5650-7elm3aber.jpg
أرسم ظلك على غيم الشتاء
أدب الرسائل
أيتها الغائبة: كيف أحدثكم وانتم لغتى التى تستقبل الألام وترسلها فى هذا الفضاء العريض ، كيف أنصب من ذكراكم مأتما،وانتم زهرة الحياة التى تفيض منها ترانيم الفرح ، كيف احكى لكم ،وانتم كل حكاياتى ، كيف تفيض منكم دمعة ولا اغرق فيها


ايتها الغائبة ،لعلك تسألين ما يجمعنا ، أهو جمال الشكل والصورة ،أم حياة المادة والشهوات ،ولعلك ترين هؤلا الذين يتجمعون كالذباب ، على معنى من هذه المعانى أترين ذلك الشاعر العجيب الذى لايرى فى ملهمته إلا الخدود المصقولة ،والمعانى الحسية الكثيفة ، أترينه كيف يتغزل فى تمثال من اللحم والدم ،وكيف يسبك سبيكة النغم ليعلقها فى رفات بالى ،إنى اتعجب من قساوة لفظه وبصيرته،فأما المعنى الذى يجن منه الشاعر ويموت فلست منه فى شئ

لأننى ارى الجمال فيك على وجه اخر ،يخرج ينبوعه من داخلك ؟، فيرمى الازهار على حديقة وجهك ،ولا أرى فيك الا برعم الجمال الابدى ، الذى لايهتدى اليه الضالون فى صحراء كأنما صيغت من عتمة الليل ، التى يدنسها الخوف من كل جانب ،

وفى جانب اخر قوم يجمعهم المال ،ولايؤمنون ألا بالعيشة الناعمة الفارهة ،وهو داء النسوة ولاشك، فأنهم لرقتهم يخدعهم لين الحياة، كأن الحياة ما كانت إلالإتراف هذ الجسد الفانى ،وفى الرجال من هو ذئب المال ،سعادته مخزونة فى ورق العملة ، فلا يرى الحياة إلا بمنظار درهم أو دينار ،ومحراب صلاته البنك الاهلى،ودينه منفعته ،ومنفعته زخرف بائد ، أرأيت هذه الحيوانية البائسة فى هذا الصنف ، أيمكن ان يجمعنا شئ من هذا أو ذاك ، أما انا فعاطل من كل هذه الزينة ، وليس لى من دنياى إلا فكرة خلاصى ،ومبدء حملته فى صغرى فلا يموت إلا بى ،


أيتها الغائبة : لاازعم لك أننى نبى الانسانية ،ومفتاح الرحمة الالهية، إنما انا سائح يطلب الحقيقة ، ومهتدى تضربه الافات من كل جانب ،ومخدوع استهواه تمثال حورية من الشمع ، فلما دبت فيها الحياة قتلتنى ، ومضت تهرول فى شحوب الحياة الكبير ، وعدتها فى الخديعة نقاب أجوف ، كأنما اتخذته لتخفى به بشاعة وجهها الجميل ،

وكنت ادعوها اذا حل المساء

بالتقية وجه عذراء الجليل


تاهت دموعى فى مجاهلها القصية

لم الق غير الحزن فى قدرى دليل

ايتها الغائبة : لست إلا كتابا مفتوحا تقرأينه متى تشائين


لكن من علمك الصمت ، أهو الحزن ،أم الغربة القاتمه وليكن صمتك مايكون ، فلم يأسرنى لك إلا لغة الدم التى بها تكتبين ، وإنهم ليقولون لى كيف يأسرك الوهم الذى لم تراه وأقول لهم :وهل الرؤية شرط فى المحبة ألا تدل الصنعة على الصانع ، والكلمة على القائل ، وهل الحب إلا عاطفة الروح واستشفاف الضمير

أبتها الغائبه : انا لا املك مفاتيح الغيب لأفتح قلبك لكلماتى العاجزة ،ولكن حسبك أنى افتش عنك فى كل الوجوه الغائبة وأرسم ظلك على غيم الشتاء ،ورذاذ المطر ،وانبثاقات الفجر الدامى بعد ليلى الطويل ،ان قلمى المرتجف يريد ان يرمى لك بكل ما عنده ، يريد ان يبوح بكل شئ ، وأقول له تمهل …ولكنه يلتوى على ويأبى إلا ان يقول ، فأعالجه مرة هكذا ومرة هكذا

وأقول له يا صاحبى ..انها غائبه ، وقلبها غائب ، وصوتها أغيب افانتظر ومازلنا فى حبال الوقت يمضغنا الليل والنهار .. والغائبة لاتجئ ولاتجئ

فلبى هو الذهب الكريم … فلا يفارقه رنينه


قلبى هو الالماس يعرف… من أشعته ثمينه
قلبى يحب وإنما اخلاقه فيه ودينه


انور الزعيرى