لا الكتاب ليس لابن صمادح الأندلسي التجيبي المتوفى سنة 419 هجرية
لأني عند مقارنتي لما كتيه الأخ الكريم لم أجد هناك مطابقة
ولكن ألم تجده يقول :مختصر تفسير الطبريجديدونادر جدا
حبذا لو أن الأخ زودنا بالعنوان كاملا و باسم الذي قام بالاختصار
فجزاكم الله خيرا ...
وجعل الجنة متقلبكم ومثواكم ...
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة: 178]{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ} فُرِضَ..
{عَلَيْكُمُ} أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ..
{الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} أَنْ لَا تَقْتُلُوا بِالْمَقْتُولِ غَيْرَ قَاتِلِهِ..وَالْ فَرْضُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْقِصَاصِ، هُوَ تَرْكُ الْمُجَاوَزَةِ بِالْقِصَاصِ قَتْلَ الْقَاتِلِ بِقَتِيلِهِ إِلَى غَيْرِهِ، لَا أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْنَا الْقِصَاصُ فَرْضًا، وُجُوبَ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، حَتَّى لَا يَكُونَ لَنَا تَرْكُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَا يَجُوزُ لَنَا تَرْكُهُ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} مَعْنًى مَفْهُومٌ، لِأَنَّهُ لَا عَفْوَ بَعْدَ الْقِصَاصِ فَيُقَالُ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ..وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ، عَلَى أَنَّ الْمُقَاصَّةَ فِي الْحُقُوقِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، لِأَنَّ مَا كَانَ فَرْضًا عَلَى أَهْلِ الْحُقُوقِ أَنْ يَفْعَلُوهَ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ فِيهِ، وَالْجَمِيعُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ لِأَهْلِ الْحُقُوقِ الْخِيَارَ فِي مُقَاصَّتِهِمْ حُقُوقَهُمْ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ..
{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} الْحُرُّ إِذَا قَتَلَ الْحُرَّ، والعبدُ إذا قتلَ العبدَ، والأُنثى إذا قتلت الأُنثى، فَدَمُ الْقَاتِلِ كُفْءٌ لِدَمِ الْقَتِيلِ، وَالْقِصَاصُ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، فَلَا تَجَاوَزُوا بِالْقَتْلِ إِلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَقْتُلْ، فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا بِقَتِيلِكُمْ غَيْرَ قَاتِلِهِ..ولَنَ ا أَنْ نَقْتَصَّ لِلْحُرِّ مِنَ الْعَبْدِ وَلِلْأُنْثَى مِنَ الذَّكَرِ، بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]، وَبِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ».
{فَمَنْ عُفِيَ} وتُرِكَ وصُفِحَ..
{لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} عَلَى دِيَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْهُ..
{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَاتِّبَاعٌ مِنَ الْعَافِي عَنِ الدَّمِ الرَّاضِي بِالدِّيَةِ مِنْ دَمِ وَلِيِّهِ، عَلَى مَا أَوْجَبُهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْحَقِّ قِبَلَ قَاتِلِ وَلِيِّهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْدَادَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ، أَوْ يُكَلِّفُهُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ لَهُ عَلَيْهِ..
{وَأَدَاءٌ} مِنَ الْقَاتِلِ..
{إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} وهُوَ أَدَاءُ مَا لَزِمَهُ بِقَتْلِهِ لِوَلِيٍّ الْقَتِيلِ، عَلَى مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْخَسَهُ حَقًّا لَهُ، أَوْ يُحْوِجَهُ إِلَى اقْتِضَاءٍ وَمُطَالَبَةٍ..
{ذَلِكَ} هَذَا الَّذِي حَكَمْتُ بِهِ وَسَنَنْتُهُ لَكُمْ مِنْ إِبَاحَتِي لَكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الْعَفْوَ عَنِ الْقِصَاصِ مِنْ قَاتِلِ قَتِيلِكُمْ عَلَى دِيَةٍ تَأْخُذُونَهَا فَتَمْلِكُونَهَ ا مُلْكَكُمْ سَائِرَ أَمْوَالِكُمُ الَّتِي كُنْتُ مَنَعْتُهَا مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ..
{تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ} تَخْفِيفٌ مِنِّي لَكُمْ مِمَّا كُنْتُ ثَقَّلْتُهُ عَلَى غَيْرِكُمْ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ..
{وَرَحْمَةٌ} مِنِّي لَكُمْ..
{فَمَنِ اعْتَدَى} فَمَنْ تَجَاوَزَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ..
{بَعْدَ ذَلِكَ} بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ اعْتِدَاءً وَظُلْمًا، إِلَى مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ، مِنْ قَتْلِ قَاتِلِ وَلِيِّهِ وَسَفْكِ دَمِهِ..
{فَلَهُ} بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَتَعَدِّيهِ إِلَى مَا قَدْ حَرَّمْتُهُ عَلَيْهِ..
{عَذَابٌ أَلِيمٌ}[178] فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ وَلِيِّ قَتِيلٍ قُتِلَ ظُلْمًا سُلْطَانًا عَلَى قَاتِلِ وَلِيِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفُ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33]، وَكَانَ الْجَمِيعُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ مَنَ قَتَلَ قَاتِلَ وَلِيِّهِ بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْهُ وَأَخْذِهِ مِنْهُ دِيَةَ قَتِيلِهِ ظَالِمٌ فِي قَتْلِهِ..
{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْي مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:196]{وَأَتِمُّوا} أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ..
{الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} أَتِمُّوا الْحَجَّ بِمَنَاسِكِهِ، وَسُنَنِهِ، وَأَتِمُّوا الْعُمْرَةَ بِحُدُودِهَا، وَسُنَنِهَا.. فَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، أَوْ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحِلَّ حَتَّى يُتِمَّهَا تَمَامَ الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ إِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَزَارَ الْبَيْتَ فَقَدْ حَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ كُلِّهِ، وَتَمَامُ الْعُمْرَةِ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، فَقَدْ حَلَّ.. والْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِإِقَامَتِهِمَ ا ابْتِدَاءً، وَإِيجَابًا مِنْهُ عَلَى الْعِبَادِ فَرْضُهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا مِنْهُ بِإِتَمَامِهِمَ ا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِمَا، وَبَعْدَ إِيجَابِ مُوجِبِهِمَا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، إِلَّا وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ فِيهَا مِثْلُهَا.. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِإِيجَابِ فَرْضِ الْعُمْرَةِ خَبَرٌ عَنِ الْحِجَّةِ لِلْعُذْرِ قَاطِعًا، وَكَانَتِ الْأُمَّةُ فِي وُجُوبِهَا مُتَنَازِعَةً، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ قَائِلٍ هِيَ فَرْضٌ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ دَالٍ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ مَعْنًى، إِذْ كَانَتِ الْفُرُوضُ لَا تَلْزَمُ الْعِبَادَ الَّا بِدَلَالَةٍ عَلَى لُزُومِهَا إِيَّاهُمْ وَاضِحَةً.. وَإِنَّ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعُمْرَةِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هِيَ تَطَوُّعٌ لَا فَرْضٌ.. وَإِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَأَتِمُّوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ بَعْدَ دُخُولِكُمْ فِيهِمَا، وَإِيجَابِكُمُو هِمَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ عَلَى مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ مِنْ حُدُودِهِمَا.. وَإِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي عَمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صَدَّ فِيهَا عَنِ الْبَيْتِ مَعْرِفَةَ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ فِي إِحْرَامِهِمْ إِنْ خُلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَمُبَيِّنًا لَهُمْ فِيهَا مَا الْمَخْرَجُ لَهُمْ مِنْ إِحْرَامِهِمْ إِنْ أَحْرَمُوا، فَصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، وَبِذِكْرِ اللَّازِمِ لَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ فِي عُمْرَتِهِمُ الَّتِي اعْتَمَرُوهَا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَمَا يَلْزَمُهُمْ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي عُمْرَتِهِمْ، وَحَجِّهِمْ..
{فَإِنِ أُحْصِرْتُمْ} فَإِنْ حَبَسَكُمْ أَيُّ مَانِعٍ، أَوْ حَابِسٍ مَنَعَ الْمُحْرِمَ وَحَبْسَهُ عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي إِحْرَامِهِ وَوُصُولِهِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وعَنْ إِتْمَامِ ذَلِكَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ خَوْفِ عَدُوٍّ..
{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} فَعَلَيْكُمْ لِإِحْلَالِكُمْ إِنْ أَرَدْتُمُ الْإِحْلَالَ مِنْ إِحْرَامِكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَهُوَ شَاةٌ.. وَالْهَدْيُ جَمْعٌ وَاحِدُهَا هَدِيَّةٌ.. وَالْهَدْي عِنْدِي إِنَّمَا سُمِّيَ هَدْيًا لِأَنَّهُ تَقَرَّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مُهْدِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْهَدِيَّةِ يُهْدِيهَا الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِهِ مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلَيْهِ..
{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} وَلَا تُحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ إِذَا أُحْصِرْتُمْ.. وَذَلِكَ أَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ إِحْلَالٌ مِنَ الْإِحْرَامِ الَّذِي كَانَ الْمُحْرِمُ قَدِ أَوْجَبُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنِ الْإِحْلَالِ مِنْ إِحْرَامِهِ بِحِلَاقِهِ..
{حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ} الَّذِي أَوْجَبْتُهُ عَلَيْكُمْ لِإِحْلَالِكُمْ مِنْ إِحْرَامِكُمُ الَّذِي أُحْصِرْتُمْ فِيهِ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَانْقِضَاءِ مَشَاعِرِهِ، وَمَنَاسِكِهِ..
{مَحِلَّهُ} مَحِلَّ هَدْيِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، وَأَلْزَمَهُ قَضَاءُ مَا حَلَّ مِنْهُ مِنْ إِحْرَامِهِ قَبْلَ إِتَمَامِهِ إِذَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَذَلِكَ لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صُدَّ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَنِ الْبَيْتِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَصْحَابُهُ بِعُمْرَةٍ، فَنَحَرَ هُوَ، وَأَصْحَابُهُ بِأَمْرِهِ الْهَدْيَ، وَحَلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ قَبْلَ وُصُولِهِمْ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ قَضَوْا إِحْرَامَهُمُ الَّذِي حَلُّوا مِنْهُ فِي الْعَامِ الَّذِي بَعْدَهُ؛ إِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا يَتَدَافَعُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهَا يَوْمَئِذٍ نَزَلَتْ وَفِي حُكْمِ صَدِّ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُ عَنِ الْبَيْتِ أُوحِيَتْ..
