قالَ المَرْعَشِيُّ في تَقْدِمَةِ تَرْتِيبِ العُلُومِ:
(( اعْلَمُوا ... أَنَّهُ كَانَ يُوجَدُ فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنَ القُرُونِ الماضِيةِ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ طائِفَةٌ مِنَ العُلَماءِ المُؤلِّفِينَ والأعْلامِ المُحَقِّقِينَ، وخَلا الآنَ مَِنْ أمْثالِهِمْ الجَوانِبُ، وخَلَفَ الأُسُودَ في غَابَاتِهَا الأَرَانِبُ، أتَرَوْنَ أَنَّ ذَا مِنْ خَوَاصِّ الأَزْمِنَةِ وَغَلَبَةِ البَلادَةِ عَلى طِبَاعِ أوَاخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ، بَلْ المَنْقُولُ مِنْ سِيَرِهِمْ والمُتَبَادَرُ مَنْ كَلِمَاتِهِمْ فِي مُؤَلَّفَاتِهِم ْ أَنَّهُمْ تَنَاوَلُوا مُتُونَ الفنونِ المُْعْتَبَرَةِ وَهِيَ مَسَائِلُهَا الْمَشْهُورَةُ ... فَسَالَ إِلَى تَجَاوِيفَ صُدُورِهِمْ مِنْ كُلِّ فَنٍّ جَدْوَلٌ، فَصَارَ مُلْتَقَى الْجَدَاولِ بَحَراً، وَمَا زَالُوا يَزِيدُونَ إِلَى الفُنُونِ فَوَائِدَ، فَأَنْشَأُوا شُرُوحًا لَهَا وَأَدْرَجُوا تِلْكَ الفَوَائِدَ، وَمُتُوناً طَوِيلَةً وَجَعَلُوا لِلشُرُوحِ حَوَاشِيَ دَقِيقَةً، حَتَّى صَارَ لِبَعْضِ المُتُونِ حَاشِيةً عَلَى حَاشِيةٍ عَلَى شَرْحِهِ، ونَظَمَ أَصْحَابُهُمْ كَثِيراً مِنْ تِلْكَ الُمُتُونِ وَالشُرُوحِ والحَوَاشِيَ فِي سِلْكِ المُذَاكَرَةِ، فَثَقُلَ الحِمْلُ وَطَالَتِ المَسَافَةُ حِينَ قَلَّ الزَادُ وَهََزُلَتِ الرَاحِلَةُ، فَآلَ أَمْرُ الطَلَبَةِ إِلَى أَنْ تَرَكُوا بَعْضَ الفُنُونِ المُعْتَبَرَةِ رَأْسًا وَمِنْ بَعْضِهِاَ ثُلُثًا أَوْ نِصْفًا، وَالبَاقِي يُرِيدُونَ تَنَاوُلَهُ أَوَّلاً مَعَ الشُرُوحِ والحَوَاشِيَ، فَلا تَفْرَغُ أَذْهَانُهُمْ مِنْ تَخَيُّلِ المَبَاحِثِ المُتَشَعِِّبَة ِ والاحْتِمَالاتِ المُشَتَّتَةِ والأقْوَالِ المُضْطَرِبَةِ لِفَهْمِ المَسَائِلِ المَشْهُورَةِ وَجَمْعِهَا فِي الخِزَانَةِ، وَهَذا خِلافُ مَا عَلِيْهِ السَّلَفُ )).