أسباب اختلاف الفقهاء عند الإمام ابن رشد
السبب الثاني عشر
الاختلاف في التعارض والترجيح
تعارض الأدلة معناه تقابلها على سبيل الممانعة، أما الترجيح فهو تقوية أحد الطرفين على الآخر، فيعلم الأقوى فيعمل به ويطرح الآخر.
وللترجيح شروط:
الأول : التساوي في الثبوت، فلا تعارض بين الكتاب وخبر الواحد إلا من حيث الدلالة.
الثاني : التساوي في القوة، فلا تعارض بين المتواتر والآحاد، بل يقدم المتواتر بالاتفاق.
الثالث : اتفاقهما في الحكم مع اتحاد الوقت والمحل والجهة، فلا تعارض بين النهي عن البيع وقت النداء للجمعة، مع الإذن به في غيره.
وإذا تعارض دليلان فأكثر، ففي ذلك ثلاثة طرق :
الأول : العمل بهما، وذلك بالجمع بينهما على قدر الإمكان ولو من وجه واحد، وهذا أولى الطرق؛ لأنه ليس فيه ترجيح لأحدهما.
الثاني : ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح.
الثالث : نسخ أحدهما بالآخر، بشرط معرفة المتقدم من المتأخر منهما.
فإذا عجز عن الجمع والترجيح، تساقط الدليلان، ووجب التوقف أو تقليد مجتهد آخر عثر على الترجيح.
وإذا تبين هذا، فلا يخلو أن يكون الدليلان المتعارضان قطعيين، أو ظنيين، أو أحدهما قطعي والآخر ظني:
الأول : فإن كانا قطعيين، كالنصوص المتواترة، فللمجتهد حالتان :
الجمع بينهما إن أمكن، والنسخ إن علم التاريخ.
الثاني : وإن كانا ظنيين، كالظواهر، والعمومات، ونصوص أخبار الآحاد، فلها ثلاثة أحوال:
الجمع إن أمكن، والنسخ إن علم التاريخ، والترجيح.
الثالث : وإن كان أحدهما قطعياً والآخر ظنياً، فإن جهل التاريخ تعين المعلوم، وإن تأخر المعلوم نسخ المظنون، وإن تأخر المظنون لم ينسخ المعلوم.
والتعارض يقع بين الكتاب والسنة والإجماع والقياس حسب ما يلي :
الأول : يقع بين الكتاب والكتاب، وبين الكتاب والسنة، وبين الكتاب والإجماع، وبين الكتاب والقياس.
الثاني : ويقع بين السنة والسنة، وبين السنة والإجماع، وبين السنة والقياس.
الثالث : ويقع بين الإجماع والإجماع، وبين الإجماع والقياس، وبين القياس والقياس.
هذا ونشير إلى أن التعارض بين الأدلة من أكثر أسباب الخلاف بين الفقهاء، كما يظهر من خلال عدد المسائل التي جمعها ابن رشد في كتابه، وقد شكلت قرابة نصف المسائل المعروضة.
المصدر :
(الجامع المفيد في أسباب اختلاف الفقهاء عندالإمام ابن رشد الحفيد - ص ٤١٥ - ٤١٧)
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
* * * * *