قال شيخ الإسلام 7/219 (وَلِهَذَا فَرَضَ مُتَأَخِّرُو الْفُقَهَاءِ مَسْأَلَةً يَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فَدُعِيَ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثًا مَعَ تَهْدِيدِهِ بِالْقَتْلِ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى قُتِلَ هَلْ يَمُوتُ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : وَهَذَا الْفَرْضُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَهَا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُعَاقِبُهُ عَلَى تَرْكِهَا وَيَصْبِرُ عَلَى الْقَتْلِ وَلَا يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَهُ فِي ذَلِكَ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ بَشَرٌ قَطُّ بَلْ وَلَا يُضْرَبُ أَحَدٌ مِمَّنْ يُقِرُّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ إلَّا صَلَّى لَا يَنْتَهِي الْأَمْرُ بِهِ إلَى الْقَتْلِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ إلَّا لِأَمْرِ عَظِيمٍ مِثْلَ لُزُومِهِ لِدِينِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ إنْ فَارَقَهُ هَلَكَ فَيَصْبِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْتَلَ وَسَوَاءٌ كَانَ الدِّينُ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَمَّا مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْفِعْلَ يَجِبُ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَلَا يَكُونُ فِعْلُ الصَّلَاةِ أَصْعَبَ عَلَيْهِ مِنْ احْتِمَالِ الْقَتْلِ قَطُّ ).
وقال أيضاً 22/48 : (وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهَا مَعَ إصْرَارِهِ عَلَى تَرْكِ : فَقَدْ ذَكَرَ عَلَيْهِ الْمُفَرِّعُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ فُرُوعًا أَحَدُهَا هَذَا ، فَقِيلَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ : مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَإِذَا صَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ فَهَلْ يُقْتَلُ كَافِرًا مُرْتَدًّا ، أَوْ فَاسِقًا كَفُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورِينَ . حُكِيَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد ، وَهَذِهِ الْفُرُوعُ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ ، وَهِيَ فُرُوعٌ فَاسِدَةٌ ، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالصَّلَاةِ فِي الْبَاطِنِ ، مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهَا ، يَمْتَنِعُ أَنْ يُصِرَّ عَلَى تَرْكِهَا حَتَّى يُقْتَلَ ، وَهُوَ لَا يُصَلِّي هَذَا لَا يُعْرَفُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَعَادَتِهِمْ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ هَذَا قَطُّ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا ، وَيُقَالُ لَا إنْ لَمْ تُصَلِّ وَإِلَّا قَتَلْنَاك ، وَهُوَ يُصِرُّ عَلَى تَرْكِهَا ، مَعَ إقْرَارِهِ بِالْوُجُوبِ ، فَهَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ في الْإِسْلَامِ . وَمَتَى امْتَنَعَ الرَّجُلُ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يُقْتَلَ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَاطِنِ مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا ، وَلَا مُلْتَزِمًا بِفِعْلِهَا ، وَهَذَا كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، كَمَا اسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ بِكُفْرِ هَذَا ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ ).
وقال أيضاً 7/616: (فَهَذَا الْمَوْضِعُ يَنْبَغِي تَدَبُّرُهُ فَمَنْ عَرَفَ ارْتِبَاطَ الظَّاهِرِ بِالْبَاطِنِ زَالَتْ عَنْهُ الشُّبْهَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْفِعْلِ لَا يُقْتَلُ أَوْ يُقْتَلُ مَعَ إسْلَامِهِ ؛ فَإِنَّهُ دَخَلَتْ عَلَيْهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة وَاَلَّتِي دَخَلَتْ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ لَا يَكُونُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْفِعْلِ.))
وهنا تنبيهات:
1-أن بعض الفقهاء مرجعه في مسألة عدم قتله في هذه المسألة إلى كون العمل خارج عن الإيمان
قال شيخ الإسلام: (وَلِهَذَا كَانَ الْمُمْتَنِعُون َ مِنْ قَتْلِ هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ بَنَوْهُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ " وَأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ).
2-أن بعض الفقهاء من أهل السنة قالوا بأنه يقتل مسلماً كما حكاه شيخ الإسلام فقال"فَقِيلَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ : مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَإِذَا صَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ فَهَلْ يُقْتَلُ كَافِرًا مُرْتَدًّا ، أَوْ فَاسِقًا كَفُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورِينَ . حُكِيَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد ، وَهَذِهِ الْفُرُوعُ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ ، وَهِيَ فُرُوعٌ فَاسِدَةٌ".