{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ؛ إِلَا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى حَلْقِهِ مِنْكُمْ مُضْطَرٌّ، إِمَّا لِمَرَضٍ، وَإِمَّا لِأَذًى بِرَأْسِهِ، مِنْ هَوَامٍّ أَوْ غَيْرِهَا، فَيَحْلِقُ هُنَالِكَ لِلضَّرُورَةِ النَّازِلَةِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَيَلْزَمُهُ بِحِلَاقِه رَأْسَه وَهُوَ كَذَلِكَ، فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ.. فَأَمَّا الْمَرَضُ الَّذِي أُبِيحَ مَعَهُ الْعِلَاجُ بِالطِّيبِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ، فَكُلُّ مَرَضٍ كَانَ صَلَاحُهُ بِحَلْقِهِ كَالْبِرْسَامِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ صَلَاحِ صَاحِبِهِ حَلْقُ رَأْسِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالْجِرَاحَاتِ الَّتِي تَكُونُ بِجَسَدِ الْإِنْسَانِ الَّتِي يَحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى الْعِلَاجِ بِالدَّوَاءِ الَّذِي فِيهِ الطِّيبُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرُوحِ وَالْعِلَلِ الْعَارِضَةِ لِلْأَبْدَانِ.. وَأَمَّا الْأَذَى الَّذِي يَكُونُ إِذَا كَانَ بِرَأْسِ الْإِنْسَانِ خَاصَّةً لَهُ حَلْقُهُ، فَنَحْوَ الصُّدَاعِ وَالشَّقِيقَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكْثُرَ صِئْبَانُ الرَّأْسِ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِلرَّأْسِ مُؤْذِيًا مِمَّا فِي حَلْقِهِ صَلَاحُهُ، وَدَفْعُ الْمَضَرَّةِ الْحَالَّةِ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}.. وَقَدْ تَظَاهَرْتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ بِسَبَبِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، إِذْ شَكَا كَثْرَةَ أَذىً بِرَأْسِهِ مِنْ صِئْبَانِهِ، وَذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَمِلَ رَأْسِي وَلِحْيَتِي وَشَارِبِي وَحَاجِبَيَّ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أَرَى هَذَا أَصَابَكَ» ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُوا لِي حَلَّاقًا» فَدَعُوهُ، فَحَلَقَنِي. ثُمَّ قَالَ: «أَعِنْدَكَ شَيْءٌ تَنْسُكُهُ عَنْكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: «فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوِ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ» . قَالَ كَعْبٌ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيَّ خَاصَّةً: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ثُمَّ كَانَتْ لِلنَّاسِ عَامَّةً.. وَهَذَا الْخَبَرُ يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ أَنَّ الْفِدْيَةَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَفَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَفْتَدِي، ثُمَّ يَحْلِقُ؛ لِأَنَّ كَعْبًا يُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالْفِدْيَةِ بَعْدَ مَا أَمَرَهُ بِالْحَلْقِ فَحَلَقَ.. وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ مَعْنَى الْفِدْيَةِ، وَأَنَّهَا بِمَعْنَى الْجَزَاءِ، وَالْبَدَلِ.. ومَبْلَغِ الصِّيَامِ، وَالطَّعَامِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا اللَّهُ عَلَى مَنْ حَلَقَ شَعْرَهُ مِنَ الْمُحْرِمِينَ فِي حَالِ مَرَضِهِ، أَوْ مِنْ أَذًى بِرَأْسِهِ، مَا ثَبَتَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ عَنْهُ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِحَلْقِ رَأْسِهِ مِنَ الْأَذَى الَّذِي كَانَ بِرَأْسِهِ، وَيَفْتَدِيَ إِنْ شَاءَ بِنُسُكِ شَاةٍ , أَوْ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ , أَوْ إِطْعَامِ فَرْقٍ مِنْ طَعَامٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ.. وَلِلْمُفْتَدِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَحْصُرْهُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا, فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْدُوهَا إِلَى غَيْرِهَا, بَلْ جَعَلَ إِلَيْهِ فِعْلَ أَيَّ الثَّلَاثِ شَاءَ، وَعَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنَ الْحُجَّةِ , وفِي ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى صِحَّتِهِ بِغَيْرِهِ.. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصِّيَامَ مُجْزِئٌ عَنِ الْحَالِقِ رَأْسَهُ مِنْ أَذًى حَيْثُ صَامَ مِنَ الْبِلَادِ.. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ أَنْ يَفْعَلَ بِنُسُكِ الْفِدْيَةِ مِنَ الْحَلْقِ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ, أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَى حَالِقِ رَأْسِهِ مِنْ أَذًى مِنَ الْمُحْرِمِينَ فِدْيَةً مِنْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نُسُكٍ , وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ, بَلْ أَبْهَمَ ذَلِكَ وَأَطْلَقَهُ, فَفِي أَيِّ مَكَانٍ نَسَكَ، أَوْ أَطْعَمَ، أَوْ صَامَ فَيَجْزِي عَنِ الْمُفْتَدِي.. وَلَيْسَ لِلْمُفْتَدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ, وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ وَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَكْلُ مَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ, كَمَا لَوْ لَزِمَتْهُ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا, بَلْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهَا أَهْلَهَا الَّذِينَ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ.. وَمَعْنَى النُّسُكِ: الذَّبْحُ لِلَّهِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ, يُقَالُ: نَسَكَ فُلَانٌ لِلَّهِ نَسِيكَةً, بِمَعْنَى: ذَبَحَ لِلَّهِ ذَبِيحَةً..
{فَإِذَا أَمِنْتُمْ} مِنْ خَوْفِكُمْ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ هُوَ خِلَافُ الْخَوْفِ, لَا خِلَافُ الْمَرَضِ, إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَرَضًا مَخُوفًا مِنْهُ الْهَلَاكُ, فَيُقَالُ: فَإِذَا أَمِنْتُمُ الْهَلَاكَ مِنْ خَوْفِ الْمَرَضِ وَشِدَّتِهِ , وَذَلِكَ مَعْنًى بَعِيدٌ.. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ مَعْنَاهُ الْخَوْفُ مِنَ الْعَدُوِّ, لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْعَدُوِّ خَائِفُونَ, فَعَرَّفَهُمُ اللَّهُ بِهَا مَا عَلَيْهِمْ إِذَا أَحْصَرَهُمْ خَوْفُ عَدُوِّهِمْ عَنِ الْحَجِّ , وَمَا الَّذِي عَلَيْهِمْ إِذَا هُمْ أَمِنُوا مِنْ ذَلِكَ , فَزَالَ عَنْهُمْ خَوْفُهُمْ..
