهم أكثر عددا وأشد اليهود عداوة لغيرهم من الأمم.
وفي الختام أوضح المؤلف بأن أحق الناس بأن يوسم بالجهالة, من كان طبعه أبيا عن الانقياد للحقائق, وعقله بعيدا عن فهم اليقين, فأما من سفل درجة عن ذلك, وكان مع امتناعه عن التسليم بالحقائق مسرعا لقبول الباطل وتصديق المستحيل, فهو حقيق بالنسبة إلى الجنون والسقوط, وهذه الطائفة –اليهود– أحق الناس بذلك الوصف.
جزى الله المؤلف على كتابه خير الجزاء, فهو بحق كتاب فاضح يصدر من خبير عليم بديانة اليهود وخباياه وفضائحه, وجزى الله المحقق والمدقق خيرا على ما بذل وقدم, فقد أوضح مشكل الكتاب وفك معضله وبين غموضه, إنه سميع قريب مجيب. والحمد لله رب العالمين.