3- أن بعض أهل السنة أيضاً قالوا أنه لا يقتل قال ابن عبد البر في التمهيد: (1/240): (وفي هذه المسألة قول ثالث قاله ابن شهاب، رواه شعيب بن أبي حمزة عنه، قال: إذا ترك الرجل الصلاة، فإن كان إنما تركها، لأنه ابتدع ديناً غير الإسلام قتل، وإن كان إنما هو فاسق، فإنه يضرب ضرباً مبرحاً، ويسجن حتى يرجع، قال: والذي يفطر في رمضان كذلك قال أبو جعفر الطحاوي: وهو قولنا، وإليه يذهب جماعة من سلف الأمة من أهل الحجاز والعراق (قال أبو عمر): بهذا يقول داود بن علي، وهو قول أبي حنيفة في تارك الصلاة أنه يسجن ويضرب ولا يقتل، وابن شهاب القائل ما ذكرنا، هو القائل أيضاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» كان ذلك في أول الإسلام، ثم نزلت الفرائض بعد، وقوله هذا يدل على أن الإيمان عنده قول وعمل والله أعلم، وهو قول الطائفتين اللتين ذكرنا قولهم قبل ابن شهاب، كلهم يقولون الإيمان قول وعمل...... الخ كلام ابن عبد البر) وقال ابن القيم في كتابه تارك الصلاة ص(11): (وقال ابن شهاب الزهري وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة وداود بن علي والمزني: يحبس حتى يموت أو يتوب ولا يقتل)ا.هـ [ط. دار العقيدة الإسكندرية].
4-هناك خل في الاستنباط في فهم كلام شيخ الإسلام عند البعض فيفهم أنه قال عمن امتنع من الفقهاء من قتل من أقر بالوجوب وامتنع من الفعل أنه دخلته شبهة الإرجاء، وهذا لم يقله شيخ الإسلام وكيف يتسنى لشيخ الإسلام أن يتهم الشافعي ومالكاً والزهري وأحمد في رواية وسعيد ابن المسيب وغيرهم من فقهاء الإسلام بالإرجاء، والله لو قالها شيخ الإسلام لكان كلامه أولى بالرد والطرح فتأمل ما قاله ابن تيمية حيث يقول: (دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة لا يكون بها شيء من الفعل) ففرق بين [شبهة الإرجاء] وبين [الشبهة التي دخلت عليهم في إمكان وجود القدرة والإرادة التامتين مع الامتناع] وهذه ليست مسألة في بطلانها كمسألة الإرجاء التي يردها الأئمة مع أنه ليس كل من بنى عدم قتله يبني ذلك على أن العمل ليس من الإيمان كما ذكرنا فهذه مسألة عقلية أعني بها مسألة وجود القدرة والإرادة التامتين مع امتناع الفعل أما الإرجاء فبدعة ضلالة ظاهرة للعلماء وطلاب العلم ولو قيل عن الشافعي ومالك وكذا غيرهما من الأئمة أنه خفيت عليهم مسألة عقلية فمحتمل أما أن يتهم بأنه عنده شبهة المرجئة فهذا من أعظم سوء الأدب وعدم الإنصاف للأئمة ونحن بين أن نحمل كلام شيخ الإسلام على اتهام الأئمة بالإرجاء وبين أن نحمله على المعنى الذي ذكرته وهو ظاهر كلامه وهو رحمه الله لم يشر مرة من قريب أو بعيد لاتهام الأئمة الكبار بشبهة الإرجاء، _مع ما ذكرنا من خطأ بعض الفقهاء الممتنعين عن قتل الممتنع أنه مبني على القول بأن الأعمال ليست من الإيمان_، وعلى نفس الطريقة هل يجوز أن نقول أن من لم يكفر تارك الصلاة الممتنع أو لم يقتله قد دخلته شبهة التجهم لأن ابن تيمية يقول: (دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية) وهل سيصل الحال إلى هذا الحد أن نجد من يتهم أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد – في رواية- والزهري وعمر بن عبد العزيز، بل وسعيد بن المسيب بأنهم جهمية لأنهم لا يكفرون ولا يقتلون تارك الصلاة كما نقله ابن القيم عنهم، سبحانك هذا بهتان عظيم.
منقول