{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي حَجِّكُمْ خَوْفًا مِنَ الْعَدُوِّ –وَأَنْتُمْ مُحْرِمُوْنَ بِالحَجِّ- أَوْ مَرَضٍ، أَوْ عَائِقٍ مِنَ الْعِلَلِ حَتَّى يَفُوتُكُم الْحَجُّ, فَتَقْدُمُوْنَ مَكَّةَ, فَتَخْرُجُوْنَ مِنْ إِحْرَامِكُم بِعَمَلِ عُمْرَةٍ, ثُمَّ تَحِلُّوْنَ فَتَسْتَمْتِعُو ْنَ بِالإِحْلَالِ مِنْ إِحْرَامِ ذَلِكَ إِلَى السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَ ةِ, ثُمَّ تَحُجُّوْنَ، وَتَهْدُوْنَ, فَتَكُوْنُوْن بِالْإِحْلَالِ مِنْ لَدُنْ الإِحْلَالِ مِن الإِحْرَامِ الْأَوَّلِ إِلَى الإِحْرَامِ الثَّانِي مِنَ الْقَابِلِ..
{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} فَهَدْيُهُ جَزَاءٌ لِاسْتِمْتَاعِه ِ بِإِحْلَالِهِ مِنْ إِحْرَامِهِ الَّذِي حَلَّ مِنْهُ حِينَ عَادَ لِقَضَاءِ حَجَّتِهِ الَّتِي أُحْصِرَ فِيهَا وَعُمْرَتِهِ الَّتِي كَانَتْ لَزِمَتْهُ بِفَوْتِ حَجَّتِهِ..
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} هَدْيًا..
{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ فِي حَجِّهِ.. مِنْ أَوَّلِ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ وَاسْتِمْتَاعِه ِ بِالْإِحْلَالِ إِلَى انْقِضَاءِ آخِرِ عَمَلِ حَجِّهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ مِنًى سِوَى يَوْمِ النَّحْرِ, فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ صَوْمُهُ ابْتَدَأَ صَوْمَهُنَّ قَبْلَهُ أَوْ تَرَكَ صَوْمَهُنَّ فَأَخَّرَهُ حَتَّى انْقِضَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ.. وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَهُ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لَأَنَّهُ إِنْ صَامَهُنَّ قَبْلَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُجْزِئٍ صَوْمُهُ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنَ الصَّوْمِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ لِمُتْعَتِهِ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ إِنَّمَا أَوْجَبَ الصَّوْمَ عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا مِمَّنِ اسْتَمْتَعَ بِعُمْرَتِهِ إِلَى حَجِّهِ, فَالْمُعْتَمِرُ قَبْلَ إِحْلَالِهِ مِنْ عُمْرَتِهِ وَقَبْلَ دُخُولِهِ فِي حَجِّهِ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ اسْمَ مُتَمَتِّعٍ بِعُمْرَتِهِ إِلَى حَجِّهِ, وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ قَبْلَ إِحْرَامِهِ: مُعْتَمِرٌ، حَتَّى يَدْخُلَ بَعْدَ إِحْلَالِهِ فِي الْحَجِّ قَبْلَ شُخُوصِهِ عَنْ مَكَّةَ, فَإِذَا دَخَلَ فِي الْحَجِّ مُحْرِمًا بِهِ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمُقَامِهِ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ حَلَالًا حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ سُمِّيَ مُتَمَتِّعًا، فَإِذَا اسْتَحَقَّ اسْمَ مُتَمَتِّعٍ لَزِمَهُ الْهَدْيُ , وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الصَّوْمُ بِعَدَمِهِ الْهَدْيَ إِنْ عَدَمَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَأَمَّا إِنْ صَامَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ الْحَجُّ, فَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ صَامَ صَوْمًا يَنْوِي بِهِ قَضَاءً عَمَّا عَسَى أَنْ يَلْزَمَهُ أَوْ لَا يَلْزَمَهُ, فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ رَجُلٍ مُعْسِرٍ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَنْوِي بِصَوْمِهِنَّ كَفَّارَةَ يَمِينٍ لِيَمِينٍ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا وَيَحْنَثَ فِيهَا, وَذَلِكَ مَا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنَّهُ غَيْرُ مُجْزِئٍ مِنْ كَفَّارَةٍ إِنْ حَلَفَ بِهَا بَعْدَ الصَّوْمِ فَحَنِثَ، فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ صَوْمَ الْمُعْتَمِرِ بَعْدَ إِحْلَالِهِ مِنْ عُمْرَتِهِ أَوْ قَبْلَهُ وَقَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْحَجِّ مُجْزِئٌ عَنْهُ مِنَ الصَّوْمِ الَّذِي أَوْجَبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ إِنْ تَمَتَّعَ بِعُمْرَتِهِ إِلَى الْحَجِّ , نَظِيرُ مَا أَجْزَأَ الْحَالِفُ بِيَمِينٍ إِذَا كَفَّرَ عَنْهَا قَبْلَ حِنْثِهِ فِيهَا بَعْدَ حَلْفِهِ بِهَا فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً ; لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ لِلْيَمِينِ تَحْلِيلًا هُوَ غَيْرُ تَكْفِيرٍ , فَالْفَاعِلُ فِيهَا قَبْلَ الْحِنْثِ فِيهَا مَا يَفْعَلُهُ الْمُكَفِّرُ بَعْدَ حِنْثِهِ فِيهَا مُحَلِّلٌ غَيْرُ مُكَفِّرٍ، وَالْمُتَمَتِّع ُ إِذَا صَامَ قَبْلَ تَمَتُّعِهِ صَائِمٌ تَكْفِيرًا لِمَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلِمَا يَلْزَمُهُ , وَهُوَ كَالْمُكَفِّرِ عَنْ قَتْلِ صَيْدٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَبْلَ قَتْلِهِ , وَعَنْ تَطَيُّبٍ قَبْلَ تَطَيُّبِهِ..
{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} فَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ, فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي حَجِّهِ وَصِيَامِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَمِصْرِهِ.. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَوَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَصُومُهُنَّ فِي الْحَجِّ إِلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى مِصْرِهِ وأَهْلِهِ؟ قِيلَ: بَلْ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ بِعَدَمِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي لِمُتْعَتِهِ, وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ رَأْفَةً مِنْهُ بِعِبَادِهِ رَخَّصَ لِمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ, كَمَا رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ، الْمَرِيضِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ الْإِفْطَارَ وَقَضَاءَ عِدَّةِ مَا أَفْطَرَ مِنَ الْأَيَّامِ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.. وَلَوْ تَحَمَّلَ الْمُتَمَتِّعُ فَصَامَ الْأَيَّامَ السَّبْعَةَ فِي سَفَرِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ إِلَى وَطَنِهِ, أَوْ صَامَهُنَّ بِمَكَّةَ, كَانَ مُؤَدِّيًا مَا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الصَّوْمِ فِي ذَلِكَ, وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ، أَوْ مَرَضِهِ, مُخْتَارًا لِلْعُسْرِ عَلَى الْيَسَرِ، وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَتْ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ..
{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ عَلَيْكُمْ فَرَضْنَا إِكْمَالَهَا لِمُتْعَتِكُمْ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَأَخْرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ , وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِهَا..
{ذَلِكَ} التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ..
{لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} إِنَّ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَنْ هُوَ حَوْلَهُ مِمَّنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنَ الْمَسَافَةِ مَا لَا تُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلَوَاتُ; لِأَنَّ حَاضِرَ الشَّيْءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الشَّاهِدُ لَهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنِ الْمُتْعَةُ لِمَنْ كَانَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ التَّمَتُّعَ إِنَّمَا هُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْإِحْلَالِ مِنَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ مُرْتَفِقًا فِي تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَى الْمَنْزِلِ وَالْوَطَنِ بِالْمُقَامِ بِالْحَرَمِ حَتَّى يُنْشِئَ مِنْهُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ, وَكَانَ الْمُعْتَمِرُ مَتَى قَضَى عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى وَطَنِهِ, أَوْ شَخَصَ عَنِ الْحَرَمِ إِلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ, ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ , بَطَلَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَمْتِعًا; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَمْتَعْ بِالْمَرْفَقِ الَّذِي جُعِلَ لِلْمُسْتَمْتَع ِ مِنْ تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَى الْمِيقَاتِ، وَالرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ بِالْمُقَامِ فِي الْحَرَمِ, وَكَانَ الْمَكِّيُّ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَرْتَفِقُ بِذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَتَى قَضَى عُمْرَتَهُ أَقَامَ فِي وَطَنِهِ بِالْحَرَمِ, فَهُوَ غَيْرُ مُرْتَفِقٍ بِشَيْءٍ مِمَّا يَرْتَفِقُ بِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِحْلَالِ مِنْ عُمْرَتِهِ إِلَى حَجِّهِ.. هذا بَعْدَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ مَعْنِيُّونَ بِهِ, وَأَنَّهُ لَا مُتْعَةَ لَهُمْ..
{وَاتَّقُوا اللَّهَ} بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَلْزَمَكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَحُدُودِهِ , وَاحْذَرُوا أَنْ تَعْتَدُوا فِي ذَلِكَ وَتَتَجَاوَزُوا فِيمَا بَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَنَاسِكِكُمْ , فَتَسْتَحِلُّوا مَا حَرَّمَ فِيهَا عَلَيْكُمْ..
{وَاعْلَمُوا} وتَيَقَّنُوا أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ..
{أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[البقرة: 196]شَدِيدٌ عِقَابُهُ لِمَنْ عَاقَبَهُ عَلَى مَا انْتَهَكَ مِنْ مَحَارِمِهِ وَرَكِبَ مِنْ مَعَاصِيهِ.
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة: 197]{الْحَجُّ} وَقْتُ الْحَجِّ أَيُّهَا النَّاسُ..
{أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ، وَهُوَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ.. وإِنَّمَا قَصَدَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} إِلَى تَعْرِيفِ خَلْقِهِ مِيقَاتَ حَجِّهِمْ، لَا الْخَبَرَ عَنْ وَقْتِ الْعُمْرَةِ، فَأَمَّا الْعُمْرَةُ، فَإِنَّ السُّنَّةَ كُلَّهَا وَقْتٌ لَهَا، لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي بَعْضِ شُهُورِ الْحَجِّ، ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ خَبَرٌ.. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ عَمَلُ الْحَجِّ يَنْقَضِي وَقْتُهُ بِانْقِضَاءِ الْعَاشِرِ مِنْ أَيَّامِ ذِي الْحِجَّةِ، عَلِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}إِ َّمَا هُوَ مِيقَاتُ الْحَجِّ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ قِيلَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وَهُوَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ؟ قِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَمْتَنِعُ خَاصَّةً فِي الْأَوْقَاتِ مِنَ اسْتِعْمَالِ مِثْلِ ذَلِكَ، فَتَقُولُ لَهُ: كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: 203] وَإِنَّمَا يَتَعَجَّلُ فِي يَوْمٍ وَنِصْفٍ، وَقَدْ يَفْعَلُ الْفَاعِلُ مِنْهُمُ الْفِعْلَ فِي السَّاعَةِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُ عَامًّا عَلَى السَّنَةِ وَالشَّهْرِ، فَيَقُولُ: زُرْتُهُ الْعَامَ وَأَتَيْتُهُ الْيَوْمَ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ أَخَذَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ إِلَى آخِرِهِ، وَلَكِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ فَعَلَهُ إِذْ ذَاكَ وَفِي ذَلِكَ الْحِينِ، فَكَذَلِكَ الْحَجُّ أَشْهُرٌ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْحَجُّ شَهْرَانِ وَبَعْضُ آخَرَ.. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يَعْنِي بِذَلِكَ شَوَّالًا، وَذَا الْقَعْدَةِ، وَذَا الْحِجَّةِ كُلَّهُ، وعَنُوا بِقِيلِهِمُ الْحَجُّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَوَامِلُ، أَنَّهُنَّ الْحَجُّ لَا أَشْهُرُ الْعُمْرَةِ، وَأَنَّ شُهُورَ الْعُمْرَةِ سِوَاهُنَّ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ.. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُمْ فِي قِيلَهُمْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: «أَنْ تَفْصِلُوا بَيْنَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَتَجْعَلُوا الْعُمْرَةَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ، وَأَتَمُّ لِعُمْرَتِهِ».. وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بِاسْتِيعَابِ ذِكْرِهِ الْكِتَابُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قِيلَ مَنْ قَالَ: وَقْتُ الْحَجِّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَوَامِلُ، أَنَّهُنَّ مِنْ غَيْرِ شُهُورِ الْعُمْرَةِ، وَأَنَّهُنَّ شُهُورٌ لِعَمَلِ الْحَجِّ دُونَ عَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُ الْحَجِّ إِنَّمَا يُعْمَلُ فِي بَعْضِهِنَّ لَا فِي جَمِيعِهِنَّ..
{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} فَمَنْ أَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى نَفْسِهِ وَأَلْزَمَهَا إِيَّاهُ فِيهِنَّ، يَعْنِي فِي الْأَشْهُرِ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي بَيَّنَهَا، وَإِيجَابُهُ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَزْمَ عَلَى عَمَلِ جَمِيعِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْحَاجِّ عَمَلُهُ وَتَرْكُ جَمِيعِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ بالْإِحْرَامُ..
{فَلَا رَفَثَ} فَلَا يَرْفُثْ عِنْدَ النِّسَاءِ فَيُصَرِّحُ لَهُنَّ بِجِمَاعِهَّنَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولُ: إِذَا حَلَلْنَا فَعَلْتُ بِكِ كَذَا وَكَذَا لَا يُكَنِّي عَنْهُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.. وَقَالَ آخَرُونَ: الرَّفَثُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْجِمَاعُ نَفْسُهُ.. وَالرَّفَثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَصْلُهُ الْإِفْحَاشُ فِي الْمِنْطَقِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى، ثُمَّ تَسْتَعْمِلُهُ فِي الْكِنَايَةِ عَنِ الْجِمَاعِ.. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ مُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيلِهِ، وَفِي هَذَا النَّهْيِ مِنَ اللَّهِ عَنْ بَعْضِ مَعَانِي الرَّفَثِ أَمْ عَنْ جَمِيعِ مَعَانِيهِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ؛ إِذْ لَمْ يَأْتِ خَبَرٌ بِخُصُوصِ الرَّفَثِ الَّذِي هُوَ بِالْمَنْطَقِ عِنْدَ النِّسَاءَ مِنْ سَائِرِ مَعَانِي الرَّفَثِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ، إِذْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ نَقْلُ حُكْمِ ظَاهِرِ آيَةٍ إِلَى تَأْوِيلٍ بَاطِنٍ إِلَّا بِحُجَّةٍ ثَابِتَةٍ..
{وَلَا فُسُوقَ} وَلَا يَفْسُقُ بِإِتْيَانِ مَا نَهَاهُ اللَّهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ بِحَجِّهِ، مِنْ قَتْلِ صَيْدٍ، وَأَخْذِ شَعْرٍ، وَقَلْمِ ظُفْرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ.. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ حَرَّمَ مَعَاصِيَهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، مُحْرِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَكَذَلِكَ حَرَّمَ التَّنَابُزَ بِالْأَلْقَابِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهَا بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] وَحَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ سِبَابَ أَخِيهِ فِي كُلِّ حَالٍ فَرَضَ الْحَجَّ، أَوْ لَمْ يَفْرِضْهُ، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِيَ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ الْعَبْدَ مِنَ الْفُسُوقِ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ وَفَرْضِهِ الْحَجَّ هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ فُسُوقًا فِي حَالِ إِحْلَالِهِ وَقَبْلَ إِحْرَامِهِ بِحُجَّةٍ؛ كَمَا أَنَّ الرَّفَثَ الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ فِي حَالِ فَرْضِهِ الْحَجَّ، هُوَ الَّذِي كَانَ لَهُ مُطْلَقًا قَبْلَ إِحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِأَنْ يُقَالَ فِيمَا قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ: لَا يَفْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ مَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فِي كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ خُصُوصَ حَالِ الْإِحْرَامِ بِهِ لَا وَجْهَ لَهُ وَقَدْ عَمَّ بِهِ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ مِنَ الْإِحْلَالِ وَالْإِحْرَامِ، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِيَ نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ مِنَ الْفُسُوقِ فَخُصَّ بِهِ حَالَ إِحْرَامِهِ، وَقِيلَ لَهُ: «إِذَا فَرَضْتَ الْحَجَّ فَلَا تَفْعَلْهُ» هُوَ الَّذِي كَانَ لَهُ مُطْلَقًا قَبْلَ حَالِ فَرْضِهِ الْحَجَّ، وَذَلِكَ هُوَ مَا وَصَفْنَا وَذَكَرْنَا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَصَّ بِالنَّهْيِ عَنْهُ الْمُحْرِمَ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ مِمَّا نَهَاهُ عَنْهُ مِنَ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَالْحَلْقِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ، وَسَائِرِ مَا خَصَّ اللَّهُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ الْمُحْرِمَ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ..
{وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} قَدْ بَطَلَ الْجِدَالُ فِي الْحَجِّ وَوَقْتِهِ، وَاسْتَقَامَ أَمْرُهُ وَوَقْتُهُ عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَمَنَاسِكَ مُتَّفِقَةٌ غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَا تَنَازُعَ فِيهِ، وَلَا مِرَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، ثُمَّ نَفَى عَنْ وَقْتِهِ الِاخْتِلَافَ الَّذِي كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ فِي شِرْكِهَا تَخْتَلِفُ فِيهِ.. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الْقَائِلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}أَنَّ تَأْوِيلَهُ: لَا تُمَارِ صَاحِبَكَ حَتَّى تُغْضِبَهُ، إِلَّا أَحَدُ مَعْنَيَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ لَا تُمَارَهِ بِبَاطِلٍ حَتَّى تُغْضِبَهُ، فَذَلِكَ مَا لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ نَهَى عَنِ الْمِرَاءِ بِالْبَاطِلِ فِي كُلَّ حَالً مُحْرِمًا كَانَ الْمُمَارِي أَوْ مُحِلًّا، فَلَا وَجْهَ لِخُصُوصِ حَالِ الْإِحْرَامِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ لِاسْتِوَاءِ حَالِ الْإِحْرَامِ وَالْإِحْلَالِ فِي نَهْيِ اللَّهِ عَنْهُ، أَوْ يَكُونُ أَرَادَ: لَا تُمَارِهِ بِالْحَقِّ، وَذَلِكَ أَيْضًا مَا لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ رَأَى رَجُلًا يَرُومُ فَاحِشَةً كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِرَاءَهُ فِي دَفْعِهِ عَنْهَا، أَوْ رَآهُ يُحَاوِلُ ظُلْمَهُ وَالذَّهَابَ مِنْهُ بِحَقٍّ لَهُ قَدْ غَصَبَهُ عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ مِرَاؤُهُ فِيهِ وَجِدَالُهُ حَتَّى يَتَخَلَّصَهُ مِنْهُ، وَالْجِدَالُ وَالْمِرَاءُ لَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ إِلَّا مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا مِنْ قِبَلِ ظُلْمٍ، وَإِمَّا مِنْ قِبَلِ حَقٍّ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ فِعْلُهُ بِحَالٍ، وَمَنِ الْوَجْهِ الْآخَرِ غَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُهُ بِحَالٍ، فَأَيُّ وُجُوهِهِ الَّتِي خَصَّ بِالنَّهْيِ عَنْهُ حَالَ الْإِحْرَامِ؟! وَكَذَلِكَ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مِنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى السِّبَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ عَنْ سِبَابِ بَعْضٍ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي كُلِّ حَالٍ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمٌ عَنْ سَبِّ الْمُسْلِمِ مَنْهِيًّا فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِ، مُحْرِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ، فَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ: لَا تَسُبَّهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إِذَا أَحْرَمْتَ، وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} بِمَعْنَى النَّفْيِ عَنِ الْحَجِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِهِ جِدَالٌ، وَمِرَاءٌ دُونَ النَّهْيِ عَنْ جِدَالِ النَّاسِ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَعْنِيهِمْ مِنَ الْأُمُورِ، أَوْ لَا يَعْنِيهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقِ اسْتَحَقَّ مِنَ اللَّهِ الْكَرَامَةَ مَا وَصَفَ أَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِحَجَّةٍ تَارِكًا لِلَّرَفَثِ، وَالْفُسُوقِ اللَّذَيْنِ نَهَى اللَّهُ الْحَاجَّ عَنْهُمَا فِي حَجِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِمَا الْجِدَالَ، فَلَوْ كَانَ الْجِدَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} مِمَّا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، عَلَى نَحْوِ الَّذِي تَأَوَّلَ ذَلِكَ مَنْ تَأَوَّلَهُ مِنْ أَنَّهُ الْمِرَاءُ، وَالْخُصُومَاتُ ، أَوِ السِّبَابُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخُصَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ يَسَتَحِقَّهَا الْحَاجُّ الَّذِي وَصَفَ أَمْرَهُ بِاجْتِنَابِ خُلَّتَيْنِ مِمَّا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَجِّهِ دُونَ الثَّالِثَةِ الَّتِي هِيَ مَقْرُونَةٌ بِهِمَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْنَى الثَّالِثَةِ مُخَالِفًا مَعْنَى صَاحِبَتَيْهَا فِي أَنَّهَا خَبَرٌ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْنَا، وَأَنَّ الْأُخْرَيَيْنِ بِمَعْنَى النَّهْيِ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مُجْتَنِبَهُمَا فِي حَجِّهِ مُسْتَوْجِبٌ مَا وَصَفَ مِنْ إِكْرَامِ اللَّهِ إِيَّاهُ مِمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ مُكْرِمُهُ بِهِ إِذَا كَانَتَا بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَكَانَ الْمُنْتَهِي عَنْهُمَا لِلَّهِ مُطِيعًا بِانْتِهَائِهِ عَنْهُمَا، تَرْكُ ذِكْرِ الثَّالِثَةِ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَاهُمَا، وَكَانَتْ مُخَالَفَةُ سَبِيلِهَا سَبِيلَهُمَا..
{وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمُهُ اللَّهُ} افْعَلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فِي حَجِّكُمْ مِنْ إِتْمَامِ مَنَاسِكَكُمْ فِيهِ، وَأَدَاءِ فَرْضِكُمُ الْوَاجِبِ عَلَيْكُمْ فِي إِحْرَامِكُمْ، وَتَجَنُّبِ مَا أَمَرْتُكُمْ بِتَجَنُّبِهِ مِنَ الرَّفَثِ، وَالْفُسُوقِ فِي حَجِّكُمْ لِتَسْتَوْجِبُو ا بِهِ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، فَإِنَّكُمْ مَهْمَا تَفْعَلُوا مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ خَيْرٍ وَعَمِلَ صَالِحٍ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي وَطَلَبَ ثَوَابِي، فَأَنَا بِهِ عَالِمٌ وَلِجَمِيعِهِ مُحْصٍ حَتَّى أُوَفِّيَكُمْ أَجْرَهُ، وَأُجَازِيَكُمْ عَلَيْهِ، فَإِنِّي لَا تَخْفَى عَلَيَّ خَافِيَةٌ وَلَا يَنْكَتِمُ عَنِّي مَا أَرَدْتُمْ بِأَعْمَالِكُمْ ، لِأَنِّي مُطَّلِعٌ عَلَى سَرَائِرِكُمْ وَعَالِمٌ بِضَمَائِرِ نُفُوسِكُمْ..
{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} وَتَزَوَّدُوا مِنْ أَقْوَاتِكُمْ مَا فِيهِ بَلَاغُكُمْ إِلَى أَدَاءِ فَرْضِ رَبِّكُمْ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ وَمَنَاسِكِكُمْ ، فَإِنَّهُ لَا بِرَّ لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي تَرْكِكُمُ التَّزَوُّدَ لِأَنْفُسِكُمْ وَمَسْأَلَتِكُم ُ النَّاسَ وَلَا فِي تَضْيِيعِ أَقْوَاتِكُمْ وَإِفْسَادِهَا، وَلَكِنَّ الْبِرَّ فِي تَقْوَى رَبِّكُمْ بِاجْتِنَابِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِي سَفَرِكُمْ لِحَجِّكُمْ وَفِعْلِ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ خَيْرُ التَّزَوُّدِ، فَمِنْهُ تَزَوَّدُوا.. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَحُجُّونَ بِغَيْرِ زَادٍ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَحْرَمَ رَمَى بِمَا مَعَهُ مِنَ الزَّادِ وَاسْتَأْنَفَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَزْوِدَةِ فَأَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَتَزَوَّدُ مِنْهُمْ بِالتَّزَوُّدِ لِسَفَرِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا زَادٍ أَنْ يَحْتَفِظَ بِزَادِهِ فَلَا يَرْمِي بِهِ.. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا وَمَعَهُمْ أَزْوِدَةٌ رَمَوْا بِهَا وَاسْتَأْنَفُوا زَادًا آخَرَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَتَزَوَّدُوا الْكَعْكَ، وَالدَّقِيقَ، وَالسَّوِيقَ..
{وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة: 197] وَاتَّقُونِ يَا أَهْلَ الْعُقُولِ، وَالْأَفْهَامِ بِأَدَاءِ فَرَائِضِي عَلَيْكُمُ الَّتِي أَوْجَبْتُهَا عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ، وَمَنَاسِكِكُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دِينِي الَّذِي شَرَعْتُهُ لَكُمْ، وَخَافُوا عِقَابِي بِاجْتِنَابِ مَحَارِمِي الَّتِي حَرَّمْتُهَا عَلَيْكُمْ؛ تَنْجُوا بِذَلِكَ مِمَّا تَخَافُونَ مِنْ غَضَبِي عَلَيْكُمْ، وَعِقَابِي، وَتُدْرِكُوا مَا تَطْلُبُونَ مِنَ الْفَوْزِ بِجَنَّاتِي.. وَخَصَّ جَلَّ ذِكْرُهُ بِالْخِطَابِ بِذَلِكَ أُولِي الْأَلْبَابِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَأَهْلُ الْفِكْرِ الصَّحِيحِ وَالْمَعْرِفَةِ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي بِالْعُقُولِ تُدْرَكُ وَبْالْأَلْبَاب ِ تُفْهَمُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ فِي الْخِطَابِ بِذَلِكَ حَظًّا، إِذْ كَانُوا أَشْبَاحًا كَالْأَنْعَامِ، وَصِوَرًا كَالْبَهَائِمِ، بَلْ هُمْ مِنْهَا أَضَلُّ سَبِيلًا.. وَالْأَلْبَابُ: جَمْعُ لُبٍّ، وَهُوَ الْعَقْلُ.
بورك فيكم
===============
داعية الشرك [ محمد علوي مالكي الصوفي ]